الاجتهاد: السيد صالح الحكيم: في ذكرى اغتيل الشهيد السيد مهدي الحكيم في (1988/1/17 ) أي قبل اكثر من ثلاثة عقود امتدت له يد الغدر والرذيلة وهو في مهمة إصلاح بين فصيلين من اهل السودان.
تلك الشخصية المتفردة بجهادها وابداعها و في دماثة اخلاقها وفي الجوانب الانسانية والقدرات الاجتماعية ونكران الذات والتدين والصدق في العلاقة مع الله والاخلاص في العلاقة مع الاخر .
لا اريد ان استغرق في سرد خصوصيات تلك الشخصية الفذة التي أحبها كل من تعرف عيها او اقترب من ساحتها ،
اليوم وأنا استعرض مع نفسي بعض المواقف التي عشتها مع ذلك الشهيد الكبير، قفزت الى ذهني فكرة مفادها أنه كيف تميزت حوزاتنا العلمية بهذا النتاج الراقي الصلب ؟
مراجع عظام كل واحد منهم جبل علم ومعرفة وواقعية وتواضع وحكمة وتضحية ومشاركة للناس في أفراحهم وأتراحهم ويعتبر الكل ابناؤه من كل الالوان والاديان والطوائف
مع ثبات امام موجات الظلم لا يجاملون على دينهم فتعرضت المرجعية على طول تاريخهاللظلم والتعسف ولكن ذلك لم يزدها الا استحكاما وقوة مثلها بذلك كالمسمار زاد استحكاما كلما زاد عليه الطرق لم تخمد جذوتها بقيت حية متحركة ملتزمة ومصرة على نهجها الديني الذي يبتعد عن التطرف في مواقفه ويبحث عن الحقيقة في منهجه وتبعهم في ذلك ولازال طلابهم ووكلائهم في قيادة عموم المؤمنين روحيا في مختلف بقاع المعمورة.
لا اغور في التاريخ لاتحدث عن الماضين من علمائنا الاعلام في الازمان التي سبقتنا اكتفي باستذكار ما عشناه نحن وتلمسناه من مواقف حية متجاوزة في بعضها حدود المعهود والمتصور لتصل الى مديات عالية جدا في نكران الذات والبذل في التحصيل العلمي وفي جوانب اجتماعية وانسانية
عشنا في ظل مرجعية الامام السيد محسن الحكيم قدس سره واعلى الله مقامه شاهدناه كيف وقف مدافعا عن ابناء كردستان وفتواه في تحريم قتالهم ووقف ليدافع عن مجموعة من المسيحين حين هدمت كنيستهم والمواقف الجريئة في نصرة المظلوم واشاعة الفكر التنويري اينما حل.
وفي ظل مرجعيته ابدع ثلة من العلماء المصلحين منهم ولده السيد ابا صالح في بغداد والامام موسى الصدر في لبنان والقافلة تطول وكاّن الحوزة قد زرعت وردة يفوح عطرها في مدن عديدة منتشرة في كل بقاع الارض
حتى مُليء البعث الصدامي بغضا وحقدا لذلك النور فتتبع اولاده واحفاده وعشيرته واعوانه ومحبيه بالقتل والتشريد والتهجير ولا يدري البعث الجاهل ان بقية السيف انمى وان الشجر البري اصلب عودا والروائع الخضرة ارق جلودا
فحين بعثر باقة الورد التي خلفها الامام الحكيم ظن انها سوف تجف وتتلاشى ولكنها توزعت حاملة عطر المرجعية وجماليات مدرسة الامام الصادق ع لتنثرها فكرا وعطاء في كل مكان
وبصمود الامام الخوئي رضوان الله عليه بقت الحوزة تواجه الاعاصير بعزيمة الايمان وروح التوكل على الله والصبر
وجاءت ثورة الامام الخميني لتحدث نقلة في مواقع الايمان عند البشر في كل ارجاء المعمورة ومعها انهارت المنظومة الشرقية للاتحاد السوفياتي بقيادة روسيا التي عاد في كل ارجاء دول اتحادها السابق يقرأ القران الكريم وتقرع اجراس الكنائس
ثم غادرنا الامام الخوئي صابرا محتسبا و الامام الخميني رضوان الله عليهم دون ان تزعزع العواصف بنائاتهم الفكرية او تعرقل مسارتهم الملتزمة بالحكمة والحرية وظنوا ان الاوضاع بعد رحيل العلمين سوف ترتبك واذا بالنور يسطع من النجف الاشرف مرة اخرى ليحمل مشعله الامام السيدعلي الحسيني السيستاني
ومعه تتجدد مسيرة الابداع ويعزز بعمقه العلمي وثقافته المتنوعة الواسعة ومواقفه الحكيمة ليحمي المسيرة ويجذر اصالتها ويتصدى لحفظ كيان المؤمنين ويحفظ كرامة الانسان في العراق
وتبرز من ثنايا الحوزة ثلة من طلابها واساتذتها تلبي نداء فتوى الجهاد الكفائي ليقدموا بسخاء دماء نحورهم ويغذوا بتلك الدماء نزاهة الحوزة ووطنيتها وفرضوا بذلك على التاريخ بدمائهم ان يسجل باجلال ابداع الحوزة واصالتها
قوافل علمتهم حوزة النجف فعادوا
ليستقبل تراب النجف اجسادهم
ومع كل العطاءات العلمية وضخامة التضحيات وجسامة سجل المعاناة وايات الصبر وصفحات الجهاد بالقول والقلم وبالدم التي قدمتها هذه المؤسسة الدينية العريقة ولكننا نسمع من هنا وهناك بعض الاصوات الشاذة التي ترصد مفردات من العثرات التي لابد للمسيرة الجادة ان تمر بها فالساكن وحده وهو الذي لايخطئ
فمن مئات الخطباء الذين يقدمون المعرفة بمختلف انواعها والعاطفة المطهرة للروح باجمل صورها يسلط الضوء على زلة او هفوة عند خطيب واحد من تلك المجموعة المنتجة دون ان يذكروا تاريخ المنبر وجهاد اهله وجهودهم وشهداء المنبر واعلامه وكذلك بالنسبة لاساتذة الحوزة وعلماء المناطق
وهكذا يبقى جنود الله في الحوزة العلمية مكتوب عليهم الجهد والجهاد والبذل والعطاء والخدمة وحياة الكفاف وان يتلقوا النقود اللاذعة التي عادة ماتكون بعيدة عن الدقة والموضوعية
ولكن جماهير الناس بحمد الله تعالى وفضله يجلون رجالات الحوزة ويثقون بهم وبذلك تُرسم مسيرة الامل ولا نعير كثيرا من الاهتمام للنتوءات الشاذة الخارجة عن السياق مع الانصات للنقود البناءة الجادة
حفظك الله سيدي ايها المرجع الاعلى وحفظ مراجعنا العظام مشاعل نور تستلهم من تلك المدرسة االعلوية الخالدة علمها وصمودها ونتعلم نحن منهم ونستنير بظل توجيهاتهم ونعلم أن للمسيرة مالك (عج )هو صاحبها يرعاها ويسدد كل اخلاص يتحرك في جسد الحوزة واذرعها
رحم الله شهداء الحوزة وقادتها منذ بدايات الغيبة الكبرى وإلى يومنا هذا وسدد خطى العاملين
السيد صالح الحكيم الأمين العام لملتقى قيم الحوار والتعايش في العراق
السيد صالح ابن الشهيد السيد مهدي باقر الحكيم ولد في بغداد ١٨/١/٥٩ التحق بالحوزة العلمية عام 1976م ، ثم هاجر عام ١٩٨٠ الى ايران بعد مطاردة الحكومة العراقية ، في نفس العام تعرضت كامل عائلته للاعتقال من قبل قوات الامن العراقية والده ووالدته واخوانه الثلاثة واخته الوحيدة مع مصادرة اموالهم، ولم يعلم أي خبر عن العائلة الا بعد سقوط النظام عام ٢٠٠٣ ، تبين من خلال وثائق جهاز المخابرات انهم اعدموا على يد زمر النظام المقبور .
السيد صالح الحكيم متزوج وله ولدان وثلاث بنات . التحق بحوزة قم عام 1980 وواصل دراساته الدينية حتى عام ١٩٩٠ كلف من قبل المرجعية لرعاية الشؤون الدينية للمسلمين الشيعة في الدول الاسكندنافية شمال اوربا، استمر في التبليغ والدراسات في قم حتى سقوط النظام الدكتاتوري ، عاد ليساهم في بناء الهيكل التبليغي في مكتب المرجع الديني الكبير سماحة السيد محمد سعيد الحكيم في قم ثم في عام ٢٠٠٧ اسس مركز الحكمة للحوار والتعاون بتوجيه من سماحة المرجع واشراف سماحة اية الله السيد رياض الحكيم النجل الاكبر للمرجع .
وقد نظم المركز العديد من المؤتمرات وشارك في الكثير من المؤتمرات وهو يستقبل الوفود المستمرة للباحثين والمحققين الوافدين للنجف الاشرف ويساهم في المشاريع الثقافية التي تساهم في ترسيخ مفهوم التعايش الانساني وتبادل الثقافات .