الاجتهاد: سألني أحد المثقفين وهو عبارة عن اشكال حول آية كفارة القتل, والذي يشترط في صومها التتابع. والسؤال هو: ان قوله تعالى: …فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ..الآية. والسؤال المثار: كيف اذا قتلت المرأة مؤمنا خطأ, فكيف تصوم شهرين متتابعين وهي كما هو ثابت تتعرض لحيض خلال الشهرين مما يجب فيه قطع الصوم, ما هو المخرج من ذلك شرعا؟
سألني أحد المثقفين وهو عبارة عن اشكال حول آية كفارة القتل, والذي يشترط في صومها التتابع. والسؤال هو: ان قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[ النساء: 92].
والحال يتعذر تحرير الرقبة في وقتنا هذا, والسؤال المثار كيف اذا قتلت المرأة مؤمنا خطأ, فكيف تصوم شهرين متتابعين وهي كما هو ثابت تتعرض لحيض خلال الشهرين مما يجب فيه قطع الصوم, ما هو المخرج من ذلك شرعا؟ هذا الموضوع مثار حول صوم الحائض من عدمه,
ارجو ان تفيدونا في حل هذا الاشكال؟
الجواب: من المعلوم هذه الآية المباركة مطلقة ومن الثابت لدينا ان في القرآن عام وخاص, ومطلق ومقيد وهذه الآية مطلقة وقد ورد لها تقييد في الحديث الشريف؛ وذلك في جملة من الحالات
منها: أن الافطار لعذر كالحيض والنفاس والمرض والسفر الاضطراري فهذه الحالات لا تخل بالتتابع, كما ورد وسيتضح ذلك هذا أولاً.
وثانياً: من حيث ورود الروايات والاحاديث, فهل وردت؟ وجوابه نعم هناك روايات وردت في حالات خاصة ولكن نعممها لانها تفيد نفس العلة والملاك وكما يقول الاصوليون (المورد لا يخصص الوارد)؛ لعدم احتمال الخصوصية, فيستفاد منها التعميم حينئذٍ.
وعلى اية حال فنذكر الادلة على ذلك بشكل مجمل وهي:
1ـ الاجماع: بلا خلاف يعرف كما لا إشكال في انه يبني على ما مضى ـ من صوم ـ بل هو مورد للاجماع والاتفاق بين الفقهاء فلا يعتني بالافطار المتخلل في البين[1].
2ـ الروايات: فقد دلت عليه جملة من الاحاديث والروايات الشريفة معللة في بعضها بأنه مما غلب الله عليه، وليس على ما غلب الله عليه شئ, منها في الحديث صحيح عن رفاعة قال: سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض، قال: يبني عليه، الله حبسه، قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها، قال: تقضيها، قلت: فإنها قضتها ثم يئست من المحيض، قال: لا تعيدها، أجزأها ذلك. [وسائل الشيعة: ج10, ص 374], وحديث آخر قريب منه في [الجزء 22, ص 395, من الوسائل].
وفي حديث معتبر آخر عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله الصادق (ع) عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة وعشرين يوما ثم مرض فإذا برئ يبنى على صومه ام يعيد صومه كله؟ قال: بل يبنى على ما كان صام، ثم قال: هذا مما غلب الله عليه، وليس على ما غلب الله عزوجل عليه شئ.[وسائل الشيعة: ج10, ص 275].
ولا يخفى هناك بعض الروايات التي يظهر منها معارضة لبعض روايات المسألة الا انه بعد التأمل فيها ينحل هذا التعارض ولا مجال لذكرها, ومن شاء فليراجع المطولات فقد ذكر الاعلام ذلك بالنقض والابرام ما فيه غنى وكفاية. وفي نهاية المطاف قال السيد الخوئي: فتحصل ان النصوص المتضمنة للبناء في مورد العذر سليمة عن المعارض، والمسألة اتفاقية كما عرفت[2].
وغيرها من الروايات والقواعد الشرعية المستفادة من القرآن والروايات الشريفة, منها حديث رفع الاكراه, والاضطرار, وبناء الشريعة على التسهيل مهما وجد إليه سبيل[3], وقاعدة لا ضرر, والتكليف بغير المقدور, وغير ذلك من القواعد التي لا مجال لذكرها في هذه المختصر.
3ـ القواعد الشرعية, هناك جملة من القواعد الفقهية المستنبطة من الكتاب والسنة, نذكر منها قاعدة (كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر) ويراد بهذه القاعدة أن الله تعالى هو الذي غلب على المكلف بهذا الحال وافقده الحالة الاعتيادية التي خاطبه بالتكليف على اساسها, فهنا يسقط حكم التتابع بالنسبة للصوم في بعض الموارد التي ذكرناها آنفاً, وغيره من الحالات في مختلف الابواب الفقهية لا مجال لذكرها. وهذه القاعدة مستفادة من جملة من الروايات الشريفة[4], متفرقة على ابواب مختلفة كما قلنا فهي تكون عامة وشاملة لهذه الابواب, ومنها هذا المورد.
وقد اشار الى هذه القاعدة جملة من الاعلام صريحا كالمحقق النجفي صاحب الجواهر, والسيد الخوئي, والسيد السبزواري وآخرون[5]. وقد ألمح لها الشيخ الطوسي في الخلاف, بعد ان بين الحكم بالنسبة للمريض ولكن القاعدة تشمل غيره, قال: إذا أفطر في خلال الشهرين لمرض يوجب ذلك، لم ينقطع التتابع، وجاز له البناء، وهو قول الشافعي في القديم، واختاره المزني. وقال في الجديد: ينقطع، ويجب الاستئناف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن إيجاب الاستئناف إنما وجب على من يفطر لضرب من العقوبة لتهاونه بما يجب عليه، وهذا أمر غلب عليه من فعل الله لا صنع له فيه، فجرى مجرى الحيض، ولانا إذا أوجبنا الاستئناف لم يأمن – إذا استأنف – أن يمرض ثانيا، وكذلك كل مرة فيؤدي إلى أن لا ينفك من الصوم، وأن يصوم لا إلى نهاية. فعفي عن ذلك لما قلناه[6].
الهوامش
[1] مستند الشيعة, العلامة الفقيه الشيخ احمد النراقي : ج 10, ص 533, وموسوعة السيد الخوئي ـ كتاب الصوم 2 ـ: ج 22, ص 289.
[2] موسوعة السيد الخوئي ـ كتاب الصوم 2 ـ: ج 22, ص 292.
[3] راجع مهذب الاحكام, السيد عبد الاعلى السبزواري: ج 22, ص 346.
[4] راجع الوسائل ج 8, ص 259 ـ 261, ح 3 و7 و13 و16.
[5] جواهر الكلام, المحقق النجفي: ج 17, ص 483. وقد ذكرها في موضع آخر ص 380. وغيره من المواضع. والسيد الخوئي في بحث الصوم انظر: موسوعة السيد الخوئي ـ كتاب الصوم 2 ـ: ج 22, ص 289. ومهذب الاحكام, السيد عبد الاعلى السبزواري: ج 10, ص 329.
[6] كتاب الخلاف, الشيخ الطوسي, ج 4, ص 554.