الاجتهاد: صدر حديثاً عن مؤسسة العروة الوثقى كتاب لسماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد بعنوان: الحوزة العلمية وسؤال التطور والتحرر في ١٨٠ صفحة.
إن الريادة الناجحة(علمية، او اجتماعية، أو دينية) هي التي تتصافح مع العقول وتسلك أقرب السبل إلى الفهم العام، لأن سيكلوجية الجماهير المستهدفة لهذه الريادات ترتكز اليوم على المراقبة والمساءلة وتبني متابعتها وطواعيتها على نتائج ذلك! كما يستفزها كثيرا الصمت و الغموض في مراكز الريادة..
ومن هنا تقبلنا هذه الإضمامة من الأسئلة في الشأن الخاص والعام بالحوزة العلمية كمجلى من مجالي الريادة، مع سابق علمنا بأننا لن نستوعب كل ذي أهمية من الأسئلة، لذا سيبقى جزء من مساحة الغموض دون اقتحام وحتى إشعار تالٍ وعمل ثانٍ وربما مع متحدث آخر
جيولوجيا كتاب الحوزة العلمية وسؤال التطور والتحرر .. بقلم: حسن علي الأحسائي
نافذة على العنوان:
ساهمة مصطلحات العلوم الطبيعية عبر الإرتحال إلى حقول العلوم الإنسانية، في تعميق عملية التنقيب عن المعارف المسهمة في صناعة الفكر وبناء الحاضر وإستشراف المستقبل ، والجولوجيا الذي هو علم التنقيب في طبقات الأرض وتضاريسها بحثا” عن الكنوز، نضيفه هنا الى عنوان الكتاب لنحفر في طبقات تكوين الكتاب وما هي تضاريس الكتاب، وننفذ عبر الحفر لنستكشف بعضا” من أفق المؤلف سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد ..
تضاريس كتاب الحوزة وسؤال التطور والتحرر.:
عند المسح الجيولوجي لسطح الكتاب يتم ملاحظة أنه مجموعة تساؤلات ومحاولة تقديم إجابات ناجحة ومتوازنة ومتفائلة، عبر عدة محطات ووقفات ..
ولكن عند الحفر في جيونص الكتاب، وما يمكن إستكشافه من تلك الإجابات الدقيقة، يلاحظ أن الإجابات تتوجه ليس لخصوص السائل بل هناك جهات عدة توجه لها المؤلف في عملية صياغة إحترافية ، وهم على اصناف:
1⃣ _ صنف الطلبة المبتدئين الذين لا زالوا في مفتتح الدراسة الحوزوية.
2⃣ _ صنف الفضلاء الذين قطعوا أشواطا” كبيرة في سير الدراسة ويتأمل منهم أن يكون أصحاب همم عالية في تقديم الإنجازات التي تسجل للحوزة العلمية.
3⃣ _ صنف المؤمنين بأهمية الحوزة وأدوارها التاريخية والمعرفية في البناءات الهرمية للهوية والصيانة الفكرية ومن ثم الإسهامات الحضارية.
4⃣ _ الناقدين للحوزة ورجالاتها المتسائلين في ذات الوقت عن مدى قدرة الحوزة وأقطابها على صناعة لقاح معرفي تنضج به المعارف وإنتاج مقاربات فكرية بمستوى المرحلة.
5⃣ _ التائهين في أودية الفكر الحوزوي ولا يعلمون أن منعطفات الطريق كيف هي، و أنه كم زلت الأقدام لمن لا يحسن السير على الدرب لبلوغ قمم الجبال.
المؤلف و أداة التنقيب :
تكشف تضاريس الكتاب عن أن المؤلف خبير جيـوبوليتيكي بالحوزة من جهة، و في ذات الوقت يتملك خبرة باللغة التواصلية، وفنون ومهارات التواصل العصرية..
وهذه أحد أهم المفاتيح وأدوات الحفر التنقيبي في علم أصول الفقه .. وهي ( العقلائية ).
جملة وافرة من الإجابات التي عالج بها المؤلف التساؤلات هي إجابات عقلائية ذات محتوى عقلي عميق ومحكم، وهذا يكشف عن إشتغالات المؤلف العميقة ببحوث الحكمتين النظرية والعملية…
توصيف عام :
يمتلك مؤلف الكتاب ذهنية ذكاء متوقد وعملانية ، حيث أن الأفق الفكري والمعرفي الذي يحمله يتسم بطابع المشاريعة، فالأشياء البسيطة بين يديه يمكنه تحويلها إلى مشاريع فكرية كبيرة..
فبين يدي القارئ الحصيف نماذج متنوعة هذا الكتاب أحدهما، وجواهر الكلم ثانيهما ، وديني ماذا يعرف عني ثالثهما..
و عندما يتم تجريد الكتاب من التساؤلات الموجودة فيه وإعادة هندسته، فيمكن القول بأنه ورقة عمل بحثية لمؤتمر دولي يعنى بالحوزة العلمية ويضم نخب فكرية وأكاديمية وعلمية مرموقة ..
ومن دون الإضاءة على محطات في الكتاب يمكن للقارئ البصير الوقوف عليها ، يلاحظ :
أن الكتاب تواشجة وتعالقت وتعانقت فيه مقاربات من ثلاثة حقول معرفية مهمة متناثرة في ثنايا الكتاب :
1_ الحقل الفكري المعرفي..
2_ الحقل التربوي.
3_ الحقل النفسي..
يزاوج المؤلف الشيخ عبد الجليل البن سعد، فيما قدمه من رؤى فكرية وإستقصاءات معرفية العملية التربوية بالتحليل النفسي في ذات الوقت.. وهذه أحد أهم سمات أصحاب المشاريع النهضوية الإصلاحية والفكرية الجادة..
توصية:
الكتاب يعبر عن دراسة علمية متقنة عالية الدقة ، يستحق أن تعقد له ندوات ومداولته بين ذوي العقول الفاحصة عن كنوز الفكر ونماذج الرقي الحوزوي ..
تعليق الكاتب “زاهر العبدالله” على كتاب الشيخ عبد الجليل البن سعد
قرأت كتاب استاذنا القدير الشيخ عبد الجليل البن سعد ( الحوزة العلمية وسؤال التطور والتحرر) فلم يبارح يدي منذوا البارحة إلى اليوم وانهيته ولمست به عدة أمور احب ان أضعها بين يدي القارئ
1-الروح الإستعابية والمتوازنة التي ألقت بظلالها في مستوى الأجابات الدقيقة الملامسة لروح نهم السؤال عند شباب اليوم
2-النظرة المتزنة والموضوعية للحوزات العلمية بحيث ذكر مناطق الخلل والسعي في بناءها مقترحات تبث فيها روح التجديد بضفتية الأصيل والحديث دون أغفال النقد الجائر وغير العادل في حق نتاج الحوزات العلمية ليقف المتابع أمام الوجاههة والواجهة على حد سواء فلا يعاند على ما وصل إليه من تجارب شخصية
ولا يتراجع كلياً لما وصل إليه بل يرجع لنقطة التوازن بين البناء والهدم فيكون في موقع التماهي مع جوهر الهدفين هدف المثقف وهدف طالب العلم فيضع يده بيده لأجل البناء ولكن وفق نظم عقلانية وأكاديمية
3-سعة اطلاع الشيخ الأستاذ في مدركات ومنطلقات السائل مع منظومة معرفية من صنوف العلوم التي تحمل الذكاءات المتعددة من قبيل علم الاجتماع والنفس وما يؤثر عليها من ايدلوجيات سليمة في جوانبها الأصيلة وتصحيح في بعض مساراتها الدخيلة المتأثرة بضربات النقد والمعّيرة بالرجعية فيضع السائل أمام نقد للذات وبين ثقة النفس في الطرح الصحيح والسليم فلا يجد نفسه إلا وأصبح في دائرة التسليم
4-سيرة الاعلام في المذهب سواء الأموات منهم والأحياء وجعلهم مشاعل نور لما بذلوه من جهود جبارة في تطور الفكر البشري ومقارنته مع المفكرين الأجانب بشكل متوازن فلكل له فضل في تقدم الفكر وجعلها في سلة تلاقح جميل يدلل على أن الفكر الشيعي لا يستنكف أن يستفيد من العلوم أياً كان مشربها لبناء الفكر البشري
بل وقدم أسماء من أمثال الشهيد الصدر الذي طوّر مفهوما جديداً في نظرية المعرفه وامثاله من أعلامنا الكبار كما تطرق إلى أحد اوحديات القرن الحالي الأمام السيد علي السيستاني مد الله في عمره وكيف تموضوع في حقول العلم الحوزوي المعارف العالية اليوم بشكل يلفت النظر للباحث والمحقق
5-التحرر من قيود الجفاف العلمي في العلاقات الأنسانية وترتطيب شفاه النقد بين طالب العلم المحصل والجاد وبين الشباب الواعي والمثقف بأحترام عالي في تلقي أسئلته واعطاءه مساحة من الأهتمام ليرضي فضول وغرور السؤال عنده
6-لغة العلوم الحديثة من السيميائيات والالسنيات والفلسفة وعلم الكلام وظفت من خلال ذكر أربابها في كلام الشيخ بطريقة فنية لتصبح لغة تلاقحية في أطر موضوعية مع الحفاظ على الجذور الأصيلة للقيم الإسلامية والمذهبية ومناطق تقاطع منصفه بعيدة عن التعصب والميل الغير مبرر.
7-سؤال الذات في شخصية الأستاذ أخذ بعداً رفيع في التواضع ونكران الذات بلغة بعيدة عن الأنا السلبية التي تكون النفس فيها محوراً بل بلغة تحمل في طياتها من عرف نفسه فقد عرف ربه
8-ختاماً استفدت من هذه الأسئلة الغنية بالمعارف العلمية والمطالب المعرفية أنه لو هناك فارس يواكب موجات التشكيك في الساحة الإسلامية ويتصدى لمواجه الفكر المنظم والمقصود وغير المقصود من قبل بعض شبابنا حتى أصبحت ظاهرة الألحاد والربوبيين ولا ادرية وأصحاب نظرية المعرفة والعلمانية وغيرهم من التوجهات فسيكون الشيخ الأستاذ على قائمة المتصدرين وليته يفعل ذلك كما هو فعلاً متصدي لبعضها