التضخم

الآثار السلبية للتضخم ومواجهتها الاقتصادية والفقهية (1) / د. شوقي أحمد دنيا

الاجتهاد: يعد موضوع التضخم والتقلبات السريعة والحادة في قيم العملات من القضايا الخطيرة اقتصادياً واجتماعياً، لما لها من تأثيرات سلبية حادة على مختلف الأصعدة؛ الفردية والجماعية وحتى الدولية.

وتشكل بالنسبة للكثير من الدول ظاهرة شبة متوطنة. ولهذه الظاهرة عواملها المتعددة، وقد حاول الاقتصاديون والسياسيون على مر الأعوام مواجهة هذا المرض بالعديد من الطرق والأساليب، وقد تفاوت النجاح من حالة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى، لكنها عموماً مازالت قائمة بل ومستفحلة في العديد من الحالات.

وسبق لمجمع الفقه الإسلامي الدولي أن تعامل مع هذه المشكلة، مركزاً على مواجهة آثارها، أو بالأحرى بعض آثارها، وهي الآثار التوزيعية التي تتعلق بالحقوق والالتزامات بين الأشخاص الطبيعية والاعتبارية، لما لذلك من انعكاسات قوية دينية. 

وفي هذه الدراسة نعرض لهذه القضية من عدة زوايا يمكن بلورتها فيما يلي: 

– إعطاء فكرة سريعة عن تعامل المجمع سلفاً مع هذه القضية حتى نبني على ما سبق ولا نعيد الحديث في المربع الأول منها.

– إشارة مختصرة ووافية عن آثار التضخم الاقتصادية والاجتماعية

– طرح موجز للمعالجة الاقتصادية لهذه الآثار. 

– طرح مفصل للحلول الفقهية لعلاج هذه الآثار. 

 

التضخم

الحلقة‭ ‬الأولى

علاقة مجمع الفقه الإسلامي الدولي بالموضوع

منذ أمد طويل تتعرض عملات الدول لهزات عنيفة، وإن كانت بنسب متفاوتة في قيمتها الشرائية، من جراء ما بات متوطناً في ربوع العالم مما يعرف بـ”التضخم”، ذلك المرض الاقتصادي الخطير ذو الآثار الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة على كل الأصعدة الجزئية والكلية والدولية.

ولهذا المرض أسبابه الموضوعية وغير الموضوعية المتجذرة في النظام الاقتصادي المعاصر، والتي تجعل القضاء على هذا المرض بالغ التعذر. ومما هو معروف أن هذا المرض يحدث اختلالات هيكلية في هيكل الإنتاج، وفي نمط التوزيع، وفي جسم العلاقات الاقتصادية الدولية.

ويكفيه سوءاً أنه إذا ما اشتد عصف بالقيم الحقيقية للعملات، وقضى على الوظائف الرئيسة للنقود، الأمر الذي يصيب الجهاز الإنتاجي، وبخاصة ما يتعلق بعمليات التمويل والاستثمار والتجارة، بما يشبه الشلل. 

وقد أخذ علماء الاقتصاد منذ زمن يحذرون من هذا المرض ويقدمون النصيحة تلو النصيحة لمواجهته وتجنيب الأفراد والدول شر ويلاته، من خلال معالجة أسبابه من جهة ومعالجة آثاره من جهة أخرى.

ولما كان الإسلام شديد الحرص على استقرار وازدهار الحياة الاقتصادية وعلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الكفاءة الإنتاجية والعدالة التوزيعية، ولما كان شديد الاهتمام بالحفاظ على أموال الناس، وعدم إيقاع ظلم أو ضرر على أي طرف من جراء تعاملاته الاقتصادية والاجتماعية.

فقد أقام تشريعاته على أساس تجنيب المجتمعات هذا المرض، وكذلك علاج آثاره إذا ما وقع، بما يحقق العدل ويرفع الظلم عن الناس في تعاملاتهم. وكان لابد من التعرف على تلك التشريعات، والعمل على تحكيمها في دنيا الناس.

وهنا وجد مجمع الفقه الإسلامي الدولي نفسه وجهاً لوجه أمام هذا التحدي الكبير الذي عليه أن يتعامل معه بكل جدية. وإحقاقاً للحق لقد كان المجمع على مستوى المسئولية، فسرعان ما شمر عن ساعد الجد وحشد العشرات من الفقهاء والاقتصاديين لبحث هذه القضية والوصول فيها إلى أفضل المواقف من الناحية الشرعية والاقتصادية.

وفتح ملف هذه القضية مبكراً في السنى الأولى من وجوده في دورته الثالثة عام 1987م، وتابع النظر الجاد فيها خلال العديد من دوراته اللاحقة والتي امتدت لما يزيد عن عقد من الزمن. وكبر ملف قضية التضخم وتغير قيمة العملة، وتزايدت صفحاته إلى الحد الذي أجزم بأنه الملف الأكبر بين كل الملفات التي فتحها المجمع لمختلف القضايا، ويكفي أن نعلم أن دورته الثالثة احتوت على تسعة بحوث في الموضوع،

ثم في دورته الخامسة وبعد عام واحد فقط جاءت متضمنة اثني عشر بحثاً في نفس الموضوع، وقد حفلت هذه الدورة بمشاركات جادة ومناقشات حامية من ثلة من كبار فقهاء العصر، وانتهت تلك الدورة بالقرار رقم (4) الذي ينص على أن “العبرة في وفاء الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بعملة هي بالمثل وليس بالقيمة، لأن الديون تقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار” ولتوضيح مضمون هذا القرار نقول إن الكثير من التعاملات تولد حقوقاً والتزامات آجلة.

وفي ظل وجود هذا التضخم الكبير فإن القيمة الحقيقية لهذه الالتزامات تختلف كثيراً عند الأداء عنها عند ثبوتها، فما المعول عليه عندئذ؟ هل تؤدى بمثلها “عددها من جنيهات أو دولارات …الخ” مهما كانت قيمتها متدنية؟ أم تؤدى بقيمتها التي كانت عليها حين ثبوتها، بغض النظر عن عدد الوحدات النقدية؟

وبالمثال يتضح المقال؛ لشخص على آخر ألف جنيه، وعند السداد انخفضت القوة الشرائية للنقود بمقدار النصف، فما الذي عليه أن يسدده؟ أيسدد ألفاً في حين أنها في الحقيقة المالية هي خمسمائة؟ أم يسدد ألفين هي في قوتها المالية ألف فقط؟ هذا هو السؤال.. وكانت إجابة المجمع، طبعاً بغير إجماع، هي التعويل على المثلية، أو بعبارة أوضح على عدد وحدات النقود محل الحق والالتزام. وقد تضمن القرار النص صراحة على عدم جواز ما يعرف بالربط القياسي.

ولخطورة القضية ولشدة وقعها العملي فإن ملف بحثها لم يغلق عند ذلك، بل أكاد أقول إنه قد فتح تواً وتطورت إشكالية البحث شاملة؛ ماذا يمكن عمله عند ثبوت الحق أو الدين في الذمة تحوطاً لما قد يحدث مستقبلاً قبل سداده؟ وماذا يمكن عمله إذا ما وقع بالفعل تغير القيمة أو القوة المالية للنقود عند السداد، ولم يكن شيء من التحوط لذلك قد حدث عند ثبوت الحق؟

وفي عام 1993م أقام المجمع ندوة مشتركة مع البنك الإسلامي للتنمية بمدينة جدة تحت عنوان “قضايا العملة” شارك فيها لفيف من الفقهاء والاقتصاديين وفي ضوء النتائج التي أسفرت عنها، أصدر المجمع في دورته التاسعة في أبوظبي عام 1995م قراراً برقم 93/6 بأن يعقد المجمع بالتعاون مع إحدى المؤسسات المالية الإسلامية ندوة متخصصة يشارك فيها لفيف من الاقتصاديين مع الفقهاء لدراسة هذه القضية والوصول فيها إلى قرار يحوز القبول الشرعي والاقتصادي.

وقد قام بنك فيصل الإسلامي بالبحرين برئاسة الأستاذ نبيل نصيف بمهمة التعاون مع المجمع في عقد هذه الندوة التي رؤي أن تنظم ثلاث حلقات مستقلة، تغطي كل حلقة جانباً من جوانب القضية، وعقدت الحلقة الأولى بمدينة جدة بمقر البنك الإسلامي للتنمية عام 1995م، وقد تولت هذه الحلقة بحث الجانب النظري الاقتصادي في القضية.. من تعريفات وسياسات، وكل ما يقدم تصوراً اقتصادياً نظرياً وعملياً واضحاً لهذه القضية لدى الفقهاء. 

وفي عام 1996م عقدت الحلقة الثانية بماليزيا، وخصصت لدراسة آثار التضخم الاقتصادية والاجتماعية والمعالجة الاقتصادية لها. 

وفي عام 1999م عقدت الحلقة الثالثة والأخيرة بالبحرين، وخصصت لطرح الحلول الفقهية لمعالجة آثار التضخم. وقدمت في هذه الحلقة العديد من البحوث الرصينة ذات القيمة العلمية العالية.

وختمت بعدة توصيات تتعامل مع القضية عند نشوء الدين، وأجازت للعاقدين عند توقع هبوط قيمة العملة أن يكون التعامل بشيء آخر، والمهم ضرورة أن يكون الوفاء بالعملة التي وقع بها القرض نفسه، وعند وقت السداد إذا وقع تضخم قررت إلغاء اليسير، أما التضخم الكبير فيلجأ فيه إلى الصلح، وإلا فالتحكيم، وإلا فالقضاء، ونصت على عدم جواز ربط الديون عند إبرام العقد بأي شيء من تكاليف المعيشة أو ذهب أو سلعة أو عملة حسابية أو غير ذلك، مع العلم بأن هذه الحلقة وغيرها قد قررت جواز ربط الأجور والإجارات ربطاً قياسياً. 

لكن أمر القضية لم يحسم بعد لأن أعمال هذه الحلقات ونتائجها وتوصياتها نقلت برمتها إلى مجلس المجمع في دورته الثانية عشرة عام 2000م في مدينة الرياض للنظر فيها واتخاذ ما يراه من قرارات مجمعية حيال ما توصلت إليه، وبالفعل تم عرض ذلك كله في هذه الدورة وطرحت فيها عدة بحوث في الموضوع، وفي الأخير كان القرار بعدم جواز الربط عند نشوء التعامل بأي صيغة من صيغ الربط؛ اللهم إلا في حالات الأجور والإجارات، وجواز أن يتم التعاقد بعملة لا يتوقع هبوط قيمتها، ولم يتعرض القرار للحالات التي يحدث فيها التضخم بعد نشوء الدين وقبل السداد.

وما الذي يجوز عمله عندئذ وما الذي لا يجوز، كما سبق أن تعرضت الحلقة الثالثة من صلح إلى تحكيم إلى قضاء، ورأى المجمع تأجيل البت فيها لدورة قادمة، كان هذا عام 2000م وحتى الآن (2019م) لم تدرج هذه القضية على أعمال أية دورة.. مع أن المسألة باتت جلية واضحة، ففي نهاية المطاف في الحلقة الثالثة تنوعت المواقف الفقهية حيال العديد من الحلول الشرعية. 

وما كان على المجمع إلا أن يقر بعض هذه الحلول أو يقرها كلها أو يرفضها كلها أو على الأقل يختار الحل الذي اختير من قبل في الحلقة الثالثة، وكان بذلك قد أغلق ملف القضية بدلاً من تركها معلقة هكذا رغم أنها وصلت إلى نهاية المطاف ولسنا في حاجة إلى بحوث جديدة.

وقد يرد هنا تساؤل: لماذا احتاجت هذه القضية إلى كل هذا العناء والعصف الفكري؛ الفقهي والاقتصادي الذي لم ينجح بعد في غلق ملفها؟.

والجواب عن ذلك أن هذه القضية بالغة التعقيد على المستوى الفقهي وعلى المستوى الاقتصادي؛ فمن الناحية الفقهية تقع في مثلث شائك إلى آخر مدى، وهو مثلث الربا، والغرر الفاحش في معاملات مالية على سبيل المعاوضة، والظلم وأكل المال بالباطل، وأي حل لها يراعي زاوية قد يقع في بقية الزوايا، ثم إن تحقيق الابتعاد عن هذه الموبقات لا يسلم تماماً في أي حل، ويكفي أن نعلم أن من يقول بمراعاة التغير في قيمة العملة يستند إلى أن ذلك هو العدل.

وتجنب الربا، وتجنب الغرر، ومن يقول بعدم الاعتداد بالتغير يستند إلى تلك الحيثيات تماماً، فيرى فيه الابتعاد عن الربا والغرر والظلم. وإذا دققت النظر تجد لكلٍّ وجهة، ولذلك عندما عرض على الفقهاء القدامى شيء قريب من هذه القضية اعترفوا بما فيها من تعقيد وبما تحمله من اشتباه قوي، ومن ثم عدم المجازفة بالقول الفصل فيها. 

ومن الناحية الاقتصادية وجدنا الاختلاف الشديد بين الاقتصاديين حيال الحلول المواجهة لآثار التضخم، وبخاصة ما يتعلق بما يعرف بالربط القياسي، ثم وجدنا الوقائع العملية الناجمة عن تطبيق هذا الحل؛ بعضها يؤيده، وبعضها يفنده ويعزو له العديد من المثالب، لهذا ولغيره لا عجب في أن أخذ بحث هذه القضية هذا العناء الكبير، ومع كبره لم يتمكن من حسم القضية حسماً ينال رضا الأغلبية من فقهاء واقتصاديين.

وبحكم مشاركتي في كل تلك الجهود المجمعية حول هذه القضية فقد يكون من المفيد الإشارة إلى أنه شارك في تلك الجهود لفيف كبير من كبار الفقهاء المعاصرين من كل البلاد الإسلامية، يعدون بالعشرات، وكذلك شارك فيها كبار رجال الاقتصاد الإسلامي وعدد غير قليل من الاقتصاديين الوضعيين، وفي كثير من الحالات تكررت وتنوعت وتعددت مشاركة الشخص الواحد من فقهاء واقتصاديين، وتجاوز ملف القضية الألفي صفحة، وهي ثروة علمية فقهية واقتصادية لا تقدر بثمن، وحبذا لو حررت وطرحت أمام الباحثين وغيرهم في مؤلَّف مستقل تسهيلاً للإفادة العلمية والعملية.

المبحث الأول: آثار التضخم الاقتصادية والاجتماعية

إذا سلّمنا بخصوصية التضخم على مستوى الدول فإننا نسلم أيضاً بخصوصية التضخم على مستوى الأفراد، من حيث الشعور والتأثر به، سلباً أو إيجاباً، فالتضخم وإن مثَّل ظاهرة عامة في المجتمع إلا أنه من حيث آثاره يختلف من شخص إلى آخر، بل لا نبالغ إن قلنا إن الشخص الواحد عادة ما يكون تأثره بالتضخم ساراً من جهة وسيئاً من جهة أخرى. 

إن مشكلة التضخم تعني في جوهرها تغيراً في الأسعار النسبية، بمعنى أن أسعار بعض السلع والخدمات قد ارتفعت بمعدلات تفوق معدلات ارتفاع البعض الآخر. ومن هنا يختلف تأثر أفراد المجتمع بالتضخم، كما يتأثر النمو الاقتصادي في المجتمع وهياكله الاقتصادية بوجه عام(1). 

ومهما يكن من أمر فإن للتضخم آثاره العديدة على الاقتصاد القومي من جهة، بل وعلى السلوكيات والأنماط الاجتماعية للأفراد من جهة أخرى.

ومن الناحية القومية أو الكلية فإن آثار التضخم الاقتصادية هي آثار ضارة على العديد من المتغيرات الاقتصادية، ومع ذلك فإن الأدب الاقتصادي المعاصر شهد جدالاً حول بعض الآثار الاقتصادية المفيدة للتضخم على المستوى الكلي،

فقد ذهب فريق من الاقتصاديين إلى أن للتضخم في ظل ضوابط معينة آثاراً حميدة على عملية التنمية الاقتصادية، لكن جمهور الاقتصاديين لم يذهب هذا المذهب، مبرهناً على صدق موقفه ببراهين منطقية نظرية وبراهين عملية واقعية، متوصلاً من ذلك إلى أن التضخم يمارس أثراً سلبياً على عملية التنمية، ونحن هنا في غنى عن استعراض تلك المجادلة، لاسيما وأن الفكر الاقتصادي المعاصر قد أضرب صفحاً عنها وبات على قناعة قوية بالتأثير السلبي للتضخم على عملية التنمية(2).

وحتى يمكننا الإحاطة الجيدة بأبعاد وجوانب تأثير التضخم على الجوانب الاقتصادية والجوانب الاجتماعية، فسوف نتناول هذه الجوانب في فقرات مستقلة على النحو التالي:

1- الآثار الاقتصادية للتضخم: 

داخل النطاق الاقتصادي يمكن التمييز بين الأبعاد التالية من حيث أثر التضخم حيالها.

(أ) الأثر التوزيعي:

يعد هذا الأثر أشهر الآثار الناجمة عن التضخم، والتي حازت نصيب الأسد في البحث والدراسة الاقتصادية، وهذا الأثر كما يصنف على أنه أثر اقتصادي يصنف وبنفس القوة على أنه أثر اجتماعي.

ومن المعروف أن هذا الأثر له مستوياته الرأسية والأفقية؛ فمثلاً نجده يتغلغل في العلاقة بين الحكومة من جهة والأفراد من جهة أخرى، كما يتغلغل في العلاقات بين الأفراد؛ بين المقرضين والمقترضين، وبين العمال وأصحاب الأعمال، وبين الريفيين والحضريين، بل وبين القطاعات الاقتصادية وبعضها..

وفيما يلي عرض مبسط موجز لمجمل تلك الآثار:

المقرضون والمقترضون(3): 

شاع القول إن التضخم يجلب ضرراً على المقرض ويحقق نفعاً للمقترض، حيث إنه يعني تدهور القوة الشرائية “القيمة الحقيقية للنقود” ومن ثم فإن ما دفعه المقرض للمقترض ابتداء لن يأخذه حقيقة عند الأداء، وإنما سيأخذ نقوداً مريضة متدهورة القوى.

وجادل البعض في صدق ذلك، على اعتبار أن الذي أحدث ذلك هو التضخم وليس عملية الإقراض في حد ذاتها، فالنقود كان سيلحقها ذلك التدهور.. أقرضت أم لم تقرض. ونحن نرى أن المقرض قد لحقه الضرر من جهتين اثنتين؛ من جهة التضخم أولاً، ومن جهة الإقراض ثانياً، إذ كان عند حدوث التضخم له أن يحصن ثروته بتغيير شكلها لو لم تكن مقترضة خارجة عن قدرته.

وعلينا هنا أن نشير إلى أننا نتحدث عن قرض حسن، أما القروض الربوية فإن لحوق الضرر فيها بالدائنين يتوقف على مقدار الفائدة من جهة، وعلى كون التضخم متوقعاً أو غير متوقع من جهة أخرى، وفي حال توقعه فهل ما حدث فعلاً هو ما كان متوقعاً أم أقل أم أكثر، وأحياناً ما يستفيد الدائنون وأحياناً لا يتأثرون، وهناك لَبْس ينبغي إزالته في هذا المقام، حيث أحياناً ما ينظر إلى الشخص الدائن ويقال إنه قد أضير من جراء التضخم وأصبح أفقر من الأول، والأمر ليس على إطلاقه، فقد يكون الدائن هذا مديناً من ناحية أخرى بمقدار أكبر، ومن ثم فإن مركزه المالي يتحسن بدلاً من أن يسوء، معنى ذلك أن الموقف النهائي يتقرر في ضوء نوعية الأصول المملوكة لكل فرد من جهة ومقدار الديون التي عليه من جهة أخرى. 

العمال وأصحاب الأعمال(4):

عادة ما يكون التضخم متحيزاً لأرباب الأعمال على حساب العمال، حيث ترتفع أسعار السلع المختلفة، مما يعني مزيداً من الأرباح، بينما الأجور عادة ثابتة، وحتى لو تحركت إلى أعلى فإن ذلك يكون جزئياً من جهة، وبطيئاً من جهة أخرى، مما يعني أن دخولهم الحقيقية قد تدهورت، أي أن هيكل التوزيع قد اختل.

ونبادر إلى القول بأن ذلك يتوقف – كما سبقت الإشارة – على: هل التضخم متوقع أم لا، وعلى مقدرة العمال على تعديل هيكل أجورهم بما يتمشى مع التضخم المتوقع. 

وهناك من يذهب إلى أنه في بعض الحالات نجد العكس، حيث يتحسن مركز العمال على حساب مركز أصحاب الأعمال، وذلك إذا كانت السوق منافسة شديدة، بحيث لا يستطيع المنتج أو رب العمل رفع سعر مبيعاته، ومهما يكن من أمر فإن التضخم يحدث خلخلة في هيكل التوزيع القائم على مستوى العمال وأرباب العمل بغض النظر عن مداه واتجاهه. 

وبالطبع فإن أصحاب المعاشات، ويلحق بهم كل صاحب دخل ثابت، يضارون من التضخم، حيث تقل دخولهم الحقيقية في غمرة التضخم. 

الريفيون والحضريون(5):

يشير البعض إلى أن التضخم يحقق مزايا للريفيين، حيث ترتفع أسعار منتجاتهم، بينما نفقاتهم متدنية عادة، لكنه عند التحقيق فإن الأمر قد يكون على خلاف ذلك، حيث عادة ما ترتفع أسعار السلع الصناعية في فترات التضخم بمعدلات أعلى، مما يعني أن الفلاحين يضارون حقيقة من التضخم، وفي نظرنا أنه لا يمكن التعميم، وإنما ينبغي دراسة كل حالة على حدة. 

التضخم وفئات الثروة والدخل في المجتمع(6)

ما أثر التضخم على كل من الفقراء والأغنياء والفئة المتوسطة؟ الدراسات التطبيقية في ذلك متضاربة، بعضها ذهب إلى أن الفقراء أشد الفئات تضرراً، وبعضها يذهب إلى العكس، وهناك من يرى أن أقل الفئات تضرراً من التضخم هي الفئات متوسطة الدخل.

وهناك ملاحظات عديدة حول تلك الدراسات لذلك ينبغي أن تؤخذ نتائجها بقدر كبير من الحذر(7).

الأثر التوزيعي بين الحكومة والأفراد(8): 

من المعروف في معظم الحالات أن الحكومة هي أكبر مدين في المجتمع، وقد سبق أن أشرنا إلى أن التضخم عادة ما يفيد المدين على حساب الدائن، ومعنى ذلك أن الحكومة مستفيدة، إن لم تكن أكبر المستفيدين من التضخم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي تستفيد لأن نظام الضرائب على الدخل مبني على الدخل الاسمي وليس الدخل الحقيقي، ومن المعروف أن الدخل الحقيقي بعد فرض الضريبة ينخفض، وبذلك يجد المكلف نفسه داخلاً ضمن شريحة ضريبة حدية أعلى.

وهكذا نجد الدخل ينتقل عبر قناتين من الأفراد إلى الحكومة، ولعل في ذلك ما يبرر ولو جزئياً عدم إبداء الحكومات الاهتمام الكافي بمواجهة التضخم، إضافة إلى ما هنالك من بقية قناعة بأن التضخم قد يكون ضرورياً لعملية التنمية، وللمحافظة على مستوى عال من العمالة.

خلاصة القول: 

يعد أسوأ أثر اقتصادي بل واجتماعي للتضخم أثره على توزيع الدخل والثروة بين طبقات وفئات المجتمع والذي يرتكز على الاختلاف في مدى مواءمة الدخول للتغير في الأسعار، فمنها ما يتغير ببطء، ومنها ما هو ثابت، ومنها ما هو سريع التغير إلى أعلى، ومعنى ذلك إصابة بعض أفراد المجتمع بخسارات مؤكدة قد تكون جسيمة، واستفادة البعض الآخر استفادات قد تكون بالغة الكبر، ومن ثم يهتز بعنف هيكل توزيع الدخل والثروة في المجتمع، وغالباً ما يتمخض عن ذلك مزيد من التفاوت واتساع الفجوة بين فئات المجتمع.

(ب) الأثر الإنتاجي(9):

أثر التضخم على الإنتاج متشعب تشعب أثره على التوزيع سواء بسواء، فله تأثيره في هيكل الإنتاج، وفي حجمه ونموه، ويمارس تلك الآثار من خلال تأثيراته في عمليات الادخار والاستثمار، وفي الرغبة في العمل، وفي الإنتاجية، وفي مستوى الدخل، وفي تخصيص الموارد، وفي غير ذلك. وفما يلي نعرض لتلك الجوانب..

التضخم وهيكل الإنتاج القومي:

نظراً لاختلاف الأصول في تأثرها بالتضخم فإنه عادة ما يجري تغيير كبير في هيكل الإنتاج القائم، متجهاً ناحية المجالات والقطاعات والأصول المستفيدة، تاركاً ما سواها، ومن المؤلم أن تلك القطاعات المتروكة هي قطاعات مهمة لتنمية المجتمع وتوسيع طاقاته الإنتاجية، بينما القطاعات التي يزداد الإقبال عليها هي قطاعات استهلاكية كمالية، وكذلك قطاعات مضاربية في الأراضي والمجوهرات.

والملاحظ أنه في كلا القطاعين سوف تحدث مشكلات تؤدي في النهاية إلى بطء عملية النمو الاقتصادي، معنى ذلك أن التضخم يشوه من هيكل الإنتاج الذي ينعكس في النهاية في تخفيض حجمه، ناهيك عن نموه، ومن ثم يتولد وضع يؤدي إلى التضخم واستمراريته.

التضخم وتخصيص الموارد: 

للتضخم أثره السلبي على تخصيص الموارد، ويتضح ذلك من تأثيره السلبي على جهاز الأسعار ومنعه من قيامه بوظائفه على الوجه المُرضي، حيث لا يمكن تقديم معلومات جيدة عن الأسعار النسبية، سواء حيال بعض السلع وبعضها الآخر، أو حيال السعر الحاضر في مواجهة السعر في المستقبل، مما يعرقل التخصيص الأمثل للموارد.

ومن ثم يدني من كفاءة الاقتصاد القومي في كل ذلك، بالإضافة إلى ما تحدثه الضرائب المتزايدة إبان التضخم من تشويه هيكل الاستثمار وتخصيص الموارد، الأمر الذي ينعكس في النهاية على تدني كفاءة الاقتصاد القومي.

التضخم والادخار والاستثمار والرغبة في العمل: 

عادة ما يمارس التضخم دوراً سلبياً على تلك المتغيرات، ورغم ما هنالك من دعاوى بأن التضخم يرفع من معدل الادخار، حيث يحول الدخول من الفئات الفقيرة إلى الفئات الغنية، فإن الدراسات العملية برهنت على ما للتضخم من آثار سلبية على المدخرات القومية، خاصة مدخرات القطاع العائلي والقطاع الحكومي، ومهما يكن من أمر فإن تحديد الأثر النهائي للتضخم على المدخرات من خلال نوعيها؛ الاختيارية والإجبارية، يتوقف على كل حالة بذاتها(11).

ومن الملاحظ أن التضخم يزيد من حالة عدم التأكد، ومن ثم تتوقف العقود الاستثمارية طويلة الأجل، ويعاد تخصيص الموارد لغير صالح الكفاءة والنمو(12).

(ج) أثر التضخم على القطاع الخارجي وميزان المدفوعات(13): 

يؤثر التضخم على هذا القطاع من خلال تأثيره في الصادرات وفي الواردات وفي سعر الصرف وفي القدرة على جذب الاستثمارات الخارجية، وكذلك في القدرة على خدمة الديون الخارجية. وبوجه عام يمكن القول إن أثر التضخم هنا سلبي بشكل واضح.

وبما أن التضخم يترجم في ارتفاع الأسعار في الداخل فإن معنى ذلك اختلال الأسعار النسبية بين السلع المحلية والسلع الأجنبية، مما يعني أن السلع الأجنبية باتت رخيصة نسبياً، ومن ثم يزيد الطلب عليها، الأمر الذي يتجسد في النهاية في زيادة الواردات، ويظهر ذلك بوضوح عندما تكون مرونة الطلب السعرية على الواردات مرتفعة، وعدم تدخل الدولة في الاستيراد.

ويمارس التضخم أثره العكسي على الصادرات، حيث يضعف القدرة التصديرية للاقتصاد القومي من خلال ارتفاع أسعار الصادرات من جهة، وربما يقلل الجزء المخصص للتصدير من جهة أخرى.

وكذلك يؤثر التضخم على سعر الصرف الأجنبي، حيث يؤدي إلى تدهوره، وذلك نتيجة منطقية لتزايد الوارد وقلة الصادر، وفي النهاية قد لا تجد الدولة مفراً من التخفيض الإداري لسعر صرف عملتها في مواجهة العملات الخارجية، مما يترتب عليه العديد من المشكلات، وقد لا يحقق في أغلب الحالات ما يرجى منه من علاج العجز المتزايد في ميزان المدفوعات(14).

ومن المهم إدراك أن التضخم يؤثر سلباً على قدرة الاقتصاد على جذب رؤوس الأموال الأجنبية، لما له من أثر سلبي على كفاءة الاقتصاد القومي في مواجهة الاقتصادات الأخرى، ومرجع ذلك ما يمارسه على جبهة النفقات من زيادة ومن ثم تدني الأرباح، الأمر الذي يزهد المستثمر الأجنبي في إدخال رؤوس أمواله، إضافة إلى ما يحدثه من أثر سلبي على سعر الصرف ومن ثم في تخفيض تحويلات أرباح الاستثمارات للخارج(15).

(د) أثر التضخم على قيمة النقود: 

ربما كان هذا الأثر من أوضح الآثار للتضخم، إن لم يصل إلى أن يكون هو عين التضخم لا أثراً له.

والأمر هنا يحتاج منا بعض التوضيحات، لاسيما ونحن نعرف أن هناك تضخماً صريحاً وتضخماً مكبوتاً، فهل تتدهور قيمة النقد حتى في حال التضخم المكبوت؟ وهل لو ارتفعت الأسعار المطلقة للسلع بنفس النسبة مما يعني ثبات الأسعار النسبية.. هل في تلك الحال تنخفض قيمة النقود؟ وهل في الحقيقة الذي يتدهور هي قيمة النقد أم القدرة الاقتصادية لبعض الأشخاص في المجتمع؟

ما يمكن قوله في هذه الدراسة إن التضخم أياً كان نوعه؛ ظاهراً أو مستتراً، يؤثر سلباً على قيمة النقد، حيث لن يتمكن الناس في ظل الرقابة على الأسعار من شراء السلع والخدمات التي تسمح بها الأرصدة النقدية التي بأيديهم، وذلك لتدني حجم الإنتاج، لعدم وجود دوافع لدى المنتجين للإنتاج والمزيد منه(16).

أما ارتفاع الأسعار المطلقة بنفس النسبة فمعناه انخفاض القوة الشرائية للنقود مع عدم انخفاض القدرة الشرائية لحائزي النقود، لأن دخولهم النقدية قد ارتفعت بنفس نسبة ارتفاع مستوى الأسعار، وتلك حالة نظرية، حيث عادة ما تتفاوت معدلات ارتفاع أسعار السلع والخدمات، مما يعكس اختلال الأسعار النسبية، ومن ثم اختلال القدرات الاقتصادية لحائزي النقود، بعضها بالزيادة وبعضها بالنقص.

ومعنى ذلك أن ارتفاع الأسعار “التضخم” لا يترجم بدقة جوهر انخفاض القوة الشرائية للنقود في المجتمع بوجه عام، حيث إن النقود الموجودة لدى زيد عادة ما يكون تأثير التضخم عليها مغايراً للنقود الموجودة لدى عمرو(17)، وخاصة أنها نقود رمزية ليست لها قيمة ذاتية مثل النقود المعدنية، ومع كل ذلك فمما لا جدال فيه أن التضخم كلما أخذ في العنف والتزايد فإنه يفقد بالتدريج النقود وظائفها التقليدية المعروفة كمخزن للقيمة ووسيلة للمدفوعات الآجلة، بل ووسيط للمبادلة، ويدفع الاقتصاد دفعاً للانهيار النقدي والعودة إلى نظام المقايضة وتغيير العملة(18).

وقد حدث ذلك كثيراً في التاريخ الحديث بل والوسيط.

2- الآثار الاجتماعية للتضخم(19):

في الحياة العملية عادة ما تتداخل وتتشاجر الظواهر الاقتصادية مع الظواهر الاجتماعية، بحيث نجد من الصعب التمييز بينهما خاصة على مستوى الآثار وكذلك الأسباب، ومع ذلك ولأغراض البحث العلمي من المعتاد التمييز بينهما. 

لقد أسهب الاقتصاديون في تناول ودراسة التضخم من النواحي الاقتصادية، موضحين بتفصيل وتحليل ما له من آثار على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية، بينما الدراسة الاجتماعية للتضخم على ما لها من أهمية قد تكون أكبر من أهمية الدراسة الاقتصادية لم تجئ على هذا المستوى، مع أننا نسلم بأن جذور الظواهر الاقتصادية هي جذور اجتماعية في غالب الأمر.

ومهما يكن من أمر فإن كل ما قيل عن الآثار الاقتصادية للتضخم هي عند التأمل والتحقيق آثار اجتماعية، أليس الاختلال الهيكلي في نمط التوزيع القائم للدخول والثروات يصيب في الصميم النسق الاجتماعي القائم!! والحال كذلك على مستوى هيكل الإنتاج والاستثمارات وما يحدثه التضخم من اختلالات جوهرية، الصدى الاجتماعي له من الخطورة بمكان.

ولعل ذلك يفسر لنا ما ذهب إليه بعض الكتاب من اعتبار التضخم “جريمة اجتماعية”(20)، وفي الفقرات التالية ندلي ببعض التوضيح حول هذه المسألة.

(أ) التضخم وحدة التمايز الاجتماعي:

هناك في غمرة الموجات التضخمية تزداد فئات في المجتمع ثراءً، بينما تزداد فئات أخرى سوءاً على سوء، بل نجد ذلك داخل كل فئة وطبقة اجتماعية.. هذه الحدة في التمايز تحدث المزيد من الآثار الاجتماعية والنفسية والسلوكية لكلا الفئتين التي تهدد نسيج المجتمع وكيانه وتعرضه للدمار.

(ب) التضخم وهجرة الكفاءات والأيدي العاملة:

مادام الدخل الحقيقي لفئات عريضة من أفراد الطبقة المتوسطة يتعرض للتآكل إبان التضخم من جراء الارتفاعات السريعة المتتالية في أسعار السلع والخدمات مع عدم مواكبة الأجور لهذه الارتفاعات، فإن أعداداً غفيرة من هؤلاء يعملون جاهدين للهجرة الخارجية الدائمة والمؤقتة، وغير خاف ما تحدثه تلك الهجرة من آثار اقتصادية واجتماعية متنوعة وخطيرة.

(ج) انتشار الفساد الإداري:

في ظل اشتداد وطأة التضخم وجسامة آثاره يلجأ الكثير ممن أضيروا إلى أساليب منحرفة للتعويض عما لحقهم من أضرار، ومن ذلك تفشي الرشوة وشيوع الفساد الإداري، وذلك لأن معظم من يضار من التضخم هم أصحاب الدخول الثابتة، وهم عادة موظفو الحكومة، ومن ثم نجد المتاجرة بالوظائف والخدمات، ونجد التسيب وعدم الالتزام، وغير ذلك من السلوكيات الضارة اقتصادياً واجتماعياً التي تشيع وتنتشر، حتى تصبح ظاهرة عامة في السلوك ترقى إلى اعتبارها معياراً اجتماعياً مقبولاً عملياً.

(د) التضخم وتغير نظام القيم: 

في ظل التضخم لا تظل القيم والأنماط السلوكية على حالها، بل تتغير وتضطرب بعنف، ومن ذلك على سبيل المثال:

انتشار السلوك الاستهلاكي الترفي: 

في ظل التضخم يتزايد الطلب على السلع والخدمات، وتدخل الحلبة سلع جديدة لم تكن معهودة من قبل، فالجميع يحاول الهرب من النقود الآخذة في التدهور في قيمتها يوماً بعد يوم، وذلك بالمزيد من الإنفاق الاستهلاكي، وخاصة على السلع الترفيهية التي يزداد الطلب عليها مع ارتفاع أسعارها، وبالطبع فإن عامل التقليد يلعب دوره البارز لدى الفئات الجديدة التي تحسن وضعها الاقتصادي من جراء التضخم، وعموماً فإن العديد من الظواهر الجديدة السلبية تبرز وتشيع. 

تدهور قيمة العمل المنتج:

نتيجة لما يحدثه التضخم من استفادة بعض الفئات استفادات ضخمة وتحقيق المكاسب الطائلة دون بذل المزيد من الجهد والعمل فإنه يؤدي إلى إهدار متزايد للقيمة الاجتماعية للعمل المنتج في المجتمع، ويعمق المزيد من الإحساس بأنه لم يعد للعمل المنتج قيمة تذكر، بل إن العلاقة بينه وبين العائد تصبح عكسية، وكفى بهذا الإحساس، إذا ما شاع، مدمراً لكل عمل في سبيل تقدم المجتمع وتنميته(21). 

هذه باختصار شديد آثار ومخاطر التضخم، وقد رأينا أنها تصيب كل نسيج المجتمع وكل لبناته الاقتصادية والاجتماعية، ومن هنا لا غرو أن اعتبر التضخم جريمة اجتماعية ومرضاً عضالاً سريع الفتك. ولهذا نجد العديد والعديد من الجهود التي تبذل لمواجهته والقضاء عليه أو على الأقل تحجيمه وتعقيم ما يكون من آثاره.

 

المراجع

(1) د. رمزي زكي: مشكلة التضخم في مصر، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، ص475 وما بعدها. 

(2) لمزيد من المعرفة يراجع: د. سامي خليل: السياسات والنظريات النقدية والمالية، الكويت، ص516 وما بعدها. د. فؤاد مرسي، التضخم والتنمية في الوطن العربي، بيروت، ص87 وما بعدها. مالكولم جيلز وآخرون: اقتصاديات التنمية، ترجمة د. طه منصور ود. عبدالعظيم مصطفى، الرياض، دار المريخ، 1415ه‍، ص 543 وما بعدها. 

(3) مايكل ابدجمان: الاقتصاد الكلي، ترجمة د. محمد منصور، الرياض، دار المريخ، ص368 وما بعدها. د. باري سيجل: النقود والبنوك والتضخم، الرياض، ص59 وما بعدها. 

(4) باري سيجل، مرجع سابق، ص594 وما بعدها. د. نبيل الروبي، التضخم في الاقتصاديات المتخلفة، 1973، ص341 وما بعدها. 

(5) د. مصطفى رشدي، الاقتصاد النقدي والمصرفي، بيروت 1981، ص560. 

(6) د. رمزي زكي: مرجع سابق، ص296 – 353 وما بعدها، حيث يؤكد على أن التضخم في مصر تحيز للأغنياء على حساب الفقراء، كروين: التضخم، ترجمة د. محمد عزيز، 1981، ص36 وما بعدها. 

(7) نفس المصدر، ص39 وما بعدها. 

(8) باري سيجل، مرجع سابق، ص581 وما بعدها، البنك الدولي، تقرير التنمية في العالم 1989م، النسخة العربية، مؤسسة الأهرام، القاهرة، ص86. 

(9) لمعرفة موسعة بجوانب أثر التضخم على الإنتاج يراجع: د. رمزي زكي، مرجع سابق، ص517 وما بعدها. مايكل ابدجمان، مرجع سابق، ص375 وما بعدها. د. نبيل الروبي، مرجع سابق، ص335 وما بعدها. د. مصطفى رشدي، مرجع سابق، ص561 وما بعدها. باري سيجل، مرجع سابق، ص598 وما بعدها. 

(10) مالكولم جبلز، مرجع سابق، ص549 وما بعدها. د. محمد مبارك حجير، السياسات المالية والنقدية، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر، بدون تاريخ، ص191 وما بعدها. 

(11) مالكلوم جبلز، نفس المرجع، ص553. 

(12) راجع في ذلك: د. رمزي زكي، مرجع سابق، ص490 وما بعدها. 

(13) د. رمزي زكي، أزمة الديون الخارجية، رؤية من العالم الثالث، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1978م، ص567 وما بعدها. 

(14) وعلينا أن نعي شيئاً جوهرياً في هذه المسألة، وهو أن هناك علاقة جدلية بين التضخم والقطاع الخارجي، فكل منهما يؤثر في الآخر كما يتأثر به. 

(15) باري سيجل، مرجع سابق، ص557. 

(16) نفس المصدر، ص556. 

(17) نفس المصدر، ص559. د. مصطفى رشدي، مرجع سابق، ص562 وما بعدها، ركوين، مرجع سابق، ص43. 

(18) د. نبيل الروبي، مرجع سابق، ص337. 

R. J. Ball, inflation and the theory of money, London: Alen & Uniain, 1964, p. 262.

(19) لمعرفة موسعة يراجع: كروين، مرجع سابق، ص143 وما بعدها. د. رمزي زكي، مرجع سابق، ص581 وما بعدها. 

(20) د. مصطفى رشدي، مرجع سابق، ص558. 

(21) وإذا كانت العوامل الاجتماعية تمارس دورها الكبير في إحداث العملية التضخمية فإنه حالما توجد تلك العملية وتبدو هذه الظاهرة سرعان ما تمارس هي بدورها أثرها السلبي الذميم على كل النسيج الاجتماعي في المجتمع، ونحن ما زلنا نؤكد ونلح على أهمية دراسة العلاقة بين التضخم والعوامل والجوانب الاجتماعية، على مستوى كل من الأسباب والآثار.

 

* أستاذ الاقتصاد – عميد كلية التجارة (سابقاً) / جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky