الاجتهاد: في ذكرى شهادة الإمام الثاني من أئمة أهل البيت (ع) والذي يصادف في 7 من شهر صفر، شرح المشرف العام على حوزة بقية الله الأعظم وأستاذ الخارج في الحوزة سماحة الشيخ حسان سويدان خلال حديث خاص مع وكالة “شفقنا”، قول النبي محمد (ص) إنّ “العقل لو كان رجلا لكان الحسن”، معتبرا أنّه حديث طبيعي من جهة أنّ الإمام الحسن (ع) على مستوى التقدير الإلهي هو الإمام المعصوم المفترض الطاعة، وأساس العصمة تكمن في كمال العقل والمعرفة،
فالإمام (ع) هو العالم التام بكتاب الله وسنّة رسول الله (ص)، وفي روايات أهل البيت (ع) “هو العالم الذي لا يجهل”، أي لا يجهل شيئا من تنزيل وتأويل الكتاب والعلم بالسنّة المطهّرة في جدّه المصطفى (ص)، وإذا ما تنزّل المرء جدلا عن العناصر الغيبية في شخصية الإمام الحسن (ع)، فإنّ النظر إلى شخصيته على مستوى التكوين التربوي التعليمي أنّه ربيب رسول الله (ص) وهو سبطه الأكبر،
وقد نشأ (ع) في بيت علي والزهراء (ع)، أمّا الإمام عليّ (ع) فمن الطبيعي أن يربّي ولده تربية قرآنية إسلامية صحيحة سليمة على جميع الصعد والمستويات، ومن الطبيعي لسيدة نساء العالمين (ع) أن تربّي على نفس النهج، وكلاهما أمير في البيان والعقل والحكمة باعتراف الخصوم قبل الأولياء.
وأضاف الشيخ السويدان: “الإمام الحسن (ع) هو نتاج هذه التربية الصحيحة والسليمة بكل ما للكلمة من معنى، وبالتالي من الطبيعي أن يكون كلّه حكمة وعقل وسلوك وتربية، على ضوء نهج العبودية للّه وكتابه وسنة رسوله (ص)، هذه التربية تحفر في وجدان المتربّي، وهو نتاج الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة”.
ولكن ما الهدف الأسمى الذي أراد الإمام الحسن المجتبى تبيانه؟ يجيب الشيخ سويدان أنّ الخلافة الإسلامية عندما تحوّلت إلى مُلكٍ عضوض على يد بني أميّة، الذين لم يُسلم بعضهم بينما أسلم البعض الآخر في فتح مكّة كرها، عندما رأوا بريق السيوف فوق رؤوسهم، ولم يؤمنوا بل بقوا الأعراب الذين هم أشدّ كفرا ونفاقا، هؤلاء أرادوا التسلّط على رقاب المسلمين والقضاء شيئا فشيئا على أساس الإسلام، وإمامنا الحسن (ع) عاش في زمن معاوية الداهية، الذي كان يمتلك عقلا قويّا كان يعبّر عنه في روايات أهل البيت (ع) بأنّه النكراء وليس العقل، لأنه يفكّر في المنكر وأمور الدنيا،
فنجد أن معاوية كان يحافظ في الظاهر على العناوين الإسلامية العامّة، ولم يكن المجتمع الإسلامي الذي تشكّل 80% منه بعد فتح مكّة قد تربّوا بوعي قويّ على الإسلام المحمّدي الأصيل ونهج القرآن والسنّة، كان ينظر كثير من أبناء المجتمع الإسلامي المتوسّع بعد الفتوحات الإسلامية إلى معاوية على أنّه خليفة إسلامي، كما كانوا ينظرون إلى الإمام علي (ع) على أنّه حاكم إسلامي، حتّى أشار أمير المؤمنين (ع) في خطبته الشقشقية إلى أنّه “متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!”.
وتابع سماحته: “الإمام الحسن (ع) عاش في هذا الظرف الصعب، ولذلك كان الهدف الرئيسي له (ع) أن يكشف للأمّة الإسلامية زيف وزور شعارات بني أميّة، أن يكشفهم على حقيقتهم وأنّهم لا يريدون الإسلام أطروحة للحياة، ومن هنا ضمّن عقد الهدنة المعبّر عنه “بصلح الإمام الحسن (ع)” ضوابط وبنود تقيّد يدي معاوية، وسرعان ما خالفها معاوية، وبدأ يُفتضح أمره في المجتمع الإسلامي، بحيث بدأ أبناء المجتمع يرون أنّه لا يمثّل الإسلام، فكيف عندما هلك معاوية وجاء ابنه يزيد الذي يعرفه المسلمون بشارب الخمور وراكب الفجور واللاعب بالقردة؟ والذي ربّاه مستشار أبيه النصراني؟
ويمثّل هذا بشكل واضح ما قاله الإمام الحسين (ع) “على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمّة براع مثل يزيد”، ولو عاش الإمام الحسن (ع) زمن الإمام الحسين (ع) في خلافة يزيد، لقام كما قام الإمام الحسين (ع)، لأنّ أهل البيت (ع) يمثّلون شخصية واحدة بدأت بأمير المؤمنين بعد رسول الله (ص) ولن تختم إلّا بمهديّ هذه الأمّة، الظروف الزمنية تتغيّر بين إمام وآخر وإلّا فإنّ التكليف والقيام في سبيل الدين واحد، بحسب الشيخ سويدان.
وختم سماحته: “حبّذا لو الأمّة الإسلامية تقتضي بنور إمامنا الحسن (ع) الذي كان كاظم الغيظ كريم النفس والمعدن، والرواية تنقل كيف تلقّى الشاميّ عندما شتمه فحوّله إلى عبد مؤمن مخلص عندما دفع بالتي هي أحسن، وعمل بقوله تعالى “ادفع بالتي هي أحسن السيئة، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم”، والأجدر بالأمّة أن تعود إلى أهل بيت نبيّها (ص)، لترفع منسوب القيم عندها، وليأتلف جمعها وشملها على قاعدة المحبّة والولاء لدين الله تعالى حتى يأتي مهديّ هذه الأمّة”.