تدوين الكتب الفقهية

تدوين الكتب الفقهية وفق ترتيب الحروف الأبجدية، أسلوب جديد ويتطلب جهودا متضافرة

خاص الاجتهاد: شارك سماحة آية الله الشيخ جعفر السبحاني عبر رسالة مصورة في مراسم إزاحة الستار عن كتاب “الموسوعة الفقهية الميسرة”، والتي أقيمت في قاعة مؤتمرات كلية أصول الدين في مدينة قم، حيث أثنى سماحته على هذا الكتاب الفقهي،

وقال: يقوم دين الإسلام على أصلين أساسين؛ أحدهما الإيمان بالله سبحانه وبيوم القيامة وغيرهما من الموضوعات العقائدية، والثاني الأحكام والواجبات التي تعلم الإنسان أنماط الحياة الفردية والاجتماعية.

وأضاف آية الله السبحاني: المصادر الأساس في تبيين المعارف والأحكام هو القرآن الكريم، والسنّة النبوية، وروايات المعصومين، والعقل الفطري.

وقال سماحة آية الله السبحاني موضحا الأصل الأول: على مرّ التاريخ الإسلامي انبرى كثير من العلماء لشرح وبيان العقائد الإسلامية وفق ما تقتضيه ظروف كل مرحلة زمنية، وقد تمّ إلى اليوم تصنيف المئات من الكتب الكلامية وبمختلف المناهج والأساليب؛ فكانت سدا قويا في مواجهة مثيري الشبهات، ولا شكّ أنّ الأئمة الأطهار عليهم السلام قد اهتموا أشدّ الاهتمام ببيان العقائد الحقة وتعليمها للناس؛ ومن أمثلة ذلك رسالة الإمام الصادق “عليه السلام” المسماة توحيد المفضل، ومناظرات الإمام الرضا “عليه السلام” مع علماء الفرق والأديان والتيارات من الماديين إلى أهل الكتاب وغيرهم، وكذلك رسالة الإمام الهادي “عليه السلام” في موضوع الجبر والتفويض.

وأضاف مشيرا إلى أنّ كثيرا من المصنفات والكتب قد دونت في موضوع الأحكام الفردية والاجتماعية منذ قرون الإسلام الأولى وإلى يومنا هذا، وقال: تعرّض جزء من هذه الكتب إلى الضياع والتلف بسبب سوانح الزمان ونيران الاختلافات، وبعضها الآخر ما زال باقيا.

وقال سماحته: إنّ مرورا سريعا على الكتب المصنفة منذ القرن الثالث وإلى اليوم تخبرنا أنّ العلماء في كلّ زمان كانوا يصنفون ويؤلفون الكتب وفقا لظروف ذلك الزمان، ففي مرحلة ما كان التأليف يهدف إلى الحفاظ على روايات وكلمات المعصومين عليهم السلام؛ فاتخذت الكتب الفقهية منهج ذكر الأسانيد ونصوص الروايات، ومنها كتاب الأصول الأربعمئة؛ الذي لم يبق منه إلا نذر يسير، وفي فترة لاحقة اقتضت الظروف أن تُحذف الأسانيد من الكتب الفقهية وتبقى النصوص، واستمر هذا النوع من التصنيف حتى أواخر القرن الرابع، ومن أمثلته كتاب المقنعة للشيخ المفيد، والنهاية للشيخ الطوسي “رحمهما الله”.

 الموسوعة-الفقهية-الميسرة

وتابع سماحة آية الله السبحاني كلمته المصورة مشيرا إلى التطور الكبير الذي شهده التصنيف في علم الفقه والناتج عن تطور الثقافة الإسلامية وتغيير الظروف العلمية، وقال:

لقد كان لكتابي “التهذيب” لابن جنيد و”المتمسك بحبل آل الرسول” لابن أبي عقيل العماني التأثير الكبير في فتح باب التصنيف وفق النهج الجديد؛ الذي استمر في التطور والتكامل مع مرور الزمان؛ لنرى أمثلة بارزة لهذا المنهج والأسلوب في كتب المبسوط للشيخ الطوسي والسرائر لابن إدريس والشرائع للمحقق الحلي، ومجموعتي العلامة الحلي منتهى المطلب في تحقيق المذهب وتذكرة الفقهاء.

وأوضح سماحته أنّ هذا النوع من التصنيف بدأ في القرن السابع الهجري واستمرّ بعده، وأوضح قائلا: اقتفت كتب الشهيد الأول والمحقق الثاني والمحقق الأردبيلي وحتى نصل إلى الكتاب القيم جواهر الكلام اقتفت جميعها هذا النوع من التصنيف؛ وترك لنا الفقهاء الأعلام كتبا قيمة بحق، وفي الحقيقة أحد تجليات خاتمية دين الإسلام هو هذا النطاق الواسع للغاية لأحكام الشريعة فيه، ولا يمكن لأي عقل بشري على الإطلاق الإتيان بهذا الكم الهائل من الأحكام الشرعية المطابقة للعقل والفطرة.

الموسوعة-الفقهية-الميسرة

ومن ثم ّ أشار سماحته إلى الأسلوب المتبع في إعداد “الموسوعة الفقهية الميسرة” وقال في ذلك: جرت العادة في المصنفات الفقهية القديمة منها والمتأخرة أن يُقسّم الكتاب إلى أبواب فقهية تذكر فيها المسائل المرتبطة بكل باب، ولكن في عصرنا الحاضر ظهر نوع جديد من الكتب الفقهية، وهو تدوين الكتاب الفقهي بحسب الموضوعات ووفق ترتيب الحروف الأبجدية، وهو أسلوب جديد وليس بالعمل السهل، لأنّه من الممكن أن يكون ترتيب المسألة بحسب الحروف الأبجدية في أول الكتاب بينما تنتمي إلى بحث الديات، وهذا النوع من العمل يتطلب تضافر جهود جماعية ليصل إلى مبتغاه.

واعتبر سماحته أنّ الموسوعة الفقهية الميسرة هي مثال بارز على هذا النوع من التصنيف، وأضاف: إذا ما نظر أحد ما من بعيد في هذا الأثر فسوف يتصور أنّ مجموعة من الفقهاء قامت مجتمعة بتأليف مثل هذه الموسوعة، ولكن الحقيقة شيء آخر، فالمؤلف شخص واحد؛ هو الفقيه العالم فضيلة الشيخ محمد علي الأنصاري، الذي قام بمفرده بعزم راسخ وجهد فائق وبتتبع واسع بإنجاز هذا العمل الكبير؛ نعم كان هناك مساعدة من الآخرين في بعض الجوانب، ولكنّ المؤلف هو سماحته.

وأضاف مشيرا إلى أهم مزايا هذه الموسوعة: من أبرز خصائص هذا الكتاب تميزه بالإيجاز والسلاسة، وعدم الإطالة في تتبع الأقوال وبيان الأدلة، وعدم تجاهل الرأي المشهور في جميع الأبحاث، ولم يتأثر بالأفكار الجديدة التي ظهرت بين الحقوقيين في الغرب والشرق.

الموسوعة-الفقهية-الميسرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky