الاجتهاد: كتب فضيلة الشيخ محمود أبو ريه* صاحب كتاب (أضواء على السنة المحمدية) إلى فضيلة السيد مرتضى العسكري، يطلب منه إيضاح عقيدة الإمامية الاثنى عشرية في ( المهدي المنتظر ) بمناسبة عزمه على إعادة طبع كتابه الآنف الذكر، استدراكاً لبعض الأخطاء التي وردت في الطبعة الأولى، بعد إيضاح من السيد العسكري.
أخي العالم: ان العقيدة بالمهدي المنتظر هي حلقة من سلسلة، وعليه فهي لا تفهم ولا تدرس وحدها. وسأجعل البيان عن ذلك فيما يلي:
ان البشر منذ فجر التاريخ حتى اليوم ينقسمون إلى قسمين: قسم منهم لا يؤمن بما وراء المحسوسات التي يبصرها، ويكفر بالغيب ويرى في جميع ما يرى انها خلقت مصادفة، ثم يذهب في تحليل علل الخلق وبدئه ومنتهاه وراء الظن، وان الظن لا يغني من الحق شيئاً.
وقسم آخر: يؤمن بالغيب، ويؤمن بأن الخلق بدئ به من قبل الخالق مدبر، وان هذا الخالق قد أعطى لكل مخلوق خواصه ومميزاته، وفق حكمة وتدبير. وهؤلاء هم أهل الأديان الذين يؤمنون بالله ويكاد أهل الأديان يجمعون على انتظارهم لمنقذ للبشرية يقيضه الله لاجراء أحكامه بين البشر واحلال السعادة والسلام بينهم.
أما نهاية هذه الحياة وكيفية الحياة الثانية بعد هذه الحياة فليست بواضحة عند كثير منهم.
أما المسلمون فالصورة عندهم واضحة جلية عن نهاية العالم وأمر العالم الثاني بعد هذه الحياة بما ورد عن نبيهم الكريم من أحاديث مستفيضة في وصف الحياة المثالية آخر الدهر قبل يوم القيامة وما يأتي بعدها.
والشيعة الاثنا عشرية بالأخص يعتقدون أن الأرض لم تخل من حجة لله على خلقه ولا تخلو منه كذلك وهو إما أن يكون نبيا يوحى إليه أو من يعين من قبله ليحافظ على شريعته من بعده ويبينها لأمته.
وهم يرون في الأحاديث الاثنى عشرية التي أوردتموها في كتابكم(١) تحت عنوان (الخلفاء الاثنا عشر) بيانا لعدد الأئمة الاثنى عشر الذي يلون أمر الدين بعد النبي فإن هذا العدد لا ينطبق على الراشدين ولا الأمويين ولا غيرهم(٢) مضافاً إلى مئات الأحاديث التي يروونها بطرقهم الخاصة عن رسول الله مما فيه التنصيص على ذلك، وثاني عشر هؤلاء الأئمة عندهم المهدي ابن الحسن العسكري المولود بسامراء سنة ٢٥٥هـ والذي يعتقدون فيه أنه لا يزال حياً كحياة نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً بين قومه وكحياة عيسى الذي ما قتلوه ولا صلبوه ولكن شبه لهم بل رفعه الله اليه.
ويستشهد بعضهم بما أثبتته تجارب الدكتور الكس كارل في معهد روكفار بنيويورك والدكتور جاك لوب والدكتور رن لوسي على قطع من أعصاب الإنسان وعضلاته وقلبه وجلده وكليتيه من ان هذه الأجزاء تبقى حية ما دام الغذاء موفوراً لها ولم يعرض لها عارض خارجي وان خلاياها تنمو وتتكاثر وفق ما يقدم لها من غذاء وان لا تأثير للزمن فيها أي أنها لا تشيخ وتضعف بمرور الزمن بل لا يبدو عليها أقل أثراً وشيخوخة بل تنمو وتتكاثر هذه السنة كما كانت تنمو وتتكاثر في السنة الماضية وما قبلها من السنين وتدل الظواهر كلها على أنها ستبقى حية نامية ما دام الباحثون صابرين على مراقبتها وتقديم الغذاء الكافي لها…).(٣)
منهم يستشهد بهذا وبغيره وهم يعتقدون بأن المهدي موجود وحي بقدرة الله الذي جعل الطين طيراً لعيسى والنار برداً وسلاماً لإبراهيم والإيمان بوجوده كل هذه المدة دليل على الإيمان بقدرة الله ويعتقدون أنه موجود بين الناس وقد يعايشهم كأحدهم دن أن يشخّصوه.
ومما يذكر من فوائد وجوده أنه اذا احتاج المسلمون إلى بيان رأي خفى فيه وجه الصواب يقوم بإرشاد بعض العلماء إلى صواب الرأي في الأمر.
أما موعد ظهوره فإنهم مجتمعون على أنه من الغيب الذي لا يعرفه إلا الله وان لظهوره علائم منها ما هو حتمي الوقوع وأخرى غير حتمية على ما في الأحاديث وأنه يبدأ ظهوره من مكة على الأشهر ـ وتتكون حملته الأولى من جيش عدده كعدد جيش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بدر وأنه يملأ الأرض عدلاً وأنه يحكم بين الناس بالواقع وان خالف شهادة الشاهدين.
أما سرداب الغيبة الذي قيل عنه في الحلة أو سامراء فلم أسمع بشيعي يقول بغيبة المهدي المنتظر أو بوجوده فيه أو بخروجه منه(٤) ولعل السرداب الموجود في سامراء كان مصلى للإمامين علي الهادي والحسن العسكري اتخذاه مصلى لهما للعبادة فقد كانوا يتخذون مصلى يعبدون الله فيه ثم بقى كذلك حتى اليوم.
هذا بعض ما حضرني الآن عصر الجمعة ٢/ ع٢/ ٨١هـ وأسأل الله أن يمن على المسلمين بجمع كلمتهم ويحسن لنا ولكم العاقبة والسلام عليك من مرتضى العسكري.
تتمة
أخرج كل من أبي داوود في كتاب المهدي من سننه ج٢/ ٢١٠ عن أبي الطفيل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(لو لم يبق من الدهر إلا يوم يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً).
والترمذي في باب ما جاء في المهدي ج٩/ ٧٤ عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تذهب الدنيا حتى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
والحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه ج٤/ ٥٥٧ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدوانا).
ثم قال الحاكم، صحيح على شرطهما ـ أي البخاري ومسلم ـ ولم يخرجاه ووافقه الذهبي على ذلك.
وأخرج هذا الحديث أبو داود في سننه ج ٢/ ٢١١ وأحمد في مسنده ج٣/ ١٧ و٢٦ وفي ٣٧ و٥٢ مفصلاً وأخرج ابن ماجة في سننه باب خروج المهدي من كتاب الفتن الحديث ٤٠٨٥ عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة).
وأخرج كل من أبي داود في ج٢/ ٢١١ من سننه وابن ماجة الحديث ٤٠٨٦ من سننه والحاكم في ج٤/ ٥٥٧ من مستدركه والذهبي في تلخيصه عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة).
الهوامش:
* ولد فضيلة الأستاذ الشيخ محمود أبو ريّة ـ وهو من علماء مصر المحققين البارزين ـ في مدينة كفر المندرة مركز اجا في محافظة القهلية، وقد جمع بين الدراسة المدنية بالمدارس الابتدائية والثانوية والمعاهد الدينية. من آثاره «عليّ وما لقيه من أصحاب الرسول ـ مخطوط» و«أضواء على السنة المحمديّة» طبع ثلاث مرات و«أبو هريرة شيخ المضرة» طبع ثلاث مرات و«السيد البدوي» وكتاب «حياة القرى» و«صيحة جمال الدين الأفغاني» و«رسائل الرافعي» «ودين الله واحد» وقصة الحديث المحمدي
(١) جاءت أحاديث كثيرة تنبئ أن الخلفاء سيكونون اثني عشر خليفة. وقد اخرجها كل من البخاري في كتاب الأحكام من صحيحه ج٤/ ١٥ ط. مصر سنة ١٣٢٧. ومسلم في كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش من صحيحه ج٦/ ٣ ـ ٤ط. مصر سنة ١٣٣٤.
والطيالسي الحديث ٧٦٧ و١٢٧٨ من مسنده ط. حيدر آباد: وأبو داوود في كتاب المهدي من سننه ج ٢/ ٢١٠ ط لكهنو. وأحمد في مسنده ط. الأولى ج١/ ٣٩٨ ـ ٤٠٦ عن ابن مسعود، وفي ج ٥/ ٨٦ ـ ٩٠ ـ ١٠٠ و١٠٦ ـ ١٠٨ عن جابر بن سمرة.
(٢) قال النووي أبو زكريا يحيى بن شرف الشافعي المتوفى سنة ٦٨٦هـ في شرحه هذه الأحاديث من صحيح مسلم ج٦/ ٣ط. محمد علي صبيح بمصر: (وقد تردد العلماء في المعنى المراد بهذا فقالوا يحتمل أن يكون المراد بالاثنى عشر مستحقوا الخلافة من أئمة العدل ويحتمل أن يكون المراد اجتماعهم في زمن واحد يفترق الناس عليهم!..).
وقال أبو بكر محمد بن عبد الله المالكي المتوفى سنة ٥٤٣هـ والمشهور بابن العربي في شرحه هذه الأحاديث من صحيح الترمذي ج٩/ ٦٨ط. المصرية الأولى.
(وروى أبو عيسى ـ أي الترمذي ـ عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يكون بعدي اثنى عشر أميراً أبدا كلهم من قريش صحيح فعددنا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنى عشر أميراً فوجدنا أبا بكر، عمر، عثمان، علي، الحسن، معاوية، يزيد بن معاوية، معاوية بن يزيد، مروان، عبد الملك بن مروان، سليمان…).
ثم ذكر الخلفاء الأمويين والعباسيين إلى عصره ثم قال: (وإذا عددنا اثنى عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان بن عبد الملك وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز ولم أعلم للحديث معنى ولعله بعض حديث وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كلهم من قريش).
(٣) راجع مجلة المقتطف السنة ٥٩ ج٣/ ص ٢٣٨ ـ ٢٤٠.
(٤) وقد صرح بقريب من ذلك اثنان من كبار علماء الشيعة على ما أتذكر الحاج السيد صدر الدين وقبله الحاج مرزا حسين المحدث النوري.
المصدر: مجلة الانتظار نقلاً عن مجلة الأضواء التي تصدر في النجف الأشرف منذ أواسط القرن العشرين، العدد٣ السنة/٢ الصادر في جماى الأولى عام ١٣٨١هـ.
المهدي المنتظر