اختطاف

جريمة اختطاف الرهائن في القانون الاسلامي والدولي / بقلم: جميل عودة

الاجتهاد: ما هي جريمة احتجاز واختطاف الرهائن وما هي أركانها؟ وما هي الدوافع من وراءها؟ وما هو موقف القانون الدولي والقانون الإسلامي منها؟ وما هي الحلول والعلاجات للحد منها؟

تُبذل جهود على المستويين الدولي والإقليمي لمكافحة الإرهاب بكافة صوره. وقد توصل المجتمع الدولي إلى عقد عدد من الاتفاقات التي تجرم مجموعة من الأفعال تتفق الآراء على طبيعتها الإرهابية ومخالفتها للمبادئ الإنسانية.

ومن هذه الأفعال اختطاف واحتجاز الرهائن التي تعد إحدى أهم الجرائم التي يلجأ إليها الإرهابيون بصورة مستمرة وبأساليب متعددة، لما لها من تأثير كبير على الرأي العام المحلي والدولي، وما تحققه من نتائج سياسية ومنافع مادية للخاطفين.

فما هي جريمة احتجاز الرهائن وما هي أركانها؟ وما هي الدوافع من وراءها؟ وما هو موقف القانون الدولي والقانون الإسلامي منها؟ وما هي الحلول والعلاجات للحد منها؟

يُعرف احتجاز الرهائن بأنه” كل عمل من شانه أن يؤدي إلى القبض على فرد أو أكثر أو حبسه أو احتجازه بقصد إجبار طرف ثالث على الاستجابة لتنفيذ أمر ما أو شرط ما أو بقصد الامتناع عن أداء عمل معين).

وقد عرفت اتفاقية اخذ الرهان الدولية في مادتها الأولى بان المقصود من أخذ الرهان هو (قيام أي شخص بالقبض على شخص أخر “الرهينة” أو يحتجزه ويهدده بقتله أو إيذائه أو استمرار احتجازه من أجل إكراه طرف ثالث، سواء كان دولة أو منظمة دولية حكومية أو شخصا طبيعيا أو اعتباريا أو مجموعة من الأشخاص على القيام بفعل معين كشرط صريح للإفراج عن الرهينة).

وعرفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الرهائن بأنهم “أشخاص يجدون أنفسهم، طوعا أو كرها، تحت سلطة العدو وتتوقف حريتهم أو حياتهم على الإذعان لأوامر العدو والحفاظ على سلامة قواته المسلحة”.

وإذا ما كانت هذه الجريمة أو تلك تمثل جريمة اختطاف واحتجاز الرهان، وبالتالي تنطبق عليها قواعد القانون الدولية، وتكون مشمولة بإجراءات المحكمة الجنائية الدولية، فقد حددت المحكمة الجنائية الدولية في مادة (8 /2/ أ/ 8) أركان جريمة أخذ الرهائن الآتية:

” (1)أن يعتقل مرتكب الجريمة شخصا أو أكثر، أو يحتجزهم أو يأخذهم رهائن بأي طريقة أخرى (2) أن يهدد مرتكب الجريمة بقتل أو إصابة أو مواصلة احتجاز هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص(3) أن ينوي مرتكب الجريمة إجبار دولة، أو منظمة دولية، أو شخص طبيعي أو اعتباري، أو مجموعة أشخاص، على القيام بأي فعل أو الامتناع عن أي فعل كشرط صريح أو ضمني لسلامة هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أو الإفراج عنه أو عنهم(4) أن يكون هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص ممن تشملهم بالحماية اتفاقية أو أكثر من اتفاقيات جنيف لعام 1949(5)أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت ذلك الوضع المحمي (6) أن يصدر السلوك في سياق نزاع مسلح دولي ويكون مقترنا به(7) أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح.”

وبناء على هذه التعريف، فان جريمة اختطاف واحتجاز الرهائن لا تمثل اعتداءا على حقوق الإنسان المختطف في أمنه وحريته الشخصية، وما يصاحب ذلك من تهدديه بالقتل وإخافته، فحسب بل هي جريمة تستهدف أيضا ترويع غير المختطفين من الآمنين سواء كانوا أفرادا أو مجتمعات أو دولا ؛ حيث لم يعد يفرق الخاطفون بين المحاربين والمدنيين، وبين الأعداء وغير الأعداء، وبين المواطنين والأجانب، وبين الكبار والصغار، وبين الرجال والنساء، إنما أباحوا خطف ورهن كل من وصلت إليه أيدهم؛ بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ، وهو ما يدل بوضح على فضاعت هذه الجريمة وغلظة مرتكبها وخسة مقاصدهم..

وبالنظر إلى الأسباب الموجبة لارتكاب جريمة خطف الرهائن، فليس هناك دوافع محددة لكل من يمارس جريمة اختطاف واحتجاز الرهائن، حيث تختلف دوافع اختطاف وحجز الرهائن من مجموعة إرهابية إلى أخرى وربما تتشابه الدوافع. فبعض المجموعات المسلحة تلجأ إلى خطف الرهائن لتحقيق مكاسب سياسية معينة، مثل التأثير على دول المخطوفين لإطلاق سراح عدد من الإرهابيين في سجون الدولة التي ينتمي إليها المخطوفون، أو للضغط على دولة المخطوفين لتغيير موقفهم السياسي من أحداث معينة، مثل قيام تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” بخطف عدد من الفرنسيين والتهديد بقتلهم في حال لم تتوقف فرنسا عن التدخل في شؤون شمال مالي.

بينما تسعى بعض الجماعات الإرهابية إلى أسلوب الخطف من أجل تمويل أنشطتها الإجرامية كاختطاف واحتجاز رهائن غربيين متواجدين في الدول غير المستقرة من أجل الحصول على المال، مثل اختطاف وقتل الرهينة الصحفي الأمريكي جيمس فولي في سوريا.

فبحسب بعض التقارير الدولية فان تنظيم القاعدة قد مول عمليات إرهابية بشكل متزايد بواسطة 125 مليون دولار على الأقل، حصل عليها من خلال خطف رهائن وهذه الأموال جاءت إلى حد كبير من حكومات غربية سعت إلى تحرير رعاياها. وبلغت قيمة هذه الأموال 66 مليون دولار في العام 2013.

وقد يكون الهدف من أخذ الرهان واحتجازهم هو الدوافع الدينية والعقائدية للخاطفين، مثل قيام تنظيم داعش بخطف المواطنين العراقيين من الطائفتين المسيحية واليزيدية بهدف استرقاقهم وسبيهم. فبحسب وزير حقوق الإنسان العراقي السابق محمد شياع السوداني “إن مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية قتلوا 500 على الأقل من الأقلية اليزيدية في العراق، ودفنوا بعض ضحاياهم أحياء، وخطفوا مئات من النساء” وتقول “عالية با يزيد إسماعيل” في مقال لها منشور على الانترنيت، وهي مواطنة عراقية من الطائفة اليزيدية ” لقد أشارت التقديرات إلى أن حوالي 3000 امرأة ايزيدية اختطفت وتعرضت للاغتصاب المنهجي كإماء ورقيق..”

وقد يكون الهدف من أخذ الرهائن هو الانتقام السياسي، مثل قيام جماعة من أبناء وأنصار حزب البعث وتنظيم داهش بقتل واختطاف ما يزيد على 1700 طالب في كلية القوة الجوية في معسكر سبايكر بمحافظة صلاح الدين، من أبناء الطائفة المسلمة الشيعية بهدف التفاوض مع السلطات الحكومية لمقايضتهم مع بعثيين أو إرهابيين سجناء في السجون العراقية.

وقد تكون الدوافع هو الاتهام بعدم الولاء أو “الردة” مثل عمليات القتل والخطف الجماعية التي ارتكبت ضد عشيرة أبو نمر من الطائفة السنية في محافظ الانبار غرب العراق. فقد أكد مجلس محافظة الأنبار ” أن تنظيم داعش قتل خمسمائة شخص من عشيرة البو نمر وخطف أكثر من ألف آخرين لا يزال مصيرهم مجهولا..”

الحقيقة أن المجتمع الدولي قد جرم أخذ الرهائن تحت أي ظرف ولأي سبب كان، منذ سنة 1949، حيث منع أخذ الرهائن في اتفاقيات جنيف الأربع، كما منع استعمال أسرى الحرب أو المعتقلين دروعا بشرية، سواء كان صريحا أو ضمنيا بناء على فقرات تحظر على أي طرف إيذاء من “لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية” ويقعون تحت سيطرته.

وتحظر المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف أخذ الرهائن في النزاعات الداخلية. بينما تمنع الاتفاقية الرابعة احتجاز المدنيين كرهائن في وقت الحرب. وتجاهل هذه المحظورات أثناء نزاع دولي يعتبر انتهاك قانوني جسيم للقانون الإنساني الدولي، يجعل المسئولين عنها عرضة للمطاردة والمقاضاة الدوليتين.

كما أن مجلس الأمن الدولي في قرارا المرقم (2133 في 2014) قد أدان بشدة ” حوادث الاختطاف وأخذ الرهائن التي ترتكبها جماعات إرهابية أيا كانت أغراضها بما في ذلك الحوادث المقصود بها جمع الأموال أو انتزاع تنازلات سياسية…ولا سيما ازدياد عمليات الاختطاف التي يقوم بها تنظم القاعدة والجماعات المنتسبة له”. وقد شدد المجلس على ” أن الفدية التي تدفع للارهابين تمول عمليات الاختطاف واخذ الرهائن في المستقبل بما يفضي إلى سقوط مزيد من الضحايا وإلى إدامة المشكلة”.

وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إنّ على الجماعات التي تحتجز الرهائن ضمان معاملتهم بشكل إنساني وإطلاق سراحهم على الفور. كما يتعين على الحكومات التي لها تأثير على هذه المجموعات أيضاً حثّها على إطلاق سراح الرهائن.

كما ينبغي على دول الخليج زيادة الرقابة والحد من التحويلات المالية من قبل سكان الخليج إلى الجماعات المؤكد تورطها في انتهاكات منهجية أو واسعة النطاق لحقوق الإنسان، ويجب على تركيا، تقييد دخول المقاتلين وتدفق السلاح إلى الجماعات التي ثبت تورطها في احتجاز الرهائن وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة من خلال زيادة دوريات الحدود.

من ناحية القانون الإسلامي، هل من الممكن أن يكون اختطاف الرهائن سلاحا تقره شريعة الإسلام لاسترداد الحقوق أو الاستجابة للمطالب المشروعة وغير المشروعة؟ وهل يعد اختطاف الرهائن أسلوبا جديدا في إدارة الصراع الذي تخوضه كثير من الشعوب الإسلاميّة المستضعفة اليوم ضدّ أعدائها المحتلِّين، وتبتغي من ورائه كسر جدار انعدام التكافؤ، والضغط على الأعداء حتى يتراجعوا عن عدوانهم، ويسلموا بحقوق الشعوب المستضعفة فضلا عن عمليات الاختطاف التي تقوم بها الجماعات المسلحة ضد المسلمين أنفسهم؟

الجواب هو كلا؛ فقد قال علماء أزهريون أن ما يجري من حين لآخر من عمليات لخطف الرهائن المدنيين على اختلاف دياناتهم نوع من «البغي» المحرم في الإسلام، مؤكدين أن المسلمين الذين يلجأون للخطف «خارجون بذلك على الحدود الشرعية» ولا يعرفون آلية التفقه في دين الله.

واتفق العلماء على انه لا يجوز احتجاز المدنيين ـ حتى ولو كانوا من الأعداء ـ كرهائن وتهديدهم بالقتل، بسبب عمل يرتكبه أو يمتنع عنه غيرهم وليسوا مسؤولين عنه، ولا يمكنهم منعه، مؤكدين انه على امتداد التاريخ الإسلامي كله لم يثبت أن ارتكب أحد من المسلمين حادثة اختطاف واحتجاز لرهائن، وأن ما يروى عن النبي أنه أمر بخطف بعض أعدائه مثل حادثة اختطاف ثمامة بن أثال الحنفي هي مجرد روايات مدسوسة على الإسلام لينسبوا إليه ما ليس فيه من صفات تتنافى مع قواعد السماحة والرحمة والاعتدال التي تدعو إليها رسالة الإسلام.

وبناء عليه، فان جريمة اختطاف الرهائن واحتجازه هي جريمة من جرائم الحرب التي جرمتها الوثائق الدولية، واعتبرتها من الجرائم الخطيرة التي ينبغي أن يؤخذ مرتكبوها بأشد العقوبات, وأن الاختصاص في نظر الدعوى بشأنها يثبت للدولة التي وقعت الجريمة على أرضها، وكذلك الدولة التي ينتمي إليها المجني عليهم، وأيضًا يثبت الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية؛ لأن ما يحدث في مثل هذه الجرائم هو قتل الرهينة، أي أن الأمر لم يقتصر على الاحتجاز بل امتد إلى القتل، فضلا أن الشريعة الإسلامية لا ترتضيها وتعدها جريمة من جرائم “الحرابة”.

وبناء على ما تقدم فانا نوصي بجملة أمور منها:

أولا- لابد من التأكيد المستمر بالخصوص في المجتمعات الإسلامية والعربية على أن خطف واحتجاز الرهائن هو تعدي على حرمات الأمنيين وترويهم وقتلهم بدون ذنب اقترفوه، وهو ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية والقوانين الدولية والوطنية.

ثانيا: لابد من التأكيد المستمر أن دين الإسلام لا يمكن أن يؤخذ أطراف بجيرة آخرين مهما كانت الأسباب، أو أن يحمل أفراد المسؤولية ما تقوم به دولهم من ممارسات دولية.

ثالثا: ضرورة اتخاذ خطوات عملية وجدية على المستوى الدولي والإقليمي لمنع عمليات الاختطاف واخذ الرهائن التي ترتكبها الجماعات الإرهابية؛ ومنها أن تقوم الدول بعد دفع الفدى ومنع ووقف تمويل الأعمال الإرهابية، وان تمتنع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم الصريح أو الضمني إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية.

رابعا: ضرورة التعاون والسعي لضمان الإفراج عن الرهائن بشكل آمن ودون دفع فدية.

خامسا: مواصلة تعزيز الجهود المبذولة لدعم الضحايا والمتضررين من حوادث الاختطاف واخذ الرهائن.

سادسا: وجوب محاسبة الذين ارتكبوا أو كانوا بطريقة أخرى مسؤولين عن انتهاكاتٍ للقانون الدولي الإنساني أو عن انتهاكاتٍ وتجاوزاتٍ لحقوق الإنسان مثل خطف واحتجاز الرهائن لان تلك الأفعال باتت تُشكِّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

المصدر: مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky