الاجتهاد: لا شك أن أي عاقل اليوم بات متمكنا من الفصل بين المتظاهرين الشرفاء، الذين خرجوا سعيا لتغيير أوضاعهم والاعتراض عليها، والمطالبة بإصلاحات جذرية تضمن قيام وطن وتحقيق مواطنة صالحة عدالة اجتماعية، وبين الذين ركبوا موجهة التظاهر بدعم من أمريكا وحلفائها استغلالا لحاجات الناس الحقيقية، والإفقار الممنهج الذي ساهمت به أمريكا من جهة، والفاسدين في الحكومات المتعاقبة سواء في العراق من قبل أغلب الأحزاب، أو في لبنان من قبل أحزاب سياسية معينة أغلبها لها تاريخ إما إقطاعي أو دموي طائفي.
واتضحت مع الأيام كيف أن الشعارات تدريجيا انحرفت أغلبها من قبل من تسلقوا الحراكات الشعبية، من شعارات مطلبية محقة، إلى شعارات متحيزة وجهت أصواتها ومطالبها باتجاه واحد وقبلة واحدة تصب باتجاه الصوت الأمريكي ومطلبه وقبلته وهي سلاح المقاومة كما في لبنان، وتعدى الأمر في العراق إلى تصويب الشعارات والحراكات باتجاه المرجعية الدينية، التي يشهد لها التاريخ كيف كانت الحصن المنيع في حماية الناس من المجازر، ونهب ثرواتها و تدمير الأوطان من السقوط والاستعمار ونهب ثرواته.
ولأن مرجعية العراق متمثلة بالسيد السيستاني وهو الرمز الذي بفتواه الجهادية أفشل مشروع أمريكا في تفتيت العراق من خلال داعش، ولأن السيد حسن في لبنان شكل صمام أمان لوحدة الصف اللبناني من جهة، وحفظ لبنان بدماء الشهداء من الصهاينة ومن داعش، ولما يشكله كل من السيد السيستاني في العراق، والسيد حسن في لبنان من رمزية محركة للجمهور، وضامنة للاستقرار، وحصن منيع ضد كل المؤامرات التي تحاك للمنطقة من خلال هذين البلدين.
فإن المظاهرات كانت الباب الأسهل لدخول أمريكا وحلفائها على جبهة المطالب، ومن ثم استخدام حاجات الناس الحقيقية، وتطبيق نظريات الاعلام النفسي عليها لحرف الحراكات المطلبية عن وجهتها.
فنظرية غوبلز (وزير الدعاية الألماني ابان حكم هتلر) في السيطرة على العقول وفق نظرية التأطير (Framing Theory) والتي اصبحت وسيلة مهمة في تمرير السياسات فيما بعد .
وتقول النظرية، أن يَعمد سَارد القصّة إلى إبرَاز جَوانب مِن القصَّة أو الحَدَث والتَّركيز عَليها.. وإغفَال أو تَجاهُل أو طَمس أجزَاء أُخرَى؛ حَسب هَوَى المُتحدِّث وميوله بالنّسبة للأشخَاص، وحَسب مُوافقتها لسلّم الأولويّات في القَنَاةِ الإعلاميّة.
ففي ﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ على سبيل المثال ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ، ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺑﺘﻌﺒﺌﺔ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ و ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ. ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺟﻤﻴﻊ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﺔ ﺗﺘﺮﻗﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻂ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ، ﺷﻌﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻛﻠﻪ ﺳﻘﻂ ﻭﻣﺎﺗﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ.
وقد تم تطبيق هذه النظرية في تأطير المطالب من مطالب إصلاحية تتعلق بالنظام السياسي والدستور والمؤسسات والخدمات، إلى ضرب شخصيات بذاتها لها رمزيتها في الصراع الدائر على الساحات العالمية، وربط الفساد بالسلاح المقاوم والحشدالشعبي، اللذين كانا سببا في هزيمة الصهاينة ومشروعهما في لبنان وسوريا، وهزيمة داعش في العراق الذي كان امتداد و أداة في يد المشروع الأمريكي في المنطقة.
فتم تأطير المطالب في قالب محدد يتوافق مع إرادة أمريكا التي ركبت من خلال أدواتها الحراكات الشعبية، وعمدت لاستغلال حاجات الناس لتحصل على ما عجزت عن الحصول عليه في حروبها السابقة على العراق ولبنان وسوريا. ولتحسن شروط التفاوض تحت ضغط الشارع وخوف حكماء البلدين من الفتنة و إراقة دماء الناس. وتدمير مؤسسات الدولة و الدخول في مجهول دخلت فيه ليبيا قبل ذلك، وتم تفتيت الدولة ونهب ثرواتها النفطية.
وقد كانت تصريحات فيلتمان الوقحة واضحة في عدم سماحهم لروسيا والصين السيطرة على البحر الأبيض المتوسط وما ظهر فيه من خيرات نفطية و غاز وهنا بيت القصيد.
فأمريكا لا ولن تبالي بحاجات الناس ولا لقيام دول حقيقية لأن هذا ليس من مصلحتها، ولأن أخلاقياتها السياسية تعتمد على براغماتية ويليام جيمس، فإنها لا تبالي في أن تتلون سياساتها بأي لون كي تحقق منفعتها وأهدافها.
وسلاحها الأمضى في ذلك الإعلام. وفق قاعدة جوبلز الثالثة التي تقول:
اعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي.
وقاعدة الفوز بالتكرار وهي الكلمة الرابعة لجوبلز التي يقول فيها : الكذبة إذا قيلت مرة واحدة تبقى كذبة، وإذا أعيدت ألف مرة تصبح حقيقة، لا شيء يمكنه التأثير على العقل مثل التلقين، يخترعون الكذبة ثم يكررونها ويرددونها سبع أو ثمان سنوات، لترى جيلا ينشأ على التصديق بها بدون المطالبة بالدليل.
وأختم كلامي برسالة للمتظاهرين الشرفاء في العراق ولبنان:
لقد اتضح بعد كل هذه الأيام من هو الشريف ومن العميل، ولديكم ما يكفي من الأدلة في فرز ساحات التظاهر، وفلترة الشعارات وعدم السماح بتأطيرها أو توجيهها أو خرقها بشعارات بعيدة عن المطالب الحقيقية للاصلاح، والمطلوب قلب الطاولة على الأمريكي وتوجيه قبلتكن إليه ورفع أصواتكن ضد تدخلاته السافرة في حراككم، لأن تدخلاته تفسد العملية الإصلاحية وتبعد الصادقين عنها خوفا من تلوثهم بمياه الأمريكي الآسنة، بالتالي سيبقى العملاء الفاسدين ونكون بذلك ضيعنا جهودنا وما أنجزناه في مواجهة الفاسدين بإحضار فاسدين جدد حملوا شعارات الاصلاح ولكن على الدبابة الأمريكية،
فالمطلوب إبعادهم حتى لا يفشل حراككم وما أنجزتموه إلى الآن، فلا تبنى الأوطان إلا بسواعد أبنائها، وبطرد العملاء ومشغليهم.
فاختلافنا الداخلي نحن نصلحه مع أخوتنا في الوطن دون هدم مؤسساته، ولا يجوز السماح للغرباء بالدخول بيننا تفريقنا وتشتيتنا، فنكون بمواجهة فساد الداخل بوجود وطن، لنكتشف أننا دون أن نعي هدمنا الوطن ومكنا فاسدين الخارج نن رقابنا، وبدل أن نحرر أوطاننا من الفساد ، نرهنها لعبودية الخارج التي ستمتد لاستعبادنا ونهب ثرواتنا.
فأي وطن تدخلت فيه أمريكا تحول إلى خرابة وعش دبابير.
ثم إن خلافاتنا مع جيراننا نحن أهل لحلها بيننا، فهل أخذت رأينا أمريكا حينما بنت جدارها مع المكسيك؟ وهل تأخذ رأينا في أي خلاف لها مع جيرانها؟ بل هل تسمح لنا أن نتدخل دون أن تقوم بعمل حملة ضد أوطاننا بعنوان التدخل في شؤونها الداخلية؟
فرغم أنها تتدخل في كل المنطقة وتملي عليها إملاءاتها، لكنها ما أن تلجأ دولة إلى جيرانها أمنيا أو اقتصاديا حتى تقوم قيامتها معتبرة ذلك تدخلا في شؤون الدول وتجاوزا على سيادتها، رغم أنها لا تقيم وزنا للسيادة وتعيث بسمائنا من خلال طائراتها فسادا دون حتى أن تستأذن الدولة صاحبة المجال الجوي.
كفانا رضوخا ولنحترم ذواتنا وكرامتنا وسيادتنا، ونقف في وجه كل التدخلات من أمريكا وغيرها، وليكن حسن الجوار حاكما مع جيراننا واحترام التضحيات التي قدمت من جيراننا وأبناء وطننا، ولنجلس على طاولة نتفاهم سويا مع الداخل ومع الجوار،
فالحروب والنزاعات والإقصاء لا تبني أوطانا بل تدمرها في دهاليز النزاعات ، ولكم عبرة في الدول الغربية التي لا تسمح الا بالتعايش والحوار داخليا ومع جيرانها، رغم أن الغرب وأمريكا دمروا أوطاننا بتدخلاتهم ودعمهم لأنظمة مستبدة كان منها نظام صدام الذي أباد الشعب العراقي تحت عيون أمريكا والغرب وحينما انتهت صلاحيته تم حرقه وتدمير العراق،
فالهدف أن نبقى نئن تحت سياط الفقر والدم والنزاعات، فيأمنوا على وجودهم وهيمنتهم بحجة الحفاظ على مصلحة الشعوب، إلا أن الحقيقة هي الحفاظ على مصالحهم ونفوذهم.
إن الحراكات المطلبية تتطلب وعي الواقع وإدراك المخاطر المحيطة، وتشخيص الأولويات ومد جسور الحوار مع الداخل والجوار، ومنع الدول الخارجية من التدخل في شؤوننا و تحويل وتأطير مطالبنا وفق رغباتها، وبما يعود عليها بالنفع، لنكون أداة وجسر لتدمير بلداننا بعد أن خرجنا لبناء أوطان.
لذلك أقول لكم : نريد وطنا ولا نريد مستعمرة باسم وطن. فاعرفوا عدوكم الحقيقي، وصوبوا حراككم ضده، وتحاورنا مع نظرائكم في الوطن ومد جسور الوصل مع الجوار، حتى لا تكشف ظهور أوطاننا.
المصدر: قناة الكاتبة والباحثة إيمان شمس الدين على التلجرام
كلام قديم جدا وبعيد عن الواقع تماما حيث لا يوجد طرف داخلي مقابل الشعب الا دولة العصابات العميلة والقاتلة الماجورة التي بقيت كل هذه السنين تضرب على هذا الوتر يرجى قراءة الواقع بواقعية لا بعقلية جامدة على مواقف تحسبها حقيقية