الحوزة-ودورها-الريادي-والطليعي.jpg مكارم الشيرازي - عبد الكريم الحائري

المرجع مكارم الشيرازي: دعوة للحفاظ على الإرث العلمي وتطويره لمواجهة تحديات العصر

خاص الاجتهاد: المرجع الديني مكارم الشيرازي: إن إنشاء الحوزة العلمية الدينية وتخريج رجال الدين والعلماء في هذا النهج، وتكوين فهم صحيح وعلمي لتعاليم الدين الإسلامي السمح ونموه وازدهاره، قد ساهم في حفظ وحماية جوهر الإسلام والمذهب الشيعي من المؤامرات والانحرافات المختلفة.

وفقا للاجتهاد صرح المرجع الديني آية الله مكارم الشيرازي، أمس الأربعاء، في حفل افتتاح المؤتمر الدولي بمناسبة الذكرى المئوية لإعادة تأسيس الحوزة العلمية في قم وتكريم المرحوم آية الله العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري في مدينة قم، قائلاً: إن مسؤولية الحفاظ على هذا الإرث الضخم، باعتباره أكبر مركز علمي في العالم تقع اليوم على عاتق الحوزات العلمية والعلماء الأجلاء والطلاب الكرام. وتحقيق هذه الغاية يتطلب الالتزام بعدة أمور منها: إعطاء الأولوية القصوى لجعل التبليغ ونشر الدين هدفاً أساسياً، وتجنب الجمود داخل الحوزة، وذلك من خلال توفير الدعم والرعاية للطلاب وتمكينهم بالعلوم والفنون الضرورية، والاستفادة من الوسائل الحديثة وتعلم اللغات والثقافات المتنوعة.

وفي ما يلي نص كلمة المرجع مكارم الشيرازي دام ظله:

بسم الله الرحمن الرحیم. الحمدلله رب العالمین و الصلاة علی سیدنا محمد و آله الطاهرین، لاسیما بقیة الله المنتظر ارواح العالمین له الفداء و عجل الله تعالی فرجه الشریف.

في البداية، لا بد لي من تقديم أسمى آيات التهاني والتبريكات لكم جميعاً أيها الأعزاء والمشاركون في هذا اللقاء، بمناسبة الذكرى السعيدة والمباركة لمولد الإمام الثامن، حضرة علي بن موسى الرضا (عليه آلاف التحيات والثناء)، وولادة ولي نعمتنا حضرة فاطمة المعصومة (سلام الله عليها). كما أود أن أعرب عن شكري وتقديري للقائمين على هذا المؤتمر والمنظمين والضيوف الكرام، راجياً أن يحقق هذا المؤتمر أهدافه المنشودة وأن يترك بصمات راسخة.

لقد شهدت مدينة قم المقدسة، التي غدت بعد فترة وجيزة من دخول الإيرانيين في الإسلام ملاذاً آمناً لمحبي أهل البيت (عليهم السلام) ومركزاً علمياً لنشر وتوسيع معارفهم، في مسيرتها التاريخية التي تمتد إلى اثني عشر قرناً، تاريخاً ثرياً ومليئاً بالتقلبات والأحداث.

إن إنشاء الحوزة العلمية الدينية وتخريج رجال الدين والعلماء في هذا النهج، وتكوين فهم صحيح وعلمي لتعاليم الدين الإسلامي السمح ونموه وازدهاره، قد ساهم في حفظ وحماية جوهر الإسلام والمذهب الشيعي من المؤامرات والانحرافات المختلفة.

وبشكل خاص في القرن الأخير، وبعد إحيائها المبارك على يد الزعيم المقتدر المرحوم الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري (رحمه الله تعالى)، كانت هذه الحوزة العلمية هي الحصن الذي حمى المجتمع الإيراني المضطرب من المكائد والأطماع الداخلية والخارجية، ومن ضعف وتخاذل الحكام غير المؤهلين، ومن خطط وتحريفات المستغلين للفرص. وفي نهاية المطاف، تكللت ثورة الشعب الإيراني الإسلامية، التي انطلقت من الحوزة العلمية ومنهج التشيع، بالنجاح بفضل فكر وتوجيه الإمام الراحل (رضوان الله عليه)، لتشكل منعطفاً حاسماً في تاريخ إيران والعالم أجمع.

وكم من إغراءات ومؤامرات، وكم من استبداد وسلب لم يكتب لها النجاح على مر العصور بفضل تضحيات وجهود العلماء والروحانيين الربانيين ومساندة الشعب المخلص والمتفاني، وقد تحولت هذه الشجرة الطاهرة بفضل جهود ونضالات مضنية إلى شجرة قوية راسخة الجذور شامخة الفروع «أصلها ثابت وفرعها في السماء».

إن مسؤولية الحفاظ على هذا الإرث الضخم، باعتباره أكبر مركز علمي في العالم، وضمان بقائه حتى ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، تقع اليوم على عاتق الحوزات العلمية والعلماء الأجلاء والطلاب الكرام. وتحقيق هذه الغاية يتطلب الالتزام بعدة أمور أذكر بعضها في هذا المقام الموجز:

أولاً: التشديد على تزكية النفس وتنمية الروح والتحلي بالفضائل الحميدة التي ينبغي أن تكون جوهر شخصية المنتمين إلى الحوزة، كما ورد في قوله (عليه السلام): «فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره».

ثانياً: التمسك والالتزام بالعادات والقيم الحوزوية الأصيلة التي كانت من أهم عوامل نشأة العلماء الواعين والمخلصين في هذه الحوزة المقدسة. وعلينا أن ندرك أنه كلما ابتعدنا عنها، كلما تكبدنا خسائر أكبر.

ثالثاً: دعم وتقوية المسيرة العلمية في الحوزة وتخريج طلاب متميزين ومتخصصين، وتجنب الاكتفاء بالدراسة السطحية، وهو ما قد يتطلب تعديل المناهج الدراسية والنصوص العلمية وتحديثها بما يتناسب مع متطلبات الحاضر والمستقبل للمجتمع.

رابعاً: تنمية الوعي لدى الطلاب والتحلي برؤية مستقبلية لدى القائمين على التخطيط، وتتضاعف أهمية ذلك بالنظر إلى سرعة التغيرات في عالمنا المعاصر. ولا شك أن الاستفادة من التقنيات والأدوات الحديثة كالإعلام والفضاء الرقمي والذكاء الاصطناعي وغيرها، تساهم في تسريع وتيرة العمل وتعزيزه، إلا أنه يجب التنبه إلى مخاطرها الجدية.

خامساً: إعطاء الأولوية القصوى لجعل التبليغ ونشر الدين هدفاً أساسياً، وتجنب الجمود داخل الحوزة، وذلك من خلال توفير الدعم والرعاية للطلاب وتمكينهم بالعلوم والفنون الضرورية، والاستفادة من الوسائل الحديثة وتعلم اللغات والثقافات المتنوعة.

سادساً: بناء علاقات متينة وواسعة بين الحوزات العلمية وعامة الناس، والوقوف بجانبهم ومساندتهم في الأوقات الصعبة والمحن، حيث أن هذه الروابط تؤدي إلى تعزيز متبادل بين الشعب والحوزات العلمية.

سابعاً: التأكيد على حفظ استقلال الحوزة عن الحكومات، الأمر الذي كان على الدوام سبباً في حريتها وفكرها الحر. وبالطبع، فإن الحوزة العلمية، بوصفها منشأ وأم الحركة الكبرى للثورة الإسلامية، كانت وستظل داعمة للثورة وقيادتها.

ثامناً: جهاد التبيين ودفع الشبهات عن المعتقدات الدينية، وخاصة من أذهان الشباب، وتقديم الحلول المناسبة لحياة أفضل.

تاسعاً: تعزيز روح الأمل في المستقبل، الأمر الذي يؤدي إلى النشاط في التحصيل والتهذيب والتبليغ؛ خاصة الآن وقد نمت أسباب اليأس وفقدان الحافز نمواً هائلاً.

عاشراً: الارتباط العميق والوثيق بصاحبنا ومولانا حضرة الحجة بن الحسن (أرواحنا فداه)، الذي هو علة كل هذا السعي والجهد، وهو رضاه (عليه السلام).

في الختام، وإذ أكرر شكري وتقديري للقائمين على هذا المؤتمر والمنظمين، وخاصة الفاضل الجليل جناب آية الله الأعرافي (زید عزه) وحضراتكم الكرام، أسأل الله تعالى التوفيق المتزايد للحوزات العلمية وعامة الشعب الإيراني، وأرجو بعون الله تعالى أن ينتصر مسلمو العالم على الأعداء والمستكبرين في العالم، وأن يتهيأوا لظهور حضرة ولي العصر (عجل الله تعالى فرجه).

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky