الثابت والمتغير في الشريعة

دور البعثة النبوية في تحقيق الوحدة الإسلامية .. بقلم آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري

الاجتهاد: واجه الإسلام قبل في الجزيرة العربية البعثة النبوية مجتمعاً فرقته العصبيات القبلية واستفحلت فيه العداءات النسبية والعرقية من هنا كانت عملية القضاء على هذه النعرات والعصبيات من اصعب مهام القائد (الرسول الأكرم(ص) ) على طريق إنشاء المجتمع الموحد وعانى القائد ما عانى لاستتباب معيار التقوى في المجتمع الإسلامي بدل المعايير الجاهلية لكن الجاهلية الحديثة أعادت لنا تلك القبائل والعصابات بأسلوب جديد ومسميات جديدة معقدة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد المصطفى الامين وعلى واله الطيبين الطاهرين .

تمهيد :

خصائص الحضارات قبل الإسلام

وسنجد أن كل الحضارات الموجودة قبل الإسلام امتازت بخصائص كثيرة متشابهة؛ لعلَّ من أبرزها ثلاثًا:

أما أولها : فهو الانحراف العقائدي الكامل؛ حيث فسدت العقائد، وعبد الناس آلهة شتى من دون الله لا تملك لأنفسها -فضلاً عن أن تملك لهم- ضرًّا ولا نفعًا؛ فعبد العرب الأصنام، وعبد الصينيون بوذا، وعبد الفُرْس النار، وتخبَّط الرومان بين الوثنية والمسيحية المحرَّفة التي ابتدعوها؛ بينما عَبَدَ المصريون القدماء آلهة متنوعة من الشمس إلى أوهام أخرى كحورس وبتاح وآمون.

وثانية الخصائص : هي الانهيار الأخلاقي التام؛ حيث انتشرت الفواحش، ولم يعد الناس يعرفون معروفًا أو يُنكرون منكرًا؛ بل انقلبت الأحوال حيث أصبح المنكر معروفًا يتداوله الناس جهرًا دون خشية، كما حدث مع الزنا والدعارة مثلاً؛ فصارت الداعرات ذوات بيوت مُشْهَرَة، كما صارت نسبة أولاد الزنا للزناة أمرًا شائعًا مشروعًا لا ينفيه أحد، ولا تُصيبه معرَّة بسببه.

وأما الخاصية الثالثة : فهي التعاظم الشديد في القوة المادية؛ فقد كانت هذه الحضارات دنيوية صِرْفة، لا يهتم ملوكها وحكامها إلا بالقوة المادية التي تزيد في ملكهم؛ لذا فقد اهتمُّوا بزيادة قوتهم؛ وتكوين جيوش ضخمة يحاولون بها السيطرة على العالم واستعباد البشر.

ومن هنا نعلم أن المسلمين حينما انطلقوا للجهاد، وواجهوا تلك الحضارات في صراعات عسكرية، كانوا يُواجهون في الواقع قوى عظمى تملك قدرات عسكرية ومادية هائلة؛ ولكن نجح المسلمون المجاهدون -بفضل الله تعالى- في الانتصار على هذه القوى بالفرق الواضح بينهم في الجوانب العقائدية والأخلاقية؛ على الرغم من التفاوت الهائل في القوى المادية.

العرب قبل بعثة النبوية (ص) :

الوضع الديني :

على المستوى الديني كانت الوثنية هي الديانة الكبرى في شبه الجزيرة العربية.

وكانت عقيدة الشرك وعبادة الأصنام متفشية بين سكان هذه المنطقة.

ويكفي أن نذكر أن عبادتهم للأصنام كانت ملونة باللون القبلي، فلكل قبيلة، بل لكل بيت وثن وطريقة في العبادة.

ورغم أنهم كانوا يعتقدون بوجود الله وخالقيته للكون، إلا أنهم كانوا يرون أن عبادتهم للأصنام تقربهم من الله، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى:” والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى”.

الوضع السياسي:

وأما على المستوى السياسي، فإن سكان شبه الجزيرة العربية أنذاك لم يخضعوا لأي سلطة أو نظام غير سلطة القبيلة، وبسبب أن معظم سكان هذه المنطقة، كانوا من البدو الرحل الذين يمسون في مكان ويصبحون في مكان أخر، هذا من جهة، وبسبب رفضهم لجميع أنواع التسلط الذي يحدّ من حرية الأفراد والأسرة والقبيلة من جهة ثانية، وبسبب بعض العوامل الاقتصادية نظرا لكون طبيعة المنطقة صحراوية لا تصلح للزراعة والعمل ولا تساعد على الاستقرار لتنظيم الحياة والانتاج من جهة ثالثة.

لأجل كل ذلك أن هذه المنطقة بقيت بعيدة عن سيطرة الدول الكبرى ونفوذها آنذاك، مثل دولة الفرس ودولة الرومان، لم تخضع هذه المنطقة لحكم ونظام أي من الرومان والفرس والاحباش، ولم تتأثر بمفاهيمهم وأديانهم كثيرا.

ومن هنا فقد نشأت من هذا الوضع ظاهرة الدويلات القبلية، فكان لكل قبيلة حاكم، ولكل صاحب قوة سلطان، ولم يكن يجمعهم نظام واحد، أو سلطة سياسية واحدة، وإنما كانوا يعيشون فراغا سياسيا في هذا الجانب.

الوضع الاجتماعي :

وأما الوضع الاجتماعي، فإن الحياة الصعبة، التي كان يعيشها الإنسان العربي في البادية. والحكم القبلي وعدم وجود روادع دينية أو وجدانية قوية دفع بالقبائل إلى ممارسة الحرب والاعتداء بعضهم على بعض كوسيلة من وسائل تقديم العيش أحياناً، وأحياناً لفرض السيطرة، وأحيانا أخرى للثائر للاقتصاص.

فكانت هذه القبيلة تغير على تلك القبيلة وتستولي على أموالها وتسبي نسائها وأطفالها، وتقتل أو تأسر من تقدر عليه من رجالها ثم تعود القبيلة المنكوبة لتتربص بالقبيلة التي غلبتها وهكذا.

ولذلك فإن من يطالع كتب التاريخ يرى بوضوح إلى حد كانت الحال الاجتماعية متردية في ذلك العصر.

فالسلب والنهب والإغارة والتعصب القبلي كان من مميزات ذلك المجتمع. وكانت لأتفه الأسباب تحدث بينهم حروب طاحنة ومدمرة يذهب ضحيتها الاف الناس.

ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما عرف بحرب داحس والغبراء.

الوضع الأخلاقي :

وأما الوضع الأخلاقي العام، فقد كانت القسوة والفاحشة وتعاطي الخمر والربا ووأد البنات والأبناء خشية العار والفقر هي السمات العامة للأخلاق المتفشية في المجتمع الجاهلي.

ويكفي أن نشير إلى بعض النماذج من العادات والتقاليد التي كانت سائدة آنذاك، والتي أشار إليها القرآن الكريم لمعرفة مدى شيوع الفاحشة وظاهرة انعدام الغيرة والتحلل الاخلاقي في تلك المجتمعات الجاهلية.

كما أن عاداتهم القبيحة أيضا الطواف حول الكعبة وهم عراة، سواء الرجال والنساء.

وكان الرجل إذا هدده الإفلاس وشعر أنه سيصاب بالفقر كان يبادر إلى قتل أولاده خوفا من أن يراهم أذلاء جائعين. ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، بقوله تعالى :” ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وأياهم” .

الحروب القبلية كانت هي حياة العرب قبل الإسلام :

كما أننا نستطيع معرفة مدى شيوع ظاهرة وأد البنات ودفنهن وهن أحياء من تعرض القرآن الكريم لهذه العادة وإدانته لهذه الجريمة وتعنيفه لتلك المجتمعات على هذا السلوك الوحشي. فقد قال تعالى :” وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت”، وقال أيضا :”وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به”.

هذه هي أوضاع المجتمع العربي وأحواله في شبه الجزيرة أنداك. ومن قلب هذا المجتمع وهذا الجو القبلي المعقد والمشرذم الذي توافرت فيه كل أنواع الفساد والبعد عن القيم والأخلاق وأصبح بحاجة إلى عملية تغيير شاملة خرج رسول الله (ص) ليكون قائد عملية التغيير هذه. ولقد استطاع هذا الرسول العظيم في مدة وجيزة جدا أن ينقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة والعزة والكرامة. وأن يغيير فيها كل عاداتها ومفاهيمها، وأن يقضي على كل أسباب شقائها وآلامها.

امير المؤمنين عليه السلام يصف حال العرب قبل البعثة النبوية:

بعَثَ اللهُ سبحانه محمّداً رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله).. وأهل الأرض يومئذ مِلَل متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطرائق مُتشتّتة: بينَ مُشبِّهٍ لله بخَلقه، أو مُلحدٍ في اسمه، أو مُشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة. (من الخطبة 1)

إنّ الله بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله) نذيراً للعالَمين، وأميناً على التنزيل، وأنتم ـ معشرَ العرب ـ على شرّ دِينٍ وفي شرّ دار، مُنيخون بين حجارةٍ خُشْنٍ وحيّاتٍ صُمّ، تشربون الكَدِر، وتأكلون الجَشِب، وتسفكون دماءَكم، وتقطعون أرحامَكم.. الأصنامُ فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة.(من الخطبة 26)

إنّ الله سبحانه بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بالحقّ حين دنا من الدنيا الانقطاع، وأقبلَ من الآخرة الاطّلاع، وأظلمَتْ بهجتُها بعد إشراق، وقامت بأهلها على ساق، وخَشُنَ منها مِهاد، وأزِفَ منها قِياد، في انقطاعٍ من مدّتها، واقترابٍ من أشراطها، وتصرّمٍ من أهلها، وانفصامٍ من حَلْقتها، وانتشارٍ من سببها، وعَفاءٍ من أعلامها، وتكشُّفٍ من عوراتها، وقِصَرٍ من طولها.(من الخطبة 198)

أرسَلَه على حين فترةٍ من الرُّسُل، وطولِ هَجْعة من الأُمم، واعتزامٍ من الفتن، وانتشارٍ من الأمور، وتَلَظٍّ من الحروب، والدنيا كاسفةُ النور، ظاهرةُ الغُرور، على حينِ اصفرارٍ من وَرَقِها، وإياسٍ من ثمرها، واغورارٍ من مائها.. قد دَرَستْ منارُ الهدى، وظهرتْ أعلامُ الورى، فهي متجِّهمةٌ لأهلها، عابسةٌ في وجه طالبها، ثمرُها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارُها الخوف، ودثارها السيف.(من الخطبة 89)

الرسول يحدث انقلابا حقيقيا:

لقد استطاع الاسلام في مدة قصيرة أن يحقق أعظم انجاز في منطقة كانت لها تلك الصفات والمميزات. وأن يحدث انقلابا حقيقيا وجذريا في عواطف وسلوك وعقلية وأخلاق تلك الأمة، وفي مفاهيمها وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة.

ولقد عبّر عن ذلك جعفر بن طالب لملك الحبشة بعدما بيّن له الأوضاع المتردية التي كان يعيشونها قبل مبعث الرسول (ص) فقال :”فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لتوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم “.

مفهوم الوحدة:

خلق الإنسان مجبولاً على العيش مع الجماعة بعيداً عن الفردية والانعزال لما تقتضيه الطبيعة البشرية من العيش الجماعي المترابط الذي يكمل فيه أحدهما الآخر وبمرور الزمن وتكاثر الإنسان وتنوع المصالح أصبحت الحاجة ملحة إلى مفهوم جديد وهو الوحدة كي لا يكون المنعزل فريسة لغيره من الأمم والشعوب المتحدة التي تبني نفسها وتاريخها وتراثها على حساب غيرها من الأمم

والأمة الإسلامية من بين هذه الأمم التي شعرت بهذه الحاجة الملحة رغم انه من صميم دستورها هو الوحدة لذلك ظهرت دعوات الوحدة الإسلامية واقامة التكتلات في العالم العربي والإسلامي وليست هذه الدعوات وليدة الساعة بل هي قديمة قدم التمزق والتشتت والتناحر والفرقة التي عشناها ولا زلنا نعاني منها وما الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ودول عدم الانحياز والتكتلات الإقليمية التي قامت هنا وهناك إلا نماذج على إرادة الوحدة ومحاولة العمل من اجلها.

إن قضية الوحدة الإسلامية هي من القضايا الكبرى التي شغلت الضمير والفكر الإسلامي في القرون السالفة وطيلة القرن العشرين والى الآن وقد عالجتها اطروحات وكتب ومقالات كثيرة وكانت هذه الفكرة من أولويات الحركات والجماعات في كل أنحاء العالم الإسلامي

غير أن المنطلقات التي انطلقت منها النظريات والدعوات الوحدوية، والتبريرات التي أرادت إقناع الشعب بالانخراط في العمل الوحدوي لم تكن لتنتج الوحدة الإسلامية لأنها غالباً ما كانت تنطلق من إثارة العواطف وتهييج المشاعر مستندة في ذلك إلى آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة تدعو إلى وحدة الصف وعدم التفرقة والتنازع

وكانت هذه الدعوات تثير قضية المصير المشترك والعدو المشترك الذي يتمثل في الصهيونية وإسرائيل والاستعمار الغربي والدعوات الإلحادية فتبين ضرورة الوحدة لمواجهة الأخطار المحدقة والأعداء المشتركين واكثر هذه الخطابات الوحدوية كانت تطرح لنفسها مشروعاً نهضوياً شمولياً يفلسف الواقع ويرسم المستقبل ويضع المبادئ النهائية الكاملة للعودة بالمسلمين إلى سالف عهدهم وتليد مجدهم وتحدد كل فئة الطريقة التي تعتقد أنها صحيحة للتعامل مع النصوص وفهمها ولا تقبل من الآخرين إلا الطاعة والخضوع ولا تؤمن واقعاً بضرورة الاعتراف بالآخر ضمن الإطار الوحدوي

إن اغلب الذين طرحوا قضية الوحدة كانوا يبحثون عن مبرراتها ومسوغاتها ولم يكونوا يبحثون عن هدفها وغايتها ورسالتها تجاه المسلمين والعالم، كانوا يشعرون أن الوحدة ضرورية ولذلك يجب أن تحشد جميع الأدلة المؤيدة والداعية لها وقد فعلوا ذلك فأتوا بالأدلة وقدموها وضخموها ولكن جهودهم لم تؤد إلى الوحدة ولم تشكل قوة فكرية وروحية ملهمة للشعوب لكي تقدم الغالي والنفيس في سبيل الوحدة،

إن إثارة العواطف لا تثمر عملاً منظماً مبرمجاً بل ردّات فعل هائجة غير متعقلة ولا محسوبة، والوحدة التي تقوم على أساس مواجهة العدو المشترك لا تسمى وحدة بل تحالفاً بين أناس تجمعهم قواسم مشتركة تتمثل في وجود هذا الخطر والعدو حتى إذا ما زال الخطر أو العدو لم يكن للوحدة مبررها فتعود الصراعات إلى سالف عهدها ويعود التشتت والتفرقة مرّة أخرى والتحالف يختلف عن الوحدة

حيث يمكن أن يكون بين فريقين تجمعهما قواسم مشتركة سواء كانت هذه القواسم مواجهة عدو مشترك أم الوقوف في وجه خطر محدق أو تحقيق مصلحة لأطراف هذا التحالف أما الوحدة الإسلامية فينبغي أن تبنى على مشروع نهضوي رسالي يقوم على تحليل الواقع العالمي ومعرفة طبيعة الصراعات والنزاعات فيه وتحديد النقطة التي وصلت لها البشرية في الشرق والغرب تمهيداً لإيجاد البديل الأعدل والأنفع والأرحم للناس جميعاً. ونعتقد أن وضع العالم اليوم يشير إلى انه وصل إلى نقطة صار فيها التغيير حتمياً ونعتقد أن الإسلام هو المؤهل لأداء هذا الدور الرئيسي في التغيير ونجزم بأنه الحل.

الوحدة الإسلامية في الكتاب والسنة النبوية المطهرة:

( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) آل عمران: 103.

( واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) آل عمران: 103.

( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران: 104.

( إنما المؤمنون اخوة) الحجرات: 10.

( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) الشورى: 10.

( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) النساء:59.

( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) المؤمنون: 53.

( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) الأنفال: 46.

( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء: 92.

( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) صحيح مسلم، ج4، ص1999.

( المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ) صحيح مسلم، ج4، ص1999.

( لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا ) كنز العمال، ج1، ص177.

أسباب التمزق وعقبات الوحدة :

إن من أهم مشاكل الوحدة الإسلامية حسب ما بينه القادة والمفكرون الإسلاميون أو ما هو واضح للمهتمين بها يتمثل في ثلاث عقبات رئيسية وأخرى فرعية. هي:

أولاـ النعرات القومية :

التعصب القومي والعنصري ظاهرة تسود كل المجتمعات الجاهلية فالمجتمع الجاهلي ينتقد القيم الإنسانية ويفتقد التربية الإنسانية ولذلك يعيش أفراده في مستوى منحط من التصورات والأفكار والقيم وتصبح مظاهر اللغة أو اللون أو النسب هي معايير التمييز والتفضيل بين أبناء البشر وتهبط قيمة كل المعايير الإنسانية الصحيحة فالرسالة الإسلامية (الإلهية) تستهدف فيما تستهدف طرح معايير وتصورات إنسانية في المجتمع كي يتجاوز الكائن البشري الأُطر الضيقة التي تؤطر فكر الإنسان الجاهلي مثل المرعى والقطيع.

فالإسلام واجه في الجزيرة العربية كما ذكرنا مجتمعاً فرقته العصبيات القبلية واستفحلت فيه العداءات النسبية والعرقية من هنا كانت عملية القضاء على هذه النعرات والعصبيات من اصعب مهام القائد (الرسول الأكرم(ص) ) على طريق إنشاء المجتمع الموحد وعانى القائد ما عانى لاستتباب معيار التقوى في المجتمع الإسلامي بدل المعايير الجاهلية

لكن الجاهلية الحديثة أعادت لنا تلك القبائل والعصابات بأسلوب جديد ومسميات جديدة معقدة محاطة بأطر ونظريات علماء الاجتماع الأوربيين واليهود والأمريكان ومحملة بكل الوسائل الرخيصة للقضاء على الإسلام فخلقت الفرقة وروح العداء بين أبناء الأمة الإسلامي .

ثانياـ النعرات الطائفية :

الاتجاهات الفكرية والاجتهادية المختلفة ظاهرة شهدها العالم الإسلامي منذ فجر الإسلام بعضها طبيعي يعود إلى طبيعة المجتمع البشري وبعضها الآخر مفتعل استحدثه المغرضون لأهدافهم الخاصة وخلال عصور تاريخية مختلفة استغلت هذه الاختلافات لأغراض شخصية مِن قبل أفراد لا يؤمنون بالإسلام أصلا ولعبت السياسة على مرّ التاريخ الإسلامي دوراً كبيراً في بروز الاتجاهات الفكرية والفقهية أو ضمورها

وهذه المسألة واضحة لكل باحث في التاريخ الإسلامي، والجانب الكبير من تفشي هذه النعرات يعود إلى جهل المسلمين فرعاع الناس كانوا دوماً وقود النزاعات الطائفية واداة بيد المغرضين يستغلون تعصبهم الأعمى إلى هذه الجهة أو تلك، فيثيرون المعارك والاشتباكات فلكي نخطو للأمام لابد أن تزول هذه النعرات الطائفية بين المسلمين وأن يحس المسلمون اجمع أن مشكلتهم واحدة هي طواغيت الأرض الذين انقضوا على امتنا الإسلامية وسلبوا ثرواتها.

ثالثاـ الحكومات المهزومة :

بعد أن فشل الغزاة في فرض سيطرتهم المباشرة على العالم الإسلامي وضعوا خطة شاملة للسيطرة غير المباشرة على هذه الأمة شملت الجوانب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للمسلمين والذي ينهض بهذا الدور هو الحكّام الضعفاء في عالمنا الإسلامي فبعد أن تمزق العالم الإسلامي إلى دويلات متفرقة هنا

وهناك اهتم الغزاة بتربية أفراد من هذه الأمة ليخلفوهم في تنفيذ مخطط التبعية ومارس هؤلاء دورهم بكل إخلاص فقمعوا كل حركة تحررية وقدموا ثروات الأمة المادية والمعنوية قرباناً بين يدي أسيادهم، إن هذه الحكومات رغم تصاغرها أمام الأسياد وخضوعها وتخاذلها أمام المستعمرين لكنها تقف من شعوبها موقف الطاغية الجبار المتفرعن وبذلك ينفصل الجهاز الحاكم عن شعبه ويحرم المجتمع من أحد أهم دعائم الوحدة وهي وحدة الحكّام والمحكومين.

عقبات تقف امام الوحدة الإسلامية :

كما ان هناك مشاكل وعقبات أمام الوحدة يمكن إيرادها على أساس أنها ثانوية وقد يعدّها البعض أو قد تصل في بعض الأحيان إلى أسباب أو مشاكل رئيسية هي:

1ـ وعاظ السلاطين: إن هذه الظاهرة في عالمنا الإسلامي ليست جديدة فقد برزت في تأريخنا الإسلامي مع بروز الانحراف عن الإسلام كما أنها لا تختص بالإسلام بل تظهر كلما عصفت الأهواء والأغراض بالرسالات الإلهية ومهمتهم هي إصدار الفتاوى التي تسند ذوي السلطة والنفوذ وتضفي عليهم الشرعية على انحرافهم وقد ظهرت ذروة المأساة حينما تولى زمام الأمور قيادات معادية للإسلام ومعادية لكل تحرك إسلامي بنّاء وهذه القيادات بدورها مارست كل ألوان الضغوط على علماء الدين كي يساعدوها على مسخ الإسلام والقضاء على الروح الإسلامية وحماية المشاريع الاستعمارية في بلاد المسلمين.

2ـ خلو ساحة الرسالة من القادة المبدئيين والأمة المؤمنة.

3ـ فشل الاطروحات الداعية للوحدة : لأن اغلبها انطلقت من الأوساط المنحرفة عن الرسالة الإلهية.

4ـ عدم تشخيص السبب الرئيسي للصراع : ومن ثم عدم الاستطاعة في تقديم العلاج الناجح.

5ـ استغل المستعمرون سلبيات الحكومات الضعيفة : فطرحوا الأفكار البديلة للدولة الإسلامية مثل فكرة الدولة القومية خاصة أيام ضعف الحكم العثماني.

6ـ الهزيمة الداخلية بين قطّاع كبير من الأمة : وذلك بعد الغزو الاستعماري من خلال الابتعاد عن القيم والتعاليم الإسلامية واللجوء إلى الثقافة الغربية الرامية إلى تفكيك الأمة والسيطرة عليها.

العودة إلى الإسلام هي العودة إلى الوحدة:

لاحظنا مما تقدم أن الوحدة الإنسانية لا تتحقق في الواقع إلا في إطار الرسالة الإلهية لان هذه الرسالة هي القادرة على تربية الفرد والمجتمع الإنساني وفق قيم ومعايير تزول معها كل ألوان الصراع المصلحي المادي بين أبناء البشر وليس معنى هذا أن الدين الإلهي يستهدف خلق نوع من المصالحة بين الظالم والمظلوم في المجتمع الإنساني

بل انه يتأمل الظلم والظالمين من المجتمع ويخلق بين الأفراد وحدة في القلوب والأفكار ووحدة في الهدف والمسير ووحدة في المصالح والطموحات وهذه المسألة لا تخفى على كل متتبع لأهداف الرسالات الإلهية التي جاء بها الأنبياء لا التي اختلقتها الكنائس والأديرة والبلاطات .

والفترة القصيرة التي مرت بها التجربة الإسلامية – بداية البعثة النبوية – قبل انحراف المجتمع الإسلامي سجّلت في تاريخ البشرية أروع انتصار في خلق المجتمع الموحد في الأفكار والعواطف والأهداف.

فالإسلام انطلق من أرض تسودها ألوان الصراع القبلي والعنصري والطبقي وما أن انتصرت كلمة الإسلام حتى خلق مجتمعاً رافضاً لكل تمييز عنصري (الأسود والأبيض) أو طبقي (السيد والعبد) أو قبلي (قريش وغيرها) وساد الإخاء بين أفراده ومن أول مصاديقه المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وزال الصراع الدامي بين القبائل العربية وانتهى عهد الرق والاستغلال الجاهلي وقطعت أيادي المتسلطين في ذلك المجتمع وبقيت التجربة الإسلامية

ومع كل ما عصف بها من انحراف تمارس دورها خلال العصور التالية للبعثة في صهر القوميات المختلفة في بوتقة الإسلام وتربية العواطف الإنسانية والسمو بها عن الهبوط إلى مستوى الصراع المصلحي البهيمي إلا إننا نلاحظ من خلال دراستنا للتأريخ والأحداث انه خلال القرون الأخيرة انحسر الإسلام وتراجع للأسباب المتقدمة ومعه انحسرت الوحدة الإسلامية (الإنسانية) حيث أصبحت البلدان مستعمرات والشعوب أناساً مستعبدين واصبحت الساحة مسرحاً تصول به ذئاب كاسرة انطلقت من الغرب وهي مجهزة بأسلحة جديدة وتكنولوجيا عالية لاستنزاف خيرات الأمة المادية والمعنوية ونتيجة هذا الإختلال في التوازن نشأة الصراعات الدموية التي مزقت الأمة شر ممزق بحيث اصبح توازن القوى هو الحائل الوحيد دون نشوب الحروب العالمية الطاحنة.

إذن لابد من الرجوع إلى القاعدة الأساسية التي وضعها الإسلام وطبقها الرسول(ص) ولا تتحقق هذه إلا بزوال ما أمامها من مشاكل وعقبات لذا نرى أن الطريق الأمثل للوصول إلى الوحدة الإسلامية وإعادة العزة للمسلمين جميعاً هو رفع مستوى المسلمين الفكري واطلاعهم على آراء الإسلام ومعارفه التي يحتويها القرآن والسنة النبوية والروايات وسيرة الأئمة(ع) فذلك كفيل بمعالجة المشكلة وسلب الأعداء إمكانية الاستفادة من عوامل الخلاف السالفة الذكر .

إن زيادة الوعي الديني والثقافي والعلمي لدى المسلمين هو خير وسيلة لتجنب بروز الخلافات التي تثيرها العوامل المذكورة ولشدة تأثير ذلك كان الإسلام يحث اتباعه دائماً وفي كثير من الآيات على التفكر والتدبر بدقة والتعرف على النفوس وما يحيط بها.

إذن لابد أن نضع أيدينا بأيدي بعض من اجل إزالة الغبار عن وجه الإسلام الحقيقي الناصع ليطلع عليه المسلمون .فلو أدرك المسلمون حقيقة الإسلام وما يدعو إليه لما تفرقوا ولأصبحوا اعظم قوة في العالم وارقى الشعوب وانجحها في جميع الميادين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky