Lavc56.60.100

البعد الفقهي في النهضة الحسينية / سماحة السيد مصطفى حسينيان

الاجتهاد: موضوع بحثنا هو دراسة قضية عاشوراء من البعد الفقهي، ولكن قبل أن ندرس هذا الموضوع فقهياً يجب ان نثبت هذا الموضوع.

لا شك أن قضية عاشوراء قبل ان تدرس بأبعادها وجوانبها هي قضيه تاريخية يجب إثباتها تاريخيا بنحو الكلية وبنحو الجزئيات، ولا يخفى ان اصل الكلية موضع تسالم علماء الإمامية، وايضا المشهورة عند علماء العامة ولكن ظهرت من بعضهم في العصر الراهن شبهات تنكر أصل حدوث هذه القضية، وبما أن هذا الإنكار حتى عند العامة شاذ جداً، لأن واقعة كربلاء وقضية عشوراء موجودة في كتب التاريخية عندهم، لذلك لايوجد ريب في أصل القضية، وإنما الريب في بعض الصغريات والحوادث الواقعة فى تاريخ عاشوراء من عدد اصحاب الامام الحسين”عليه السلام” وعدد معسكر ابن سعد وكيفية استشهاد بعض الاصحاب ونحو ذلك.

هذه القضايا وأمثالها لا زالت محل الشك والترديد بين المحققين، وايضا هناك قسم من القرائات لواقعة من الوقائع وتحتاج الى شواهد تاريخية مثلا أن الإمام الحسين “عليه السلام” أوصى للإمام السجاد “عليه السلام” بعد مقتله، أو أوصى للسيدة زينب سلام الله عليها، فان الوصي في فترة رجوعهم إلى المدينة كان الإمام السجاد أو السيدة زينب، أو ان الإمام السجاد “عليه السلام” فوض الأمر إلى السيدة زينب، أو أوكلها في بعض الأمور، ولم يفوض الأمر إليها؟

هذه تحتاج إلى الدراسة التاريخية، لذلك جملة كثيرة من جزئيات واقعة كربلاء تحتاج إلى التحقيق، فاذا لم تكن ثابتة، فلا حاجة إلى تخريجها فقهياً، مثلا المنقول عن الإمام الحسين “عليه السلام” انه فى ليلة العاشر أحل البيعة عن أصحابه؟ ولكن هل هذا حل البيعة ثابت في التاريخ فاذا ثبت يجب تفسيره من الناحية الفقهية وأن الإمام المعصوم يحق له شرعا أن يحل بيعته عن الأمة أو لا يحل فانه منصب الهى ومفروض الطاعة فرفع البيعة ليس بيده كما ان وضعها ليس بيده ؟

لذلك قبل أن ندخل في البعد الفقهي لقضية عشوراء وبيان أهمية هذا البعد يجب أن ندرس تاريخ عشوراء، والتحقيق في تاريخ عاشوراء يواجه عدة مشاكل منها:

المشكلة الأولى: أن أغلب الكتب التاريخية دونت بأقلام العامة خصوصا الأقلام التي كانت تدعم بأموال السلاطين، وهذا الضعف موجود عندنا فإن كتب التاريخ عندنا كمّاً وكيفاً قليلة أمام كتبهم، وقضية عاشوراء لعله يقال أشهر قضية تاريخية لمذهب أهل البيت “عليهم السلام” فكثير من تفاصيلها مذكورة في كتب التاريخ العامة، وبعض التفاصيل المذكورة في كتبنا جاء عن أسانيد عامية، وجملة من رواة التاريخ لعاشوراء إما من العامة وإما مجاهيل لا ترجمة لهم.

إذن إذا نريد أن ندفع الشبهات ونثبت هذه القضية بجميع تفاصيلها يجب أن ندون كتاباً في الحوزة العلمية باسم (معجم رجال تاريخ عاشوراء)، على نسق معجم رجال الحديث عند السيد الخوئي “قده” فيجب على المحققين في المؤسسات الدينية في الحوزات العلمية أن يهتموا بهذا الموضوع.

نحن كخطوة أولى في مؤسستنا المباركة مؤسسة الثاقب للدراسات الاسلامية هذه السنة أخرجنا رواة من وقعوا في أسانيد تاريخ عاشوراء كخطوة أولية . ١٢٠٠ اسم، يجب تسليط الضوء على تراجمهم.

هذه المشكلة الأولى التي نواجهها بالضبط، وليس لها حل إلا أن نقوم بعمل جمعي تحقيقي ونؤلف كتابا بعنوان معجم رجال تاریخ عاشوراء.

المشكلة الثانية: تعيين منهج الترجمة للمعجم هل نتبع المنهجين المعروفين عند الأصوليين، والأخباريين في رجال الرواة والأحاديث.

المنهج الأول: التوثيق كما يزعم السيد الخوئي وأمثاله.
المنهج الثاني: الوثوق كما يزعم السيد السيستاني وأمثاله.

أي المنهجين يتبع في ترجمة رواة تاريخ عاشوراء؟ ويبدو في النظر أن كلا المنهجين لايوفيان بالغرض، لأن منهج الأول وهو التوثيق لايفيدنا في رواة عاشوراء لان كثير منهم مجاهيل ولا يوجد عليهم توثيق.

والمنهج الثاني الوثوق صعب المنال، لذلك يجب على المؤرخ أو المحقق أن يختار منهجا بتعبيرنا لينا أو تسامحيا أكثر مثلا يوسع في دائرة القرائن الوثوقية مثلا يعتمد على الشهرة عند المورخين وان كانوا من العامة، مع أنه الوثوق لا يعتمد دائما على الشهرة أحيانا على الشهرة وأحيانا على غير الشهرة، ولكن نقول في ترجمة رواة تاريخ عاشوراء ينبغي أن نعتمد على الشهرة كثيرا، لأن جملة كثيرة من رواة تاريخ عاشوراء فقط لهم منصب الشهرة، لا الوثوق.

المشكلة الثالثة: التي يواجهها المحقق في تاريخ عشوراء وإثبات ترجمة الرواة أنه كثير من الرواة الذين وقعوا في أسانيد هذه الروايات التاريخية من العامة ومجاهيل عندهم فماذا نعمل؟ وماذا نقول في حقهم؟

لذلك ينبغي تاسيس منهج جديد غير المنهجين المعروفين في الفقه للاعتماد عليهم، مثلا نعتمد على جلالة قدر المؤلف كالسيد ابن طاووس في اللهوف أو ابن مخنف أو المقرم أو القمى ونحوهما لانسداد المنهج الاول والثاني عند الفقهاء.

فإذن على هذا المنهج نحن فى سعة من تاريخ عاشوراء.

المشكلة الرابعة: وهي أيضا مهمة جدا أن كتب التاريخ بشكل عام حتى عندنا الإمامية وليس فقط عند العامة لم تؤلف بمنهج الدراية وانما أُلفت بمنهج الرواية فقط، يعني المؤرخ عندما يذكر الروايات التاريخية لا يحقق في صحتها وسقمها وانما شانه ان ينقل ما وجده في كتب التاريخ.

أذكر شاهدا جميلاً على هذا المنهج الذي متبع عند معظم المؤرخين، لذلك هذه المشكلة الرابعة تولد لنا فكرة جديدة أن نؤسس تاريخا للإسلام بنحو الدراية لا بنحو الرواية. بعض المحققين المعاصرين رحمة الله عليهم بدأوا بهذه الفكرة ولكن يا ليت كانت فكرتهم بصفة الجمع لا بصفة الانفراد، كتبوا الصحيح من سيرة النبي والصحيح من سيرة الإمام الحسين “عليه السلام” ولكن بصيغة الفرد وصيغة الفرد ليست منتجة على مستوى قضية عاشوراء أو تاريخ القرن الأول من الاسلام خصوصا أن قضايا التاريخية كثيرة وقد كثر فيها الخلط بين الحق والباطل، وبين الصدق والكذب .

أذكر شاهدا في كتب العامة حول حديث الكساء، فقد وردت ثلاث روايات تاريخية:

في الرواية الأولى أن عائشة كانت موجودة عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلبت من النبي أن تدخل تحت الكساء، وقال لها أنت لست من أهل الكساء، أو لست من أهل البيت”عليه السلام”.
وفي الرواية الثانية ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طردها.
وفي الرواية الثالثة قال لها لا تدخلي ولكنك على خير، فاى هذه الرويات معتبرة.

يأتي المؤرخ العامي فيعتمد على الروية الثالثة ويقول بأن النبي قال لها أنت على خير فحربها مع علي بن أبي طالب “عليه السلام” كان على حق، لاحظ كيف استدلوا على مشروعية حرب الجمل، فمن هذا المنطلق يجب قرائة التاريخ من جديد على نحو الدراية لا على نحو الرواية.

فان كتب التاريخ الاسلامي دونت على نسق كتب اللغويين حيث ان الغاية منها رواية المعانى من دون تعيين المجاز والحقيقة والاشتراك اللفظي والمعنوى والقياسي والسماعي وغير ذلك.

هذه المشاكل الاربعة التي نواجهها فى اثبات قضة عاشوراء تاريخيا فلابد من حلها ثم دراستها فقهيا واستنباط الاحكام الشرعية هذا تمام كلامنا في مقدمة البحث عن البعد الفقهي لعاشوراء.

ثم يقع الكلام فى صلب الموضوع وهو قرائة قضية عاشوراء فقهيا واهم مسالة يمكن طرحها في قضية عاشوراء فقهيا هو التخريج الشرعي لخروج الامام الحسين “عليه السلام” لان بمقتضى القاعدة الاصولية، من ان فعل وقول وتقرير المعصوم حجة شرعا، يجب تفسيره على ضوء الاحكام الشرعية.

ولكن قبل الشروع فيها ينبغى القول بان في المقام توجد نظريتان:

النظرية الاولى: ما يظهر من كلمات بعض علمائنا سواء عصرناهم أو سبق عصرهم إن قضية الإمام الحسين خارجة عن دائرة الفقه وهي قضية فيها إمداد غيبي خاص، وكل ما فعله الإمام الحسين “عليه السلام” فعله بعلمه الغيبي وليس بحسب قواعد وادلة علم الفقه.

لذلك يقولون إن العقول الفقهية متوقفة في تفسير مواقف الإمام الحسين “عليه السلام” .

النظرية الثانية: هي أن الإمام الحسين “عليه السلام” كباقي الأئمة الأطهار “عليهم السلام” قوله وفعله وتقريره سلام الله عليهم اجمعين حجة، ويمكن للفقيه أن يستنبط منه حكماً شرعياً هذا مقتضى القاعدة الأصولية، وما عندنا دليل على حجب قضية عاشوراء من هذه القاعدة الأصولية، فبناء عليها يجب أن ندرس قضية عاشوراء من بدايتها الى نهايتها بالطابع الفقهى لاستخراج الاحكام الشرعية ولهذه النظرية شواهد كثيرة في كلمات فقهائنا.

ثم ان مقتضى تتبعي القاصر في كلمات العامة والخاصة وجدت نظريات حول خروج الإمام الحسين “عليه السلام” فقهياً.

النظرية الاولى: حرمة خروج الامام “عليه السلام” وهى المشهورة عند العامة، استنادا إلى دليلين:

الدليل الأول: قوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، فإن الإمام كان فاقدا للعِدّة والعُدّة والقائد الذي لا يملك العِدة والعُدة فخروجه هلاك لنفسه والقرآن يقول لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فبناء على هذا الدليل يكون خروج الإمام الحسين “عليه السلام” حراما.

ولا قائل بها عند فقهاء الامامية ولكن على القول بان خروج الامام كان خروجا غيبيا وكان يعلم بمصرعه ومقتله فان الاستدلال بالاية الشريفة سيكون اقوى لانه كان يعلم بمقتله ومع ذلك اقدم على قتله وقتل من كان يلوذ به والا فيجب القول بنظرية الجبر وانه مع علمه بذلك كان مجبورا كما يقول المجبرة من العامة تخلصا من دعوى التهلكة وهذا ايضا مرفوض بتاتا لان الامامية تعتقد بالامر بين الامرين لا جبر ولا تفويض في المقدرات البشرية.

ومن هنا يمكن القول بان الاعتقاد بعدم علمه بمصرعه ومقتله وان خروجه كان لاصلاح الامة واداء للواجب كما يعتقد جمع من الفقهاء الامامية خصوصا من المتقدمين كان مبنيا على رد استدلال العامة باية التلهكة فتدبر جيدا.

ولكن بعد بيان سائر النظريات سيكشف زيف هذه النظرية وسقم الاستدلال بالآية الشريفة.

الدليل الثاني: ان الخلافة الشرعية تثبت بطرق منها القدرة فمن قلد الحكم بالسيف لا يجوز الخروج عليه وإن كان فاسقاً وان كان جائرا، والإمام الحسين \”عليه السلام” روحى له الفداء خرج على خليفة المسلمين وهو يزيد بن معاوية لعنة الله عليه، وكان خروجه حراما.

فساد هذه النظرية: ان تقليد الحكم لغير العادل غير مشروع عند الامامية على الاطلاق قضلا عن الجائر.

النظرية الثانية: ان خروجه محكوم بالكراهة لانه احرج نفسه وعياله واصحابه بالقتل والاسر والهجر ونحوذلك فانه وان كان على حق وكان يزيد فاسقا وجائرا الا انه ماكان ينبغي له الخروج مع علمه بعدم العدة والعدة حفاظا على نفسه المحترمة وهو سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعياله واصحابه وهذه النظرية مستنبطة من بعض كلمات المحققين العامة ولكن سيظهر عدم تماميتها بعد سرد سائر النظريات وادلتها.

النظرية الثالثة والرابعة: وهي المشهورة بين المتقدمين كما تظهر من كلمات الشيخ المفيد رحمة الله عليه والشيخ الطوسي وغيرهما من وجوب الخروج بغاية تاسيس حكومة اسلامية واصلاح الامة الاسلامية، لأن أهل الكوفة دعوه، فاستجاب لهم سلام الله عليه. وهذه النظرية رد على نظرية العامة المعتمدة على اية التهلكة وأنه لم يخرج بفقدان العدة والعدد وإنما خرج بآلاف من الكتب التي وصلت إليه من أهل كوفة وانه نحن جاهزون في القتال في صفك ونبذل أرواحنا وأموالنا وكل ما نملكه من الخدمات وفي بعضها أسرع إلينا.

وقد أكد الشهيد المطهري رحمة الله عليه على تمامية هذه النظرية في كتابه الملحمة الحسينية وكان واجبا عليه أن يستجيب للأمة لأن الأمة أراد منه الحكم.

مفهوم هذه النظرية إن الامة اذا ما كانت تريد الحكم فما كان يجب على الإمام الخروج.

النظرية الخامسة: نظرية السيد ابن طاووس وهي المشهورة على المنابر أن الإمام الحسين “عليه السلام” كان يعلم بمقتله ويعلم بغدر أهل الكوفة خصوصا بعدما جاءه ما يدل على استشهاد مسلم بن عقيل في طريقه إلى الكوفة فالإمام علم حتى ظاهرا وإن كان باطنا كان عالما بانه ليس قادرا على الاصلاح وتشكيل الحكومة الاسلامية، ولكنه اختار السير والمشى على طريقه إلى كربلاء إلى أن استشهد لأنه رأى في الشهادة الفضيلة وحُسن العاقبة، فبناء على هذه النظرية لسيد ابن طاووس يكون خروج الإمام خروجاً استحبابيا لأن درك الشهادة وفضيلة الشهادة ليس واجباً وإنما مستحب خصوصا أن الإمام خير في الطريق لعله مرتين أو ثلاث مرات بين الرجوع والذهاب إلى مناطق بعيدة وبين البيعة، يعني ما كان مجبورا في بداية الطريق على حسب ما يذكر في التاريخ على المشهور بين ارباب المقاتل، فالإمام اختار الشهادة وأصر على القتال لأنه رأى ذلك الفضيلة، ومن الشواهد على الاستحباب عند السيد ابن الطاووس أن الإمام في ليلة العاشر خير اصحابه بين البقاء والرحيل، لماذا خيرهم؟ لأن الأمر مستحب وما كان واجبا فمن أراد أن ينال هذا المقام العظيم وهو مقام الشهادة فليبقى.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين 

 

 

المصدر: محاضرات رمضانية في مؤسسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للبحث والتحقيق العلمي في حوزة النجف الأشرف

كلمة المؤسسة

أما بعد: في رحاب شهر رمضان المبارك لعام ١٤٤٦ هـ نظمت مؤسسة الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه للبحث والتحقيق العلمي في النجف الأشرف، سلسلة من الجلسات العلمية الرمضانية. وقد اجتمع فيها كوكبة من العلماء والباحثين لمناقشة موضوعات علمية وفقهية وفكرية عميقة، وذلك في مسعى لتعميق البحث العلمي وتعزيز الفهم الدقيق للقضايا الدينية والفكرية المعاصرة. إن هذه الجلسات العلمية المباركة جاءت استمرارًا لنهج أهل البيت في إحياء أمرهم وإشاعة معارفهم وتجسيدًا لوصاياهم في المذاكرة العلمية التي تحيي قلوب المؤمنين وتعزز من وعيهم الديني والفكري. وقد حرصت المؤسسة على تنظيم هذه المحاضرات ضمن رؤية علمية متكاملة، تهدف إلى تقديم دراسة متينة ومتجددة للقضايا الإسلامية، مستندة إلى منهجية البحث والتحقيق الرصين، ومستنيرة بمصادر الإسلام الأصيلة وتراث أهل البيت . ونحن نأمل أن تكون هذه السلسلة من المحاضرات التي تم توثيقها في الكتاب، مرجعًا علميًا مهما لكل باحث وطالب علم يسعى لا لفهم هذا أعمق للحقائق الدينية والفقهية والفكرية. نسأل الله تعالى أن يجعلها خطوة مباركة في طريق نشر العلم والمعرفة، كما نسأله أن يتقبلها بقبول حسن، إنه ولي التوفيق.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky