الاجتهاد: كان آية الله السيد حسين البروجردي شديد الحرص على تطوير وتنشيط الحوزات العلمية في العراق، إذ كان يمدها بالمساعدات وألأموال اللازمة، وكل ما يعينها على النشاط والحركة ويؤمن مرتبات طلاب العلوم الدارسين والعلماء المدرسين فيها ،ألأمر الذي لم يبق هناك من سبب لفتور الحركة العلمية في مثل هذه الحوزات
بوفاة العلامة والمرجع الكبير أبو الحسن الأصفهاني، ومن بعده وفاة العلامة السيد القمي، طرأ في تاريخ الحوزات العلمية في العراق حادث فريد من نوعه، وهو أن هذه الحوزات فقدت لأول مرة موقع الزعامة الدينية الكبرى، وذلك حينما إنتقلت هذه الزعامة إلى مدينة قم المقدسة في إيران، حيث إنعقدت مرجعية التقليد ألأولى لدى الشيعة للمغفور له آية ألله العظمى السيد ألآغا السيد حسَين البروجردي ، الذي كان بدوره من أجل وأنبه تلامذة المرحوم المولى الشيخ محمد كاظم الخراساني.
ويقينا أن هذا التحول التاريخي لم يكن ليحصل في حينه لولا الشخصية العلمية والدينية المتميزة، والصفات الحميدة، والسجايا الرفيعة التي كان يتحلى بها السيد البروجردي، فقد كان (رحمه ألله) قدوة في الزهد والورع وألإباء والتعفف ورائدا في العلم والفضيلة أي أنه كان يمتلك كل المؤهلات والقابليات الذاتية، بما يجعله جديرا بالرئاسة والزعامة الشيعية، بحيث أن بُعده عن الحوزات العلمية العريقة في العراق مثل حوزة النجف وحوزة كربلاء، لم يحل دون أن يتبوأ مقام الزعامة الروحية الكبرى للمسلمين الشيعة في العالم.
لقد تصرف سماحته حينما أتته الزعامة والرئاسة من موقع المسؤولية وبتدبر وتبصر وحكمة وكياسة وعقل نير بما يشبه تصرف زميله الراحل العلامة ألأصفهاني، حيث إنه نشط في تسيير دفة الحوزات العلمية والمراكز الدينية وحركة التوعية ألإسلامية الشيعية، حتى إستطاع أن يملأ الفراغ الكبير الذي خلفه موت السيد ألأصفهاني وموت السيد القمي، كما برز وتجلى كمرجع ديني أوحد للمسلمين الشيعة، الذين قلدوه وتابعوه بما يشبه ألإجماع، وإن كان هذا ألإجماع على مستوى أقل من ألإجماع الذي حظي به السيد أبو الحسن ألأصفهاني في مرجعيته التقليدية.
وإن السبب في ذلك يرجع إلى ظهور زعامات دينية محدودة النطاق إلى جانب زعامته العظمى ، ألأمر الذي لم يكن واردا أو بالأحرى باديا للعيان بوضوح في عهد زعامة العلامة ألأصفهاني الذي تفرد بمرجعية التقليد بشكل منقطع النظير.
ففي النجف كانت الزعامة الدينية والعلمية موزعة بين الآيات العظام السيد محسن الحكيم والسيد عبدالهادي الشيرازي والسيد محمود الشاهرودي والسيد الحمامي والسيد الجلبايجاني والسيد الأصطهباناتي، وإن كانت زعامة السيد الحكيم تفوق ألآخرين، وأما في كربلاء فقد كانت الرئاسة الدينية والعلمية موزعة على السيد الميرزا مهدي الشيرازي والسيد الميرزا هادي الخراساني والسيد هادي الميلاني، وإن كانت زعامة السيد الشيرازي تبدو للعيان أكثر من غيره.
وفي ضوء ذلك، فإن الحوزتين العلميتين في النجف وكربلاء لم تخسرا شيئا من زخم حركتهما العلمية والتدريسية، بعدما فقدتا موقع الزعامة الروحية العظمى، إضافة إلى أن آية الله السيد حسين البروجردي كان شديد الحرص على تطوير وتنشيط الحوزات العلمية في العراق، إذ كان يمدها بالمساعدات وألأموال اللازمة، وكل ما يعينها على النشاط والحركة ويؤمن مرتبات طلاب العلوم الدارسين والعلماء المدرسين فيها ،ألأمر الذي لم يبق هناك من سبب لفتور الحركة العلمية في مثل هذه الحوزات، بل يمكن القول أيضا أنها إزدهرت أكثر فأكثر ، نظرا لإحتوائها على قيادات دينية محلية من جهة، ولما كان يأتيها من دعم ومساندة وعون مادي ومعنوي من جانب حوزة قم المقدسة حيث مقر الزعيم الديني ألأكبر السيد البروجردي من جهة أخرى.
ويجدر بنا ونحن نتكلم عن مدينة قم، أن نقول أن حوزتها إزدهرت، ونشطت وتبوأت مكانة الذروة على عهد آية الله السيد حسين البروجردي الذي جعل منها رحمه الله محط أنظار جميع المسلمين في العالم وعمل على تقوية وترسيخ هويتها العلمية والدينية ومنحها قدرا كبيرا من المرتبة والمكانة اللائقتين بالعلم والدين وروادهما، حتى اصبحت مدينة قم في عهده العاصمة الروحية ألأولى للمسلمين الشيعة في العالم.
المصدر: شبكة كربلاء المقدسة