كتاب-اقتصادنا

تلخيص الأفكار الأساسية من كتاب اقتصادنا للشهيد الصدر “ره”

الاجتهاد: يعطي كتاب اقتصادنا نظرية متكاملة عن الاقتصاد الإسلامي في ابعاده الاخلاقية والعملية التي تتصل بحياة الإنسان في المجتمع. والنظرية التي وضعها المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر تغطي الجانب العام من الإسلام ككل والتي من خلالها تنبثق النظرة للاقتصاد بشكل خاص.

في المفهوم الكوني الشامل للنظرية الإسلامية لحياة الإنسان على الارض هناك نظرة أخلاقية وجودية يعطيها الخالق لهذا المخلوق البشري ومهمته العملية في سبيل تحقيق الاهداف الأخلاقية الجهادية الموكلة إليه، لأن الحياة الأرضية، أو الحياة الدنيا مجرد فترة قصيرة يتم بعدها الحساب على الأعمال في الآخرة، ومعيار هذا الحساب هو الأخلاق الدينية التي على أساسها تكون العاقبة الحسنة فهكذا يقول الله في كتابه الكريم “يا ايها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا” وفي مورد آخر “والعاقبة للمتقين”.

في فهمنا للأرضية الإسلامية التي تتحرك على مبانيها الممارسات الاقتصادية يعطي الإسلام مفهوم الفطرة البشرية أو الطبيعة التي فطر الله الناس عليها. وعند دراسة الفطرة البشرية يتبيّن ان الإنسان يتجه نفسيا لكل ما يظن انه يحقق مصلحته انطلاقا من الدوافع الذاتية. والمصالح عديدة، منها المصالح الطبيعية اي علاقة الإنسان مع الطبيعة. وهناك المصالح الاجتماعية التي ترتبط بعلاقات الإنسان مع اخيه الإنسان.

وتوجد عند الانسان دوافع ذاتية محكومة بالفطرة، تقوّيها نزعات نفسية سلبية وايجابية تعزز الدوافع وتقوّي توجهاتها نحو المصلحة المراد تحقيقها، ومن هذه النزعات، الشعور بالحرية والقوة و السيطرة والطمع، إلى جانب حاجة الشعور بالاستقرار والمحبة وغيرها. ويأتي الدين ليوفّق بين هذه النزعات لإحداث توازن يدفع بالإنسان نحو المصلحة الفضلى التي تجعل كل الناس في مستوى من المعيشة الجيدة و المكتفية على الصعيد النفسي والاجتماعي.

فمكافحة المرض مثلا يدفع الإنسان لاستكشاف الطبيعة لتصنيع الدواء وهذا يُبنى على تجارب طبيعية لا علاقة لها بالبشر بل بعناصر الطبيعة. ومن جهة ثانية هناك مصالح ربحية متعلقة بالعلاقات مع الناس مثل البيع و الشراء وغيرها من العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية.

وفيما يختص بالنظرة الاقتصادية خصوصا، يأتي تناقض المصلحة العامة مع المصلحة الشخصية عند الافراد، ففي حين كل الناس يريدون الوقاية من الأمراض وتتجه الجهود البشرية لاستكشاف الطبيعة بدون حدود وبدون معرقلات، تأتي المصالح الاقتصادية محدودة بالطمع وبالغايات الاحتكارية ومحكومة بالقوة. بالعودة للمثال السابق، في حين كل الناس يطلبون أفضل الدواء باقل الاسعار، تأتي مصلحة شركات الدواء لتعرقل جهود خفض الثمن.

فتقوم الشركات المحتكرة بمنع غيرها من المنافسة وبالتالي تمنع امكانية تطوير الدواء او خفض سعره، و ذلك عبر علاقات القوة والسلطة السياسية، او عبر اساليب ملتوية أخرى. هكذا تتناقض المصلحة الشخصية لأصحاب الأرباح مع المصلحة العامة بمكافحة المرض وتخفيض ثمن العلاج، وهذا حاصل واقعيا اليوم.

وهذا التناقض الحاصل يوضّح جذور المشكلة الاقتصادية المتمثلة بكفران النعمة والظلم في توزيع الناتج العام. والظلم في التوزيع هو تركيز الثروة الوطنية في يد القليل من أصحاب النفوذ والقوة مما يؤدي إلى حرمان العاملين وبقية شرائح الشعب من ثمرات الحياة الاقتصادية. وأما كفران النعمة فهو عدم استغلال ثروات الطبيعة بما ينمّي الإنتاج الوطني ويحقق الاستقرار الاقتصادي والتنمية المعيشية.

ففي مثال الاحتكار، نرى أن احتكار السوق يسبب ظلما في توزيع الناتج الوطني ويحقق ارباح للمحتكرين فقط هذا ظلم في التوزيع، و من جهة ثانية فإنه ايضا يمنع استغلال الثروات الطبيعية ويمنع التنمية في البلاد. وهكذا الربا، فإن الربا هو بوابة للظلم و الحرمان، حيث يأخذ المرابين أموال الناس بدون عمل كفوائد على الديون فيقع الناس تحت ظلم هذه الفوائد ويتوزع قسم كبير من الناتج على المرابين وذلك على حساب بقية العاملين والقطاعات الاقتصادية الأخرى، مما يمنع بالتالي التنمية ويساهم في إضعاف السوق بسبب إضعاف القوة الشرائية للناس. والربا و الاحتكار ورغبة السيطرة و السطوة كلها نابعة من طبيعة النفس التي تجنح للطمع والسطوة وللتخلص من أي منافس لها.

وهذه الممارسات موجودة اليوم بإسم الحرية الاقتصادية وهي تتناقض مع مفهوم الحرية ذاتها الذي يسمح بالمنافسة التجارية و الصناعية.

ولكن كما يحب الانسان الحرية فإنه ايضا يحب الاستقرار والأمان. ومن هنا اتى الحل الاسلامي لمشكلة الفطرة البشرية، بالحل الكامن في الفطرة نفسها. ويسعى الاسلام للتوفيق بين الاستقرار والحرية.

لأنه لا يمكن ممارسة الحرية الاقتصادية في ظل انعدام الشعور بالأمان والاستقرار. وهكذا، ينتهج الإسلام نظرة واقعية وأخلاقية للحياة الاقتصادية وحاجات المجتمع ككل و الافراد فيه. ففي المجتمع ثلاث فئات، الفئة التي يغطي عملها جميع حاجاتها ولا تحتاج للضمان او لمساعدة الدولة لها، وهناك فئة تعمل و لكن مدخولها لا يغطي كل حاجاتها فتضمنها الدولة بما لم تستطع تأمينه.

و هناك الفئة العاجزة التي لا تستطيع العمل لعاهة ما او لكبر في السن، و هؤلاء تضمنهم الدولة بشكل كامل. اما الفئة التي لا تضمنها الدولة، وهي فئة التي توفر لها الدولة فرصة العمل وهم قادرين عليه ولكنهم لا يريدون العمل.

فهؤلاء يسقط حقهم بالضمان لأن فرصة عملهم متاحة وهم يرفضون العمل. مما يجبرهم لاحقا على قبول العمل و تحصيل رزقهم و استغلال طاقاتهم.
وهكذا تبنّى الاسلام مبدأ الضمان الاجتماعي كأساس، وهذا واضح من ممارسات و تشريعات الرسول الاقتصادية. وكذلك تبنّى الاسلام الحرية الاقتصادية والتجارية بما هو خارج حدود الضمان.

فيتوجب على الشركة او المؤسسة الاقتصادية ان تدفع الحقوق إلى الدولة من خلال ضرائب او رسوم تحددها وفقا لقدرة ووفقا لمقتضيات العدالة الاجتماعية بما يحافظ على تنمية العمل وعلى حقوق المجتمع ككل. وكذلك يتوجّب على الافراد دفع الزكاة و الخمس لتحقيق التكافل العام. وهذا الضمان الاجتماعي يدفع الإنسان للمزيد من التطوير وتنويع الأعمال لأنه لن يخاف من الخسارة او المخاطرة لأن الحياة الكريمة والمكتفية تضمنها له الدولة بكل الأحوال.

ويشمل الضمان الاجتماعي في الاسلام على حد الكفاية من الطعام و اللباس و الطبابة والمسكن والتعليم وحتى مصاريف الحج، و هذا ما يطلق على تسميته مفهوم الاستغناء او الغنى- اي ما يستغني به الانسان عن الطلب.

وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق أنه حدد مستوى الغنى بمصاريف الحاجات التي ذكرناها للتو، بالإضافة الى نصف ذلك المبلغ. وذلك لكي يتمكن الانسان من التصدق و من دفع الواجبات الدينية الملقاة عليه وحتى بإمكانه ان يدخر قليلا لبعض نفقات الترفيه. وهكذا يكون مفهوم الغنى هو المستوى العام المكتفي للمعيشة. هذا كله الضمان الاجتماعي الذي تقدّمه الدولة.

وهكذا يحفظ الاسلام حقوق الفرد بالضمان الاجتماعي لمعالجة مشكلة الظلم في التوزيع. اما مشكلة كفران النعمة فتتم معالجتها من خلال التنمية الاقتصادية و استغلال الثروات وخلق فرص العمل والنهوض العلمي و الاقتصادي من خلال تشريعات الدولة ومراقبتها الدؤوبة لحركة الاسواق، و تنظيمها لقطاعات الإنتاج والعمل.

فكيف ينظر الاسلام للعملية الاقتصادية بدءا من توزيع الثروة الخام مرورا بعملية الانتاج وانتهاء بتوزيع الناتج على قطاعات المجتمع؟
فإذن هناك ثلاث مراحل متداخلة في الحياة الاقتصادية،

1- وهي استخراج الثروة الخام غير المملوكة من أحد
2- عملية الانتاج و يدخل فيها استعمال الآلات التي تعالج الثروة الخام، ويدخل فيها عنصر العمل البشري المباشر الذي يصنّع الثروة الخام إلى استعمالات أخرى. واخيرا راس المال الذي تم استدانته لشراء الآلات و توظيف الاجراء.

3- توزيع الناتج او المردود الاقتصادي على الجهود التي قامت بالإنتاج. وهناك عمليات التداول في السوق الثانوية من بيع وشراء حصص ملكية واسهم وعقود دين ورهن إلى غيرها من تلك العمليات.

ينطلق الاسلام من مبدأ اعمال الانتفاع و الاستثمار في ثروات الطبيعة و يحرم اعمال القوة والاستئثار والاحتكار للمجموعات و الافراد.

تنقسم الثروة الطبيعية الخام التي لا يملكها أحد بشكل عام إلى عناوين عامة: وهي الارض وما تختزن من ثروات معدنية ومواد استخراجية تساهم بالإنتاج، وثروة مائية، وثروة حيوانية ونباتية على سطح الأرض مثل الطيور و الدواجن، والأشجار، ومختلف الثمرات وكذلك بحرية ونهرية. وفي كل هذه الثروات فإن المبدأ العام لتملك الحق فيها هو العمل الانتفاعي الاقتصادي، فلا يُسمح لأي شخص ان يسيطر او يحتكر ثروة لمجرد السيطرة. ولا يمكن لأحد أخذ فائق يزيد عن حاجاته الموسمية منها. فإذن الاسلام لا يسمح بأعمال الاستئثار و القوة على ثروات الطبيعة، بل يسمح فقط بأعمال الاستثمار والانتفاع ذات النتائج الاقتصادية لتلبية الحاجات بشكل مباشر.

أما فيما يختص بالأرض فإنها تحت سيطرة الإمام كمنصب للقرار الحكومي هو يحكم بتوزيعها العادل على اسس واضحة وهي العمل المبذول عليها أو إحيائها، فمن يزرع أرضا هو يملك الحق فيها. ومن يحيي أرضا أو يعمّرها هو اولى بها ويحكم الإمام بأولية هذا الشخص عليها و يمنع من يزاحمه او من يحاول الاستيلاء او غصبه حقه فيها.

والاسلام يبيح عمليات بيع وشراء الحقوق في الأرض وتأجيرها كمبدأ عام بحرية التعاقد والتعامل التجاري. فهكذا على مبدأ العمل المباشر يبنى أساس ملكية حق الأولوية في استثمار او إعمار الأرض، ومن ثم يستطيع المحيي ان يبيع حق اولويته بالأرض لشخص آخر، او أن يؤجر الأرض لمن يريد استخدامها اقتصاديا او استثمارها.

وكل ما يخرج عن نطاق العمل الاستثماري الاقتصادي في الأرض يمنعه الإسلام عن الأفراد أو الجماعات، فهكذا منع الإسلام الحمى وهو مجرد السيطرة ووضع اليد على مساحات شاسعة من الأراضي بالقوة لفرض السيطرة و السطوة ومن ثم استعباد أو استخدام الأجراء فيها.

فلا يمكن لأي مجموعة او اي انسان ان يمتلك ارضا شاسعة فوق حاجته في المفهوم والتشريع الإسلامي، لأن الأرض من الأنفال و الأنفال لله وللرسول أو الإمام بمنصبه الحكومي التنظيمي للأراضي، فالإمام يملك رقبة الأرض كحق أعلى من درجة ملكية الحق الفردي فيها.

وهذا لا يختلف عن المفهوم الحاضر الذي يعطي الدولة مسؤولية تنظيم الأراضي وتقسيمها و فرزها. إنما في الاسلام، الإمام لا يمكن ان يعطي ارضا او يفرز ارضا لشخص او لمجموعة بدون ان يمارسوا فيها عملا استثماريا مباشرا أو بدون شرائهم لهذا الحق بشكل شرعي لأهداف استثمارية واضحة. و كذلك فإن الإمام الحاكم لا يمكن ان يسمح لأي شخص بمجرد السيطرة على الأراض الشاسعة، او مجرد السيطرة على قطعة ارض و تحجيرها اي منع استثمارها أو منع الانتفاع بها.

فيما يختص بالمعادن، نفس المبدأ العام المذكور سابقا. من واجب الدولة استثمار المعادن و استحداث مناجم تملكها هي وتعود مواردها لخزينة الدولة بما يفيد الانفاق العام الإنتاجي و الضمان والاجتماعي. اما في حالة تلزيمها لمتعهدين فإن المعادن تكتَسب عن طريق العمل المباشر في استخراجها -إذا كانت باطنية تحت الأرض – أو العمل المباشر في تجميعها إذا كانت على سطح الأرض أو قريبة منه، ويستطيع بعدها هذا العامل المتعهد ان يعالجها بالتصنيع او يبيعها لمن شاء.

وفي حال استخدم هذا العامل ادوات او آلات من غيره ينبغي عليه ان يدفع أجر هذه الآلات و الأدوات لمالكها. فمالك الأدوات يحصل على أجر مدفوع من العامل ولا يحصل على ملكية مباشرة او حصة في المعدن المستخرج او الذي تم تجميعه.

وهكذا إذا كانوا مجموعة من العمال يستطيعون ان يقسموا المعدن بينهم و ان يبيعوه ويدفعوا اجر الآلات، او ان يعالجوا المعدن و يبيعوا الناتج بعد التصنيع و يدفعوا الأجر لمن ساهم في المعالجة التصنيعية. وللدولة ان تنظّم العقود و تراقب عملية استخراج وتداول هذه المواد بما يضمن الحق للجميع. ويمنع الاسلام احتكار منابع المعادن او فرض السيطرة على غير الحفرة التي حفرها المتعهد للاستخراج، والإمام يملك حق تنظيم هذا القطاع الاقتصادي بطريقة تمنع الاحتكار في الانتاج او التحجير، والتحجير يعني ايقاف الأعمال الاستخراجية، وله ان ينتزع الأراضي ممن يحجرها او يحتكرها او لا يقوم بواجبه فيها.

وما ينطبق على المعادن ينطبق على المياه، فإن للدولة تنظيم هذ القطاع بما يؤمن تلبية الحاجات في المدن بشكل عادل. فالإنسان له الحق ان ينتفع بالمياه وان يخزنها حسب حاجته اليومية او الموسمية او السنوية، له الحق ان يحفر بئرا ويكون له الأولوية في الانتفاع به.

إنما في المياه هناك فارق عن الأرض و المعادن أنه إذا قام مالك البئر او العين بأخذ حاجته من المياه، فهنا لا ينبغي له ان يمنع غيره من قضاء حاجته. فالأولوية لمن حفر البئر او استحدث العين ولكن كذلك لا ينبغي ان يمنع فضل الماء عن المحتاج بعد قضاء حاجته منها.

أما الثروات الحيوانية والنباتية في البحر و على سطح الأرض، فإن طبيعة العمل الاستثماري يختلف عما سبق، فهنا تأتي الحيازة الاقتصادية او وضع اليد بهدف الانتفاع على النباتات بتجميعها او الحيوانات بترويضها. فيمكن لأي إنسان ان يكسب حاجته منها ولا يمكن بأي شكل من الأشكال ان يحتكر الانسان لنفسه اي ثروة من هذه الثروات لأنها مشتركة لكل الناس، وكلّ يأخذ حاجته منها.

بعد استخراج الثروة الطبيعية، تدخل الثروة في عملية الانتاج. وعملية الإنتاج تلخص مجمل العمليات التجارية أو التداول من بيع وشراء مواد أولية وعقود عمل بشرية للتصنيع و المعالجة. وأيضا بيع وشراء آلات ومواد نصف مصنعة. وغيرها من عمليات تداولية في السوق التصنيعية أو الخدمية التي تساعد في الانتاج والتصنيع.

بعد التصنيع هناك توزيع مردود الناتج المالي. فعلى اي اساس يتم توزيع هذا الناتج على المساهمين في عملية الإنتاج؟ وكيف يضبط الإسلام سوق التداول المالي و التجاري بعد الإنتاج؟

فيما يتعلق بالمردود المالي لمن ساهم مباشرة في العملية الإنتاجية، يمكن تقسيم المساهمين في عملية إلى اربع عناوين.

إلى الذين استخرجوا المواد الأولية بالعمل المباشر، العمال الذين ساهموا بعملهم في معالجة المواد لاحقا بعد الاستخراج، الآلات التي ساهمت في التصنيع والمعالجة، والأموال التي تمت استدانتها للسير في العمل.

ويعطي الإسلام للعمل المباشر على استخراج أو تجميع المواد الطبيعية الأولية حق ملكيتها. اما العمال الذين يشاركون في التصنيع مثلا النجار الذي يصنع سريرا من الخشب الذي يملكه الحطّاب فإن بإمكان النجار ان يتعاقد مع الحطاب على مشاركته بنسبة من أرباح بيع السرير او الحصول على أجر من الحطاب لقاء خدمة تصنيعه للسرير، أو الخيار الآخر شراء الحطب من الحطاب بالتالي تنتقل الملكية إلى النجار.

وهكذا عمّال الخدمات التصنيعية او الإدارية يحصلون على أجور او نسبة من الأرباح لقاء خدماتهم. أما أصحاب الأدوات يحصلون على أجرة استخدام ادواتهم، لأن هذه الآلات فيها عمل مختزن سابق ساهم في صناعتها، و هذا العمل المختزن يختلف عن العمل المباشر، فصاحب الآلة إن اعطاها للعامل ليعمل فيها فإن لمالك الآلة الحق بالأجرة فقط لأنه لم يقوم بنفسه بعمل مباشر يبرر مشاركته بالأرباح. والأجر يبرره استهلاك العامل للعمل السابق المختزن في الآلة.

وهكذا يحصل صاحب الآلة على الأجر المناسب. اما استدانة راس المال فإن الإسلام لا يعترف بالفائدة على الدين لأن المال يرجع لصاحبه كما هو و لا يستهلكه العامل، وهكذا لا يحصل رأس المال على فائدة لقاء الدين إنما يجد الرهن الذي يضمن للدائن استرجاع حقوقه.

وأما في السوق الثانوية، التي يأتي فيها شراء و بيع اسهم أو حصص، وغيرها من العمليات المالية والتجارية، من شراء و بيع الحقوق. فإن الاسلام يحظّر بعض الممارسات. وأهمها حظر الاحتكار والربا وتعطيل الثروات عن الإنتاج. وكذلك فإن الإسلام يمنع التلاعب بالأسعار. فمثلا الإسلام يحرم على شخص ما استئجار ارض أو دار ومن ثم تأجيرها بثمن أعلى بدون ان يكون قد أدخل تحسينا عليها. وهذا يكون ربحا بدون عمل و هذا محرم في الإسلام.

كذلك الربا، فإنه ربح بدون عمل وبدون جدوى اقتصادية. ويحرم الإسلام إطالة المسافة بين المنتج و المستهلك مما يزيد سعر السلعة بسبب السمسرة غير الضرورية فقط لينتفع هذا وذاك، وهذا يعتبر ربح غير مشروع. ويمنع الممارسات التي تؤذي السوق والمستهلك و ترفع الاسعار بالمضاربات غير المشروعة، مثلا بحبس السلعة عن الاسواق ليرتفع ثمنها، أو بإغراق السوق لإخراج المنافسين منه ولاحقا احتكاره.

وأخيرا، ينبغي التحدث عن مسؤولية الدولة أو مسؤولية الإمام العادل التقي كأهل مبدأ إسلامي في الحكم. الدولة مسؤولة عن طباعة النقد بما هو وكالة تمثيلية عن كمية الناتج القومي. و لا يجب ان تولي ذلك لشركات خاصة كما يحدث في العالم اليوم، و عليها واجب إحصاء الناتج الوطني ودراسة الأوضاع الاقتصادية معالجة الأزمات.

كما عليها دراسة علاقاتها التجارية مع البلدان الأخرى بما يضمن التقدم التجاري واستمرارية التنمية. وعلى الدولة ان تراقب الاسواق، وأن تقوم باستحداث قطاعات جديدة للإنتاج مما يستحدث فرص عمل تستوعب طاقات الناس ومواهب المجتمع.

وشواهد هذا موجودة في القرآن الكريم التي تأمر الناس والحاكمين باستغلال و استثمار الثروة الطبيعة في سبيل اشباع حاجات الناس وعدم حرمانهم من نعمة الله عليهم. ويتكلم القرآن ايضا عن ضرورة العلم والتطور و استكشاف الطبيعة بما يفيد، و ضرورة الابتعاد عن اللهو و الكذب و اللغو والمجون مما يفسد طاقات الانسان ويضعفها عن هدفها الاسمى وهو عمران الارض بالخير و الاحسان والأخلاق.

وكذلك الإسلام يمنع القمار لأنه ربح غير مشروع، وفيه مفاسد وإفقار للناس. فكل شيء ليس فيه انتفاع ويُبعِد الإنسان عن العمل الانتاجي المفيد فإنه مرفوض. فكما يقول الله في الكتاب “فأما الزبد فيذهب جفاء و اما ما ينفع الناس فيمكث في الارض”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky