خاص الاجتهاد: يقول الإمام الخميني: أحكام الإسلام لا تقتصر على مراسم الدعاء والزيارة فقط، أو الصلاة والدعاء والزيارة وحسب، فهذه الأمور ليست إلا جانباً من جوانب الأحكام الإسلامية… في الإسلام سیاسة، فيه نظام لإدارة بلاد بأسرها، إنه ينظم شؤون بلدان واسعة ويديرها، ويضع نظاماً على القادة المسلمين وملوكهم.
يعتبر الإمام الخميني (الإحيائي، الإصلاحي، الفقيه، المجدّد النضالي) صاحب مشروع نظام سياسي في الإسلام المعاصر، ورجلاً شجاعاً عاش خمسة عشر عاماً في المَنفى بسبب ثباته الفكري، ثم تولى قيادة الثورة الإسلامية الشعبية. وتعتبر دراسة أفكاره أثراً مهماً ودقيقاً في دراسة التطورات الفكرية في إيران.
يحاول الكاتب الدكتور محمد رضا وصفي في هذا الفصل من كتابه” الفكر الإسلامي المعاصر في إيران – جدليات التقليد والتجديد ” أن يدرس بعض جوانب أفكار الإمام الخميني حول مشروعه ولاية الفقيه .
يقول الإمام: «إن الإسلام ينطوي على منهج متكامل للحياة ونظام الحكم، وقد مارس دوره في الحكم ما يزيد على خمسة قرون، حينما كان يحكم بلداناً مترامية الأطراف، ورغم عدم تطبيق أحكام الإسلام حينها كما ينبغي، إلا أنه بهذا المقدار الذي طبق منه حکم تلك البلدان بعزة ومنعة من جميع النواحي وفي جميع الأحوال.
فالإسلام يختلف عن باقي الأديان المعروفة حالياً (لعلها كانت كالإسلام وقت ظهورها)،… ولكن لا يتوهمنّ أحدٌ أن الإسلام كتلك الأديان لا نظام فيه، فالإسلام قد وضع برنامجاً دقيقاً ومفصلاً لحياة الإنسان الفردية، بدءاً من الفترة السابقة لولادته، ومروراً بجميع المراحل التي يمضيها ضمن العائلة، كما وضع البرامج لمجتمع الأسرة، وعين الأحكام والقوانين لكل جوانبها ومراحلها، ثم تابع الإنسان بعد خروجه من الأسرة للدخول في الميدان العلمي، وحتى دخوله المجتمع الكبير، ووضع القوانين التي تنظم حياة المجتمع المسلم، بل وحتى القوانين والبرامج التي تنظم علاقة الدولة الإسلامية مع سائر الدول والشعوب.
كل ذلك له أحكام في الشريعة المطهرة، فأحكام الإسلام لا تقتصر على مراسم الدعاء والزيارة فقط، أو الصلاة والدعاء والزيارة وحسب، فهذه الأمور ليست إلا جانباً من جوانب الأحكام الإسلامية… في الإسلام سیاسة، فيه نظام لإدارة بلاد بأسرها، إنه ينظم شؤون بلدان واسعة ويديرها، ويضع نظاماً على القادة المسلمين وملوكهم…» (1).
بالرغم من التقدم الذي حققه سريعاً في الفقه والأصول كان يبدو دائماً أنه مقتنع بأن دراسة الشريعة لا تعالج على نحو کامل ثراء الإسلام، وأن الاهتمام الأساسي بالدين يقوم على مستويات مختلفة، لذلك كان يعتقد بأن الفقهاء حصروا الإسلام بالأحكام الفرعية، والفلاسفة والعرفاء حصروا الإسلام بالجوانب المعنوية وبما يتعلق بما وراء الطبيعة، حيث كانوا يعتقدون أن ما وراء الطبيعة هو الشامل لكل الجوانب، في حين أن أولئك رأوا بأن الإسلام جملة من الأحكام الدنيوية، وأنه مجموعة من الأحكام الفقهية ولا معنى لكل ما عدا ذلك»(2).
إن هؤلاء الذين يرون جانباً واحدة من الإسلام دون غيره قصيرو البصيرة والبصر (3). الإسلام يعالج الجوانب المادية والمعنوية والغيبية والظاهرية، لأن الإنسان ذاته ينطوي على جميع المراتب، والقرآن الكريم كتاب لبناء الإنسان (4).
من خلال نظرته إلى الحياة الفكرية والسياسية، نرى أنه استطاع التوصل إلى هذا الفهم من خلال دراسته المبكرة في قم حيث توفر على الدراسة العميقة للحكمة والفلسفة والعرفان (المعرفة الفلسفية – العرفانية) على يد كبار العلماء، ومعلمه الأساسي في هذا المجال كان آية الله محمد علي الشاه آبادي (5) الذي كان الإمام يشير إليه بكل إجلال واحترام باعتباره أستاذنا في معرفة الله عن طريق الكشف العرفاني» (6)،
وكانت المحاضرات التي أخذها الإمام الخميني عن الشاه آبادي، كونه طالبه الوحيده (7)، تدور حول شروح وتفاسير فصوص الحكم» لابن عربي التي شرحها داود القيسري (8)، و “مفتاح الغيب” لصدر الدين القونوي (9) و منازل السائرین، للخواجة عبدالله الأنصاري» (10).
وبالرغم من الجذور العميقة لـ”العرفان” والحكمة والفلسفة في التراث الشيعي، إلا أن هذه الموضوعات كانت تدرس على نحو منقطع في المؤسسة الدينية، وفي أحوال كثيرة كانت هذه الموضوعات موضع العداء الصريح، والفترات الفاصلة التي تحظي بالتأييد كانت تأتي بعد فترات طويلة من الإنكار.
ولم تعق مثل هذه الشكوك الإمام الخميني، وكي يقيم الدليل على موقفه المستقل والحاسم نحو المؤسسة الدينية، والذي كان يخفف دائماً من ولائه نحو أدائها، فإنه اختار أن يبدأ مهنة التعليم في سن السابعة والعشرين، وبالتحديد في هذا المجال المثير للجدل، وقد ألقى في أول الأمر دروساً في الفلسفة والحكمة.
وباختصار، بعد أن بدأ الإمام تدريس “الحكمة” نظم دروساً خاصة في العرفان كانت مباحة فقط لقلة من الطلاب، وكانت تعقد في جلسات غير علنية استمرت خلال أربعينيات القرن العشرين وكان من بين تلامذته مطهري والمنتظري، وكانت كتاباته المبكرة تتعلق بموضوعات التأمل والتعبد والعرفان.
وقد كتب في عام ۱۹۴۸م شرحاً مفصلاً بالعربية للدعاء الذي يسمى “دعاء السحر”، وبعد كتابه هذا قدم تحليلاً مركباً حول “سر الصلاة” (11) وشرح فيه الأبعاد الرمزية والمعاني العرفانية في كل جزء من أجزاء الصلاة، وأيضا كتب كتاباً تحت عنوان مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية» (12)، ولم يرجع في هذا الكتاب إلى القرآن والأحاديث فقط بل رجع إلى المصادر والنصوص العرفانية لدى خواجه عبدالله الأنصاري وجلال الدين الرومي وصدر الدين القونوي وعبدالرزاق الكاشاني.
أما سعيه لتدريس الفلسفة والعرفان في الحوزات الدينية فكان نوعاً من التحدي المهم الذي نجح فيه بموازاة العلامة الطباطبائي، وقبله أبو الحسن رفيعي القزويني والشاه آبادي، وتلامذتهم، منذ منتصف القرن العشرين، ورفعوا العلوم العقلية إلى مستوى العلوم النقلية (الفقه والحديث).
لذلك فإن اهتمامه بالفلسفة لم يكن حدثاً عرضياً بسيطاً في تلك الفترة حيث كان بعض الفقهاء التقليديين يرون فيه نوعاً من الهرطقة.
وأما الفلسفة والعرفان فقد أسهما بوضوح في تشكيل شخصيته باعتباره زعيماً دينياً وسياسياً، وكان تدریسه يتسم بسعة الأفق والكمال، وساعده اهتمامه بالمصالح العامة في أحوال كثيرة في أن يتجاوز الاهتمامات الفقهية التقليدية الضيقة، وفي الواقع نادراً ما برهن هؤلاء العلماء، وبشكل خاص في العصور الحديثة، على قدرتهم على التوفيق والتوازن بين الفقه والحكمة المتعالية (الفلسفة والعرفان في النظام الفكري الملا صدرائي).
ويمكن القول هنا إنه استطاع أن يحقق انطباق الشريعة على منطق الفلسفة والعرفان الصدرائي، وأيضا انطباق الفلسفة والعرفان على منطق الشريعة المتحركة والحيوية.
لقد أدرك أهمية دور معرفة المكان والزمان في المسائل الفقهية في ما يمكن، إذا صح التعبير، أن نسميه “نسبية الحكم الفقهي” وكل هذا يرشدنا إلى كيفية رؤيته لولاية الفقيه والحكومة في الإسلام، الذي سنشير إليه لاحقاً.
أما السؤال الذي يطرح هنا فهو لماذا لم يكن للإمام الخميني الحضور البارز في الحركات السياسية قبل عام ۱۹۶۲.
للإجابة على هذا التساؤل طرح الباحثون الإيرانيون عدة أسباب لذلك، ولكن من الأفضل الإشارة إلى رأي “حامد الغار” حول ذلك كباحث متابع من الخارج رغم تحفظنا على بعض ما ورد في رأيه: «يمكن أن نجازف بتفسيرات عديدة لاختيار الإمام الخميني موقف الصمت حتى العام ۱۹۶۲ والتفسير الأكثر أهمية يكمن في ولاء الإمام الخميني للمؤسسة الدينية، وقناعته أن تحول الدولة والمجتمع وفقاً للمبادىء الإسلامية يمكن أن يحدث فقط في ظل رعاية العلماء العاملين كجماعة متماسكة يهتدون بمرجعية التقليد».
وكما رأينا فإن آية الله البروجردي كان في الأساس ذا ميول تصوفية إشراقية، وتحدي سلطته يمكن أن يكون عملاً من أعمال الازدراء ليس لشخصه فقط ولكن أيضاً لوظيفته كلها باعتباره مرجعاً، ومثل هذا الصدع للإجماع في قم لم يكن يثمر أي نتيجة موثوق بها، لأن الأغلبية من العلماء كانوا بشكل علني غير سياسيين في اهتماماتهم، وظلوا كذلك السنوات عديدة.
وفي عام ۱۹۶۲ كان الإمام الخميني ينعی وجود «الورع الزائف» في المؤسسة الدينية (أي العلماء الذين كانوا يتحاشون الانخراط في العمل السياسي بسبب ازدرائهم المزعوم للشؤون الدنيوية)، وبذلك كان الإمام الخميني من ناحية يعبر عن شكوى قديمة العهد(13).
وهذا هو سبب انتقاد الإمام لهم حينما يقول: «يتصور الكثيرون بل الأكثرية من الناس ومن أهل العلم، والقشريون المقدسون أن لا علاقة للإسلام بالسياسة، وأن الإسلام والسياسة مفصولان عن بعضهما… كان البعض إذا أراد أن يعيب على أحد المعممين (علماء الدين) يقول: إنه معمم سياسي» (14).
ويزيد “حامد الغار” على ذلك فيقول: « وبالإضافة إلى ذلك فإن الجماعات السياسية والأيديولوجية التي كانت تنشط بين عامي ۱۹۱۴ و ۱۹۵۳ كانت غير متجانسة بشكل صارخ، فمن أجل دخول المجال السياسي في ذلك الوقت، كما فعل «كاشاني» و «صفوي» كان ذلك يتطلب مختلف أنواع الحلول الوسط، وهي أمور غريبة على مزاج الإمام الخميني الخاص وعلى رؤيته، وبالتأكيد لم يكن يوجد ضمان أو حتى احتمال قوي بأن حصيلة الصراع السياسي، الذي تركز ظاهرياً على تأميم صناعة البترول وعلى امتيازات الشاه، سوف تكون إقامة نظام إسلامي،
ومن المهم أن نتذكر تطبيق دستور ۱۹۰۶ – ۱۹۰۷، مع الأخذ بعين الاعتبار بدرجة عالية قائمة المطالب التي تقدمت بها أحزاب متنوعة. وحتى في هذا الوقت من المحتمل أن «الإمام الخميني» لم يكن يتمسك بذلك الدستور الذي لم يقدره تقديراً عالياً، وقد اقترح في كتاب «کشف الأسرار» تطبيق البند الثاني من القوانين الدستورية المتممة لعام ۱۹۰۷ والتي تشترط تشكيل مجلس من المجتهدين کي يشرف على المجلس (15)، غير أن هذا الاقتراح كان تكتیكاً في طبيعته…
وعلاوة على ذلك فتاريخ الحركة الدستورية في العقد الأول من القرن العشرين كان يبدو لكثير من العلماء إحدى عمليات التخريب التدريجي والتضليل التي كانت تقوم بها العناصر العلمانية في حركة هي في الأصل إسلامية، وربما كان يبدو في نظرة الإمام الخميني وكثيرين آخرين أن عملية شبيهة كانت فاعلة ولها أثرها المبكر في الخمسينيات من هذا القرن. وكان “كاشاني” مؤثراً بدرجة عالية في حشد الدعم الشعبي لتأييد مصدق وحملته في تأميم صناعة البترول الإيرانية» (16).
وفي الفترة ما بين عام ۱۹۴۱ و عام ۱۹۵۳ كانت حالة القيادة الدينية حينذاك لا تبشر بالخير، كما كان المسرح السياسي مضطرباً ولا يبشر بالخير. وكان النشاط الرئيسي للإمام الخميني حينذاك يتركز في تعليم الفقه، والأصول. ولم يكن مثل هذا النشاط إجراء تمهيدياً ضرورياً فقط لظهوره باعتباره مرجعاً، بل كان وسيلة فعالة لتغيير المواقف الفكرية والسياسية السائدة في قم، وتأهيل جيل كامل من العلماء المناضلين الذين انطلقوا كي يؤدوا دوراً رائداً في الأحداث التي تمخضت عنها إقامة الجمهورية الإسلامية.
وكانت البساطة وبلاغة العرض واجتناب المصطلحات الفنية، إلّا عند الضرورة، من السمات الأخرى في تدريسه، والسمة الأكثر أهمية مقدرته على ربط المسائل الفنية في الفقه والأصول الفقهية بجميع الأبعاد الأخرى في الإسلام، أخلاقية عرفانية وفلسفية وسياسية واجتماعية، والفقه والأصول هما نقطة الانطلاق لدى الإمام الخميني، إلا أن طلبته اكتشفوا دروسه باعتبارها عرضاً قوياً ومبتكراً للإسلام ككل (17).
إضافة إلى كل هذا فإن الرؤية التي قدمها الإمام الخميني بوضوح حول الدستور الإيراني في محاضراته في النجف كانت مختلفة عن سائر العلماء المناضلين السابقين، حتى الكاشاني ومدرس، لأنه كان يعارض في الأساس المواد الدستورية المتعلقة بالملكية والحكم الوراثي حيث كان يقول: “عندما أرادوا تدوين الدستور في أوائل المشروطة، استعاروا المجموعة الحقوقية البلجيكية من سفارة بلجيكا، وقام عدة أشخاص بنقل الدستور عن تلك المجموعة ورمموا نقائصه من المجموعات الحقوقية لفرنسا وإنكلترا.
ومن أجل خداع الشعب ضموا إليه بعض الأحكام الإسلامية. فقد اقتبسوا أساس القوانين من هؤلاء وأعطوها لشعبنا، فمواد الدستور هذه ومتمماتها المتعلقة بالملكية، والحكم الوراثي وأمثال ذلك، أين هي من الإسلام، فهذا كله ضد الإسلام ويناقض نمط الحكومة الإسلامية وأحكامها.
فالملكية والحكم الوراثي مما أبطله الإسلام وألغاه في صدر الإسلام في إيران وبلاد الروم الشرقية ومصر واليمن… الملكية والحكم الوراثي هما ذلك الطراز من الحكم المشؤوم والباطل الذي ثار سید الشهداء واستشهد للحيلولة دون إقامته» (18).
وخلال فترة نفي الإمام الخميني من إيران إلى تركيا بدءاً من 11/4 /۱۹۹۴م وإقامته هناك أحد عشر شهراً إقامة جبرية، كتب مجموعة من آرائه الفقهية تحت عنوان «تحرير الوسيلة»، ففي الفصل المتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاء بآراء فقهية لم يسبقه إليها أحد، حيث اعتبر أن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المسائل التي تمس كرامة الإسلام والمسلمين لايرفع حتى مع وجود الضرر المطلق ومنه الضرر النفسي والحرج، في حين يعتبر أن عدم حصول المفسدة شرط للقيام بالواجب في المسائل الأخرى)(19).
في الواقع كان الإمام يتمتع بشجاعة قلّ نظيرها، وبثبات على المبدأ لا يتزعزع، وإصرار على رفض المساومة، وقد تجلت تلك السمات في شخصيته، بحيث ظهرت جلية واضحة خلال حياته السياسية.
فلذلك يفسر محسن کدیور في كتابه «نظريات الحكم في الفقه الشيعي»(20) رأي الإمام في قوله: لقد كان الإمام يختلف عن سائر الفقهاء باعتقاده أن إقامة الحكومة الإسلامية معروف لا مفر من الأمر به، وكان الفارق الجوهري بينه وبين سائر العلماء هو أن هؤلاء، حتى القائلون منهم بضرورة إقامة الحكومة الإسلامية، كانوا يشترطون للتصدي لممارسة السلطة تهيئة الظروف المناسبة لذلك، أما الإمام بعزة نفسه وهمته العالية فقد عمل من أجل تهيئة هذه الظروف وعلى هذا الأساس فإنهم كانوا يعتبرون التمهيد لمقدمات الحكومة بمثابة “شرط الوجوب”، تماماً كما أن استطاعة أداء فريضة الحج هو ما يدخل الحج تحت حد الوجوب، وأن بلوغ الثروة حد النصاب هو ما يوجب فيها الزكاة، فيما تحصيل الاستطاعة أو النصاب غير واجب، هذا بينما كان الإمام الخميني يعتبر حكم الشرط (الوجوب) من قبيل الوضوء للصلاة، أي أن تمهيد المقدمات وتهيئة شروط الثورة من أجل إقامة الحكومة الإسلامية أمر واجب.
ومن هنا فإن القيام بالثورة واجب، والإبقاء على حكومة الطاغوت في المجتمع الإسلامي من أكبر الموبقات والتعاون معها من أنكر المنكرات (21).
بناء عليه فإن سكوت علماء الدين عن حال تفضي إلى تقوية الطاغوت حرام، في حين أن المعارضة وإبراز الاستنكار للظالم من الواجبات، حتى لو لم تؤثر هذه المعارضة ولوازمها في رفع الظلم (22).
وبعبارة أخرى لا مبالغة في القول إنه أحدث ثورة في الفكر وفي الفهم، ثم أحدث الثورة في الواقع، لقد كان أول عالم دین يحيي واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المتون الفقهية والرسائل العملية المعاصرة عند الشيعة (23)، ويكفي المقارنة بين بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما جاء في كتابه الفقهي تحرير الوسيلة» ما جاء في الكتب المشابهة للفقهاء الآخرين حتى يدرك المرء أهمية التحول الحاصل.
وفي 5 / 10 / ۱۹65م تم ترحيل الإمام الخميني مع نجله الشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني من تركيا إلى العراق، ليكون منفاهما الثاني.
وخلال إقامته هناك حاول بلورة نظريته في “الحكومة الإسلامية” كأول فقیه شيعي يستعمل هذا المصطلح في بحوثه الفقهية (24)، فقد قام بتدریس مسألة ولاية الفقيه خلال ثلاث عشرة محاضرة في النجف (25)، وثم قام مرة ثانية بكتابة مبحث ولاية الفقيه في المجلد الثاني من “كتاب البيع”، المؤلف من خمسة أجزاء بالطريقة نفسها تقريباً.
الهوامش
(1) الكوثر،الجزء الأول،مجموعة من خطابات الامام الخمیني،مؤسسة ونشر تراث الإمام الخميني،الطبعة الأولى عام۱۹۹،ص۲۸۵.
(2) المصدر نفسه، ص ۳۹۵.
(3) المصدر نفسه، ص ۳۹۹.
(4) المصدر نفسه، ص ۴۰۳.
(5) توفي عام ۱۹۵۰.
(6) أنظر: كتاب مصباح الهداية، طهران، ۱۹۸۲، ص ۵۳.
(7) أحيانا كان المشاركون طالباً أو طالبين وهذه المحاضرات كانت أيام الخميس والجمعة أي أيام العطلة الأسبوعية الدراسية في قم.
(8) توفي عام ۱۹۳۱م.
(9) توفي عام ۱۸۵۸م.
(10) توفي عام ۱۶۷۷م.
(11) سر الصلاة، معراج السالكين وصلاة العارفين، تم تأليفه سنة ۱۹۳۹ في ۲۲۶ صفحة.
(12) تم تأليفه عام ۱۹۳۰ في ۳۱۶ صفحة.
(13) بیرك، إدموند ولا بيدوس، ایران ، السلام والسياسة والحركات الاجتماعية، ترجمة إلى العربية محروس سليمان، مكتبة مدبولي، عام ۱۹۹۹،ص ۴۳۸ – ۴۳۹ (القسم الخامس).
(14) الكوثر، مجموعة من خطابات الإمام الخميني،مؤسسة تنظیم ونشر تراث الإمام الخميني، عام ۱۹۹۶ الجزء الأول، الطبعة الأولى عام ۱۹۹۶ ص ۴۰۰ .
(15) الإمام الخميني، كشف الاسرار، ص ۲۲۲
(16) أنظر : Mohammad Hassan Faghoory The Role of the Ulama
in Twentieth Century in Iran with Particular Reference to Ayatullah Haj Sayyid abu Al Qasim Kashani University of Wisconsin, 1978 – pp 220
(17) بیرك، إدموند ولابيدوس، ایران: السلام والسياسة والحركات الاجتماعية، ترجمة إلى العربية محروس سليمان، مكتبة مدبولي، عام ۱۹۹۹، ص ۴۴۱ (مقالة حامد الغار).
(18)الإمام الخميني،الحكومة الإسلامية،نشر مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني،الطبعة الأولى عام ۱۹۹٦، ص 25 – 26.
(19) الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، ج ۱، ن ص ٤۷۲، الشرط الرابع، المسألة ٦.
(20) أنظر کدیور، محسن، نظريات الحكم في الفقه الشيعي، دار الجديد، بیروت، عام ۲۰۰۰، ص ۲٦ – ۲۷
(21) المصدر نفسه، ج ۱، ص ٤۸۲، المسألة ۱٥.
(22) المصدر نفسه،يزيد الإمام في نقده لضعف رجال الدين ويقول: إن الملالي الذين هم ليسوا في صدد التفكير في بيان نظريات الإسلام وأنظمته ورؤيته للكون ويصرفون أغلب أوقاتهم في ما يقوله هؤلاء (العلماء الأجانب) قد نسوا سائر كتب الإسلام (وأبوابه).
(23) كانت موضوعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفترة طويلة قد حذفت من کتب الفتاوی، راجع الشهید مرتضی مطهري، الأمر بالمعروف والنهي عن النكر، کتاب ده گفتار، دار صدرا، طهران، ۱۹۷۸، ص ٦۰.
(24) في أول كلمة ألقاها الإمام الخميني في النجف الأشرف بمناسبة بدء الفصل الدراسي، شرح تاریخ صدر الإسلام وموقع الحكومة الإسلامية ووظائف ومسؤوليات الطبقات المختلفة في المجتمع الإسلامي، مؤكدا على أن رسول الله ثار في محيط كان الجميع معارضين له، وكتب رسائل لأربعة من الرؤساء الكبار آنذاك يدعوهم فيها إلى الإسلام، وفي هذه الكلمة طالب الإمام قادة الدول الإسلامية بالاستفادة من سلاح النفط ونبه إلى حاجة القوى الكبرى الماسة إليه منتقدة فكرة الإسلام التقليدي. وأكد على أن الصلاة والدعاء يمثلان باباً واحداً فقط من أبواب الأحكام الإسلامية… وأن المسجد كان محلاً للقيادة وإدارة الأمور ودراسة وتحليل المسائل والمشاكل اليومية. واستنكر التفكير الذي يحصر الإسلام في الصلاة والطهارة والنجاسة. ورفض فكرة فصل الدين عن السياسة وسعى إلى مكافحة اليأس والركود والخمول الذي ترسخ في الحوزة العلمية في النجف التي كانت يلفها الصمت لأكثر من نصف قرن. أنظر، الكوثر، الجزء الأول، مجموعة من خطابات الإمام الخميني، مؤسسة تنظیم ونشر تراث الإمام الخميني عام ۱۹۹٦، ص ۲۸۰ – ۲۹٦.
(25) في خريف ۱۹۷۰ طبعت هذه المحاضرات من قبل أنصار الإمام الخميني في بيروت بمساعدة مسؤول دار الأعلمي، ومن ثم أرسلت إلى إيران بشكل سري، وقد طبعت هذه المجموعة أيضًا قبل انتصار الثورة سنة ۱۹۷۷، وبعد الثورة طبعت تحت عناوین ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية، نحن هنا نعتمد العنوان الأخير الذي طبع من قبل مؤسسة تنظیم ونشر تراث الإمام الخميني عام ١٩٩٦.
المصدر: كتاب ” الفكر الإسلامي المعاصر في إيران – جدليات التقليد والتجديد ” ( الصفحة 210 ) للدكتور محمد رضا وصفي (أستاذ وباحث إيراني في جامعة طهران )- منشورات دار الجديد. بيروت،2001