مما يتبادر للمجتمعات البشرية اليوم تساؤلات حول ماهية زيارة الأربعين، تارة تكون إسفهامية وتارة تعجبية وأخرى إستنكارية، وإنه لمن الجدير بالذكر إستحضار الهوية الحسينية والهوية “الإستفاهموتعجبية” بعيدا عن الهوية الإستنكارية لما لها من موضوعية خاصة لا تقتصر على الأربعين وحسب بل تمتد لجذور الهوية الحسينية كأصل ومقام.
الاجتهاد: نناقش معاً في هذه العجالة غوصاً بأعماق القضية الحسينية فلسفة واقعية تنموية للواقع الحسيني خاصة وإثراء للفلسفة الإنسانية عامة تنويها وتلميحا لمقومات الإنبعاث الحسيني لجذور الأمة تنمويا وحراكيا على المستويين الإيماني والتعبوي لصياغة مجتمعاتنا بالقضية الحسينية التي تمثل الإنسانية سلوكا ومقاما
فلا تقتصر على دين ما أو طائفة دون أخرى، إنما محورية البناء الإنساني من خلال قضية الحسين”ع” كنموذج توجيهي صوب إنسانية الفكر والحركة تناغما بذات الحراك المقدس الذي صاغته دماء هذه العصبة المباركة، في سؤال وجواب عبر صياغة تربوية وتوجيهية للمجتمعات الإنسانية بعيدا عن الشقاق والنزاع المعنونان بالإستنكار.
ما الذي نتوخاه من مسيرة الأربعين وهذه الشعائر المتنوعة مع ما تستدعيه من مصاعب وتحديات.
قبل الجواب نريد ان نتقصى في المقدمة الاصول المعرفية لمثل هذه الادبيات والشعائر وهل تمتلك هذه الشعائر والسلوكيات عمقا حضاريا وانسانيا ام انها مجرد موارثة تاريخية تتوالى مرحليا على قاعدة تداعي الاجيال يعني كل جيل يعطيها لجيل من دون ان تكون ثمة اصول وادبيات.
لا ريب ان لهذه الطقوس ادبيات واصول ضاربة في عمق الحالة الحضارية للاسلام وهناك عدة اثارات ينبغي الالفات اليها منها اثارة عددية رقمية في خصوص مصطلح الاربعين هل لهذا الرقم خصوصية ترتبط بالقوانين الكونية والشرعية والنواميس التاريخية ومنها كذلك الاثارة السياحية في السير والسلوك باعتبار ان المشي حالة من حالات السياحة تطبيقا لقوله تعالى :{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} ولاريب ان واحدة من هذه القرى المباركة هي كربلاء وهنا يأتي الجواب على سؤالك : ما الذي نتوخاه من الاربعين نتوخى الوصول الى البركة ماهي البركة؟
البركة هي معرفة الله عن طريق الحسين لان الحسين مظهر من مظاهر التوحيد وبداية المعرفة الحقيقية لله لذلك يقول عز وجل: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} لا ريب ان معركة كربلاء كانت قيامة مصغرة وهي بداية حقيقية للخلق الثاني … ماقبل كربلاء كان الخلق الاول خالي من المعاني الحقيقية لمعرفة مظاهر الاخرة ومابعد كربلاء خلق اخر امر اخر … اذن هذه الشعائر والسلوكيات ضاربة في عمق الفكر الاسلامي بدءا من الكتاب الكريم وكذلك هي ضاربة في عمق الحالة الانسانية والحضارية كذلك…
الإستثمار في مثل هذه المناسبات والمعطيات المناسبة لتحقيق الاستثمار الايجابي لها
هناك عدة مجالات لاستثمار مثل هذه الظواهر والمناسبات منها ما يرتبط بالمجال الاعلامي ومنها ما يرتبط بالمجال الاجتماعي ومنها وهو الاهم ما يرتبط بالمجال التعبوي والتعبئة هنا لا اقصد منها التحشيد وانما اقصد التأهيل.
في المجال الاعلامي وهو مجال مهم ينبغي التذكير باننا في مدرسة اهل البيت نواجه هجمة اعلامية شرسة تستغل مايتوفر لها من امكانات ضحمة وهي بالتأكيد لا تتوفر لدينا لكن الله تعالى ابدلنا خيرا منها وهو الثروة المعنوية الهائلة التي تجسدها الجماهير الحسينية في مثل هذه المناسبات … رصيد شعائري ضخم قادر على احداث زلزلة كونية في مجال الاعلام وتوجيه الانظار اليه.
كيف ندير بشكل احترافي تسويق هذه الظاهرة الى الاعلام العالمي؟ وماهي الادوات التي يمكننا من خلالها ان نسترعي انتباه العالم المتحضر الى هذه التظاهرة الكبرى الفريدة في معطياتها البشرية والجغرافية والزمانية والطقوسية؟
هل فكرنا في يوم من الايام ان ندعو منظمات اممية تهتم بمثل هذه الظواهر كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) .. وعقد مؤتمرات تعريفية بهذه الظاهرة باعتبارها ظاهرة ثقافية اعلامية كبيرة وتسجل هذه المناسبة في قاعدة بيانات المنظمة ومن ثم تتوجه مؤسساتها الاعلامية الى توثيق هذه الظاهرة والمناسبة .. طبعا هذا من تكليف الحكومة لكننا معنيون بالضغط على الحكومة من اجل تطبيق هذه الافكار … وكذلك المؤسسات الثقافية العالمية الكبرى وهي كثيرة.
لماذا لاتتوحد جهودنا الحكومية والمرجعية على امتداد الجغرافية الشيعية من اجل تأسيس قمر صناعي او شراءه من اجل تكثيف القنوات والعمل بشكل نوعي من اجل ايصال ثقافة عاشوراء الى العالم.
اما بالنسبة الى استثمار المناسبة في المجال الاجتماعي فاعتقد اننا من خلال مسيرة الاربعين نستطيع معالجة الكثير من الظواهر الاجتماعية وتهذيب السلوك الشبابي بشكل خاص ونستطيع ايضا ان نعيد الى المجتمع روحه القيمية التي قد يكون افتقد جزءا كبيرا منها بسبب الثقافات الوافدة اعتقد ان مجال التواصل الاجتماعي والفيسبوك افرغ المجتمع من حالة الاندماج الواقعي ونقلها الى الاندماج الافتراضي وهو اندماج سلبي غير منتج فيمكن لمناسبة مثل مسيرة الاربعين ان تضخ حالة من الروح الاجتماعية بين الناس وتعيد اليهم شيئا من تواصلهم الاجتماعي الحقيقي البناء.
اما بالنسبة الى استثمار المناسبة في المجال التعبوي التأهيلي فاعتقد ان مناسبة الاربعين مناسبة جيدة لتكثيف حالة التبليغ الواعي للإسلام وبالتالي خلق جيل رسالي يتسلح بقيم الاسلام ويتأهل للعب ادوار رسالية تسهم في تغيير حالة الامة والنهوض بها اخلاقيا وسلوكيا وعباديا ومن ثم توسيع القاعدة الشعبية المؤمنة التي ستشكل مرحلة قد تكون مناسبة للتمهيد لظهور دولة العدل الالهي.
الدروس المستلهمة من مناسبة زيارة الأربعين.
الدروس تارة نستلهمها من وحي المناسبة واخرى نستلهمها من الانعكاسات الواقعية للمناسبة يعني المناسبة التي تحييها اليوم ترتبط بحوادث تاريخية بدأت من حين استشهاد الامام الحسين (ع) وانتهت بعد رجوع السبايا الى المدينة المنورة مرورا بكربلاء والاستلهام التاريخي من هذه الاحداث يحتاج الى كثير من التأمل والاستنطاق للنصوص التاريخية الواردة في هذا المجال اما الاستلهام المرتبط بالانعكاسات الواقعية للمناسبة وهي ترتبط بالإحياء المستدام لهذه المناسبة من خلال المشي والزيارة والمواكب فهو الذي يمكن من خلاله ان نطرح عدة نقاط :
1- ان هذا الاحياء يدل على قدرة المجتمع المؤمن في تجسيد المثل والقيم الرسالية مهما كلف ذلك من تضحيات ومهما تباعدت الازمان عن تلك الحوادث وهذا درس نموذجي نقدمه للاجيال اللاحقة التي ستكمل مسيرة الرسالة الايمانية.
2- ان هذه المناسبات تعبر عن الخزين المعنوي الذي لا ينضب لدى الأمة المؤمنة وهو خزين يكفي لتحصين هذه الامة امام العقبات مهما تضخمت وصعبت وبالتالي فان الاهتمام بهذه المناسبات يعد فريضة وواجب شرعي واخلاقي لإدامة حالة الصمود التاريخي للطائفة المحقة.