السيد جعفر فضل الله

في حوار مع الاجتهاد.. السيد جعفر فضل الله: من الضروري للاجتهاد الإسلامي الفقهي أن ينفتح على العلوم المتنوعة

من الضروري للاجتهاد الإسلامي الفقهي أن ينفتح على العلوم المتنوعة، سواء منها العلوم الطبيعية أو البحتة كما اصطلح على تسميتها، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والطبيعيات والفلك وغيرها، أو العلوم الإنسانية، كعلم الاجتماع والنفس والاقتصاد وغيرها؛ لأنّ هذه العلوم التي نمت في بيئة إنسانية للتأمّل والتجربة قد قدّمت الكثير من المعطيات التي لا بدّ من اختبارها علميا، ومن ثمّ اختبار مدى تأثيرها على فهمنا للنصّ.

خاص الاجتهاد

المفکر الإسلامي السید جعفر فضل الله:

*تقديم النموذج الإسلامي الأعلی هو الحل

* المسلمين لم يطبّقوا النظرية الإسلامية لمعالجة الفقر
* للاجتهاد الإسلامي الفقهي أن ينفتح على العلوم المتنوعة

الأزمات السياسية والاجتماعية والعسكرية التي عصفت وتعصف بالمجتمعات الإسلامية هذه الأيام، كان لا بدّ لها من متصدي، وليس أفضل من الشريعة ومقاصدها؛ بالإضافة لاجتماع كلمة المفكرين والفقهاء من كافة المذاهب الإسلامية للملمة جراح الأمة والوقوف بوجه المؤامرات التي تُحاك ضدها.
سماحة السيد جعفر فضل الله نجل المرجع اللبناني محمد حسين فضل الله أكد على أنّ ما تحتاجه الأمة اليوم هو تقديم النموذج الإسلامي القادر على التغلّب على سلبيات الأنظمة الأخرى، والذي يقدّم أطروحته بشكل متكامل ويمنح البشرية الشعور بأنّ الإسلام فعلا هو الحل.

موقع الاجتهاد التقى السيد جعفر فضل الله نجل المرجع الشيعي البارز السید محمد حسين فضل الله وكان اللقاء التالي:

الاجتهاد: مع انتشار الأزمات السياسية والعسكرية وخصوصا الاجتماعية كالفقر والفساد وما إلى هنالك من مشاكل سياسية عظيمة في الشرق الأوسط، هل تعتقد أنّه بإمكان الفقه والاجتهاد الإسلامي وسعي الفقهاء المسلمين يمكن أن يصل بالأمة إلى طريق الخلاص والتغلب على تلك المشاكل؟

السيد جعفر فضل الله : الأزمات التي تحصل في المجتمعات ترجع إلى أحد أمرين؛ إمّا إلى مشكلة في النظرية، بمعنى فقدان المجتمع للحلول النظرية التي تلحظ وجود هذه الأزمات وتضع لها حلولا افتراضية. وإمّا إلى مشكلة في التطبيق نتيجة عدم انسجام السلوك الإنساني والبنى المجتمعية مع النظرية.

ومع أنّ كثيرا من المشكلات تخضع للتطبيق، بمعنى أنّ المسلمين في حركتهم لم يطبّقوا النظرية الإسلامية لمعالجة الفقر على سبيل المثال بشكل متكامل، بحيث قد تكون هناك مشكلة في تجميع الضرائب الشرعية كالخمس والزكاة، أو مشكلة في صرفها، وبذلك يستمرّ الفقر في مجتمعات المسلمين.

إلّا أنّ هناك مشكلة تنجم عن النظرية الإسلامية نفسها؛ بحيث باتت الحاجة تدعو اليوم إلى بناء النموذج الإسلامي النظري للاقتصاد، وعلاقته بالتشريعات السياسية التي تكفل توفير فرص العمل، وهذه من الإشكاليات التي فرضها إنشاء الدولة الإسلامية، حيث بات لزاما التفكير في كيفية بناء الدولة بكل مؤسساتها لكي تعالج مشكلة الفقر مثلا، بشكل أبعد من آليّات تقديم الخدمة الاستهلاكية عبر تقديم المعونات أو المال من الحقوق الشرعية لمستحقّيه، بل من خلال عمل المؤسّسات بشكل متكامل ومتناغم ويتحرّك وفق وظائفيّة متشابكة تستطيع أن تقدّم الحلول الطويلة الأمد.

طبعا هذا لا يعني أنّ الفقه الإسلامي الذي أنتجه الفقهاء تنعدم فيه مثل هذه النظريات، فإنّ هناك نتاجا كبيرا على مستوى القواعد الفقهية والأصول التي يمكن أن تؤسّس لفكر منتج،ولكنّ الذي يغلب على الظنّ أنّ البُعد الاجتماعي للفقه لم يكن مثار تفكير لدى علمائنا السابقين،بل بقي تفكيرهم تنظيرا للفرد المسلم؛ لأنّ الدولة والتنظير لها لم تكن تشكّل لهم حاجة.

ما نشهده على مستوى العالم اليوم هو صراع نماذج، وقد قدّم النظام الرأسمالي أطروحته وتطبيقاته المتنوعة، والنظام الاشتراكي قدّم أطروحته ولكنّ تجربته فشلت -أقله في تجربة الاتحاد السوفياتي-، ونحن نحتاج اليوم إلى تقديم النموذج الإسلامي، القادر على التغلّب على سلبيات الأنظمة الأخرى، والذي يقدّم أطروحته بشكل متكامل ويمنح البشرية الشعور بأنّ الإسلام فعلا هو الحل.

هذا لا يعني طبعا أن يخضع الفقه الإسلامي للرؤية الغربية،بحيث نبدأ نمارس عملية إسقاط للمفاهيم والقيم غير الإسلامية على النصوص الإسلامية الأصلية، بحيث نكون أمام ما يشبه عملية لي عنق النصّ لينسجم مع الواقع المعاصر السّائد، بدلا من أن ننفتح على المعطيات التي يمكن أن يقدّمها الواقع المعاصر، والتي يمكن أن تشكّل أضافة أو قرينة لفهم مختلف للنص.. فرق شاسعٌ بين الأمرين.

وقد يرى الباحثُ هنا أنّ من الضروري للاجتهاد الإسلامي الفقهي أن ينفتح على العلوم المتنوعة، سواء منها العلوم الطبيعية أو البحتة كما اصطلح على تسميتها، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والطبيعيات والفلك وغيرها، أو العلوم الإنسانية، كعلم الاجتماع والنفس والاقتصاد وغيرها؛ لأنّ هذه العلوم التي نمت في بيئة إنسانية للتأمّل والتجربة قد قدّمت الكثير من المعطيات التي لا بدّ من اختبارها علميا، ومن ثمّ اختبار مدى تأثيرها على فهمنا للنصّ.

فعلى سبيل المثال، نحن رفضنا نصوصا تتحدث عن ظاهرة الزلازل نتيجة اطّلاعنا على الأسرار العلمية لظاهرة الزلزلة والهزة الأرضية، وهذا ليس إلا لأن المعرفة العلمية شكلت قرينة على استحالة صدور مضامين من قبيل أن الأرض مثبتة على قرن ثور فإذا تعبَ نقلها إلى القرن الثاني فتحصل الزلزلة.. وكذلك رفضنا ما يناقض الحقيقة العلمية، فما هو المانع من أن يتّكل المشرّع على عالم التكوين الذي خلقه ذلك المشرّع في بيان بعض أحاكمه المجعولة لمواضيع ذات بُعد تكويني أو اجتماعي أو مرتبط بظواهر النفس البشرية وغيرها مما يجعل اكتشاف الإنسان لظاهرة من هذه الظواهر ما يجعل فهمه للنصّ يختلف عن فهم الماضين. هذه نقطة نعتقد أنّها تستحق المزيد من التأمّل ولا نقدّمها هنا كشيء ناجز..

الاجتهاد : كان من المأمول أن تجد نظرية “مقاصد الشريعة” حلولا لمشاكل الأمة، وتفتح الأبواب أما حياةٍ أفضل للمسلمين، لكن هذا الأمر لم يتم بعد، هل ترى المشكلة تعود لضعف الطريقة والمنهجية التي يتخذها الفقهاء أم ترون بوجود أسباب أخرى مؤثرة في هذا التخلف؟

السيد جعفر فضل الله: قد نرى بأنّ المشكلة لا تكمن في نظرية المقاصد في حدّ ذاتها؛ لأنّ الفقهاء والأصوليين حكموا بأنّ القطع بعلة الحكم يجعل بالإمكان تعميمه أو تقييده.. والمقاصد وإن كانت أوسع مفهوما من العلّة، إلّا أنها تلتقي معها في هذا البُعد؛ لأنّ الأحكام بناء عليها ستكون خاضعة للمقاصد الكبرى للشريعة.

الإشكالية هي في الآلية التي تستكشَفُ بها هذه المقاصد، وكيفية استكشاف تأثيرها على الأحكام.. وقد نرى في هذا المجال أنّ افتراض القرآن كنصٍّ أعلائيّ يمكن أن يمدّنا بمرجعية معيارية نقيس عليها ما يرد في السنّة من إطلاقات؛ بحيث تكون الدلالة القرآنية المقيّدة صالحة لتقييد الإطلاق اللائح بدوا من الحديث، واتّساع الدلالة القرآنية موجبا لتوسعة ما ورد في الحديث بدلا من التخصيص أو حكومة الحديث على القرآن الذي تتبعه الطريقة السائدة، هذا مضافا إلى ضرورة الانتقال من القراءة التجزيئية للقرآن إلى القراءة المجموعية، بحيث نستكشف النظرية القرآنية من مجموع آيات ذات دلالة مباشرة أو غير مباشرة على موضوع معيّن، ومن ثمّ نقوم بالاستناد إلى هذه النظرية لفهم المفردات التي تقدّمها الروايات والتي يمكن عندئذٍ اكتشاف الرابط فيما بينها أو ترميم النقص الموجود نتيجة غياب بعض القرائن الحديثية أو فقدان بعض الأحاديث وما إلى ذلك.

الاجتهاد : شاركت مؤخرا في مؤتمر الفقه والقانون في مدينة قم المقدسة، برأيك ما هي أهمية وضرورة الندوات التي تجمع الفقهاء والباحثون الإسلاميون من المذاهب المختلفة؟ وهل تباعد الفقهاء والمفكرين والباحثين الإسلامين أدى إلى تفرق الأمة وزيادة مشاكل المسلمين؟ هل توجد لكم أيّة اقتراحات في هذا المجال؟

السيد جعفر فضل الله : مما لا شك فيه أن هذه المؤتمرات ذات فوائد جمّة في أصل انعقادها حول المواضيع المعاصرة والتي تمثل إشكاليات كثيرة في عالمنا المعاصر، وكذلك في كونها نحاول أن تتكئى على تجربة الدولة الحديثة وما تفرضه من نمط تفكير مختلف عن الفقه الفردي؛ كما من المهم أن يكون لدينا مقاربات مختلفة؛ لأنّ الأصل هو انفتاح المجال العلمي وليس انغلاقه، وكلّ فكرة تنشأ في أي مجال فقهي هي فكرة محترمة ينبغي اختبارها علميا، ولعلّها تفتح لأتباع مجال فقهي آخر احتمالا كان غائبا عن البال نتيجة التفكير دائما من زواية خاصة.

أظنّ بأنّ ما يحتاج إلى إضافة هو أن تخرج المؤتمرات من العناوين العامّة إلى العناوين الجزئية التي تشكل إشكاليات حية ومن ثمّ اختبار التفكير المتنوّع حولها من خلال حلقات تفكير جاد تجمع مختلف التخصّصات ذات الصلة بالموضوع، بحيث – مثلا – نقارب مسألة الفقر من قبل مجموعة مختصة في الفقه والاجتماع والنفس والاقتصاد والسياسة وما إلى ذلك ويقدّم كلّ منهم إضافة أو قراءة للموضوع من زاويته وهنا قد تتكامل الزوايا في النظرة لنختبر التفكير الجماعي في علاج المشكلات وافتراض الحلول أمامها؛ والله تعالى هو الموفق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

حاوره: الباحث بهمن دهستاني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky