الاجتهاد: ماحدثَ في ساحةِ الوثبةِ في العاصمةِ العراقيّةِ بغداد ، من جَريمةٍ مُروِعَةٍ ، لطفلٍ عمرهُ ستةَ عشرَ عاماً ، لم يكُن مجردّ حادثةِ قتلٍ عاديّة ، تَحدُثُ في كلِّ الشعوبِ والمجتمعاتِ ، وانما هي جريمةٌ مُرَوِعَةٌ تَعكسُ انهيارَ منظومتنا القِيَمِيِّة والاخلاقيَّةِ .
طفلٌ لم يسمح لمخربين الاقترابَ من منزله ، وهذا حقهُ الشرعيُّ والقانونيُّ .. فما كان ردُّ فعلِ من يسمونَ انفسهم متظاهرين ، الاّ ان احرقوا داره بقنابل المولوتوف الحارقة ، واقتحموا الدار وقتلوه ، وسحلوه ، وطعنوه بالسكاكين .. ثمَّ علقوه على عمود … والانكى من ذلك ، ان الجمهور يعربد ويتلذذ بمشهد القتل الساديّ الدامي ، وكأننا في حفلة عرس..
ماذا يعني هذا ؟ هل هذا جمهورٌ سويٌّ ؟ هل نحنُ بحاجةٍ الى اعادةِ تأهيلٍ؟ من انتم حتى تخطفوا الوطنَ ، وتقدموا للعالم صورةً شائهةً عن العراقي باعتبارهِ همجياً متوحشاً ، لاصانع حضارات؟ واين حضورُ الحكومةِ ؟ واين القواتُ الامنيّةُ المرعوبة؟ اليست وظيفةُ الدولةِ حمايةَ مواطنيها ؟ لماذا تجرد اجهزتنا الامنيّة من اسلحتها ؟ شهدنا في الوثبة عصاباتٌ تتحرك في غيابِ الدولة ، التي اسقطت هيبتها هذهِ العصابات.ماحدثَ في ساحةِ الوثبةٍ يدعونا الى التساؤل….
اينَ الضميرُ؟ اينَ الانسانيّةُ ؟ واينَ براءةُ الطفولة التي يحنو عليها الكبير والصغير؟
ماحدثَ يعكسُ انهياراً قيمياً واخلاقيّاً .وهذا الحادثُ يستوجبُ منا مراجعةً .. فالعنفُ متأصل فينا ، وثقافة السحل والقتل والتعذيب ، ثقافةٌ راسخةٌ في شخصيتنا.
في اعقاب الاطاحة بالملكية على يد الضباط الاحرار ، تم قتل العائلة المالكة ، وفي حركة الشواف في الموصل ، مارس الشيوعيون عمليات القتل والتعذيب والسحل … والبعثيون في انقلابهم المشؤوم في الثامن من شباط سنة 1963م ، ارتكبوا المجازر والملاحقة والارهاب والتنكيل بالخصوم والسحل .
الاحزاب الاقصائيّةُ غَذّت فينا هذهِ الروح الدمويّةِ الاقصائيّةِ التي لاترحم كبيراً ، ولاتحنو على صغيرٍ.
وجاءت داعش التي هي عناصر حزب البعث بلحيةٍ وثوبٍ قصيرٍ ، وفكرٍ اقصائيٍّ يتمسحُ بلباسِ الدين.
الايديولوجيات بفكرها الاقصائي ليس لها ان تنتجَ لنا فكراً يتعايش فيه الجميع ، ويتعاونون تحتَ خيمةٍ الوطن.
مشهدُ الوثبةِ الداميّ ، كان مشهداً داعشياً بامتياز ، يعيد الى ذاكرتنا ماحدث في الفلوجةِ مع الشهيد مصطفى العذاري ، ويذكرنا بماحدث للشهيد العلياوي مع اخيه .
منظومة الاخلاق والقيم هي الحصنُ الذي نلوذ به ، واذا انهارت انهارَ كُلُّ شيءٍ .
يقول الشاعر :
انما الاممُ الاخلاقُ مابقيت فان هم ذهبت اخلاقُهم ذهبوا .
من يذبحونَ الطفولةَ ، ويقتلونَ براءَتها ينتمون الى شمر بن ذي الجوشن ، ولاعلاقة لهم بالامام الحسين (ع) ، وقيمِ الثورةِ الحسينيّة .