الاجتهاد: تعتبر القضية الفلسطينية، بنظر ووجدان كل حرّ أبيّ، أعدل قضيّة في العالم لشعب مظلوم، غُصبت أرضه، وشُرّد شعبه، وضُيّق عليه، وتآمروا ضدّه، من أجل أن يستسلم لمخططات دول الغرب المتصهينة، في أن تعْبَث به أداتهم إسرائيل كيفما بدا لها العبث،
هذه الدول المستكبرة بزعامة أمريكا التي أظهرت مرارا وتكرارا انحيازها لكيانها العنصري، لم تتأخر أبدا في ابطال مُقررات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، باستعمال الفيتو، ولم تترك مكانا ولا مجالا، يُعطي للشعب الفلسطيني حقا واحدا، في أن يعيش على أرضه حرّا، حتى حقّ العودة لكل فلسطيني وقع تهجيره من أرضه،
تريد هذه الدّول التلاعب به، وإبقاء الفلسطينيين في مخيّمات بعيدا عن وطنهم، بل وأكثر من ذلك، العمل على توطينهم حيثما كانوا بإغراء الدول المضيفة، وتحفيز الفلسطينيين على صرف النظر عن حقهم في العودة.
خروج القضية الفلسطينية من الدّائرة العربية إلى دائرة الإسلامية، كان بفضل المعادلة التي فرضت نفسها، بعد قيام النظام الإسلامي في إيران، إثر انتصار ثورة شعبه العارمة، وتبنّي قيادته العلمائية على أساس أنّها قضيته المركزية، بالسهر الحقيقي على مشروع مقاومة شاملة للكيان الصهيوني الغاصب، كفيل بأن يكون في مستوى التحدّي، وهو اعتبار دول الغرب بما فيهم أمريكا داخلة في المواجهة المصيرية المرتقبة،
بل إنّ دعوة الإمام الخميني توسيع الدائرة الإسلامية، بإعلانه يوم القدس العالمي كل سنة، في اعتباره قضيّة تحرّرية معنيّا بها كلّ إنسان حرّ أبيّ، وهذا ما أعطاها صبغتها الإنسانية، بعد أن كانت محصورة في إطار عربي ضيق، لم يقدّم لها شيئا يذكر، بل زاد في تعقيدها، وفي إطار إسلامي أعطى – وجهته الناجحة في مقاومة الصهيوني المحتل – وقفت فيه شعوبه موقف المناصر خلافا لحكوماته المتخاذلة.
من لم يحسب حسابا لدول الغرب في أن تكون في صف الكيان الغاصب، بثقلها الاقتصادي والمالي والعسكري، فهو مخطئ تماما، وعليه أن يصحّح فكرته بأن هذا الكيان صناعة غربية، مقصود بها ضرب أي إمكانية لقيام الأمّة، وامتلاكها مقومات التقدّم والرّقي العلمي، الذي من شأنه أن يُحِلّها مكانتها الطبيعية، في أن تكون متقدّمة ومتفوّقة تقود العالم إلى السلم والخير والقيم الرفيعة، المواجهة كما سوف تكون بين دعاة الإنسانية المجرّدة من الغلوّ والعنصرية والتطرّف، وبين دعاة التسلّط والتمييز ومخالفة الشرائع الإلهية، وهي معركة فاصلة ونهائية برأيي، بين قوى الخير مجتمعة وقوى الشرّ مجتمعة، ولن يكون النصر والحسم هذه المرّة إلا لمن دعا إلى الله وعمل على إعلاء كلماته، ووعده لا يزال قائما في نصر عباده الصالحين.
أمريكا لا تزال ترى بعين واحدة، بغطرسة القطب الواحد، وتفرض على دول وشعوب العالم منطقها الأرعن، وقد تبعها على تسلطها دول غربية أوروبية ( بريطانيا/فرنسا/ المانيا / إيطاليا/ أوكرانيا) تماما كمنطق فرعون عندما قالت بشأنه الآية الكريمة: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) (1) بدأت في عمل عسكري استعراضي، بإرسال اثنتين من حاملات طائراتها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، وهذا التحرّك ليس نزهة وإنّما هي استعدادات للعدوان والحرب، وهذا العمل الإستفزازي تراه إيران ومحور المقاومة، مؤشرا فاضحا لمشاركة الكيان الصهيوني في عدوانه، والقطعتين على ضخامة مظهريهما، هدفين سهلين ليتحولا بسرعة، في خبر كان هناك (فورد) و(أيزنهاور)(2)، إلا أنهما ذهبا حيث ترقد هياكل السفن البحرية في أعماق البحر البيض المتوسط.
بالإمكان القول أن قوّة أمريكا العسكرية سوف تنزل إلى الحضيض معنويا ومادّيا، في حال غرق هاتين القطعتين الضخمتين، بما فيهما من بحارة وأعتدة، وقد يصبح الأمر أكثر عسرا وصعوبة على أنصار الكيان الصهيوني الاستمرار في مسانده عسكريا، والرضوخ إلى الأمر الواقع في تركه يصارع مصيره المحتوم منفردا، كالغريق الذي ابتعد عنه المنقذ لما يئس منه وشعر بالخطر في أن يغرقه معه.
تصريحات الفيلسوف (الكسندر دوغين)(3) مستشار الرئيس الروسي (بوتين)، بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، غلقا لباب تمدّد الناتو هناك، وهو تمدد يستهدف روسيا تحديدا، ويسعى إلى تقطيع اوصالها كفيدرالية، بأن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة أصبح واردا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لا يمكن اهمالها فقائلها له نظرة فلسفية سياسية في الحياة ذات قيمة كبيرة وترجيح تحققها كبير، بناء على المعطيات التي حازها من خلال قراءاته للأحداث العالمية وملفاتها الكبرى،
فيما تعلق بأوضاع المناطق ذات التوترات العالية كالشرق الأوسط، وملفّه الأساس فلسطين، والذي يحتاج إلى حلّ نهائي بعد 75 سنة من التجاذبات، يراه الغرب المتواطئ مع الكيان الصهيوني، اخضاع من بقي مقاوما في هذا الشرق لمشروع توطين هذا الكيان الغاصب، وتثبيته نهائيا على أرض فلسطين، وتمليكه التحكّم في مجمل المنطقة عسكريا واقتصاديا.
وأقول نعم نحن مقبلون على حرب كونية ثالثة، وأطرافها تشحذ أسلحة تقليدية وغير تقليدية، طالما أن الدول الغربية التي ستتسبب فيها بغطرستها ماضية في سياسة التمييز والاستكبار والاستخفاف بمصائر الشعوب المستضعفة، فمن استعد لها، وحمل على عاتقه ملف فلسطين وتحرير ارضها من قطعان الصهيونية العالمية، فقد أفلح في استعادة حقّ كاد يذهبه حكام عرب باعوا القضية بلا شرف نالوه من أسيادهم الغربيين، وتعسا لمن وقف اليوم مع الكيان الصهيوني وترك اخوانه الفلسطينيين في محنتهم وشدّتهم، وغدا ينبّأ الخاسر ويشار اليه بالبنان لو بقي له ماء وجه، حلّ القضية الفلسطينية لا يكون الّا بالحلّ العسكري، ولن تكون حربا بين الكيان ومحور المقاومة كما يحتمله.
المراجع
1 – سورة غافر الآية 29
2 – إحداهما هي الأكبر في العالم .. حقائق عن حاملتي طائرات نشرتها أمريكا لدعم إسرائيل
https://www.france24.com/ar/ /20231015-
3 – ألكسندر دوغين : الحرب العالمية الثالثة تقترب
https://elaph.com/Web/News/2022/09/1486628.html