زكاة الفطرة

التشكيك في زيارة الأربعين / سماحة السيد منير الخباز

الاجتهاد: إن هذه المسيرة الراجلة لم تحدث صدفة وبدون تخطيط، بل إن التتبع التاريخي لها يشهد بأنها انطلقت منذ زمان أهل البيت – صلوات الله عليهم – بعد مصرع الإمام الحسين عليه السلام بفترة وجيزة، وكان الراجلون الحفاة أفرادًا قلائل من أنحاء الكوفة وأريافها، لكنها توسعت بمرأى ومسمع من الأئمة الطاهرين – صلوات الله عليهم -، وحظيت منهم بالإمضاء والدعم.

 ما وجهة نظركم سيدنا العزيز حول ما تورده بعض الأقلام والأصوات من التشكيك في زيارة الأربعين؟

بسم الله والصلاة والسلام على المصطفى وآله الطاهرين.

لا ريب في رجحان الزيارة الأربعينية في نفسها كما لاريب في أهميتها شرعًا، وذلك من خلال بيان عدة نقاط ترتبط بأهمية هذه الزيارة:

النقطة الأولى:

إن الزيارة المليونية اتصفت بعناوين جليلة، واكتسبت أوصافًا كبيرة أخرجتها عن كونها كسائر الزيارات المستحبة الأخرى، فقد اتسمت هذه الزيارة بما تضمنته من زحف الملايين من المسلمين لزيارة الحسين عليه السلام بتحولها مظهرًا من مظاهر عظمة الإمام الحسين عليه السلام وإعلانًا عالميًا لمبادئه وأهداف نهضته المباركة، فأصبحت – مضافًا لرجحانها في نفسها – من العناوين المؤكدة في الرجحان التي لا خلاف فيها.

وذلك بلحاظ أنها من أوضح مصاديق إحياء أمر آل محمد – صلوات الله عليهم – والذي ورد فيه في الحديث المعتبر: ”أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا“.

النقطة الثانية:

إن الزيارة الشريفة أضحت معلمًا من معالم مذهب أهل البيت – صلوات الله عليهم -، وسمة من سمات عزته وشموخه، فإن الباحث عن الحقيقة والمتأمل المنصف من أي ملة كان إذا رأى الملايين تترابط بشكل منظم كأنها أسرة واحدة، تعيش شؤونها وهمومها، وتبذل وتضحي بأقصى ما عندها من الوقت والجهد والمال تجاه بعضها البعض، وتتفقد أحوال الفقير وتسعف المحتاج وترفد اليتيم تفانيًا في حب آل محمد – صلوات الله عليهم -، والذين نادى القرآن بضرورة مودتهم وخدمة أتباعهم، وجميع تلك الصور من البذل عطاء من دون مقابل، فكان ذلك حاكيًا عن عظمة مذهب أهل البيت – صلوات الله عليهم -.

فإن المذهب الذي يستطيع بتعاليمه أن يربي أبناءه على هذه القيم والفضائل وبكل سلاسة وروح مطواعية، ويحولهم خلال أيام إلى مجتمع مترابط متآزر، هو مذهب ينبع من معين الحق تعالى، ومن كنز الفضيلة دوحة المصطفى محمد، والمرتضى أمير المؤمنين، والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

النقطة الثالثة:

إن الزيارة المليونية العظيمة فرصة ثمينة لكثير من آلاف المؤمنين الوافدين من خارج العراق للقاء المراجع والعلماء، وتوجيه قضاياهم الشرعية، والاستقاء من نمير الحوزة العلمية، كما أنها مهرجان حسيني عظيم يجلب الإخوة من أهل السنة، والكثير من أهل الديانات الأخرى كالمسيحيين والصابئة وغيرهم.

النقطة الرابعة:

إن هذه المسيرة الراجلة لم تحدث صدفة وبدون تخطيط، بل إن التتبع التاريخي لها يشهد بأنها انطلقت منذ زمان أهل البيت – صلوات الله عليهم – بعد مصرع الإمام الحسين عليه السلام – بفترة وجيزة، وكان الراجلون الحفاة أفرادًا قلائل من أنحاء الكوفة وأريافها، لكنها توسعت بمرأى ومسمع من الأئمة الطاهرين – صلوات الله عليهم -، وحظيت منهم بالإمضاء والدعم.

فإن الملاحظ للأحاديث المتواترة الواردة في الحث على زيارة الإمام الحسين – عليه السلام – يكتشف من خلال التركيز فيها على الزيارة بأشكالها وصورها أنها ناظرة لتلك المسيرات الزاحفة نحو قبر سيد الشهداء – صلوات الله عليه -، وهي ما أشار إليه الحديث الوارد عن الإمام العسكري – عليه السلام – بقوله: ”وزيارة الأربعين“ التي هي يوم معهود مشهور لدى الإمامية منذ تلك الأعصار، كما أشار إليه القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى وامور الآخرة المتوفى عام 671 هـ وهو من مؤرخين أهل السنة وغيره.

وقد استمرت سيرة العلماء وفقهاء الحوزة العلمية بعد عصر الغيبة إلى يومنا هذا على دعم المسيرة والحث الشديد عليها، ومنهم المراجع المعاصرون كالسيد السيستاني والسيد الحكيم والشيخ الوحيد والشيخ الفياض – دامت ظلالهم الشريفة -.

النقطة الخامسة:

إن تضعيف الزيارة والتشكيك في قيمتها مع كونها وجهًا بارزًا من وجوه كيان التشيع بعيد عن الصواب كما ان هذه الاشكالات لااهمية لها بعد المفروغية عن محبوبية الزيارة في نفسها بالعناوين والملاكات المختلفة خصوصًا وقد اتسمت هذه الزيارة العظيمة بما أخرجها عن كونها زيارة مستحبة مثل سائر الزيارات في سائر الأيام إلى درجة المسيرة المعبرة عن عظمة الأئمة – صلوات الله عليهم – وترويج قيمهم وفضائلهم وإحياء أمرهم.

فإن الفقيه كل الفقيه كما يصرح سيدنا الأستاذ السيستاني دامت بركاته من يتأمل في كل قضية وظاهرة بمختلف عناوينها وملابساتها وآثارها الفعلية والمستقبلية، إذ الفقاهة المقصودة في النصوص الشريفة نحو قوله عز وجل: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾، وما ورد عن الإمام الصادق – -: ”لوددت أن أصحابي ضُربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا“، ليست هي عبارة عن معرفة الحلال والحرام، وإنما هي الإحاطة بدقائق الفقه واكتشاف سائر النكات المختزنة في روايات أهل البيت – عليهم السلام -، والقدرة على ربط التعاليم الواردة في أحاديثهم مع الأهداف العليا للدين المتلقاة عنهم، وتوجيهها بإطارها، وقراءة كل حدث من خلال النصوص والمرتكزات وسائر الملابسات المكتنفة بها.

وفقنا الله وسائر المؤمنين الموالين المخلصين لإحياء هذه الزيارة العظيمة وأداء بعض حقها إنه تعالى خير موفق ومجيب.

المصدر: موقع السيد منير الخباز على النت

 

 

ملف زيارة الأربعين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky