خاص الاجتهاد: استدل صاحب الجواهر في مقام الاستدلال بالجواز في المسابقة في غير الخف والحافر والنصل كالمصارعة مثلاً، بأصالة الجواز ثم قال: ” مضافاً إلى إمكان ترتب غرض صحيح عليها يُخرجها عن اللهو واللعب مع أنهما لم يثبت تحريمها على وجه الاطلاق بحيث يشمل المجرد عن الآلات المعدة لمثل ذلك، فتجوز حينئذ المسابقة بالأقدام، ورمي الحجر ودفعه، والمصارعة، والآلات التي لا تشتمل على نصل والطيور. بقلم: المحقق آية الله محمد صادق محمد الكرباسي.
الرياضة تنشيط الجسم وتقويمه بأعمال مفيدة له، ولا يختلف المعنی المصطلح عن المعنى اللغوي، فالرياضة البدنية هي ممارسة أعمال تشد العضلات وتقويها على القيام بأفضل وظائفها، وفي قبالها الرياضة الفكرية والتي هي التمرينات التي توجب تقوية الفكر وحذقه، ولا ريب بأن ذلك لا ينافي الشرع ولا العقل بل المطلوب أن يقوم الإنسان بالسعي وراء كلا الرياضتين الجسدية والفكرية، وينسب إلى أفلاطون قوله : ” العقل السليم في الجسم السليم”، فإذا كسل الجسم کسل العقل والفكر.
ومما تجب الإشارة إليه أن هنا أمراً يرفضه الشرع المبين ألا وهو اللهو، ولكن فَهْم الناس للَّهو أوجب الكثير من الإشكاليات، حيث إن الشرع وعلى سبيل المثال یعد الغناء من اللهو، وقد فسرت الآية الكريمة : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ويَتَّخِذَهَا هُزُوًا . (القمان: 6]، وبالغناء،
وقد يوسع الناس مساحة اللهو ليشمل كل ترفيه، وهذا غير الذي أراده الشرع المبين، بل المراد باللهو هو العمل الذي لا يُرضي الله سبحانه وتعالى، وكان قد حكم الشرع بحرمته، أو أن ما ليس فيه غرض عقلاني بل يتبعه ضرر للفرد أو المجتمع أو البيئة فهو من اللهو المرغوب عنه في الشرع،
أما اللهو الذي اصطلح عليه اليوم ألا وهو اللعب كما يُطلق على بعض أماكن الترفيه حديقة الملاهي وما إلى ذلك فهو غير مقصود عند الشرع، ومن هنا لما سئل الإمام أبو جعفر الثاني محمد الجواد (عليه السلام) عن الرجل يركض في الصيد لا يريد بذلك طلب الصيد، وانما يريد بذلك التصحح؟ قال (عليه السلام) : لا بأس بذلك إلا اللهو» (الوسائل: ۱۹/ ۲۵4]، والرواية صريحة أن الغرض إذا كان عقلائية لا يكون من اللهو واللعب المنهيين عنهما، بالإضافة أن اللهو واللعب المفسران بما يُبعد المرء عن الله وذكره.
والرياضة الجسدية تشمل كل أنواعها المتعارفة في هذا اليوم وما كان متداولاً قديماً والتي منها السباحة والمصارعة والركض ورفع الأثقال والكرة بكل أشكالها، ولكن يشترط في كل هذه أن لا تصبح هذه الأمور بحد ذاتها هدفا أو توجب بطبيعتها ضرراً بالغاً کالموت أو نقصا في الأعضاء، أو أن يتضرر الآخرون منها، أو تكون فيما هو محرم، أو توجب فساداً في المجتمع، أو تلهي الإنسان عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وأن تكون مما له غرض عقلائي كتنمية القدرات الجسمية، وأن لا تكون بعوض مشروط،
فإن مثل هذه الرياضات جائزة بالأصل، ولا دليل على حرمتها، إلا ما روي عن الرسول ( صلى الله عليه وآله سلم) ” لا سَبْقَ إلا في خُفٍّ أو حافر أو نصل” (مستدرك الوسائل = 14/ 83]، والذي ينصرف إلى شرط العوض والحديث عما كان الجهاد قائماً عليها.
ومن هنا استدل صاحب الجواهر في مقام الاستدلال بالجواز في المسابقة في غير الخف والحافر والنصل كالمصارعة مثلاً، بأصالة الجواز ثم قال: ” مضافاً إلى إمكان ترتب غرض صحيح عليها يُخرجها عن اللهو واللعب مع أنهما لم يثبت تحريمها على وجه الاطلاق بحيث يشمل المجرد عن الآلات المعدة لمثل ذلك، فتجوز حينئذ المسابقة بالأقدام، ورمي الحجر ودفعه، والمصارعة، والآلات التي لا تشتمل على نصل والطيور،
ولعل من ذلك مصارعة الحسنين (عليهما السلام) بمحضر النبي (صلى الله عليه وآله سلم) و مکاتبتهما وغيرهما” ( الجواهر : ۲۸ / 219)، وقد روى الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): “دخل النبي (صلى الله عليه وآله سلم) ذات ليلة بيت فاطمة (عليها السلام)، ومعه الحسن والحسين ( عليهما السلام)، فقال لهما النبي (صلى الله عليه وآله سلم): قوما واصطرعا، فقاما ليصطرعا وقد خرجت فاطمة (عليها السلام) في بعض حاجاتها فسمعت النبي (صلى الله عليه وآله سلم) يقول: إيه يا حسن شُدَّ على الحسين فاصرعه، فقالت : يا أبه واعجبا أتشجع هذا على هذا ؟ تُشَجِّع الكبير على الصغير !؟ فقال لها : يا بُنَيَّةَ : أما ترضين أن أقول أنا : يا حسن شُدَّ على الحسين فاصرعه؟ وهذا حبيبي جبرئيل يقول: يا حسين شُدّ على الحسن فاصرعه” (مستدرك الوسائل:14/ 82).
وقد استدل ابن أبي جمهور على جواز المصارعة بمصارعة النبي (صلى الله عليه وآله سلم) نفسه، وبرهان ذلك ما روي أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله سلم)، خرج يوماً إلى الأبطح، فرأى أعرابياً يرعی غنماً له كان موصوفاً بالقوة، فقال لرسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) : هل لك أن تصارعني ؟ فقال (صلى الله عليه وآله سلم): “أما تسبق لي؟ ” فقال : شاة، فصارعه، فصرعه النبي (صلى الله عليه وآله سلم)، فقال له الأعرابي: هل لك إلى العود؟ فقال (صلى الله عليه وآله سلم): ما تسبق؟ » قال : شاة أخرى، فصارعه فصرعه النبي (صلى الله عليه وآله سلم)، فقال الأعرابي : ” أعرض علَيَّ الإسلام، فما أحد صرعتي غيرك، فعرض عليه الإسلام فأسلم، وردَّ عليه غنمه ” ( درر اللآلي: 1/ ۳۷4]،
وما يستدل بأن هذه قضية في واقعة وأنها من معاجز الرسول (صلى الله عليه وآله سلم) لا يقتضي ترك العمل بها، بل إن فعل الرسول(صلى الله عليه وآله سلم) حجة، بل إنَّ فيما تقدم من مصارعة الحسنین ( عليهما البسلام) في محضره (صلى الله عليه وآله سلم) حجة على جواز أصل المصارعة وأمثالها ، وقد روي عن أبي رافع قال : ” كنتُ ألاعب الحسن بن علي (عليهما السلام) وهو صبي بالمداحي، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت: احملني، فيقول : ” ويحك، أتركب ظهراً حمله رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) !؟ ” فأترکه، فإذا أصابت مدحاته مدحاتي، قلت: لا أحملك كما لم تحملتي، فيقول: ” أو ما ترضى أن تحمل بدناً حمله رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) ! فاحمله ” (مستدرك الوسائل: 14/ ۸۳].
فإن كانت لعبة المداحي وهي رمي الأحجار في الحفرة من اللعب واللهو لما كان الإمام الحسن (عليه السلام) يلعبها مع أبي رافع، نعم ما کان محرماً بذاته أو يرافقها أمور محرمة فهي بالطبع محرمة،
ومن ذلك اللعب بالحَمام (الطير) حيث فيها سرقة لحَمام الآخر، واستطلاع على بيوت الناس وحرماتهم، فقد روى الإمام الحسين (عليه السلام) عن أبيه الإمام علي(عليه السلام) عن جده (صلى الله عليه وآله سلم) أنه قال : «الحَمامات الطيّارات حاشية المنافقين (مستدرك الوسائل: 14 / 84). وروى الإمام علي (عليه السلام) أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله سلم) أنه رأى رجلاً يرسل طيراً فقال : ” شیطان يتبع شیطاناً ” [مستدرك الوسائل: 14/ 88]،.
وما رواه غياث بن ابراهيم عن الرسول (صلى الله عليه وآله سلم) أنه قال : ” لا سَبْق إلا في خف أو حافر أو نصل أو جناح” فانه من الكذب علی رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) حيث لم يذكر (صلى الله عليه وآله سلم) “جناح” وإنما أضافه للتقرّب إلى المهدي بن المنصور العباسي باعتراف المهدي نفسه، حيث دفع لغياث بن ابراهيم عشرة آلاف درهم، فلما خرج، قال المهدي : “و أشهد أن قفاه ففا کذّاب علی رسول الله ، ما قال رسول الله “اجتاح” ولكن أراد أن يتقرب إلينا» [شرح الدراية: 56]،
ومن المعلوم أن المراد بإرسال الطيور فيما مضى هو الجانب المحرم منه، وأما إذا كان كما في التاريخ القديم الذي كانوا يستخدمونه في البريد فإن ذلك لا يُعد من المحرمات، حيث إن الغرض عقلائي، ومن هنا أجاز البعض جواز التسابق بالحَمام الزاجل الذي يرسل في البريد، وقد روى ابن قدامة : ” أن النبي (صلى الله عليه وآله سلم) سابق عائشة بالقدم مرتين سبق في إحداهما وسبق في الأخرى” ( المغني : ۱۱/ ۱۲۷].
وحال الرياضة الفكرية كالرياضية الجسدية، فإن لم يكن اللعب بحد ذاته محرماً أو لم يرافقه محرم فهو جائز بالأصل ، ومَن يقول بحرمته فإنما يقول بحرمة المسابقة فيه مشروطاً بالعوض، وإلا فإن أصل الترويض عن الجسم أو النفس، أو أصل اللعب فلا يُعد من اللهو المحرم،
ومن جهة أخرى فإن المراهنة إذا كانت محرمة في غير ما نصَّ عليه فإن إعطاء الجائزة ليست محرمة وهي جعالة إن وضعها قبل اللعب، وهدية أو هبة إن وقعت بعد اللعب، وعلى ذلك سيرة المتشرعة وفتاوی الفقهاء في دفع الجوائز في كل ما كان له فرض عقلائي حيث لا يُعد قماراً ولا من أكل المال بالباطل المُحَرَّمين.
وعلى أي حال فإن الأمر إذا خلا من الرهن والعوض فلا أحد يقول بحرمته، مثل السباحة والمصارعة وكرة القدم وكرة السلة والركض والغوص وما إلى ذلك من ألعاب لا تُعد من اللهو المحرم، نعم إن مثل مصارعة الثيران مما ثبت فيه إيذاء للحيوان ويُوجِب الكثير من المخاطر فانه على أقل تقدير غير مُحَبّذ شرعاً،
وأما المسابقة بالدراجات والركض والسباحة فهذه مما لا إشكال في حليتها ، وإذا أصبحت الرياضة علاجياً، فإن انحصر، وجَبَت، وإن لم تنحصر فلا إشكال في ممارستها ،
ويذکرني هنا بأن لعب الطائرة الورقية في كربلاء جاءت على أثر ابتلاء معظم الأهالي بالسل وذلك في أوائل القرن الماضي، فقام طبیب هندي بصنع هذه الطائرات وترويجها لغرض الذهاب إلى السطوح وتعرض اللاعبين للشمس لغرض التخلص من مرض السل، فهذا يُعد من العلاج، ولكنّ بعضهم استخدمها في غير مسارها الترفيهي.
أما الرياضة المُسَيَّسة أو المقننة فانهما من أسوأ أنواع الرياضية، فالأولى كما في لعبة كرة القدم والتي هي مباحة مثل سائر الأمور، أما إذا جاءت لإلهاء الأمّة عما يدور في العالم من سياسات على حساب الأمم أو ما كان منها لدعم الأنظمة الظالمة كما في بعض دول الشرق، أو ما يولد منها الحقد والضغينة والصدام فهذا بالقطع يخرجها عن خانة الإباحة ويدخلها في خانة الممنوعات لأنها خرجت من إطارها العام والذي هو ترويض الجسم وتقويمه،
وأما الرياضة المقننة والتي نعني بها أن الرياضة تصبح ضمن إطار مادي وتُحدد بساعات معينة ليكون طريقاً لكسب المال وهدراً للوقت باسم ترويض الجسم حيث يقنَّن بساعات معيّنة فهذا وإن لم يخرجها من كونها نافعة للجسم إلا أن تنظيم الحياة على هذا الشكل خطأ كبير، وترك الجسم يترهَّل ثمَّ يُروَّض،
فهذا يعود إلى النهج الخاطئ الذي انتهج لنا في حياتنا اليومية لنصبح كالآلة نعمل دون أن نجهد أنفسنا، بل يقود أحدنا السيارة ويذهب إلى وظيفته وهو جالس خلف منضدته و ينهي أعماله كذلك ليقوم بعد ذلك بصرف المال والوقت لأجل ترويض الجسم، بينما كنا في السابق نسير على أقدامنا للعمل ونجهد أنفسنا في العمل، فكانت الرياضية ضمن العمل الذي كنا نکسب به المال دون أن نهدر أوقاتنا وكنّا نكسب الصحة مع المال.
المصدر : مقدمة المحقق آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي على كتابه ” شريعة الرياضة”.