الاجتهاد: سند زيارة الأربعين *: روى الشيخ “قدس سره” (1) في التهذيب والمصباح قائلاً: أخبرنا جماعة من أصحابنا عن أبي محمد هارون بن موسی بن أحمد التلعکبري، قال حدثنا محمد بن علي بن معمر، قال حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال عن سعدان بن مسلم عن صفوان بن مهران الجمال قال: قال لي مولاي الصادق (صلوات الله عليه) في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول: (السّلام عَلَى ولي الله وحبيبه السّلام عَلَى خليل الله ونَجيبه السّلام عَلَى صَفي الله وابن صفيّه السّلام عَلَى الحسين المَظلوم الشّهيد السلام على أسير الكُرُبات وقتيل العَبَرات ..).
وهذه الرواية هي عمدة ما يستدل به على استحباب زيارة الإمام الحسين “عليه السلام” في العشرين من صفر ذكرى مرور أربعين يوما على استشهاده (صلوات الله عليه)، ولا ينبغي الشك في تمامية دلالتها على ذلك، فإنه – مضافاً إلى أن متن الزيارة يكشف بوضوح عن تعلّقها بزيارته عليه السلام – لا ريب في أن عنوان (زيارة الأربعين) إنما يختص بزيارته “عليه السلام” في مناسبة الأربعين في مرتكزات المؤمنين وما هم عليه خلفاً عن سلف.
ولكن وقع الإشكال في تمامية سند هذه الرواية، إلا أنه قد يبني على تماميته من جهة أنه ليس فيه من يتوقف في وثاقته سوى رجلين:
۱- (سعدان بن مسلم) الذي لم يوثق في كتب الرجال، ولكنه من رجال کامل الزیارات(2) ومن مشايخ ابن أبي عمير(3)، فيمكن البناء على وثاقته وفق المسلكين المعروفين فيهما، والمختار تمامية المسلك الثاني دون الأول.
۲- محمد بن علي بن معمر، فإنه لم يوثق في كتب الرجال أيضا، ولكن الملاحظ أن ابن نديم ذكره في فهرسته (4) بعنوان ( أبوالحسين … بن معمر الكوفي) في عداد فقهاء الشيعة ومحدثيهم وعلمائهم، فيعرف أنه كان من المشاهير في عصره، وحيث لم يرد فيه طعن اقتضى ذلك قبول رواياته.
وأما (علي بن محمد بن مسعدة) فلا يضر عدم ثبوت وثاقته، لأن ابن معمر روى عنه وعن ابن فضال جميعاً، ويكفي وثاقة الثاني.
أقول: إن محمد بن علي بن معمر ممن روى عن حمدان بن المعافی(5) المتوفى سنة 265، وعن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب (6) المتوفى سنة 262، وهما من الطبقة السابعة، وروى عنه الكليني(7) وفرات بن إبراهيم(8) وهما من الطبقة التاسعة، فيتعين أن يكون هو – أي ابن معمر – من الطبقة الثامنة، ولكن يظهر من رواية التلعكبري – وهو من الطبقة العاشرة – أنه طال به العمر حتى أدرکه أصحاب تلك الطبقة أيضا.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الحسن بن علي بن فضال من الطبقة السادسة، ولا يتسنى لابن معمر أن يروي عنه مباشرة، والمظنون قوياً أن حرف العطف (و) في قوله (والحسن بن علي بن فضال) مصحف حرف الجر (عن) كما وقع مثله في عشرات الموارد في كتب الحديث.
وعلى هذا، فإن علي بن محمد بن مسعدة – الذي هو حفيد مسعدة بن صدقة كما يظهر من بعض الأسانيد ويعدّ من الطبقة السابعة لأنه يروي عنه ابن معمر الذي هو الثامنة ووردت روايته عن عبد الرحمن بن أبي نجران الذي هو من السادسة مثل ابن فضال – يكون وسيطاً بين ابن معمر وابن فضال.
وبذلك يظهر أن الإشكال في السند المذكور لا ينحصر في وقوع سعدان وابن معمر فيه ليدفع بما تقدّم، بل من جهة اشتماله على ابن مسعدة أيضا، مضافة إلى أن ما ذكر من أن كون ابن معمر من المشاهير مع عدم ورود الطعن فيه يكفي في قبول روايته إنما يتم على مسلك بعض الأعلام “قدس سرهم” ، وهو غير تام على المختار كما أوضحته في موضع آخر.
اللهم إلا أن يقال إن عدّ ابن معمر من فقهاء الشيعة ومحدثيهم وعلمائهم يكفي في حد ذاته في الاعتماد على روايته، ولكنه محل تأمل.
هذا، ولكن يمكن أن يقال: إنه بالرغم مما ذكر فإنه يمكن تقريب الاعتماد على الرواية المذكورة، لأن ابن معمر وابن مسعدة لم يكونا من أصحاب الكتب وإنما من مشايخ اجازة كتب الآخرين، والملاحظ أن النجاشي (9) عدّ من كتب الحسن بن علي بن فضال (کتاب الزيارات)، والظاهر أن التلعكبري – الذي نص الشيخ (10) على أنه روي جميع الأصول والمصنفات- إنما استخرج رواية صفوان المذكورة من ذلك الكتاب، وحيث أن كتب بني فضال كانت مشهورة معروفة في ذلك العصر – كما عليه شواهد مذكورة في محلها – فلا حاجة في الاعتماد على ما استخرج منها إلى ملاحظة السند إليها.
فالمتجه البناء على تمامية سند الرواية المتقدمة، وإمكان التعويل عليها في البناء على استحباب زيارة الأربعين بعنوانها.
الهوامش
* فوائد رجالية (مخطوط)
(1) تهذیب الاحکام ج:1 ص: 113، مصباح المتهجد ج:۲ ص:788.
(2) کامل الزیارات ص:535.
(3) الكافي ج:۱ ص:178.
(4) فهرست ابن ندیم ص:278
(5) الأمالي للطوسي ص: 630
(6) تهذیب الأحکام ج:۳ ص:66
(7) الكافي ج: 8 ص:18
(8) الأمالي للصدوق ص: 8
(9) رجال النجاشي ص: 36.
(10) رجال الطوسي ص: 449.
المصدر: كتاب ” قبسات من علم الرجال المجلد الثالث – الصفحة 655 . للأستاذ السيد محمد رضا السيستاني
الاستدلال برواية الإمام العسكري(ع) على استحباب زيارة الأربعين