الاجتهاد: منذ ان التقى الامام زين العابدين في كربلاء بالصحابي جابر بن عبد الله الانصاري اصبحت كربلاء قبلة للزوار في يوم العشرين من صفر ـ أربعين الإمام الحسين ـ يؤمها الملايين من المسلمين من الكثير من البلدان العربية والاسلامية ـ اضافة الى العراق.
ليوم الأربعين بعد الوفاة اهمية من قبل اهل الفقيد حيث يقومون بإسداء البِر اليه وَعَد مزاياه في عَقد مجلس تأبيني يدوَن تخليدا لذكره.
والاعتناء بهذه المناسبة عادة عربية ـ اسلامية ترتبط بأهمية العدد (أربعين) وقدسيته. ولم تقتصر هذه المناسبة على الاسلام، فهي عادة قديمة كانت تقام في الديانات الاخرى كالنصرانية واليهودية والحضارات القديمة كالسومرية والبابلية. فالحِداد على الميت أربعين يوما طريقة مألوفة وعادة متوارثة بين الناس وفي اليوم الأربعين من وفاته يقام على قبره تابين يحضره اقاربه وخاصته واصدقاؤه.
فالنصارى يقيمون حفلة تأبينيه على الميت بعد أربعين يوما من وفاة فقيدهم، يجتمعون في الكنيسة ويعيدون الصلاة عليه المسماة عندهم بصلاة الجنازة، ويفعلون ذلك في نصف السنة وعند تمامها اعادة لذكراه وتنويها به وبآثاره واعماله.
وقد اعتنى الاسلام بهذه العادة فقد رويت أحاديث شريفة في قدسية العدد أربعين منها ماذكره ابن شهر آشوب في مناقب آل ابي طالب في شهادة علي (ع) عن ابي ذر الغفاري عن رسول الله (ص): ان الارض لتبكي على المؤمن أربعين صباحا. وقد روى الحديث في البحار ج 2 ص 679 ومجموعة الشيخ ورام ج2 ص 276.
خصوصية الشعائر في اربعين الحسين(ع)
تأتي خصوصية اقامة الشعائر الحسينية في يوم اربعين الامام الحسين (ع) المصادف في العشرين من صفر كونها تشكل احياء لنهضة الامام الحسين الاصلاحية وتعاليمه الاخلاقية ومبادئه النبوية فان قضية سيد الشهداء هي التي ميزت بين دعوة الحق والباطل ولولا نهضة الحسين ووقوفه بوجه الظلم والطغيان الاموي لكاد الاسلام ان يندثر حتى قيل: الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء، وما قام به الامام الحسين في نهضته الاصلاحية كان امتدادا لدعوة الرسول لنشر الاسلام وهو (ع) الامتداد الطبيعي للنبي (ص) بنص حديث الرسول: حسين مني وانا من حسين.
وتأتي خصوصيتها ايضا في استذكار الفاجعة التي جرت على اهل البيت في يوم عاشوراء وما صاحبها من المآسي والآلام وتعريف الناس بجور بني امية واذنابهم. كما تتزامن اقامة الشعائر الحسينية في يوم الاربعين مع ذكرى رجوع الراس الشريف من الشام الى العراق، ودفنه مع الجسد الطاهر في يوم العشرين من صفر كما جاء في الروايات، ويسمى هذا اليوم في العراق (( مَرَد الراس)) فتقام الشعائر استذكارا لهذه الحادثة الاليمة فتتجدد الاحزان.
جابر مع الامام السجاد
تواترت الروايات على ان السبايا بعد ان أخرجوهم من الشام توجهوا الى كربلاء فوصلوها يوم العشرين من صفر، فوجدوا جابر بن عبد الله الانصاري الصحابي، ومعه جماعة من الشيعة توافدوا لزيارة قبر الحسين، فالتقى ركب السبايا معهم واقاموا البكاء والنحيب.
وقد نصت على ذلك العديد من الكتب المعتبرة، فقد جاء في موسوعة آل النبي (ص) 747، في وصف الرحلة من الشام الى المدينة:
قالت زينب (ع) للدليل مرة: لو عرجت بنا على كربلاء فأجاب الدليل محزونا: أَفعل، ومضى بهم حتى اشرفوا على الساحة المشؤومة وكان قد مضى على المذبحة يومئذ اربعون يوما، وما تزال الارض ملطخة ببقع من دماء الشهداء وبقية من اشلاء غضة عفا عنها وحش الفلاة، وناحت النوائح واقمن هناك ثلاثة ايام لم تهدأ لهن لوعة ولم ترقأ لهن دمعة ثم اخذ الركب المنهك طريقه الى مدينة الرسول.
وتقول الروايات ايضا: ان يزيد امر برد السبايا والاسارى من الشام الى المدينة المنورة في الحجاز مصطحبين بالرؤوس تحت اشراف جماعة من العرفاء يرأسهم النعمان بن بشير الانصاري، فلما بلغ الركب ارض العراق في طريقه الى مدينة الرسول قالت زينب للدليل: مر بنا على طريق كربلاء ومضى بهم حتى اشرفوا على ساحة القتل المشؤومة وكان جابر بن عبد الله الانصاري الصحابي الجليل وجماعة من بني هاشم ورجال من آل الرسول قد وردوا العراق لزيارة قبر الحسين، يقول السيد علي بن طاووس في كتابه اللهوف في قتلى الطفوف ص 86: فتوافدوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم واقاموا المآتم المقرحة للأكباد واجتمع عليهم اهل السواد واقاموا على ذلك اياما.
اما قصة جابر بن عبد الله الانصاري فتتلخص في انه بعد ان علم بمقتل الامام الشهيد الحسين توجه من المدينة المنورة نحو ارض كربلاء ـ وكان قد كف بصره ـ يقول عطية العوفي وكان مع جابر: عندما وصلنا الى الغاضرية على شاطئ نهر الفرات اغتسل جابر في شريعتها ولبس اطهر ثيابه، ثم فتح صرة فيها سعد فنشرها على بدنه ثم لم يخط خطوة الا ذكر الله تعالى حتى اذا دنا من القبر قال: ألمسنيه ياعطية، فألمستُهُ اياه، فخرّ على القبر مغشيا عليه فرششت عليه من الماء فلما افاق قال ياحسين ـ ثلاثاـ ثم قال حبيب لايجيب حبيبه، ثم قال وأنّى لك بالجواب وقد شخبت اوداجك على اثباجك، وفرق بين بدنك وراسك، اشهد انك ابن خير النبيين وابن سيد الوصيين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس اصحاب الكسا وابن سيد النقبا وابن فاطمة سيدة النسا.. الخ
الى ان تقول الرواية: ومضى عطية ليرى من هم القادمون من ناحية الشام فما أسرع ان رجع وهو يقول: ياجابر قم واستقبل حرم رسول الله، هذا زين العابدين قد جاء بعمّاته واخواته، فقام جابر حافي الاقدام مكشوف الراس الى ان دنا من الامام زين العابدين (ع) فحدّثه الامام بما جرى لهم من قتل وسبي وتشريد وكان مما قاله (ع) ياجابر هاهنا والله قُتلت رجالنا وذُبحت اطفالنا وسُبيت نساؤنا وحُرقت خيامنا.
ومنذ ذلك اليوم وهو العشرين من صفر أصبح هذا التاريخ مشهودا فتتوافد مئات الالاف من الزائرين على كربلاء لزيارة الامام الحسين واقامة الشعائر وتجديد هذه الذكرى المؤلمة.
الاربعين في اقوال الائمة (ع)
وردت روايات عن الائمة المعصومين في خصوصية يوم الاربعين وفضل زيارة الحسين في ذلك اليوم ففي مستدرك الوسائل للنوري ص 215 باب 94 عن زرارة بن اعين عن ابي عبد الله الصادق انه قال: ان السماء بكت على الحسين اربعين صباحا بالدم، والارض بكت عليه اربعين صباحا بالسواد، والشمس بكت عليه اربعين صباحا بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه اربعين صباحا وما اختضبت امرأة منا ولاادهنت ولااكتحلت ولارجلت حتى اتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده.
وروي في كامل الزيارات ص 90 باب 28 عن الامام محمد الباقر (ع) انه قال: ان السماء بكت على الحسين اربعين صباحا. اما زيارة الامام الحسين يوم الاربعين فقد وردت في احاديث عن الائمة المعصومين في فضلها منها ماروي عن الامام الحسن العسكري انه قال: علامات المؤمن خمس؛ صلاة احدى وخمسين؛ وزيارة الاربعين ؛ والتختم باليمين ؛ وتعفير الجبين.
اما الزيارة المشهورة في يوم الاربعين والمعروفة بالاربعينية فقد رويت على روايتين الرواية الاولى رواها صفوان الجمال عن الامام الصادق فقال: قال لي مولاي الصادق تزور الحسين عند ارتفاع النهار وتقول.. ثم تلا الزيارة.
اما الرواية الثانية فقد رويت عن عطا عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: كنت مع جابر يوم العشرين من صفر فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ولبس قميصا كان معه طاهرا ثم قال لي: امعك شئ من الطيب ياعطا؟ قلت: سعد، فجعل منه على راسه وسائر جسده ثم مشى حافيا حتى وقف عند راس الحسين وكبر ثلاثا ثم خر مغشيا عليه فلما افاق سمعته يقول:.. ثم تلا الزيارة.
الزيارة في المصادر
ذكر الكثير من العلماء الاعلام فضل زيارة الحسين في يوم الاربعين وقد استدلوا في ذلك على روايات الائمة المعصومين منهم:
1 ـ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب ج 2 ص 17 باب فضل زيارة الحسين (ع) فانه بعد ان روى الاحاديث في فضل زيارته (ع) ذكر المقيد منها باوقات خاصة وذكر شهر صفر ومافيه من الحوادث نقل عن مصباح المتهجد ص 551 ثم قال: وفي يوم العشرين منه رجوع حرم ابي عبد الله الحسين من الشام الى مدينة الرسول وورود جابر بن عبد الله الانصاري الى كربلاء لزيارة ابي عبد الله الحسين فكان اول من زاره من الناس وهي زيارة الاربعين ثم روى حديث الامام الحسن العسكري.
2ـ ابو الريحان البيروني في الاثار الباقية ص 331: في العشرين من صفر رد الراس الى جثته فدفن معها وفيه زيارة الاربعين ومجئ حرمه بعد انصرافهم من الشام.
3ـ العلامة الحلي في المنتهى كتاب الزيارات بعد الحج: يستحب زيارة الحسين في العشرين من صفر ثم روى حديث الامام العسكري.
4ـ العلامة المجلسي في البحار باب فضل زيارة الحسين يوم الاربعين.
5ـ السيد ابن طاووس في الاقبال.
6 ـ الشيخ يوسف البحراني في الحدائق في الزيارات بعد الحج.
7 ـ الشيخ المفيد في مسار الشيعة.
8 ـ العلامة الحلي في التذكرة والتحرير.
9 ـ ملا محسن الفيض في تقويم المحسنين.
10 ـ الشيخ البهائي في توضيح المقاصد الاربعين.
11 ـ الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان.
الزيارة الشعائر والاحصائيات
منذ ان التقى الامام زين العابدين في كربلاء بالصحابي جابر بن عبد الله الانصاري اصبحت كربلاء قبلة للزوار في يوم العشرين من صفر ـ اربعين الامام الحسين ـ يؤمها الملايين من المسلمين من الكثير من البلدان العربية والاسلامية ـ اضافة الى العراق.
واصبح الزوار يتزايدون سنة بعد اخرى وتشير الاحصائيات الى ان عدد الزوار يوم الاربعين سنة 1968 بلغ اكثر من نصف مليون زائر، وارتفع عددهم في بداية السبعينات الى حوالي مليون زائر حتى بدأت سلطات نظام البعث البائد بمحاولات عقيمة لمنع الزوار من اداء زيارة الاربعين خوفا من النقمة وتحسبا من الثورة ضد الظلم والطغيان، وقد ذهب في سبيل ذلك الاف المؤمنين بين شهيد ومسجون ومعذَب على ايدي أزلام نظام الدكتاتور صدام، ولكن بعد رياح التغيير التي هبت على العراق ونهاية الدكتاتورية الصدامية انفسح المجال للمسلمين لزيارة الامام الحسين حتى وصلت اعداد الزائرين (في زيارة الاربعين) خلال السنوات التي اعقبت 2003 لأكثر من خمسة ملايين زائر، بينما بعض وسائل الاعلام قدرت اعداد الزائرين بـ ثمانية ملايين زائر، جاء اغلبهم من مدن العراق المختلفة وكذلك من الدول العربية والاسلامية وخاصة من ايران والهند وباكستان والبحرين والكويت والسعودية.
وخلال اقامة الشعائر الحسينية في يوم الاربعين في كربلاء يصل عدد المواكب الحسينية الى الفي موكب احيانا، يتوزعون بين مقرات المواكب والحسينيات والمساجد، وكذلك الفنادق والمقاهي والمطاعم بحيث تضطر الالوف من الزائرين الى قضاء ليلة زيارة الاربعين في الصحنين الشريفين للحسين والعباس، اضافة الى الشوارع والأزقّة.
كما تضطر بعض المواكب الوافدة الى كربلاء الى ان تنصب خياما خارج المدينة او في اطرافها وتنظيم امورها لتقديم المنام والمأكل والمشرب لأفرادها وضيوفها من الزائرين.
وخلال اقامة مواكب العزاء في كربلاء يتبادل افراد المواكب الزيارات فيما بينهم للتعارف وتقديم الخدمات لبعضهم البعض والاستماع للخطب والقصائد التي تقام بهذه المناسبة والتي تعبر عن اعتزازهم بتضحيات الامام الحسين واخيه العباس من اجل الاسلام وحبهم وتفانيهم في خدمة الزائرين.
المصدر: شبكة النبأ