خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 5 مذكرة / المباني الفقهية للمقاومة المسلحة / آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي “ره”
المباني الفقهية للمقاومة المسلحة

المباني الفقهية للمقاومة المسلحة / آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي “ره”

الاجتهاد: بإمكاننا أن نصنّف الأدلة الفقهية على وجوب المقاومة المسلحة إلى أربعة أصناف: 1- القرآن الكريم. 2- السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام وسنة اهل بيته (عليهم السلام)، التي هي امتداد لسنة رسول الله (ص). 3- الإجماع. 4- الدليل العقلي.

وسوف نستعرض الأدلة الثلاثة الأُولى من خلال المناهج الفقهية لعموم المذاهب الإسلامية، أعني: مدرسة أهل البيت ومدرسة الخلفاء.

أما الدليل العقلي فالاحتجاج به يختص بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لأن المدارس الفقهية السنية لا تحتج بالدليل العقلي.

كلمات الفقهاء

قبل أن ندخل في تفصيل البحث عن أدلة وجوب الدفاع أو (المقاومة المسلحة) تجاه العدو الذي يداهم بلاد المسلمين، نستعرض بعض كلمات الفقهاء في حكم الدفاع (المقاومة) وشروطه، ثم نبحث عن أدلة وجوبه من الكتاب والسنة.

في فقه أهل البيت (عليهم السلام)

يقول الشيخ الطوسي في النهاية، في بيان عدم جواز القتال الى جانب الحاكم الظالم: اللهم إلّا أن يدهم المسلمين أمر من قبل العدو يخاف منه على بيضة الإسلام ويخشى بواره، أو يخاف على قوم منهم، وجب حينئذ أيضاً جهادهم ودفاعهم. غير أنه يقصد المجاهد- والحال على ما وصفناه- الدفاع عن نفسه وعن حوزة الإسلام وعن المؤمنين، ولا يقصد الجهاد مع الإمام الجائر)[1].

ويقول ابن إدريس في السرائر: اللهم إلّا أن يدهم المسلمين- والعياذ بالله- أمر من قبل العدو يخاف منه على بيضة الإسلام ويخشى بواره. وبيضة الإسلام مجتمع الإسلام وأصله، أو يخاف على قوم منهم وجب حينئذ أيضاً جهادهم ودفاعهم غير أنه يقصد المجاهد والحال ما وصفناه الدفاع عن نفسه وعن حوزة الإسلام وعن المؤمنين‌[2].

ويقول العلامة الحلي أيضاً في تذكرة الفقهاء: ومتى قتل المرابط كان شهيداً[3]. وقتال المرابط من موقع الدفاع عادة، فيكون من الجهاد الدفاعي.

ويقول الشهيد الأوّل في الدروس: إلّا أن يخاف على بيضة الإسلام وهي أصله ومجتمعه من الاصطلام أو يخاف من اصطلام قوم من المسلمين فيجب على من يليهم الدفاع عنهم‌[4].

ويقول المحقق الأردبيلي في (زبدة البيان) في تفسير قوله تعالى: اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا[5]: يدخل فيه الدفاع النفسي والذب عن الدين‌[6].

ويقول الفقيه النجفي في موسوعته الفقهية الكبيرة (جواهر الكلام): (ولو بدأ العدو بالقتال وجب وكان جهاداً واجباً من غير حاجة إلى إذن الإمام (ع))[7].

ثم يوضح (رحمه الله): إنّ الشروط التي يذكرها الفقهاء في الجهاد من أمر الإمام العادل أو إذنه يختص بالجهاد الابتدائي في الدعوة إلى الإسلام. أما في الجهاد الدفاعي، فلا يلزم شي‌ء من ذلك، ويجب من دون شرط إذن الإمام العادل ..

ثم يقول (رحمه الله): (إن الدفاع من أقسام الجهاد، ويدخل في‌ إطلاقات الجهاد، والمقتول فيه شهيد شرعاً، ولا يغسل ولا يكفن). وإليك نصّ كلامه: يقول (رحمه الله): (بل ظاهر غير واحد كون الدفاع عن بيضة الإسلام مع هجوم العدو ولو في زمان الغيبة من الجهاد لإطلاق الأدلة، واختصاص النواهي بالجهاد ابتداءً للدعاء إلى الإسلام من دون إمام عادل، أو منصوبه، بخلاف الفرض الذي هو من الجهاد من دون اشتراط حضور الإمام ولا منصوبه ولا إذنهما في زمن بسط اليد، والأصل بقاؤه على حاله، واحتمال عدم كونه جهاداً حتى في ذلك الوقت مخالف لإطلاق الأدلة)[8].

ويقول في موضع آخر: (الجهاد أعم كما يشعر به تقسيمهم إياه إلى الابتدائي وإليه، بل قد تقدم في كتاب الطهارة تصريح جماعة بكون المقتول فيه شهيداً، كالمقتول بين يدي الإمام (ع) فلا يغسل ولا يكفن)[9].

ويقول صاحب الجواهر في أقسام الجهاد: (والثاني أن يدهم المسلمين عدو من الكفار يخشى منه على البيضة[10]، أو يريد الاستيلاء على بلادهم وأسرهم وسبيهم وأخذ أموالهم. وهذا واجب على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والسليم‌ والمريض، والأعمى والأعرج وغيرهم، إن احتيج إليهم، ولا يتوقف حضوره (ع) ولا إذنه ولا يختص بمن قصدوه من المسلمين).

ويقول الشيخ محمّد حسن النجفي في جواهر الكلام أيضاً: (وقد تجب المحاربة على وجه الدفع من دون وجود الإمام (ع) ولا منصوبه (كأن يكون) بين قوم يغشاهم عدو يخشى منه على بيضة الإسلام، أو يريد الاستيلاء على بلادهم أو أمرهم وأخذ مالهم، أو يكون (بين أهل الحرب) فضلًا عن غيرهم ويغشاهم عدو يخشى منه على نفسه فيساعدهم دفعاً عن نفسه.

قال طلحة بن زيد: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون، قال: «على المسلم أن يمنع عن نفسه ويقاتل على حكم الله وحكم رسوله، وأما أن يقاتل على حكم الجور ودينهم فلا يحل له ذلك». فهو حينئذ ليس إلّا دفاعاً مستفاداً من النصوص المزبورة وغيرها، بل هو كالضروري. (وكذا) يجب الدفاع على كل من خشي على نفسه مطلقاً أو ماله أو عرضه أو نفس مؤمنة أو مال محترم أو عرض كذلك (إذا غلب ظن السلامة) كما أشبعنا الكلام في كتاب الحدود فلاحظ)[11].

ويقول في حكم هذا النوع من الجهاد (الدفاعي): (ويتأكد الوجوب على الأقربين فالأقربين)[12].

يقول الإمام الخميني (رحمه الله) في تحرير الوسيلة في باب الدفاع:

(مسألة 1): لو غشي بلاد المسلمين أو ثغورها عدوّ يُخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمعهم، يجب عليهم الدفاع عنها بأيّة وسيلة ممكنة من بذل الأموال والنفوس.

(مسألة 2): لا يشترط ذلك بحضور الإمام (ع) وإذنه، ولا إذن نائبه الخاصّ أو العامّ، فيجب الدفاع على كل مكلّف بأيّة وسيلة بلا قيد وشرط.

(مسألة 3): لو خيف على زيادة الاستيلاء على بلاد المسلمين وتوسعة ذلك وأخذ بلادهم أو أسرهم، وجب الدفاع بأيّة وسيلة ممكنة.

(مسألة 4): لو خيف على حوزة الإسلام من الاستيلاء السياسي والاقتصادي، المنجرّ الى أسرهم السياسي والاقتصادي ووهن الإسلام والمسلمين وضعفهم، يجب الدفاع بالوسائل المشابهة والمقاومات المنفية، كترك شراء أمتعتهم، وترك استعمالها، وترك المراودة والمعاملة معهم مطلقاً.

(مسألة 5): لو كان في المراودات التجارية وغيرها مخافة على حوزة الإسلام وبلاد المسلمين من استيلاء الأجانب عليها سياسياً أو غيرها- الموجب لاستعمارهم أو استعمار بلادهم ولو معنوياً- يجب‌ على كافّة المسلمين التجنّب عنها، وتحرم تلك المراودات.

(مسألة 6): لو كانت الروابط السياسية بين الدول الإسلامية والأجانب، موجبةً لاستيلائهم على بلادهم أو نفوسهم أو أموالهم، أو موجبة لأسرهم السياسي، يحرم على رؤساء الدول تلك الروابط والمناسبات، وبطلت عقودها، ويجب على المسلمين إرشادهم وإلزامهم بتركها ولو بالمقاومات المنفية.

(مسألة 7): لو خيف على إحدى الدول الإسلامية من هجمة الأجانب، يجب على جميع الدول الإسلامية الدفاع عنها بأيّ وسيلة ممكنة، كما يجب على سائر المسلمين.

(مسألة 8): لو أوقع إحدى الدول الإسلامية عقد رابطة مخالفة لمصلحة الإسلام والمسلمين، يجب على سائر الدول الجدّ على حلّ عقدها بوسائل سياسية أو اقتصادية، كقطع الروابط السياسية والتجارية معها، ويجب على سائر المسلمين الاهتمام بذلك بما يمكنهم من المقاومات المنفية. وأمثال تلك العقود محرّمة باطلة في شرع الإسلام.

(مسألة 9): لو صار بعض رؤساء الدول الإسلامية أو وكلاء المجلسين، موجباً لنفوذ الأجانب سياسياً أو اقتصادياً على المملكة الإسلامية- بحيث يخاف منه على بيضة الإسلام، أو على استقلال المملكة ولو في الاستقبال، كان خائناً ومنعزلًا عن مقامه أيّ مقام كان لو فرض أن تصدّيه حقّ، وعلى الأُمة الإسلامية مجازاته ولو بالمقاومات المنفية كترك عشرته وترك معاملته والإعراض عنه بأيّ‌ وجه ممكن، والاهتمام بإخراجه عن جميع الشؤون السياسية وحرمانه من الحقوق الاجتماعية.

(مسألة 10): لو كان في الروابط التجارية- من الدولأوالتجار- مع بعض الدول الأجنبية أو التجار الأجانب مخافة على سوق المسلمين وحياتهم الاقتصادية، وجب تركها، وحرمت التجارة المزبورة، وعلى رؤساء المذهب مع خوف ذلك أن يحرّموا متاعهم وتجارتهم، حسب اقتضاء الظروف، وعلى الأُمة الإسلامية متابعتهم، كما يجب على كافّتهم الحدّ في قطعها[13].

في الفقه الحنفي‌

وقال ابن عابدين في حاشية رد المحتار في كتاب) السير (: (الجهاد) فرض عين إن هجم العدو.

ثم قال: (إنّ كل موضع خيف هجوم العدو منه فرض على الإمام أو على أهل ذلك الموضع حفظه وإن لم يقدروا فرض على الأقرب فالأقرب إليهم إعانتهم إلى حصول الكفاية بمقاومة العدو.

وعبارة الدرر (وفرض عين- أي الجهاد-) إن هجموا على ثغر من ثغور الإسلام فيصير فرض عين على من قرب منهم يقدرون على ذلك)[14]. وقال ابن عابدين أيضاً في حاشية رد المحتار- في شروط الجهاد-: (وقد علمت عدم وجوبه عليها (المرأة) أصلًا إلّا إذا هجم العدو كما يأتي)[15]. وفي العناية في شرح الهداية في كتاب السير: (فإن هجم العدو على بلد وجب على جميع الناس الدفع تخرج المرأة بغير إذن زوجها والعبد بغير إذن المولى لأنه صار فرض عين)[16]. وفي الجوهرة النيرة- بحث على من يجب الجهاد-: (فإن هجم العدو على بلد وجب على جميع الناس الدفع تخرج المرأة بغير إذن زوجها والعبد بغير إذن سيده لأنه صار فرض عين)[17]. وفي فتح القدير كتاب السير: (فإن هجم العدو على بلد وجب على جميع الناس الدفع لأنه صار فرض عين)[18].

وجاء في بدائع الصنائع‌[19]: (وإن ضعف أهل ثغر عن مقاومة الكفرة وخيف عليهم من العدو فعلى من ورائهم من المسلمين الأقرب فالأقرب أن ينفروا إليهم ويمدوهم بالسلاح والكراع والمال لما ذكرنا إنه فرض على الناس كلهم)[20].

في الفقه المالكي‌

يقول العدوي‌[21] في حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني: (فيجب وجوباً حال كون الوجوب فرضاً على ما اصطلح عليه من إطلاق الوجوب على الطلب المتأكد. والمراد وجوباً عينياً على الذكر والأنثى والحر والعبد).

ويقول الشيخ أبو بكر البكري‌[22] في إعانة الطالبين: (يجب النهوض إليهم وجوباً عينياً كدخولهم دارنا بل هو أولى‌ إذ حرمة المسلم أعظم. يجب النهوض على كل قادر ولو كان قنّاً. يجب النهوض لأجل خلاص المسلم المأسور من أيدي الكفّار). ويقصد بذلك يجب على كل قادر من المسلمين إنقاذ المسلم المأسور بيد الكفار كما يجب لو دخلوا دارنا واستولوا على بلادنا.

في الفقه الشافعي‌

في مغني المحتاج‌[23]: (فيما إذا دخل الكفار بلدة لنا أو ينزلون على جزائر أو جبل في دار الإسلام ولو بعيداً عن البلد، فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين وقيل كفاية. فإن أمكن أهلها تأهبّ أي استعداد، وجب على كل منهم الممكن، أي لدفع الكفار بحسب القدرة، حتى على فقير بما يقدر عليه.. لأن دخول دار الإسلام خطب عظيم لا سبيل إلى إهماله، فلابد من الجد في دفعه بما يمكن، وفي معنى دخولهم البلدة ما لو اطلوا عليها. والنساء كالعبيد إن كان فيهن دفاع).

في الفقه الحنبلي‌

قال في الإنصاف: إذا نزل الكفار بلد المسلمين تعيّن على أهله النفير إليهم. إلّا أحد رجلين: من تدعو الحاجة إلى تخلفه لحفظ الأهل أو المكان، أو المال، والآخر: من يمنعه الأمير من الخروج.

هذا في أهل الناحية ومن يقربهم.

أما البعيد على مسافة القصر: فلما يجب عليه، إلّا إذا لم يكن دونهم كفاية من المسلمين. انتهى‌

وكذا قال في الرعاية، وقال: أو كان بعيداً، أو عجز عن قصد العدو.

قلت: أو قرب منه وقدر على قصده، لكنه معذور بمرض أو نحوه، أو بمنع أمير أو غيره بحقّ، كحبسه بدين. انتهى‌

تنبيه: مفهوم قوله) أو حضر العدو بلدة (أنه لا يلزم البعيد، وهو الصحيح‌[24].

ويقول ابن قدامة المقدسي في المغني: ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:

أحدها: إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفان.

الثاني: إذا نزل الكفّار ببلد تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم.

الثالث: إذا استنفر الإمام قوماً لزم النفير معه‌[25].

وكذلك قال في الشرح الكبير: يتعيّن الجهاد في ثلاثة مواضع:

الثاني: إذا نزل الكفار ببلد تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم‌[26].

وقال الشيخ عبد الله بن قدامة المقدسي في (الكافي) في فقه الإمام أحمد بن حنبل: إذا نزل الكفار ببلد تعيّن على أهله قتالهم والنفير إليهم ولم يجز لأحد التخلف إلّا من يحتاج الى تخلفه لحفظ الأهل والمكان والمال‌[27].

وهكذا قال في المبدع في شرح المقنع‌[28].

وبالإمكان مراجعة المصادر التالية عن فتاوى الفقهاء من المذاهب الإسلامية عن الوجوب المطلق للدفاع تجاه المحتل الكافر:

تبيين الحقائق للزيلعي: 6/ 110، مغني المحتاج للشربيني: 4/ 195، الشرح الكبير للدردير 4/ 357، البحر الزخار، أحمد بن يحيى: 5/ 268، المحلّى لابن حزم الظاهري: 11/ 99، ابن تيمية في‌ المحرر في الفقه: 2/ 162، التاج المذهّب لأحمد بن قاسم: 4/ 315- 316.

 

ونتحدّث الآن عن الأدلة الأربعة لإثبات وجوب الدفاع شرعاً بالتسلسل الآتي:

1- القرآن الكريم‌

يقول تعالى: وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً[29].

لا خلاف بين المفسرين أن الآية نزلت في تحريض المسلمين الأنصار والمهاجرين للدفاع عن المسلمين المستضعفين في مكة. فقد بقي بعد الهجرة نفر من المسلمين في مكة لم يتمكنوا من الهجرة، فاستضعفتهم قريش وبالغت في إيذائهم واستضعافهم وإذلالهم، فكانوا يدعون الله تعالى أن ينقذهم من هذا الظلم الذي يجري عليهم بأيدي المشركين من قريش في تلك القرية الظالم أهلها وهي مكة المكرمة.. فحرّض الله تعالى المؤمنين على قتال قريش لاستنقاذ هذه الفئة المستضعفة من المسلمين من ظلمهم واستضعافهم وإذلالهم.

يقول الزمخشري في الكشاف، في تفسير هذه الآية:

والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدّهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه، فيسّر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة، وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل‌ الله لهم من لدنه خيراً[30].

والآية الكريمة تدعو إلى الجهاد في سبيل الله لإنقاذ أولئك المستضعفين من المسلمين في مكة من أيدي المشركين، فهي دعوة إلى جهاد من نوع الجهاد الدفاعي، للدفاع عن مسلمي مكة المستضعفين بيد المشركين من قريش.

فهي إذن تخص الجهاد الدفاعي. هذا أولًا.

وثانياً: الآية الكريمة تحرّض المسلمين على مجاهدة العدو والتحريض آية الوجوب وإمارته الواضحة.

يقول الرازي في تفسير هذه الآية: وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ‌: يدل على أن الجهاد واجب، ومعناه أنه لا عذر لكم في ترك المقاتلة[31]. ويقول أيضاً في تفسير كلمة (وما لكم لا تقاتلون) خطاب للمأمورين بالقتال على طريقة الالتفات مبالغة في التحريض عليه، وتأكيداً لوجوبه‌[32].

إذن الآية الكريمة 75 من سورة النساء واضحة الدلالة وظاهرة في وجوب جهاد الكافرين دفاعاً عن المسلمين المستضعفين واستنقاذاً لهم من ظلم الكفار وإذلالهم وتسلّطهم عليهم.

وهذا هو ما ذكرناه من الدليل على وجوب المقاومة دفاعاً عن‌ المسلمين، لانقاذهم من ظلم الكفّار واستضعافهم لهم وإذلالهم.

ويقول تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ‌[33].

والآية الكريمة وردت في قضية طالوت وجالوت ودعاء المؤمنين من جند طالوت أن يثبت الله أقدامهم على أرض المعركة، وينصرهم على القوم الكافرين‌ وَ لَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ‌[34] فاستجاب الله تعالى دعاءهم وهزم جالوت وجنده، ورزق الله داود الملك والسلطان‌ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ[35].

والنتيجة التي يستخلصها القرآن من هذا المشهد كله: إن الله تعالى يدفع بالصالحين الفاسدين، ولولا ذلك لتحكم الفاسدون في الأرض، وأفسدوا في الأرض، وأهلكوا الحرث والنسل، وفسدت بهم الأرض‌ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ‌ ولكن الله تعالى يدفع بالصالحين الفاسدين‌ وَ لكِنَّ اللَّهَ‌ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ‌.

والآية الكريمة واضحة وصريحة في أنّ الله تعالى قد جعل دفاع الصالحين وقتالهم سبباً لمنع حصول الفساد في الأرض، وبالصالحين من عباده يدفع فساد المفسدين، وليس من شك أن الله تعالى يريد دفع الفساد والمفسدين في الأرض بالصالحين.

ويقول تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى‌ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ[36].

والآية الكريمة إيذان بمرحلة جديدة من المواجهة للمؤمنين المظلومين الذين أخرجوا من ديارهم في مكّة بسبب إيمانهم بالله تعالى، وتوحيدهم لله بالعبودية والطاعة، والله تعالى يدفع بالمؤمنين الصالحين الفساد عن الأرض، ويدفع بهم الخراب عن مواقع العبادة والذكر، ولولا أنّ الله تعالى يدفع بهم المفسدين لهدّمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً..

والله تعالى يمقت الظلم، وهؤلاء المؤمنون قد ظُلِموا من قبل واخرجوا من ديارهم ظلماً وعدواناً.. والله تعالى يمقت تخريب مواقع العبادة، ولولا أن الله تعالى يدفع بالمؤمنين أولئك المفسدين لعمّ الفساد الأرض وتهدمت مواقع العبادة والذكر على وجه الأرض.

إن هذه الآيات واضحة وصريحة في وجوب دفع الظالمين والمفسدين ودفع أذاهم وظلمهم عن المسلمين في بلادهم.

وفي القرآن الكريم آيات أُخرى بهذا الصدد نقتصر منها على ما ذكرنا.

وننتقل إلى الدليل من السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.

2- الروايات‌

وردت روايات كثيرة عن رسول الله (ص) عن طريق الفريقين في وجوب إغاثة المسلمين إذا داهمهم العدو واستغاثوا بالمسلمين لنصرتهم ودفع العدو عنهم، وأن من يتقاعس من المسلمين عن تلبية استغاثة المسلمين وإغاثتهم، فهو ليس منهم، وهو أبلغ تحريض وتأكيد على وجوب إغاثتهم ونصرتهم ودفع العدو عنهم.

ونحن نشير هنا إلى طائفة من هذه النصوص عن طريق الفريقين:

روى الكليني في (الكافي) عن علي عن أبيه، عن النوفلي، عن‌ السكوني، عن أبي عبد الله (ع)، قال: قال رسول الله (ص): (من‌ أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) [37].

وفي نوادر الراوندي عن موسى بن جعفر (ع) عن آبائه، قال: قال رسول الله (ص): (من أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس في شي‌ء، ومن شهد رجلًا ينادي يا للمسلمين، فلم يجبه فليس من المسلمين)[38].

وروى الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن سليمان بن سماعة، عن عمه عاصم الكواز، عن أبي عبد الله (ع)، أن النبي (ص) قال: (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلًا ينادي: يا للمسلمين، فلم يجبه، فليس بمسلم) [39].

وروى الكليني في الكافي في باب الاهتمام بأُمور المسلمين والنصيحة لهم عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن محمّد بن القاسم الهاشمي، عن أبي عبد الله (ع)، قال: (من لم يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم) [40].

وورد الحديث من طريق أهل السنة، في المعجم الصغير للطبراني، عن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله (ص): (من لا يهتم بأمر المسلمين، فليس منهم، ومن لم يصبح ويمسي ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم‌) [41].

وأورده كذلك الطبراني في الأوسط عن حذيفة[42]. وأورده السيوطي في جامع الأحاديث (حرف الميم)[43]. وأورده ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم.

وقال: قد ذكرنا في أول الكتاب عن أبي داود: أن هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه.

وقال الحافظ أبو نعيم هذا الحديث له شان عظيم. وذكر محمّد ابن أسلم الطوسي: أنه أحد أرباع الدين‌[44].

وفي مستدرك الصحيحين بتعليق الذهبي عن رسول الله (ص): (من لم يتق الله فليس من الله في شي‌ء، ومن لم يهتم بأُمور المسلمين فليس منهم) [45].

ونقتصر من طرق الحديث بهذا المقدار. وهو من الأحاديث‌ المستفيضة لفظاً ومعنى.

وسواء أخذنا بما ورد في طريق أهل البيت من التعقيب بما روي عنه (ص):

(ومن سمع رجلًا ينادي: يا للمسلمين، فلم يجبه، فليس بمسلم)، أم بالطرق الأُخرى التي لم يرد فيها هذا التعقيب.. فإن الحديث واضح في وجوب الاهتمام بما يحل بالمسلمين من النكبات وإغاثتهم ونصرتهم.

وروى البرقي في (المحاسن) عن محمّد بن علي، عن أبي فضال، عن محمّد، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد الله (ع)، قال: (ما من مسلم يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة) [46].

وروى الصدوق في ثواب الأعمال، عن أبيه، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله (ع)، قال: (ما من مؤمن يعين مؤمناً مظلوماً إلّا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا نصره الله في الدنيا والآخرة.. وما من مؤمن يخذل أخاه، وهو يقدر على نصرته إلّا خذله في الدنيا والآخرة) [47]. والرواية صحيحة.

وعن يونس بن عبد الرحمن قال: (سأل أبا الحسن (ع) رجل وأنا حاضر، فقال له: جعلت فداك، إن رجلًا من مواليك بلغه أن رجلًا يعطي سيفاً وقوساً في سبيل الله، فأتاه فأخذهما منه وهو جاهل بوجه السبيل، ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز، وأمروه بردهما. قال: فليفعل‌. قال: قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له قد قضى الرجل. قال: فليرابط ولا يقاتل‌. قال: مثل قزوين وعسقلان والديلم وما أشبه هذه الثغور؟ فقال:نعم‌. قال: فإن جاء العدو الى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال‌: يقاتل عن بيضة الإسلام‌. قال: يجاهد؟ قال:لا، إلّا أن يخاف على دار المسلمين.

أرأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ (يسع خ. ل) لهم (إلّا- ظاهراً) أن يمنعوهم؟ قال: يرابط ولا يقاتل، وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان، لأن في دروس الإسلام دروس ذكر محمّد (ص))[48].

وفي قرب الإسناد بهذا الإسناد، أن النبي (ص) أمر بسبع: عيادة المرضى، واتباع الجنائز، وإبرار القسم، وتسميت العاطس، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي‌[49].

وروى الصدوق في الأمالي، عن ابن إدريس، عن أبيه، عن ابن عيسى، عن ابن فضال، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله (ع): (ما من مسلم يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة)[50]. والرواية صحيحة.

وفي (ثواب الأعمال) للصدوق، و (علل الشرائع)، عن ابن الوليد عن الصفار، عن السندي بن محمّد، عن صفوان بن يحيى، عن صفوان بن مهران، عن أبي عبد الله (ع): أقعد رجل من الأخيار في قبره فقيل له إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله، فقال: لا أطيقها، فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحدة. فقالوا ليس منها بد. فقال: فيما تجلدونيها؟ قال: نجلدك لأنك صليت يوماً بغير وضوء، ومررت على ضعيف فلم تنصره. قال: فجلدوه جلدة من عذاب الله عز وجل فامتلأ قبره ناراً[51].والرواية صحيحة.

وقد كان أمير المؤمنين (ص) يتألم من غارات جند معاوية الإيذائية على العراق، وتقاعس الناس في العراق عن دفعهم وعن مواجهتهم والذب عن حرماتهم. يقول (ع): (ألا وإنّي قد دعوتكم الى قتال هؤلاء القوم- جند معاوية من أهل الشام- ليلًا ونهاراً وسرّاً وإعلاناً. وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم. فوالله ما غُزي قوم قط في عُقر دارهم إلّا ذلّوا، فتواكلتم، وتخاذلتم، حتى شُنّت عليكم الغارات، ومُلكت عليكم الأوطان.

وهذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسّان بن حسّان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أنّ الرجل منهم يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورُعثها، ما تمنع منه إلّا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلًا منهم كلمٌ، ولا أريق لهم دم. فلو أنّ امرئً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً. فيا عجباً عجباً، والله يميت القلب، ويجلب الهمّ من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرّقكم عن حقكم. فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتُغزون، ولاتَغزون، ويعصى الله وترضون) [52].

هذه طائفة من الروايات، وفيها روايات صحاح واضحة وظاهرة في وجوب نصرة المسلمين والاسراع إلى إغاثتهم ونصرتهم ودفع العدوان عنهم.

فقد ورد في جملة من هذه النصوص النهي الشديد عن خذلان المسلم إذا كان قادراً على نصرته وورد فيها: أن الله يخذل من يخذل أخاه المسلم في الدنيا والآخرة، وهو آية الوجوب.

وفي رواية قرب الاسناد (نصرة المؤمن على المؤمن فريضة واجبة) وهو تصريح بالوجوب.

وفي رواية ثواب الأعمال ورد استحقاق الخاذل لأخيه المؤمن للعقاب الأليم الشديد، وهو آية وجوب النصرة وتحريم الخذلان.

وطائفة من هذه الروايات وإن كانت واردة في مورد النصر والخذلان الفرديين والاستغاثة والاستنصار الفردي.. إلّا أن هذه الروايات تدل بالأولوية القطعية على وجوب نصرة الجماعة المسلمة الواقعة تحت نفوذ سلطان الكفار وظلمهم، وتدل على حرمة خذلانهم، ووجوب الاسراع الى نجدتهم وإغاثتهم.

3- الدليل العقلي‌

الدليل العقلي حجة لدى الإمامية (الأُصولية) خاصة.. وهو يتألف من مقدمتين (صغرى وكبرى) حسب التعبير المنطقي، والنتيجة المترتبة عليهما هو الوصول الى حكم الله في المسألة التي يحكم بها العقل.. لا لأن العقل مشرع، والشرع يتبع العقل، بل لأن العقل يكشف الحكم الشرعي، فحكم العقل يكون كاشفاً للحكم الشرعي.

والمقدمتان التي يتألف منهما الدليل العقلي هما كما يلي:

1- حكم العقل بحسن الدفاع ووجوبه عن النفس والمال والعرض والوطن والمجتمع والأهل والعشيرة، وقبح الاستسلام للعدو وقبول الذل والرضوخ مع القدرة على المقاومة، واحتمال النجاح والفوز بدرجة معقولة ومقبولة عند العقلاء.. وهذا هو حكم العقل العملي.

2- إثبات الملازمة بين حكم العقل بحسن الدفاع وضرورته وقبح الاستسلام للعدو الذي يداهم البلد، ويغتصب حقوقه وأمواله، ويستذله، ويستضعفه، وبين حكم الشرع بوجوب الدفاع وحرمة الاستسلام للعدو، وهو حكم العقل النظري، وهو الكبرى في هذا القياس.

وليس معنى ذلك أنّ هناك عقلين للإنسان، عقلًا عملياً وعقلًا نظرياً، وإنما المقصود بالعملي والنظري هنا هو متعلق حكم العقل.. فقد يكون متعلق حكم العقل أمراً عملياً مثل قبح الظلم وحسن العدل، وقبح الاستسلام للعدو مع القدرة على المقاومة واحتمال النصر وحسن الدفاع وضرورته.. وهذه هي أحكام عقلية تتعلق‌ بأمور عملية من وجوب رفض الظلم والجور والحكم بقبحها ووجوب الدفاع والحكم بحسنه.

وهناك نحو آخر من الحكم العقلي يتعلق بقضايا نظرية بحتة مثل حكم العقل بالملازمة بين حكمه وحكم الشرع، فهو حكم نظري للعقل.

ومن تأليف هاتين المقدمتين (حكم العقل العملي والنظري) يُنْتِجُ القياس حكماً شرعياً يكتشفه العقل بالملازمة، وهو أن الدفاع واجب شرعاً، والاستسلام للعدو مع القدرة على المقاومة، واحتمال النصر (احتمالًا معقولًا) حرام شرعاً. وقد اكتشف العقل هذا الحكم الشرعي بناءً على قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.

وإليك توضيح موجز لهذا القياس العقلي وما يُنْتِجُهُ من الحكم الشرعي بوجوب المقاومة وحرمة الاستسلام.

أما صغرى القياس وهو حكم العقل بحسن دفاع الإنسان وضرورته عن نفسه، وماله، وعرضه، وحريمه، وبلده، ومجتمعه، فهو مما لا يشك فيه عاقل، والعقلاء يحمدون ويمدحون، بضرورة العقل، من يقابل العدو الغاصب بالمقاومة والدفاع المسلح، ولا يشكون في قبح الاستسلام للعدو، مع القدرة على الدفاع، واحتمال النصر على العدو احتمالًا معقولًا.. بل يمكن أن نقول: إن هذا الحكم حكم فطري أيضاً، وأن فطرة الإنسان السليمة تأبى الرضوخ والاستسلام مع القدرة على المقاومة، ويجري هذا الحكم الفطري‌ في الحيوانات أيضاً، من خلال الغرائز الحيوانية. وهذا هو معنى حكم الفطرة و العقل بحسن المقاومة وضرورتها، وقبح الاستسلام للعدو، وهذا هو صغرى القياس.

وأما كبرى القياس، وهو حكم العقل بالملازمة بين ما يحكم به العقل وحكم الشرع، فهو أيضاً مسألة ضرورية واضحة لا نشك فيها. وليس معنى الملازمة هنا الملازمة بين الاستحسانات والاستهجانات العقلية غير القطعيّة، بل المقصود بحكم العقل ما يقطع به العقل من الحسن والقبح، وما يحسّنه العقل ويقبّحه العقل بالقطع واليقين بالضرورة.

وفي مثل هذه الحالة لا يمكن أن نجد في الشرع حكماً بخلاف العقل وبما يقبحه العقل تقبيحاً ضرورياً، مثل قبح الظلم، فلا يمكن مثلًا أن نجد في الشرع حكماً شرعياً بجواز الظلم للناس أو نهياً عن العدل. ولا يمكن أن يحتمل المكلف بأن الشارع يحكم بما يقطع العقل بقبحه، وينهى عما يقطع العقل بحسنه وضرورته.

وعليه فإن الملازمة تامة بين حكم العقل وحكم الشرع، وهو كبرى القياس.

والنتيجة المترتبة على هاتين المقدمتين في هذا القياس نتيجة قطعية لا يمكن التشكيك فيها وهي وجوب الدفاع والمقاومة تجاه العدو المداهم، وحرمة الاستسلام للعدو مع احتمال النصر احتمالًا معقولًا والقدرة على المقاومة.

الهوامش

[1] النهاية للشيخ أبي جعفر الطوسي: 290 من مصادر فقه الإمامية من القرن الثامن.
[2] السرائر 2/ 4.
[3] تذكرة الفقهاء 9/ 453
[4] الدروس للشهيد الأول: 2/ 30.
[5] آل عمران: 200.
[6] زبدة البيان للمحقق الاردبيلي، ص 144.
[7] جواهر الكلام 21/ 14
[8] جواهر الكلام 21/ 14
[9] المصدر السابق 21/ 16.
[10] البيضة مجتمع المسلمين.
[11] جواهر الكلام 21/ 14- 16، من مصادر فقه الشيعة الإمامية.
[12] جواهر الكلام للفقيه النجفي 21/ 18- 19.
13] تحرير الوسيلة للإمام روح الله الخميني( رحمه الله) 1/ 461- 463، مؤسسة تنظيم آثار الإمام الخميني( رحمه الله).
[14] حاشية رد المحتار 4/ 299. من مصادر الفقه الحنفي لابن عابدين. دار الفكر بيروت 1415 ه-.
[15] حاشية رد المحتار لابن عابدين 4/ 301، دار الفكر 1415 ه-.
[16] العناية في شرح الهداية 7/ 439( من مصادر الفقه الحنفي). حسب ترقيم برنامج( المكتبة الشاملة).
[17] الجوهرة النيرة 6/ 68.( من مصادر الفقه الحنفي).
[18] فتح القدير 12/ 386.( من مصادر الفقه الحنفي).
[19] من كتب الفقه الحنفي.
[20] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 15/ 270. من مصادر الفقه الحنفي.
[21] من فقهاء المالكية، حاشيته على كفاية الطالب ج 7 ص 430 من الكتاب حسب ترقيم برنامج المكتبة الشاملة.
[22] من فقهاء المالكية، إعانة الطالبين الجزء 4 ص 225 من الكتاب حسب ترقيم برنامج المكتبة الشاملة.
[23] مغني المحتاج 17/ 283، من كتب الفقه الشافعي.
[24] الانصاف 7/ 13.
[25] المغني لعبد الله بن أحمد بن محمّد بن قدامة المقدسي 20/ 411
[26] الشرح الكبير للشيخ عبد الرحمن بن محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي 10/ 363.
[27] الكافي في فقه أحمد بن حنبل 4/ 116.
[28] المبدع 4/ 296. الترقيم من منهج( المكتبة الشاملة).
[29] النساء: 75.
[30] تفسير الكشاف للزمخشري في تفسير الآية 75 من سورة النساء.
[31] تفسير الرازي في تفسير الآية 75 من سورة النساء.
[32] المصدر السابق.
[33] البقرة: 251.
[34] البقرة: 250.
[35] البقرة: 251.
[36] الحج: 39- 41.
[37] بحار الانوار 71/ 337، والنوفلي وإن لم يرد فيه توثيق، ولكن تأكيد الفقهاء والمحدثين بالاخذ بروايات( السكوني) يتضمن السكون إلى روايات النوفلي، لان نسبة كبيرة جداً من روايات السكوني وردت عن طريق النوفلي.
[38] بحار الأنوار 72/ 21، باب 33.
[39] بحار الأنوار 72/ 21، باب 33 باب نصر المسلمين.
[40] الكافي 2/ 235.
[41] المعجم الصغير للطبراني 2/ 131، رقم/ 907.
[42] المعجم الأوسط 7/ 270.
[43] جامع الأحاديث للسيوطي حرف الميم 21/ 379، ح/ رقم 23770.
[44] جامع العلوم والحكم: 77، دار المعرفة- بيروت.
[45] مستدرك الصحيحين بتعليق الذهبي 4/ 352 و 356
[46] بحار الأنوار 72/ 22.
[47] المصدر السابق 72/ 21
[48] رواها الشيخ في التهذيب كتاب الجهاد- 3، باب المرابطة في سبيل الله عز وجل/ ح 14- 2. ورواه الحر في الوسائل أبواب جهاد العدو الباب 6 حكم المرابطة ح 2 ثم قال ورواه الصدوق في العلل عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمّد بن عيسى باختلاف يسير.
[49] بحار الأنوار 72/ 17 الباب/ 33.
[50] المصدر السابق.
[51] المصدر السابق
[52] ب نهج السعادة 6/ 265. 

 

المصدر: كتاب فقه المقاومة؛ دراسة فقهية مقارنة.. للشيخ محمد مهدي الآصفي / تحميلpdf

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign