خاص الاجتهاد: صدر حديثًا كتاب “شرح ثلاث رسائل في الجهاد: الأمان والصابئة والمهادنة” لآية الله السيد علي الخامنئي “دام ظله”. وقد تولى مهمة تأليف الكتاب المكون من 342 صفحة، فضيلة الشيخ محمد حسين البياتي.
وفقاً للاجتهاد، فإن بعض أبواب الفقه مثل الطهارة والصلاة والحج والخمس والبيع والخیارات والحدود والقصاص، تُدرس بشكلٍ متداول في المراكز العلمية. ويعود ذلك إلى أن العديد من المسائل الأصولية تُطرح وتُستخدم في هذه الأبواب، أو لأن بعض الأبواب كباب الحج، نظراً لكثرة الروايات فيها والجمع بينها تكوّن الفقيه والمجتهد، وتُعدّ من الأبواب التي تُنمي قدرات المجتهد. أما كتاب الجهاد، فنادراً ما يُناقش، ولا يُعتبر من المواضيع المتداولة في البحث الخارج. صحيح أن الطلاب يدرسون كتاب الجهاد في شرح لمعة بشكلٍ أولي، إلا أن هذا لا يكفي.
يحتوي كتاب “الجهاد” على مسائل فقهية وسياسية وعسكرية إسلامية بالغة الأهمية، لدرجة أن بعض فقهاء القانون المعاصرين، مثل البروفيسور حميد الله، وهو من أبرز فقهاء القانون في باكستان، عندما أراد عرض النظام القانوني الإسلامي بطريقة عصرية للعالم، ركز بشكل أساسي على المسائل المطروحة في كتاب الجهاد. ولا يقتصر كتاب الجهاد على معارك الاشتباكات فحسب، بل يتضمن العديد من المسائل التي تجد مكانها في القانون الدولي العام والخاص، والتي تم تناولها في كتاب الجهاد.
ومن بين بركات التي نالتها حوزة طهران العلمية، قيام سماحة السيد القائد بتدريس كتاب الجهاد. غير أنه قد قام بتأليف ثلاثة رسائل بنفسه، جمعها في كتاب “ثلاث رسائل في الجهاد”، تناولت مواضيع الأمان والهدنة والصابئة.
بدأ عميد جامعة “عدالت” فضيلة الشيخ محمد حسين بياتي وهو عضو مجلس خبراء القيادة، بتدريس هذا العمل القيم قبل عامين، وقد تم الانتهاء من كتابة الجزء الأول منه. ويقول الشيخ بياتي: إن كتاب الجهاد يتناول القواعد العامة التي تحكم العلاقات الدولية للدولة الإسلامية، وليس مقصودًا به الحرب بمعناها الخاص.
وقد أكد السيد القائد في مختلف أجزاء الكتاب على أهمية قدرة الجهاد وسعته. فعلى سبيل المثال، في رسالة “الأمان”، وهي أولى الرسائل الثلاث، أكد السيد القائد أن الأمان لا يقتصر على ميدان الحرب، وأن الأمان ليس مجرد تأسيس فقهي أو قانوني أو مؤسسي يقتصر دوره على ميدان الحرب، وأن يصدر من مواطني الدولة الإسلامية. وبالتالي، فإن الرسائل الجهادية الثلاث للسيد القائد تتناول جوانب لا تبدو حربية في ظاهرها، وهدفها الأساسي هو التوضيح والتبيين.
هذا وقد أُقيم مؤخرًا حفل إزاحة الستار عن كتاب “درسگفتار كتاب ثلاث رسائل في الجهاد” لآية الله السيد علي الخامنئي، بحضور المؤلف وسماحة الأستاذ الشيخ عباس الكعبي والأستاذ الشيخ حسين علي سعدي، و نخبة من أساتذة الجامعات والطلاب في جامعة الإمام الصادق (عليه السلام).
أربعة عشر عنصرًا مستنبطًا من الجهاد الحضاري
وألقى الأستاذ الشيخ عباس الكعبي في هذا الحفل الضوء على العلاقة بين كتاب الجهاد والقضايا القانونية والسياسية الدولية، مؤكدا أهمية هذا الموضوع. وتطرق إلى عدد من النقاط المهمة في هذا الكتاب، حيث تناول القاعدة الأساسية للعلاقة بين الدولة الإسلامية والدولة غير الإسلامية، وذكر أربعة آراء حولها:
1. الأصل هو الجهاد. 2. الأصل هو السلم. 3. الأصل هو الدعوة إلى الله تعالى. 4. الأصل هو الجهاد في سبيل الله.”
وأكد عضو مجلس خبراء القيادة، بأن العناوين الثلاثة الأولى المذكورة تندرج تحت مفهوم الجهاد، وأنها من الأحكام الاقتضائية ومن صلاحيات ولاية الفقيه. وذهب إلى القول بأن الأصل هو الجهاد في سبيل الله، ثم تطرق إلى إضافة صفة “الحضاري” إلى الجهاد واستيعاب واستنباط هذا المصطلح من جملة “الجهاد في سبيل الله”، وقدم شرحًا مفصلاً لأربعة عشر عنصرًا استنبطها من مفهوم الجهاد الحضاري، وهي كالتالي:
1- السعي الحثيث لتحويل ضعف الأمة الإسلامية إلى قوة شاملة في جميع المجالات.
2- جهد متكامل لتحويل التحديات التي يفرضها الأعداء إلى محفزات للنهوض.
3- اعتبار الدولة كأداة وليس كغاية، بدلاً من التركيز على الدولة والسلطة.
4- التطلّع إلى المثالية مع إدراك الواقع والتصرف بحكمة.
5-إزالة الحواجز والعقبات عبر الصراع مع الظالمين والمستكبرين والمستبدين، ودفع عجلة الصحوة الإسلامية لتذليل الصعاب أمام تحقيق الأهداف الإسلامية، وبناء قوة رادعة لمواجهة العدو اللدود.
6- الدعم والتوجيه لإيقاظ الصحوة الإسلامية، وإعادة بناء الأمة الإسلامية، وإحياء ثقافة المقاومة، وتجهيز الأمة للتقدم والازدهار.
7- تعزيز القيم والمبادئ الإسلامية ونمط الحياة الإسلامي في المجتمع الإسلامي من خلال حركة تعليمية وتثقيفية لمواجهة الهجمة الشرسة لتغريب المجتمع.
8- مواجهة التخلف والسعي لتحقيق التقدم العلمي للأمة الإسلامية، وفتح آفاق جديدة في المعرفة والتقنية.
9- مواجهة الفتن الداخلية والمؤامرات المركبة التي يحيكها الأعداء، وتعزيز وحدة الأمة الإسلامية ومكافحة الجهل والخيانة والتدخلات التي تستهدف تفكيك بنياننا الداخلي.
10- تحويل الأمة إلى قطب علمي متقدم ومتوافق مع المتطلبات الدينية والعصرية، والسعي لتعويض التخلف التاريخي ونشر الحقائق الدينية والمساءلة.
11- الالتزام بالقيادة الإلهية والفكرية
12- بناء هياكل تنظيمية داخل الأمة الإسلامية على المستوى الدولي مثل اتحاد دول المقاومة واتحاد الشباب واتحاد النخب، وحشد الأمة للمشاركة في الجهاد.
13- تعزيز استقلال الأمم وتحريرها من التبعية للنظام الاستعماري
14- تعزيز التواصل مع أحرار العالم والتفاهم والتعاون معهم على أساس بناء نظام دولي جديد.
وفي الختام، اعتبر أستاذ البحث الخارج في الفقه والأصول بحوزة قم العلمية “عقد الأمان” أحد الأركان الأساسية لهذه النظرية، وبهذا أنهى كلامه.
الحاجة الملحة إلى صياغة استراتيجية شاملة للعلاقات الدولية للجمهورية الإسلامية
وفي كلمته خلال الحفل، أبرز سماحة الشيخ حسينعلي سعدي تميز كتاب “ثلاث رسائل في الجهاد” بوجود هندسة ذهنية وانتظام فكري لدى السيد القائد “دام ظله”، بالإضافة إلى تجربته العملية في الميدان التنفيذي والجهادي، وأكد على أهمية الاستفادة من هذه الرؤية الشمولية والمعرفة العميقة بالجوانب المختلفة في مجال النظرية العلمية، بحيث يتم استخلاص القواعد المتناظرة في مجالي القانون الدولي والعلاقات الدولية، ومن ثم إنتاج استراتيجيات للجمهورية الإسلامية في مجال العلاقات الدولية.
ثمَّ توجَّه عضو مجلس خبراء القيادة بتوجيهين إلى الباحثين الحاضرين لتحديد الخطوات القادمة:
الأول، التركيز على القضايا المطروحة في مجالَي القانون الدولي والعلاقات الدولية، وإجراء دراسات أكاديمية متخصصة للاستفادة منها في الأوساط الأكاديمية وتوفير المواد اللازمة لبناء نظريات جديدة في هذين المجالين.
الثاني التركيز على الجوانب الفقهية التقليدية وتوضيح الأفكار والابتكارات الفقهية التي طرحها قائد الثورة، مع مقارنتها بالأسس والمباني الأصولية و الفقهية التي طرحها فقهاء آخرون.
وقد وصف المؤلف كتاب الجهاد بأنه مكان طرح القواعد العامة للقانون الدولي الإسلامي، كما أن كتاب البيع هو مكان طرح القواعد العامة للعقود، وقال: والسبب في ذلك أن أيا من الرسائل الثلاث في كتاب “ثلاث رسائل في الجهاد” ليس عن الحرب، وربما قصد المؤلف عمدًا بيان تلك القواعد العامة، فوضع هذه الرسائل الثلاثة والمناقشات الثلاثة في الأولوية.
وقال هذا العضو في مجلس خبراء القيادة، مستشهدًا بواقعة تفاعله مع فقيه قانوني غربي، إن “الأمان” يعد من خصائص القانون الدولي الإسلامي المميزة التي يمكن تسليط الضوء عليها في المحافل الدولية للقانون الدولي.