الاجتهاد: في زمن الغيبة الكبرى متجسّدة في الدولة البويهيّة التي أنشأها الأمير عضد الدّولة البويهي من ديالمة الفرس؛ إذ كان له رحمهالله قصب السّبق في نصرة التّشيُّع، واليد الطولى في نشر المذهب، وبسط معالمه، وترسيخ دعائمه، وتثبيت أركانه؛ وذلك بفضل استعانته بشيخ مشائخ الطائفة الشيخ المفيد”ره” وتلبية رغباته جميعاً، وتحقيق أوامره بعد أن أكرمه أشدّ تكريم، وتمثّل لأوامره بإنشاء أوّل حوزة شيعيّة وأفضل مدرسة علميّة إماميّة في بغداد عاصمة البويهيّن.
بدأت حوزاتنا العلميّة ودروس الاجتهاد بشكل منظّم في العهد العبّاسي، منذ أن وجدت لها نافذة على الحرية وموطئ قدم في مدينة بغداد عاصمة العبّاسيّين حينئذاك، بعد ما اطمئنّوا من وفاة الإمام الحسن العسكري “عليهالسلام” الذي كانوا قد شدّدوا عليه الرقابة، وضيّقوا عليه الخناق، حتّى يقضوا على المهدي المنتظر “عليهالسلام” المرتقب أن يولد من صلب أبي محمّد العسكري “عليهالسلام” ،
لكن توفّي أبو محمّد “عليهالسلام” ولم يُخلّف في نظرهم ولداً، ولا ترك وريثاً ذكراً، فاطمئنّوا أن لا أساس لوجود المهدي المنتظر عجّل الله فرجه ـ على حدّ زعمهم ـ ، وكيف كان فقد تنفّس المذهب وأهله لا سيّما علماؤه الصعداء ، واستنشقوا الهواء العذب إلى حين ، بعد قرون من الظلم والاضطهاد ، والعمل في الخفاء خوفاً من الملاحقة والسجن والقتل والتشريد.
وكان ذلك في عصر الشيخ المفيد أعلى الله مقامه الشريف ، حيث استقلّ كثير من بلاد المسلمين عن الدولة الإسلامية الكبرى والخلافة الاُمّ المتمثّلة آنذاك في الحكم العبّاسي ، وظهرت الدويلات والإمارات الإسلامية التي حكمها الاُمراء وملوك الطّوائف بعيداً عن السّلطة المركزية يومئذٍ ،
فانقسمت الدّولة الإسلاميّة إلى مجموعة بلاد إسلاميّة، ومن هنا قد تجسّدت بعض آمال الشيعة تحقّقت بعض أمانيهم حيث انعقدت نطفة أوّل دولة شيعيّة وانطلقت للعيان فكرة إنشاء أوّل مدينة إسلاميّة على نهج أهل البيت عليهمالسلام بعد عصر المعصومين عليهمالسلام ،
وفي زمن الغيبة الكبرى متجسّدة في الدولة البويهيّة التي أنشأها الأمير عضد الدّولة البويهي من ديالمة الفرس؛ إذ كان له رحمهالله قصب السّبق في نصرة التّشيُّع، واليد الطولى في نشر المذهب، وبسط معالمه، وترسيخ دعائمه، وتثبيت أركانه؛ وذلك بفضل استعانته بشيخ مشائخ الطائفة وزعيمها على الإطلاق ، أعني مولانا الشيخ المفيد أعلى الله مقامه الشريف ، وتلبية رغباته جميعاً ، وتحقيق أوامره بعد أن أكرمه أشدّ تكريم،
وتمثّل لأوامره بإنشاء أوّل حوزة شيعيّة وأفضل مدرسة علميّة إماميّة في بغداد عاصمة البويهيّن بعد طول غيبة للحريّات وطول هجران لهذا المذهب من قِبل الحكّام والخلفاء بالحرب الإعلاميّة والتصفيات الجسديّة التي مارسوها على المذهب الحقّ وأهله وكافّة المنتسبين إليه ،
فالتحق بها المتعطّشون إلى العلم والمعرفة والفضيلة وتخرّج منها جمع غفير من علماء الطّائفة وأعلام المذهب كالعَلَمين السّيّدين المرتضى والرّضيّ وشيخ الطّائفة الطّوسيّ أعلى الله تعالى مقاماتهم ، الذي انتقل فيما بعد إلى نجف الأشرف ووضع الحجر الأساس واللبنة الاُولى لتأسيس الحوزة العلميّة في مدينة النجف الأشرف بعد أن نجحت مؤامرات الأعداء في إسقاط الدولة البويهيّة والقضاء عليها وصار الشيخ مستهدفاً من قِبل الغزاة ،
ولهذا كانت بغداد معقلاً لأوّل جامعة دينية في عصر غيبة المعصوم “عليهالسلام” ، كما كانت في تلك الحقبة الزمنية مركزاً للعلوم والفنون المختلفة لكافّة المذاهب والتوجّهات الإسلامية ، فوجد الفكر الإسلامي فيها مجالاً خصباً للنمو وتبادل الآراء والأنظار ، ومقارعة الحجج والبراهين ، والرقيّ والتكامل والانتشار ، وإن لم يخلُ ذلك من جوانب سلبيّة أدّت إلى نشر بعض الأفكار الباطلة والمذاهب الضالّة.
وبعد أن ضاقت الخلافة العبّاسية ذرعاً، لا سيّما بفعل الدسائس والفتن التي بثّها بعض علماء المذاهب المناوئة للمذهب الجعفري، مارس الخليفة وأزلامه ظغوطاً شديدة على علماء المذهب وأجبروهم على الرحيل إلى مدينتي الريّ وقم الفارسيّتين منذ الأعوام الاُولى من الغَيبة الكبرى بحثاً عن الأجواء الآمنة والظروف الملائمة ،
وإن كانت هاتان المدينتان مقرّاً لجمع غفير من الشيعة منذ أمدٍ طويل، وكان قد برز فيهما بعض أعلام الطائفة من الفقهاء والمحدّثين منذ الغَيبة الصغرى كالمرحوم الشيخ الكليني أعلى الله مقامه الشريف مصنّف أبرز كتب الحديث ، أعني الكافي ، وهو أحد أشهر الكتب الأربعة في المذهب الإمامي الاثني عشري ،
وهكذا الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه الشريف ، مصنّف الكتب العديدة ، لا سيّما كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه ، وهو من الكتب الأربعة أيضاً ، وهكذا ابن بابويه القمّي والد الشيخ الصدوق ، وكذلك أخوه ، حيث سُمّي الشيخ الصدوق وأخوه بالصدوقين ، وكلّهم من أجلّاء الأصحاب وأعلام الطائفة ، لكنّ جميع هؤلاء الأعلام تلقّوا علومهم في بعض مدن العراق لا سيّما العاصمة بغداد.
إلاّ أنّ هذه النقلة لم تدم طويلاً ، وعادت الدراسة الدينية والنشاطات العلمية الشيعية إلى بغداد في التفرة الأخيرة من الحكم العبّاسي بفضل الجهود التي بذلها شيخ الطائفة أعلى الله مقامه الشريف ، والظروف التي أحدقت بالنظام العبّاسي فزلزلت حكمهم ، وقلّصت من سلطتهم ،
وأصحت بغداد ، وبالتحديد في جانب الكرخ من هذه المدينة ، تعجّ بطلبة العلوم الدينية وعشّاق المعارف الإلٰهيّة الصادرة من النبع الصافي والفكر الأصيل لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم أفضل صلوات المصلّين،
وكان الشيخ الطوسي ( قدّست نفسه الزكية ) محلّ احترام وتقدير لدى كافّة علماء المسلمين وإن كانت عظمة شأنه وجلالة قدره لم تشفع له عند المبغضين وناصبي العداء لأهل البيت عليهمالسلام ولشيعتهم ، فلاقى منهم ما لاقى أهل البيت عليهمالسلام من أسلافهم.
ومع الغزو البربري التركي السلجوقي على العراق والبلاد الإسلامية جمعاء ، لا سيّما عزوهم لبغداد العاصمة بسبب الصراعات الداخلية والخلافات الشديدة التي عاشتها الحكومة المركزية ، والانشقاق والتمزّق وضعف الإرادة لدى مركز الخلافة العبّاسية ، واشتغال الخليفة بالاُمور الهامشية ، والانغماس في الملذّات والشهوات ، واتّساع الهوّة بينه وبين الرعية بتسليط الأتراك على رقاب المسلمين ،
لهذه الأسباب وغيرها ممّا لا مجال إلى سردها في هذه الوجيزة رحل العلم وأهله من بغداد ، وشدّت الجامعة العلمية الشيعية رحالها إلى مدينة الحلّة الشهيرة في العراق ، فحطّت وأناخت برحلها هناك ، وقامت المعاهد والمدارس والمراكز العلميّة الإمامية على قدم وساق مزدهرة بحلقات الدروس ، مكتظّة مزدحمة بأهل العلم وطلاّبه ،
وتطوّرت دراسة الفقه والاُصول ومباني الاجتهاد في بغداد ثمّ الحلّة تطوّراً كبيراً ، وظهرت منهجيّة في غاية الدقّة والاتقان ، سيّما بعد أن ظهر فطاحل الفقه والاُصول وأساطينهما ، كالمحقّق الحلّي صاحب الشرائع ، والعلاّمة الحلّي صاحب المصنّفات العظيمة ، وابنه فخر المحقّقين صاحب المعالم ، والشهيد الأوّل صاحب اللمعة الدمشقية ، وابن ورّام صاحب مجموعة ورّام ، والسيّد ابن طاووس ، وأمثالهم من الأعاظم والفقهاء ،
واستمرّت الحركة العلمية في الحلّة حتّى مع تأسيس حوزة النجف ، وظلّت ناشطة لمدّة مديدة رغم وجود الحوزة العلمية التي أنشأها شيخ الطائفة الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه الشريف.
وأمّا النجف الأشرف فمنذ أن حلّ بها شيخ الطائفة لمع نجمها في سماء العلم والفضيلة ، وصارت مأوى العلم والعلماء وملجأ طلاّب العلم والفضيلة يشدّون إليها الرحال ، ويعلّقون عليها الآمال ، فاستقرّت الزعامة الدينية والقيادة العلمية والمرجعية الفقهية في هذه المدينة المقدّسة طيلة القرون والأعصار المتمادية ،
فكانت مصدر الخيرات ومنبع البركات لمذهب أهل البيت عليهمالسلام منذ نشأتها إلى يومنا هذا ، وكيف لا وفيها ضريح مدينة علم الرسول صلىاللهعليهوآله عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام ،
فقد تخرّج منها أقطاب الإمامية وأعلامها ، وأساطين الفقه وأعاظمه ، وفحول الأدب والشعراء ، ونوابغ المتكلّمين ، وأعاظم الحكماء والفلاسفة ، وأعمدة المفسّرين ، بالإضافة إلى فطاحل في علم الرياضيات والحساب والهندسة والجبر والطبّ والفلك والعلوم الغربية ، كالجفر وعلم حروف الجمل ، ناهيك عن أصحاب القلم والمفكّرين الإسلاميّين والخطباء المفوّهين ،
فضلاً عن الزعماء الدينيّين والفقهاء المجاهدين الذين بفضل جهودهم وجهادهم وحسن تقديرهم وحنكتهم السياسية وفتاواهم الصارمة وشجاعتهم الحيدرية وبطولاتهم في ميادين التصدّي والدفاع والجهاد ظلّت راية الحقّ ومعالمه خفّاقة ترفرف تحت ظلّ العناية العلوية ورعاية بقيّة الله الأعظم أرواحنا فداه رغم اُنوف المعاندين والمكابرين.
في القرن الرابع الهجري ، وفي ظلّ الحكم الشيعي الذي شيّده البويهيّون في العراق وبعض البلاد المجاورة اُقيم أوّل محفل علمي في مدينة كربلاء إلى جوار مريد سيّد الشهداء الإمام الحسين “عليهالسلام” بفضل العالم الجليل والمحدّث القدير صاحب التصانيف الكثيرة ، وراوي أكثر الاُصول الشيعية الأربعماءة ، الشيخ حُميد بن زياد النينوي ،
فكان اوّل نواة لتأسيس وإنشاء مركز علمي وحوزة شيعية علمائية ، ثمّ انتقل إليها الفقيه المكنّى بـ أبي حمزة ، من تلامذة المرحوم شيخ الطائفة ، وشهدت هذه الحوزة ازدهاراً كبيراً ، وحفلت بكبار الفقهاء والمجتهدين في فترات عديدة وعصور مديدة ، وتخرّج منها العديد من الأجيال حتّى أنّها صارت في بعض الفترات مركزاً دون منافس للزعامة الدينية والمرجعية الشيعة ،
ومن أهمّ البارزين فيها ، أو الراحلين إليها والنازلين بها ، من أعيان الطائفة يمكن تسمية الشيخ ابن فهد الحلّي أعلى الله مقامه ، والفقيه الأخباري الكبير الشيخ يوسف البحراني قدسسره ، والعلاّمة محمّد باقر الملقّب بـ الوحيد البهبهاني قدّس الله روحه ، الذي أحدث ثورة في اُصول الفقه الجعفري ، ونهض بأعباء الذبّ عن معالم الاُصول الشيعية في تصدّيه لهيمنة الفكر الأخباري ، وإلحاق الهزيمة بمشايخهم في عقر دارهم ،
فظهر على يديه ، وترعرع في أحضان حلقات درسه المفعمة بالإيمان ، والمشيّدة على اُسس راسخة من العلم والبرهان ، جيل عظيم من أساطين العلم وقادة المذهب ، كالمرحوم السيّد مهدي بحر العلوم ، والمرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، والمولى مهدي النراقي ، وغيرهم من الأعلام أعلى الله مقامهم ،
ممّن كانوا مصابيح في سماء العلم والفضيلة ، وأعياناً للمذهب الحقّ يقتدي بهم طلاّب الحقّ والفضيلة ، كما برز فيها أيضاً المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي قائد ثورة العشرين وزعيم الطائفة في عصره ، وهكذا برز المرحوم الحاج آقا حسين القمّي قدّس الله روحه ، وغيرهم كثيرون.
كما احتضن الجنوب اللبناني، وعلى وجه التحديد منطقة جبل عامل، أحد المراكز الشيعيّة والحوزات العلميّة بعدما هاجر منها العديد من الشبّاب الغيارى ومحبّي المعارف العلويّة والعلوم الجعفريّة إلى العراق وغيرها من الحوزات العلميّة والمراكز الشّيعيّة طلباً للعلم والمعرفة من نبعها الصّافي ثمّ عادوا إلى ذويهم يحملون سلاح العلم والمعرفة يبثّونه هنا وهناك ، ويذودون به عن الشريعة الغرّاء ،
بدءاً بالمحقّق العلاّمة الكراجكي ، والمحقّق العلاّمة الكركي ، الملقّب بالمحقّق الثاني ، والعلاّمة الشيخ البهائي ووالده ، والعلاّمة المحدّث الشيخ الحرّ العاملي المشهور بصاحب الوسائل ، وهكذا المجلسيّين أعني العلّامة المحدّث الشيخ محمّد تقي المجلسي ، ونجله العلاّمة المحدّث الشيخ محمّد باقر المجلسي المعروف بصاحب البحار ، والعلاّمة الفقيه الشهيد الثاني ، وانتهاءً بالعلاّمة السيّد عبدالحسين شرف الدين ، والسّيّد محسن الأمين وأضرابهم كثيرون.
هذه أبرز وأشهر الحوزات العلمية والجامعات الشيعية الإمامية ، لكنّ انتشار العلم والفضيلة لم يقتصر على هذه المراكز بل انطلق العلماء منها إلى مختلف البلاد وشتّى أرجائها ، والمواقع الشيعيّة ومدنهم القدّسة حيث أنشأوا فيها الحوزات ، وأقاموا فيها المدارس العلمية ، وتخرّج منها الكثير من العلماء والأساتذة والفضلاء والخطباء ،
كما وقع ذلك في حوزة الكاظمية في العراق ، وحوزة سامرّاء أيضاً في العراق ، حيث أسّسها وانتقل إليها المرحوم الميرزا حسن الشيرازي الكبير ، وجمع غفير من تلامذته وعلماء عصره ، وحوزة إصفهان ، لا سيّما في العهد الصفوي ، حيث وجد العلماء فيها ضالّتهم ،
فوفدوا إليها زرافات زرافات بعد أن دعى حكّام الصفويّين كبار علماء الطائفة وفحول فقهائها للنزوح إلى هذه المدينة ، وإقامة مركز علمي شيعي فيها ،
فأقبل إليها المرحوم الشيخ البهائي العاملي ، والمرحوم المحقّق الثاني ـ الكركي العاملي ـ ، والشيخ الحرّ العاملي صاحب وسائل الشيعة ، والمرحوم محمّد تقي المجلسي ، ونجله محمّد باقر المجلسي صاحب البحار ، وأضرابهم من أهل العلم والفضيلة ، وهي مستمرة إلى يومنا هذا ،
وفي حوزة قمّ المقدّسة التي تعدّ من المراكز الشيعية الاُمّ منذ عهد المعصومين عليهمالسلام ، حتّى ورد ذكرها في بعض الأخبار والروايات ، وأثنى عليها وعلى أهلها أئمّتنا الأطهار عليهم الصلاة والسلام ، فإنّها كانت حافلة منذ الغَيبة الصغرى بفقهاء الطائفة الحقّة ومحدّثيها وخيارها ،
وكان الأمر فيها على هذه الحال إلى بعد الغَيبة الكبرى بقرن كامل تقريباً ، أي كانت مزدهرة ناشطة طيلة مئة وسبعين عاماً تقريباً ؛ لأنّها كانت في أحلك الظروف وأقساها ، مأمناً للمؤمنين ، وملجئاً آمناً لهم ، يلوذون إليها من جور الجبابرة ، وظلم المعاندين المخالفين ،
وسرّ عظمتها المكنون فيها أنّها تحتضن باباً من أبواب الرحمة الإلٰهيّة ، وشفيعة في الدرجات العليّة ، والمقامات العالية من الجنّة ، وكريمة أهل البيت التي إلى جودها وكرمها يلجأ أهل الحقّ فلا تردّ أحداً من باب جودها ، وإلى كرمها تنتهي المكارم ، ألا وهي سيّدتنا ومولاتنا سَميّة جدّتها ، فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليها وعلى آبائها وأخيها آلاف التحيّة والثناء ، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم.
وقد اشتهرت هذه الحوزة العلمية ، وزاد صيتها ، وارتفع رصيدها من جديد ، في عهد مؤسّسها أو مجدّدها المرحوم الشيخ عبدالكريم الحائري ، والمرحوم السيّد آقا حسين البروجردي قدّس الله روحهما ، وهي بعد الثورة الإسلامية المباركة بزعامة الإمام الخميني قدّس الله روحه معقل التشيّع ، وملجأ المؤمنين ، وملاذ المجتهدين ،
ومن هذه الحوزة انتشر النور إلى أقصى العالم وأدناه ، ولاتزال منبعاً للفضيلة ، ومصدراً للخيرات والبركات ، يتهافت إليها طلاّب العلم والفضيلة من أقاصي البلاد ، ويعودون بالزاد الذي حملوه عن أهل البيت عليهمالسلام على أيدي فحول العلم وأصحاب المعرفة ،
ويقطنها أكثر مراجع الطائفة وفقهاء الإمامية ممّن تلقّوا علومهم في حوزة النجف الأشرف ، أو تلمّذوا على أيدي علمائها ، وهي حوزة مزدهرة بالعلوم والمعارف وكثرة المكتبات ومليئة بالأنشطة الدينية والثقافية والمدارس ومراكز التحقيق ودور النشر ، وناشطة في مجال التأليف والطباعة والنشر.
كما ينقسم فيها المنهج التعليمي إلى المنهج التقليدي القديم ، والتقليدي المشوب بالتحديث ، والمنهج الحديث الذي يمنح طلاّبه شهادات تعادل الشهادات الجامعيّة المعاصرة ، وتتمتّع بإدارتين مستقلّتين ، إدارة خاصّة بالطبعة الايرانيّين ، وإدارة اُخرى خاصّة بالطلبة غير الايرانيّين ، وإن كانت تلتقي في مديرية واحدة مشتركة.
وأخيراً الحوزة العلمية بمدينة مشهد المقدّسة ، وهي أيضاً كانت منذ القِدم ولا تزال حوزة ناجحة ، ناشطة ، مزدهرة بالعلماء والمحقّقين وطلبة العلوم الدينية ، كما لاتخلو مدينة شيعيّة أو بلدة يقطنها عالم شيعيّ أو بعض علماء الطائفة إلاّ وتجد فيها مدرسة علميّة أو حوزة مصغّرة ينتفع بها طلاّب العلم وعشّاق الفضيلة ،
كما هو الحال في معظم المدن الايرانية ، وبعض المناطق اللبنانية والبحرينية والحجازية والسُّورية ، وعلى وجه التحديد في بلدة الزينبيّة ، حيث مرقد العقيلة الهاشميّة سيّدتنا زينب الكبرى عليها الصّلاة والسّلام ، وهي تزدهر بالنشاطات العلميّة وحلقات الدروس في المدارس والمراكز العلميّة ، ومن قبل في حلب وغيرها ، وأشهر من برز فيها المرحوم السّيّد ابن زهرة ، والشهيد الأوّل قدسسرهما ، وهكذا.
كما ظهرت بعض المراكز العلميّة الشيعيّة في فترات متقطّعة قصيرة في بعض البلاد والمدن الإسلامية ، ثمّ اختفت واُغلقت واندرست آثارها ، كما هو الحال في نيسابور وقزوين وهمدان والأهواز وغيرها.
المصدر: كتاب “ كيف نفهم الرسالة العملية” الجزء الثاني، للشيخ محمد مهدي المؤمن.