الاجتهاد: يمثل الفقه الإمامي نتاجا علميا دقيقا، وقد كُتب مستندا لأهل بيت العصمة عليهم السلام، وقد إعتمد على التسليم للدين المتمثل بالقرآن والسنة كما نقلها وبينها أهل بيت العصمة عليهم السلام،
وقد إرتكز من هذا المنطلق على مرتكزاتٍ مهمة:
1- المنجزية والمعذرية؛ ويعني أن الإنسان يرتبط بالأحكام الشرعية من خلال حكم العقل بلزوم امتثال ما قام عليه الدليل من تكليف، واستحقاق العقوبة إذا خالف الإنسان هذا التكليف، فيُسمى التكليف المنجز؛ كما يحکم العقل بان الإنسان معذور ولايستحق العقاب حين انکشاف الخلاف کما إذا شرب سائلا باعتقاد أنه خل فانکشف أنها خمر، وهذا هو المعذرية.
2- المصالح والمفاسد؛ والمراد منها أن الله تعالى لايأمر ولاينهى إلا إستنادا الى مصلحة في المأمور به، ومفسدة في المنهي عنه، فإذا قويت المصلحة صار الأمر وجوبيا، وإن خفت صار إستحبابيا، وإن قويت المفسدة صار النهي تحريميا وإن خفت صار النهي إكراهيا، وإن تساوت المصلحة والمفسدة بلا مرجح كان الحكم بالإباحة، وبهذا فلايوجد فعل بشري إلا ويأخذ واحدا من الأحكام الخمسة: الوجوب، الإستحباب، الحرمة، الكراهة، الإباحة.
وعادةً ماتكون هذه المصالح مجهولة لنا لانعرف لماذا كانت ولماذا تتعلق بها الأحكام، فإنه لايعلم المصالح والمفاسد إلا الله سبحانه، وعن المحاسن: أبى عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل قطع أصبع امرأة، فقال: فيها عشرة من الإبل، قلت: قطع اثنتين، قال: فيهما عشرون من الإبل، قلت: قطع ثلاث أصابع قال: فيها ثلاثون من الإبل، قلت: قطع أربعا، قال: فيهن عشرون من الإبل قلت: أيقطع ثلاثا وفيهن ثلاثون من الإبل ويقطع أربعا وفيها عشرون من الإبل؟ قال: نعم إن المرأة إذا بلغت الثلث من دية الرجل سفلت المرأة وارتفع الرجل، إن السنة لا تقاس، ألا ترى أنه تؤمر بقضاء صومها ولا تؤمر بقضاء صلاتها، يا أبان أخذتني بالقياس، وإن السنة إذا قيست محق الدين” البحار ج101 ص 405
ولهذا وقف الأئمة عليهم السلام أمام العامة أشاعرة ومعتزلة وغيرهم عندما جعلوا من عقولهم معايير للحكم الشرعي، أو قياساتٍ غير مستدلٍ عليها بأدلة قطعية.
ومن هاتين الركيزتين التسليميتين يتبين لنا ضعف من قال بالترهل المنهجي في الفكر الفقهي الأمامي، وأنه لم يُكتب للحياة والدنيا، وإنما كُتب للموت والآخرة، بل هو تسليم للعالم بالمصالح والمفاسد في الدنيا والآخرة، وعنده القدرة على أن يشرع أحكاما تتناسق معهما جميعا، وقد تميز الفقه الإمامي بهذا التميز الفريد، وهو في ذلك يحافظ على خط المسير الديني الرباني الصحيح المنبثق من آدم عليه السلام والذي يستمر الى يوم القيامة، والذي شعاره التسليم، وعدم إقحام العقل بما لايهمه.
وإذ أن أهل بيت الرحمة والعصمة عليهم السلام لم يتركوا شيئا إلا بينوه ولاأمرا إلا أوضحوه، ففي المقام قول لأمير المؤمنين عليه السلام يوضح فيه الحقيقة ويرد على القائل بخلاف ماعليه الفقه الإمامي المبارك، إذ روي عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: “قال أمير المؤمنين عليه السلام: لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي: الإسلام هو التسليم، والتسليم هو التصديق، والتصديق هو اليقين، واليقين هو الاداء، والأداء هو العمل، إن المؤمن أخذ دينه عن ربه، ولم يأخذه عن رأيه.
أيها الناس دينكم دينكم، تمسكوا به لا يزيلكم أحد عنه، لان السيئة فيه خير من الحسنة في غيره لان السيئة فيه تُغفر، والحسنة في غيره لاتُقبل” البحار ج65 ص 310
اللهم إكتبنا في المسلمين بما تأمر وتنهى، والمصدقين بكل ماعن مصادر النور والهدى، وأمتنا على مامات عليه علي بن أبي طالب وأحينا على ماأحييت عليه علي بن أبي طالب، ولاتكتبنا في أهل الفلسفات والإنحرافات، والمتبعين لغير هداك، إنك خير مسؤول وأحسن مجيب.