الاجتهاد: أفاد أستاذنا الفاضل سماحة آية الله الشيخ باقر الإيرواني دامت بركاته في مجلس درسه المنعقد في يوم الاثنين ( 13 ذو القعدة ١٤٤٣هج ) فائدة في بيان الموقف من كتاب الفقه الرضوي. / بقلم: الشيخ نُهاد الفياض
فقال ما مضمونه:
اختلف موقف الأعلام من كتاب الفقه الرضوي، فمنهم من أخذ به كصاحبي الحدائق والرياض قدس سرهما، ومنهم من لم يأخذ به، ولبيان شيء عن هذا الكتاب نذكر ما قاله بعض الأعلام.
– قال العلامة المجلسي في البحار: كتاب فقه الرضا، أخبرني به السيد الفاضل المحدث القاضي أمير حسين طاب ثراه بعدما ورد أصفهان قال: قد اتفق في بعض سني مجاورة بيت الله الحرام أن أتاني جماعة من أهل قم حاجِّين، وكان معهم كتاب قديم، يوفق تاريخ عصر الرضا عليه السلام.
وسمعت الوالد رحمه الله أنه قال: سمعتُ السيد يقول: كان عليه خطه صلوات الله عليه، وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء. وقال السيد: حصل في العلم بتلك القرائن أنه تأليف الإمام عليه السلام، فأخذت الكتاب وكتبته وصححته. فأخذ والدي قدس الله روحه هذا الكتاب من السيد واستنسخه وصححه.
– وأكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه من غير مستند، وما يذكره والده في رسالته إليه. وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه.
– وقد ذكر السيد بحر العلوم في فوائده ما يرتبط بالفقه الرضوي فقال: قد اتفق لي في سني مجاورتي في المشهد الرضوي أني وجدت في نسخة من هذا الكتاب من كتب الخزانة الرضوية: أنّ الإمام الرضا عليه السلام صنف هذا الكتاب لمحمد بن سُكين، وأن أصل النسخة وجدت في مكة المشرفة بخط الإمام عليه السلام، وكان بالخط الكوفي، ونقله الميرزا محمد صاحب الرجال إلى الخط المعروف.
ونقل السيد محمد هاشم الخوانساري في رسالة له في ذلك عن المحدث الجزائري، في المطلب السادس من مطالب مقدمات شرح التهذيب: كم رأينا جماعة من العلماء ردوا على الفاضلين بعض فتاويهما بعدم الدليل فرأينا دلائل تلك الفتاوى في غير الأصول الأربعة، خصوصاً كتاب الفقه الرضوي، الذي أتي به من بلاد الهند في هذه الأعصار إلى أصفهان وهو الآن في خزانة شيخنا المجلسي أدام الله أيامه، فإنه قد اشتمل على مدارك كثيرة للأحكام وقد خلت منها هذه الأصول الأربعة.
– واحتمل الميرزا عبد الله أفندي قدس سره صاحب كتاب رياض العلماء، أن فقه الرضا هو نفس رسالة علي بن موسى بن بابويه – الأب ـ إلى ولده الصدوق محمد بن علي، وأنّ الاشتباه قد نشأ من اشتراك اسم الرضا عليه السلام معه في كونه أبا الحسن علي بن موسى الرضا.
و ما يمكن التمسك به لإثبات اعتبار هذا الكتاب هو التالي:
الأول: إن القاضي أمير حسين ثقة، وقد أخبر بأنّ ثقتين عدلين من أهل قم قد أخبراه بذلك، فيدخل في عموم ما دلّ على حجية خبر العدل.
ولكن العبارة التي نقلناها عن السيد أمير حسين لم يُذكر فيها أنها من العدول، فقال: « قد اتفق في بعض سني مجاورة بيت الله الحرام حاجين” ، ولم يقل من العدول.
الثاني: إنه جاء في أول كتاب فقه الرضا: « يقول عبد الله علي بن موسى الرضا عليه السلام: أما بعد …إلخ »، وجاء في آخره: « مما نداوم به نحن معاشر أهل البيت »، وجاء في باب الأغسال: « ليلة تسعة وعشرين من شهر رمضان هي التي ضرب فيها جدُّنا أمير المؤمنين عليه السلام »،
وجاء في كتاب الحج منه: « أبي عن جدّي عن أبيه: رأيتُ علي بن الحسين يمشي ولا يرمل ».
– هذا ما يمكن التمسك به لإثبات حجية الكتاب.
– وفي مقام التعليق نقول:
– أولا: إن هذا المقدار من العبارات لا يكفي للإثبات، وهي أقرب إلى الدعاوى من دون مستند، ولو كانت نسبة الكتاب ثابتة للإمام عليه السلام لكان هذا الأمر مشهوراً، ولم يكن مخفياً طيلة قرون.
– ثانياً: لم يُعهد من طريقة الأئمة عليهم السلام تأليف الكتب، وإنها كانت طريقتهم هي السؤال والجواب، فحتى نهج البلاغة كان خُطباً متفرقة قد جمعت بعد ذلك، وكذلك الصحيفة السجادية، وليس أن الإمام عليه السلام يؤلّف كتاباً.
– ثالثاً: لو سلمنا بأن الكتاب للإمام الرضا عليه السلام، فكيف نعلم بأن هذه النسخة مطابقة للأصل؟ إن هذا أمر لا مثبت له.
نعم، قد يقال: نتمسك بدليل حجية خبر الثقة، فإن السيد أمير حسين وغيره من الثقات، وقد شهدوا بذلك، وخبر الثقة حُجة، ولكن يقال: إن خبر الثقة حُجة في الحسيّات دون الحدسيات، فإنَّ كون هذه النسخة من الكتاب مطابقة للأصل أول الكلام.
والنتيجة من كل هذا: هي أنه لا مثبت لكون هذا الكتاب هو للإمام الرضا عليه السلام، فالتمسك به بنحو الدليل – کما صنع صاحبا الحدائق والرياض وغيرهم – محلُّ تأمل، نعم لا بأس بالتمسُّك به بنحو المؤيد دون الدليل ..
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين
بقلم: الشيخ نُهاد الفياض
النجف الأشرف 1443هج
فقه الرضا والمؤاخذات التي تبعد نسبة الكتاب للإمام الرضا “عليه السلام”
الفقه المنسوب للإمام الرضا “عليه السلام” لعلي بن بابويه / تحميل PDF