التراث المهدوي

استقراء التطوّر الفكري في مسيرة التراث المهدوي الشيعي

الاجتهاد: العقيدة المهدويَّة قضيَّة عامَّة تخصُّ البشرية كلِّها، وهي أيضاً عقيدة مركزية في الدين الإسلامي، وقد كتب العلماء جيلاً بعد جيل وإلى زماننا هذا، مصنَّفات عديدة في العقيدة المهدويَّة ومن جوانب شتّى، حتَّى غدا البحث في المهدويَّة ميداناً معرفياً له مزاياه المنفردة، وأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في الطليعة، ممَّا شكَّل ثروة فكرية هائلة. / بقلم: الباحث مجتبى السادة

تواجه الباحث حول التراث المهدوي الشيعي مصاعب كبيرة، من قبيل أنَّ المعلومات والبيانات المتوفِّرة حول هذا الموضوع لا يمكن أن تكون وافية لدراسة قائمة على الموضوعية ومنهج البحث العلمي، وذلك للحجم الهائل لهذا التراث وسعته، بالإضافة لضياع الكثير من مفرداته. ولذا انبثقت هذه الدراسة التي سنحاول فيها إن شاء الله: دراسة التطوّر الفكري والمعرفي في الثقافة المهدويَّة الشيعية على ضوء المسار التاريخي، ورغم أهمّية هذا الموضوع إلَّا أنَّه لم ينل نصيبه من اهتمام الباحثين والمختصّين إلَّا قليلاً، وظلَّ يفتقر للدراسات التي تتناول تاريخ تطوّره، علماً بأنَّنا لسنا في مقام الرصد والاستقصاء لتلك المصنَّفات التي عنيت بتدوين القضيَّة المهدويَّة.

من الحقائق الثابتة: أنَّ العقيدة المهدويَّة منذ فجر التاريخ وإلى يوم القيامة لن تتغيَّر أو تتطوَّر، ولكن فهمنا لها هو الذي يتغيَّر ويتطوَّر، ومع مرور الأيّام نستوعب مفاهيمها أكثر فأكثر. إذاً دراسة التراث المهدوي الشيعي والتغيّرات التي طرأت عليه عبر مراحل التاريخ، تعطينا فكرة واضحة عن تطوّر فهم الإنسانية واستيعابها للمهدوية، علماً بأنَّ إدراكنا في الوقت الحالي لا زال قاصراً للإحاطة بجميع جوانبها حيث يخيم عليه ضباب وحجاب (الغيبة).

لقد تشكَّل التراث المهدوي الشيعي على مدى مساحة من الزمن تزيد على (١٤٠٠عام) تطوَّرت فيها الأفكار والمعارف والعلوم.

ومثل هذه المساحة الزمنية تتطلَّب أن نندفع لالتقاط عناصر هذا التطوّر وفق سياق المسيرة التاريخية، وهذا يتطلَّب منّا دراسة مجمل الظروف والمؤثِّرات ومناخات المعرفة والفكر والسياسة والأحداث بشكل عام، وعليه فما نُقدِّمه هنا هو رؤية أوَّلية لتقويم تطوّر الأداء الفكري في التراث المهدوي.

إنَّ استقراء التطور المعرفي المهدوي ومن خلال دراسة شاملة للكتب ذات الشأن المهدوي يمكن أن نختزله في ثماني مراحل وأطوار أساسية، سنتحدَّث بتفصيل مناسب عن كلِّ واحدٍ من هذه الأطوار -وهذا هو صلب البحث-، ونُسلِّط الضوء على المستجدّات المتراكمة في الثقافة المهدويَّة عبر المسيرة التاريخية، وتأثير الأوضاع السياسية على النتاج الفكري المهدوي، ونبدأ من فجر التاريخ مروراً بالعصر الإسلامي ووقتنا المعاصر واستشفاف أولويات المرحلة وآفاق المستقبل.

علماً أنَّ اهتمامنا في هذا البحث لن ينصبَّ على الكمِّ وإنَّما على الكيف.

ونُحِبُّ أن نجيب باختصار على تساؤل قد يثار لمن يقرأ هذا البحث، وخاصَّة لمن يطَّلع على سعة التراث المهدوي الشيعي، فيتعجَّب من كيفية استعراض هذا التراث وقراءة سياقه ومساره في هذه الصفحات المحدودة، والجواب على ذلك من عدَّة وجوه:

أوَّلاً: أنَّ التراث المهدوي الشيعي مع كثرته وسعته ممتلئ بالتكرار.

ثانياً: أنَّنا في هذه الدراسة سنُركِّز على القضايا الكبرى التي تميَّز بها التراث المهدوي في مراحله التاريخية، ولا نهتمُّ كثيراً بالتفاصيل.

ثالثاً: نُسلِّط الضوء على الأطوار الفكرية وعلاقة الأوضاع السياسية آنذاك على التراث المهدوي وما تضمَّنه من تطوّر أو انكماش أو تغيّرات جوهرية في مستواه الفكري.

وفي ختام هذه المقدَّمة نتمنّى أن يكون هذا الجهد المتواضع نواة وباكورة لبحوث ودراسات قادمة في مثل هذا الموضوع، ونأمل أن يفتح هذا العمل البحثي باباً مهمّاً لدراسات مستقبلية تقوم ببحوث تحليلية وبنقد موضوعي للتراث المهدوي الشيعي.

التراث المهدوي الشيعي:

يُعرَّف على أنَّه: مصطلح شامل يتَّسع لكلِّ ما له علاقة بالإمام المهدي (عليه السلام) من نصوص القرآن والسُّنَّة واجتهادات العلماء، وهو لا يقتصر بالضرورة على الإنتاج الفكري، بل يتَّسع ليشمل كلَّ ما خلفه الشيعة عبر العصور من أشكال متعدِّدة ثقافية وفنّية وفكرية، وبشتّى اللغات وفي كلِّ بقعة من بقاع الأرض، وبعبارة مختصرة: هو السجل الكامل للنشاط الشيعي في مجال القضيَّة المهدويَّة.

إنَّ التراث المهدوي الشيعي تتَّضح أبرز صوره في الكتب والمصنَّفات وضروب التأليف التي تعطي انطباعاً كبيراً عن أهمّية القضيَّة المهدويَّة، والمحاضرات الصوتية للعلماء، والشعر المهدوي بشتّى أشكاله، وفي العصر الحديث الأفلام الوثائقية المهدويَّة، بالإضافة للأشكال الأُخرى من أنواع التراث، ممَّا كان له بالغ الأثر في المحافظة على المهدويَّة الأصيلة وصونها من الانحراف والتضليل.

قبل بدء البحث:
تواجه الباحث حول التراث المهدوي الشيعي مصاعب كبيرة، من قبيل أنَّ المعلومات والبيانات المتوفِّرة حول هذا الموضوع لا يمكن أن تكون وافية لدراسة قائمة على الموضوعية ومنهج البحث العلمي وذلك للأسباب التالية:

١- الكتب والمصنَّفات الشيعية القديمة التي كُتِبَت في مجال العقيدة المهدويَّة تكاد تكون كلُّها مفقودة، وأنَّ معظم التراث المهدوي الشيعي في مرحلة صدر الإسلام الأوَّل وكذلك في عصر الغيبة الصغرى قد ضاع تماماً، ولا نجد في عصرنا الحالي إليه سبيلاً.

٢- محاربة السلطات الحاكمة الظالمة للعقيدة المهدويَّة ومحاولة تحريف مفاهيمها، كونها تُمثِّل التهديد الحقيقي لتلك الأنظمة، وبالخصوص إبّان الدولة الأُموية والعبّاسية، ممَّا دفعها لاتِّخاذ بعض الإجراءات بمنع تدوين أيِّ حديث شريف أو كتابة أيِّ شيء له علاقة بالمهدي (عليه السلام).

٣- انحياز معظم الحكومات (قديماً وحديثاً) إلى مذهبها الديني، فتؤكِّد على مذهبها وتنشر كتب المتون والشروح حوله، وتلغي لصالحه تراث الفِرَق الإسلاميَّة الأُخرى، ويصل منطق الإلغاء والتغييب إلى حدِّ الحظر والمنع لكتب المذاهب المختلفة، ممَّا أثَّر سلباً على التراث المهدوي الشيعي.

٤- إنَّ ممَّا يزيد مشقَّة الباحث في دراسة شاملة عن التراث المهدوي، انعدام أو قلَّة توفّر الدراسات المهدويَّة التاريخية المتخصِّصة والتي تواكب التغيّرات التي طرأت على هذا التراث في العصور المختلفة، ممَّا يجعل ذلك تحدّياً رئيسياً في هذا الإطار.

من هنا نلاحظ أنَّ البحث حول التراث المهدوي بالغ العُسر، فإنَّ ما في متناول أيدينا من أو عن هذا التراث لا يعطينا معلومات شاملة وافيه عنه، حيث إنَّ الكثير من كتب التراث القديمة ضائع.

الهدف من الدراسة:
إنَّ ملامح الثقافة المهدويَّة المعاصرة تشكَّلت من المفاهيم والأفكار الإسلاميَّة الأصيلة التي بُنيت عليها أُسسه، ومن التراث المهدوي الواسع الذي تواصلت معه وانطلقت منه.

لذا فقد انبثقت هذه الدراسة للتعريف بتاريخ التراث المهدوي الشيعي، ومدى استجابة التغيّرات والمستجدّات فيه لمتطلِّبات كلِّ مرحلة تاريخية، وسيكون تركيزنا فيها على نقطتين جوهريتين:

أوَّلاً: إعطاء رؤية واضحة عن التراث المهدوي الشيعي، ومجرى الأحداث التاريخية المؤثِّرة في مسيرة القضيَّة المهدويَّة، لتتَّضح لنا الأزمنة الفكرية التي مرَّ بها التراث، والمؤثِّرات الجوهرية على النتاج الثقافي المهدوي لكلِّ مرحلة.

ثانياً: استقراء التطوّر الفكري في التراث المهدوي الشيعي على ضوء المسار التاريخي، وسيكون معيارنا في رصد التطوّر في المنظومة الفكرية المهدويَّة هو المنهج العلمي المتبع في كلِّ مرحلة تاريخية، وسنُركِّز على منهجين: المنهج الروائي والمنهج العقلي، ومدى اتِّساع استخدام كلِّ منهج في مصنَّفات الفترات الزمنية المختلفة.

إحصائيات عن التراث المهدوي الشيعي:

أهمّ ما يُميِّز أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) على طول التاريخ هو حضارية الفكر والموقف، فقد انحاز الشيعة إلى العلم وحرّية الرأي، واهتمّوا كثيراً بآلية المعرفة وبالأخصِّ فيما يرجع إلى تدوين العلوم والمعارف والأحاديث الشريفة، ممَّا كان له بالغ الأثر في النهوض الفكري للطائفة وتشكيل التراث الشيعي.

وبنظرة سريعة وبتتبُّع موجز نجد أنَّ الكتب والدراسات المهدويَّة تحتلُّ مساحة واسعة من البحوث والتقصّي المعرفي، فالمكتبة المهدويَّة خزانة عظيمة متشعِّبة الأبعاد ومتعدِّدة الجوانب، ومن أجل تسليط الضوء على أهمّية التراث المهدوي وحجمه وغزارته، نودُّ الإشارة إلى الإحصائيات التي تفصح عن حجم هذا التراث، وتعطينا فكرة عن تصانيف علماء الشيعة عبر مراحل التاريخ:

أوَّلاً: إحصائيات عن المهدي (عليه السلام) في القرآن الكريم:
إنَّ الآيات القرآنية المفسَّرة والمؤوَّلة في الإمام المهدي (عليه السلام) حسب ما ورد في الأحاديث الشريفة كثيرة جدّاً، فمثلا ذُكِرَ في كتاب (المحجَّة فيما نزل في القائم الحجَّة) للسيِّد هاشم البحراني (١٢٠) آية مرتبطة بالإمام (عليه السلام).

ثانياً: إحصائيات عن المهدي (عليه السلام) في السُّنَّة الشريفة:
مصنَّفات حديثية كثيرة قد خصَّصت فيها فصلاً مستقلّاً عن المهدي، أو موسوعات مستقلَّة فمثلاً كتاب (منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر) للشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني، أحصى عدد (١٢٨٧ حديثاً) ممَّا رواه الفريقان في موضوع المهدي.

ثالثاً: إحصائيات عن الكتب التي تتعلَّق بالمهدي (عليه السلام):
عندما جلنا في عالم الكتب التي تتحدَّث عن صاحب الزمان (عليه السلام)، وجدناه غنيّاً حافلاً، فبعض تلك الكتب أُلِّفت قبل ولادة الإمام (عليه السلام) (٢٥٥ه)، وأنَّ المؤلف توفّى قبل هذا التاريخ بسنين، وعندما نتتبَّع ما كُتِبَ في القضيَّة المهدويَّة عبر القرون نجده لا يكاد يُحصى، فمثلاً بيانات موسوعة (معجم ما كُتِبَ عن الرسول وأهل البيت)(١) يتضمَّن معلومات كافية عن (١١٤٤ كتاباً) مجموع ما أحصاه المؤلِّف عن الإمام المهدي (عليه السلام).

رابعاً: إحصائيات للأديان التي تتعلَّق بالمهدي (عليه السلام):
تراث حضاري كبير يتعلَّق بشأن المخلِّص الموعود، ومن كافَّة الأديان السماوية وغيرها، فمثلاً موسوعة (معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام))(٢) ذكرت بشارات الأديان، وقد أحصيناها فاشتملت على الآتي: في العهد القديم: أشار إلى المخلِّص في (٥٤) نصّاً، والعهد الجديد: أشار إلى المنقذ في (٤٥) نصّاً، وكتب الهندوس: أشارت إلى الموعود (٧) مرّات، وكتب الزرادشتية: أشارت إلى المنجي (٦) مرّات.

خامساً: إحصائيات شعرية تتعلَّق بالمهدي (عليه السلام):

فمثلاً الموسوعة الشعرية المهدويَّة(٣) ذكرت (١٧٦٣ قصيدة)، اشتملت على الآتي: (١١٣٨) قصائد الشعر الفصيح، (٥٥٧) قصائد الشعر الشعبي، (٦٨) قصائد الأناشيد والجلوات، ل (٥٩٢) شاعراً.

آملين من عرض هذه المعلومات والبيانات والإحصائيات الموجزة والمختصرة، أن نُعطي فكرة عامَّة عن مكانة الإمام المهدي (عليه السلام) عند المسلمين وفي فضاء الثقافة الدينية والإنسانية، وأن نُقدِّم صورة حقيقية عن الإنتاج الثقافي المرتبط بالقضيَّة المهدويَّة في التراث الفكري والأدبي الشيعي.

مراحل تطوّر التراث المهدوي:

إنَّ المهدويَّة كعقيدة ومنهج ربّاني وُجِدَتْ من بداية تاريخ البشرية، منذ وجود آدم في الجنَّة، فعندما خاطب جلَّ وعلا إبليس اللعين وقال له: ﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (الحجر: ٣٦ – ٣٨)(٤) الوقت المعلوم: أي وقت ظهور المهدي (عليه السلام)، فكان هذا الخطاب يشير للمهدوية قبل أن تُخلَق البشرية من نسل آدم (عليه السلام)، ومستقبلاً فإنَّ المهدويَّة باقية إلى يوم القيامة، حيث نهاية المطاف سيؤول للمتَّقين الصالحين، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠٥)(٥).

فالمهدويَّة منذ جنَّة آدم وإلى يوم القيامة، وعليه فدراسة التراث المهدوي الإنساني والتغيُّرات التي طرأت عليه عبر مراحل التاريخ يعطينا فكرة واضحة عن تطوُّر فهمنا واستيعابنا للمهدوية، مع التأكيد على أنَّ عقلنا يظلُّ قاصراً عن الإحاطة بجميع جوانبها حيث يخيم عليه حالياً ضباب وحجاب (الغيبة).

من المهمِّ أن لا ننسى ونحن ندرس مراحل أو أطوار التراث المهدوي وبالخصوص الجانب الشيعي منه بأنَّ السياسات التي تمارسها السلطات الحاكمة والعقيدة الدينية التي تتبنّاها لها تأثير عميق على ثقافة المجتمع، وأنَّ تفاعل العلماء على مرِّ العصور التاريخية مع ما كان متاحاً من الحرّية الفكرية واضح الأثر في كتاباتهم ونتاجهم الفكري والمعرفي.

إنَّ استقراء التطوُّر الفكري في التراث المهدوي الشيعي ومن خلال دراسة شاملة للمصنَّفات المهدويَّة وعلى ضوء المسار التاريخي، يؤكِّد لنا أنَّ ثقافتنا منذ أقدم العصور وإلى يومنا هذا مرَّت بمراحل تحولّات كبيرة.

وسنقوم بالتعرُّف على المتغيِّرات في سياقات الثقافة المهدويَّة من خلال دراسة فترات تاريخية متعاقبة وبحسب التسلسل الزمني، وسنختزل هذه التغيُّرات والمستجدّات أو بمعنى آخر التطوّرات في ثمانية أطوار أساسية محدَّدة المعالم وأن نُقسِّمها الى مراحل مختلفة، وهي:
١- طور الأُمنية.
٢- طور التأسيس.
٣- طور الواقع.
٤- طور التأصيل.
٥- طور الركود.
٦- طور التفريع.
٧- طور الدفاع.
٨- طور التجديد.

ولنتحدَّث بتفصيل مناسب وبعرض موجز عن كلِّ واحدٍ من هذه الأطوار، وعن ثمرة كلِّ مرحلة مختلفة، ونُسلِّط الضوء على أبرز التطوُّرات الفكرية أو المستجدّات التي طرأت على الثقافة المهدويَّة.

١- طور الأُمنية: مرحلة ما قبل الإسلام (آدم (عليه السلام) – البعثة ٦١٠ م):

بدأت فكرة المخلِّص من أعماق التاريخ، من فجر الإنسانية، من زمن أبي البشر آدم (عليه السلام) وقصَّته مع إبليس (السجود، الوقت المعلوم)، واستمرَّت في أُفق الإنسانية تتَّصل بمحطّات مختلفة في كلِّ مراحل التاريخ. وبنظرة فاحصة شاملة في تاريخنا البشري، نجد أنَّ هذه الفكرة مفصلية ودقيقة تختزل في عقلية الإنسان وتتطوَّر مع الزمن.

فمسألة المنقذ والمخلِّص من المواضيع البارزة في المسيرة البشرية واهتماماتها المتَّصلة بالعدل، بل هي إحدى الأُمنيات الكبرى عند الأنبياء والرُّسُل والأُمم منذ القِدَم. وأنَّها في الأصل فكرة دينية سماوية منذ القدم.

تدرُّج الأنبياء في طرح فكرة المخلِّص:

إشارات عديدة ودلالات كثيرة ومتلاحقة لفكرة المخلِّص (المهدويَّة) انبعثت على أيدي الأنبياء السابقين، ولكن مستوى الطرح كان يتناسب من حيث العمق والاتِّساع مع مستوى النضج الفكري الذي تكون عليه البشرية في ذلك الزمن.

في البداية ركَّزت النبوّات القديمة على ضرورة الإصلاح النفسي، الذي هو خطوة أُولى في إصلاح المجتمع وإصلاح العالم، ومن الأنبياء الذين أكَّدوا ذلك نبيُّ الله نوح (عليه السلام).

تميَّزت المرحلة الثانية بالإشارة إلى المخلِّص والمنقذ كأُمنية وحلم، قال تعالى على لسان نبيِّ الله شعيب (عليه السلام): ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (هود: ٨٦)، وهذا يؤكِّد أنَّ المشروع الذي أُنيط بالإمام المهدي هو النتيجة النهائية لجهود كلِّ الأنبياء، فيُحقَّق بذلك أحلامهم.

بعد ذلك تطوَّر الطرح في وقت لاحق فجاء التصريح بوضوح بوجود مخلِّص يظهر في آخر الزمان، يبسط التوحيد والعدل على كافَّة الأرض، جاء ذلك في الكتاب المنزل على داود (الزبور: المزمور ٧٢/١ – ١٥) قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠٥).

وهكذا أصبحت المسألة المهدويَّة جزءاً من المنظومة الفكرية الدينية عند جميع الأنبياء، منذ آدم (عليه السلام) وإلى خاتم الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).

١- التراث اليهودي (العهد القديم):
الشعب اليهودي من قبل أن يُبعَث النبيُّ عيسى (عليه السلام) وبعد بعثته لا زال ينتظر موعوده المؤمَّل، فاليهود لم يؤمنوا بالسيِّد المسيح (عليه السلام) ورسالته، وإذا تأمَّلنا في التراث اليهودي الديني نجد فيه تصويراً لملامح ثلاثة منتظَرين: السيِّد المسيح (عليه السلام) النبيُّ القادم، الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) النبيُّ الخاتم، الإمام المهدي (عليه السلام) المخلِّص.

ورغم وضوح هذه الرؤية وتلك الملامح في آثار الديانة اليهودية وأسفار التوراة وكتب أُخرى، إلَّا أنَّ اليهود لم يؤمنوا بالمسيح (عليه السلام) ولا بالنبيِّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليه فما زالوا منتظرين كلَّ البشائر والإشارات التي وردت في نصوص كتبهم.

هناك مجموعة من كتب وآثار اليهود الدينية (العهد القديم / التوراة أو التناخ) التي ورد فيها الحديث عن المخلِّص والمنتظر الموعود، وقد بلغت النبوءات في هذا المجال العشرات(٩)، وسنذكر شاهداً واحداً فقط مراعاةً للاختصار: جاء في المزمور (٧٢) من زبور داود (عليه السلام) ما نصُّه: (اللّهمّ اعط شريعتك للمَلِك، وعدلك لابن المَلِك، ليحكم بين شعبك بالعدل، ولعبادك المساكين بالحقِّ، فلتحمل الجبال والآكام السلام للشعب في ظلِّ العدل، ليحكم لمساكين الشعب بالحق…، يشرق في أيّامه الأبرار ويعمُّ السلام، ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض)(١٠).

هذا النصُّ واضح المعالم في ذكر الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الشريعة الإسلاميَّة (شريعتك للمَلِك)، وفقرة (وعدلك لابن المَلِك) إشارة إلى المخلِّص الموعود الذي يحكم بشريعة أبيه التي ستعمُّ العالم.

٢- التراث المسيحي (العهد الجديد):
لقد بشَّر النبيُّ عيسى (عليه السلام) بظهور نبيِّ آخر الزمان (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأوصيائه الاثني عشر (عليهم السلام)، وبقي ذلك راسخاً في التراث المسيحي، وذلك يعود إلى أنَّ المسيحية هي آخر الديانات قبل الإسلام، فتكون الدلالات والإشارات والبشائر محفوظة فيها أكثر وأوضح.

لذا نجد البشائر بالمخلِّص الموعود حاضرة في التراث المسيحي الديني بشكل واضح، وقد بلغت العشرات، وسنذكر شاهداً واحداً فقط مراعاةً للاختصار: جاء في الإصحاح (١٤) من سفر رؤيا يوحنّا ما نصُّه: (ثمّ رأيت مَلاكاً طائراً في وسط السماء معه بشارة أبدية، ليُبشِّر الساكنين على الأرض وكلَّ أُمَّة وقبيلة ولسان وشعب، منادياً بصوت عظيم: خافوا الله وأعطوه مجداً، لأنَّه قد جاءت ساعة حكمه، واسجدوا لصانع السماء والأرض والبحر وينابيع المياه)(١١).

هذا النصُّ إشارة إلى (الصيحة السماوية) التي هي إحدى علامات الظهور المحتومة، وهذا مصداق لقوله تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ (ق: ٤١ و٤٢).

وهناك نصوص عديدة عن المخلِّص موجودة في الكتاب المقدَّس، لم نشر إليها مراعاةً لمنهج البحث.

٣- المخلِّص (المهدي) في الأديان المختلفة:

بشائر وتنبُّؤات كثيرة حول المخلِّص نجدها في التراث الديني غير السماوي وفي آثار الحكماء القدامى، بل حتَّى في الآثار المصرية والهندية والصينية القديمة توجد بها دلالات وإشارات حول المنقذ. فكلُّ دين ومذهب له منقذه ومخلِّصه الذي سيظهر في آخر الزمان، ممَّا جعل المسألة تُشكِّل محوراً مركزياً في المنظومة الفكرية العقدية للبشرية أجمع.

المصداق الحقيقي للمخلِّص في التراث الديني:

إنَّ من يُمعِن النظر في نصوص التراث الديني السماوي ويتأمَّل البشارات فيها، يرى بوضوح أنَّها تُقدِّم مواصفات للمنقذ العالمي لا تنطبق إلَّا على الإمام المهدي (عليه السلام) طبقاً للأُطروحة الشيعية الاثني عشرية، وبالتأكيد فمن لم يتعرَّف على آراء الإماميَّة في المهدويَّة فلن يستطيع التوصُّل إلى المصداق الذي تتحدَّث عنه بشارات الكتب السماوية والقرآن الكريم.

وعندما يكون البحث والدراسة بأُسلوب علمي وموضوعي وبعيداً عن التعصُّب الديني سيصل الباحث للحقيقة وإلى نتيجة منطقية واقعية، ونشير هنا إلى بعض الشخصيات العلمية وهم من مشارب شتّى، كنماذج بحثوا الموضوع بحياد علمي فتوصَّلوا للحقيقة مثل:

١- القاضي الساباطي من أعلام (ق ١٢ه) إذ كان في بداية أمره عالماً نصرانياً ثمّ أسلم واتَّبع المذهب السُّنّي وألَّف كتابه (البراهين الساباطية)، كانت نتيجة تحقيقه عندما تناول إحدى البشارات الواردة في كتب إشعياء (العهد القديم) بشأن المخلِّص وبعد أن ناقش تفسير اليهود والنصارى دحض آراءهم وقال: (إنَّ قول الإماميَّة أقرب لما يتناوله هذا النصُّ، وإنَّ هدفي الدفاع عن أُمَّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع قطع النظر عن التعصُّب لمذهب، لذلك ذكرت لك أنَّ ما يدَّعيه الإماميَّة يتطابق مع هذا النصِّ»(١٣).

٢- الأُستاذ محمّد صادق فخر الإسلام(١٤) الذي كان نصرانياً واعتنق الإسلام وانتمى لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وألَّف كتابه الموسوعي (أنيس الأعلام) في ردِّ اليهود والنصارى، وتناول فيه دراسة البشارات وانطباقها على الإمام المهدي بن الحسن العسكري (عليه السلام).

٣- فعل مثله أيضاً الأُستاذ محمّد رضا رضائي الذي أعرض عن اليهودية وكان من علمائها واعتنق الإسلام، وألَّف كتاب (منقول رضائي) الذي بحث فيه موضوع البشارات وأثبت النتيجة نفسها.

٤- أكَّد النتيجة نفسها الأُستاذ سعيد أيّوب(١٥) وهو باحث مسلم من أهل السُّنَّة الذي استطاع الاهتداء إلى المصداق الذي تتحدَّث عنه بشارات الكتب السماوية عندما تعرَّف على عقيدة الشيعة في المهدي المنتظر (عليه السلام)، حيث يقول في كتابه (المسيح الدجّال) عندما ناقش بشارة سفر الرؤيا ليوحنّا (الإصحاح ١٢): (هذه هي أوصاف المهدي، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإماميَّة الاثني عشرية)(١٦).

إذن فدراسة الأُطروحة المهدويَّة الإماميَّة تفتح آفاقاً أوسع للاهتداء للمصداق الحقيقي للمخلِّص، الذي تناول التراث الديني السماوي خصوصياته طبقاً لدلالات نصوص البشارات الواردة فيها.

ثمرة المرحلة (الطور):

أهمُّ ما تميَّزت به مرحلة ما قبل الإسلام فيما يخصُّ فكرة المخلِّص، أنَّها مرحلة طرح الفكرة، وقد بدأ الأنبياء ذكرها بالتدرُّج حتَّى تتكامل الفكرة في الذهن البشري، وكان يغلب على هذا الطرح أُسلوب الأُمنية والحلم، كذلك نجد أنَّ الكتب والتراث الديني السماوي قد اتَّفقت على مجيء المخلِّص، وأنَّ جميع الأنبياء والرُّسُل (عليهم السلام) قد ذكروه وحلموا بيومه الموعود.

وممَّا هو جدير بالذكر في تراث هذه المرحلة عدَّة نقاط:

الأُولى: أنَّ التراث الديني المتبقّي في مرحلة ما قبل الإسلام هو تراث الأديان السماوية اليهودية والنصرانية أو تراث بعض الديانات المختلفة كالصابئة والهندوسية والزرادشتية، ورغم اختلاف العقائد والأديان بشكل كبير بينها إلَّا أنَّ جميعها مشترك ومتَّفق على فكرة المخلِّص (المهدي (عليه السلام)) الذي هو حلم الإنسانية المشترك وهو الأُمنية الكبرى.

الثانية: أنَّ التحقيق العلمي الدقيق في موضوع الاعتقاد بالمخلِّص في التراث الديني السماوي يُوضِّح لنا حقيقة: أنَّ التراث الإسلامي هو أكثر معرفة وتوضيح بتفاصيل المخلِّص (المهدي (عليه السلام)) من بقيَّة الأديان الأُخرى، وذلك لغزارة ما ورد فيه وكثرة التفاصيل عن المهدي وصفاته وخصائصه وعلامات خروجه آخر الزمان.

وتأتي في المرتبة الثانية الديانة المسيحية، وذلك للبشارات العديدة والواضحة عن المخلِّص كما جاء في (الإنجيل) وصرَّح به المسيح (عليه السلام) عن هويته والإشارة إلى أبرز علامةٍ لخروجه (الصيحة السماوية).

ثمّ يأتي اليهود بالدرجة الثالثة، وذلك لكثرة ما ورد في أسفارهم (التوراة) بحتمية مجيء المنقذ وانتصاره الكبير في يوم الله الأعظم. وهكذا على التوالي تأتي بقيَّة الأديان والفلسفات الأُخرى(١٧).

الثالثة: أنَّ اختلاف الأديان والفِرَق والمذاهب في تشخيص هوية المخلِّص رغم الاتِّفاق على أصل الفكرة والمبدأ، ناشئ من سوء تفسير أو تأويل نصوص التراث الديني السماوي، وليس الاختلاف من نصوص البشارات نفسها، وكذلك محاولة تطبيق النصوص وإيجاد مصداق لهذه الشخصية من الدين أو المذهب نفسه بدافع العصبية الدينية.

٢- طور التأسيس: مرحلة صدر الإسلام (البعثة ١٣ قبل ه – ٢٦٠ ه):
تعود جذور القضيَّة المهدويَّة عند المسلمين إلى صدر الإسلام الأوَّل، وإلى عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي بشَّر بظهور حفيده وأخبر بتطهير الأرض من الظلم والفساد على يديه، فصارت مسألة المهدي (عليه السلام) من الأُمور البديهية ومن المسائل المسلَّم بها لديهم، فكانوا ينتظرون ظهوره ليُصلِح شأن العالم، ولهذا لم يكونوا يتساءلون عن أصل الموضوع وعنوانه، بل كانت معظم استفساراتهم تدور حول مسائل فرعية وتفاصيل متعلِّقة بأصل المسألة، عن هويته ونسبه، عن صفاته وخصاله، عن غيبته وأحواله، عن علامات ظهوره ودولته إلى غير ذلك من الاستفسارات.

نعم لقد تضمَّنت المصادر الحديثية والروائية أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المتعلِّقة بالعقيدة المهدويَّة في أكثر من (٥٦٣) حديثاً(١٨) وصرَّح العلماء بتواترها، ممَّا جعلها من العقائد الإسلاميَّة الصحيحة والمتَّفق عليها بين المدارس والمذاهب الإسلاميَّة.

الوضع السياسي والفكري في هذه المرحلة:

هذه المرحلة التاريخية (طور التأسيس) تميَّزت بأنَّها مرَّت بأربعة عصور مختلفة، وهي:

الأوَّل: السيرة النبوية (٥٢ق ه – ١١ه): وقيام أوَّل دولة إسلاميَّة قادها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، واتَّخذت المدينة المنوَّرة قاعدة لها، ثمّ ما لبثت أن شملت الجزيرة العربية.

الثاني: العصر الإسلامي الأوَّل (١١ – ٤١ه): تولّى فيها أربعة حُكّام، كانت المدينة المنوَّرة ثمّ الكوفة عاصمة لها.

الثالث: عصر الدولة الأُموية (٤١ – ١٣٢ه): تولّى فيها (١٤) حاكماً، وكانت دمشق هي العاصمة.

الرابع: عصر الدولة العبّاسية (١٣٢ – ٦٥٦ه): تولّى فيها (٣٧) حاكماً، وكانت بغداد هي العاصمة.

بعد وفاة النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت مسألة المهدي (عليه السلام) معروفة لدى المسلمين كافَّة، ويروي أحاديثها الكثير من الصحابة، ولكن ممَّا يُؤسَف له عقَّب ذلك حوادث مريرة كإقصاء الإمام عليٍّ (عليه السلام) عن الخلافة ومصادرة ميراث فاطمة الزهراء (عليها السلام) من أبيها، مروراً إلى الفتن الداخلية في زمن خلافة أمير المؤمنين إلى أنْ سقط شهيداً عام (٤٠ه)،

ولمَّا تصدّى الإمام الحسن (عليه السلام) للخلافة بعده، كان معاوية (حكم ٤١ – ٦٠ه) قد أحكم قبضته على الشام ومناطق أُخرى وآل الأمر إلى بني أُميَّة، فسيطروا على وسائل القوَّة والنفوذ، فاستشهد الإمام الحسن (عليه السلام) مسموماً، واستشهد الإمام الحسين (عليه السلام) في فاجعة عاشوراء (٦١ه) مقتولاً، إلى أنْ آلت الأُمور باجتياح جيش يزيد (حكم ٦٠ – ٦٤ه) المدينة المنوَّرة، والإعدامات التي طالت الكثير من الصحابة، وآلاف المآسي والآلام،

وقد عانى أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم في العهد الأُموي كلَّ صنوف الظلم والقهر، واستولى بنو أُميَّة على مقدرات المسلمين وأصبح الحكم وراثياً عائلياً. وجاء بني العبّاس بعدهم بنفس المنهج، وكان نصيب العلويين ومن ناصرهم في هذه الحقبة القتل والتشريد والسجن.

وممَّا يؤلم القلب ويبعث على الأسى والأسف أيضاً، أنَّ أوَّل الأعمال التي قام بها الخلفاء بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ مُنِعَت رواية وكتابة أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحرق كلّ ما وصلت إليه أيديهم من الأحاديث النبوية، فلم يعد بوسع أحد من المسلمين أن يروي حديثاً أو يحتج بحديث إلَّا إذا كان هذا الحديث مؤيِّداً لدولة الخلافة أو تصرّفاتها وسياساتها، أمَّا فيما يخصُّ الأحاديث المتعلِّقة بالإمامة أو الولاية من بعد النبيِّ أو المتضمِّنة مكانة أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم فقد كانت محظورة وممنوعة منعاً تامّاً، ممَّا حرم الأُمَّة تلك الكنوز الثمينة.

وتأثَّرت القضيَّة المهدويَّة سلباً تبعاً لذلك، كغيرها من القضايا الإسلاميَّة الرئيسية بفقد وضياع أحاديث وتعليمات المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستمرَّ هذا المنع قرابة مائة عام إلى زمن خلافة عمر بن عبد العزيز (٩٩ – ١٠١ه) الذي سمح بكتابة ورواية الأحاديث النبوية.

خلال تلك الحقبة المريرة من الزمن، بذل الأئمَّة (عليهم السلام) جهوداً كبيرةً في ربط الأُمَّة فكرياً وعاطفياً بالقضيَّة المهدويَّة وبأهدافها، فمن خلال البشارات والتأكيدات الكثيرة الصادرة عن أهل البيت (عليهم السلام) في الإمام الثاني عشر (عليه السلام) تأصَّلت العقيدة المهدويَّة وترسَّخت الحالة التفاعلية مع المهدويَّة في عمق الواقع الفكري والنفسي للأُمَّة، ممَّا دفع الأنظمة الحاكمة إلى محاربتها ومحاولة تحريف مفاهيمها ورؤاها، كونها تُمثِّل التهديد الحقيقي لتلك الأنظمة،

وخير مثال لهذه المحاربة، أنَّ البخاري ومسلم لم يرويا أيَّ حديث صريح بالمهدي المنتظر (عليه السلام)، خاصَّة وأنَّ الشيخين قد كتبا صحيحيهما بالتاريخ المرتقب لولادة الإمام (عليه السلام)(١٩)، وكان مجرَّد ذكر لفظة المهدي (عليه السلام) يثير الرعب في أوصال أركان الدولة العبّاسية.

المهدويَّة في التراث الإسلامي:

انبثقت جذور الاعتقاد بالأُطروحة المهدويَّة عند الشيعة الإماميَّة من ركنَي الإسلام: الكتاب والعترة، فشقَّ الاعتقاد طريقه بيسر وسهولة باعتبار أنَّ أصل القضيَّة ومنبع الفكرة هي المصادر الرئيسية للشريعة الإسلاميَّة (القرآن والسُّنَّة).

وبنظرة فاحصة وجوهرية للتراث المهدوي الشيعي يلزم التأكيد على ضرورة التفريق بين جهتين(٢٠) من هذا التراث:

الجهة الأُولى: التراث المرتبط بالوحي (التراث الوحياني)، وهو عبارة عن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة المرتبطة بالشأن المهدوي، والذي أضفى صفة القداسة عليه، وهذا الجانب من التراث المعرفي (العقدي) لا يقبل إلَّا الصواب وموافقة الحقِّ والواقع، وهو الذي يُحدِّد الإطار الديني والمنظور المعرفي.

الجهة الثانية: التراث المرتبط بالمنجز الإنساني أي الفكر المتغيِّر (التراث البشري)، وهو عبارة عن الآراء والأفكار والنظريات المرتبطة بالشأن المهدوي، وهذا الجانب من التراث الفكري يقبل الصواب والخطأ، وهو الذي يُحدِّد الإطار الزمني والمنظور التاريخي والحضاري.

بالتأكيد ليس هناك انفصال بين هاتين الجهتين في التراث المهدوي الشيعي، بل هناك وحدة وترابط وتناسق في الجانب المعرفي في المنظومة الفكرية.

مصنَّفات مهدوية في هذه المرحلة:

صنَّف علماء الشيعة المعاصرون للأئمَّة (عليهم السلام) من عهد أمير المؤمنين وإلى عهد الإمام العسكري (عليه السلام) ما يزيد على (٦٦٠٠ مصنَّف)(٢١) في الأحاديث المرويَّة من طريق أهل البيت (عليهم السلام)، وامتاز من بين هذه المصنَّفات (٤٠٠ أصل)(٢٢) عُرِفَت بالأُصول الأربعمائة التي شكَّلت أساس الجوامع الروائية للشيعة فيما بعد، حيث يمكن القول: إنَّ موضوع المهدي (عليه السلام) قد احتلَّ مساحة واسعة من الحديث والرواية، فقد ذكرت المجاميع الحديثية والكتب الروائية التي بأيدينا حالياً أكثر من (٨٧٥ حديثاً)(٢٣) عن الأئمَّة المعصومين (عليهم السلام).

نودُّ الإشارة إلى الحجم الهائل من التراث (الفكري – العقائدي) في الثقافة الإسلاميَّة في هذه المرحلة فيما يتعلَّق بالقضيَّة المهدويَّة، فهناك بعض الكتب تنتمي إلى المدرستين (الشيعة والسُّنَّة) كُتِبَت في الشأن المهدوي وأُلِّفَتْ قبل ولادته، وأنَّ المؤلِّف توفّى قبل ذلك بسنين.

فقد ذكر الدكتور جواد عليّ في رسالته (المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية)(٢٤) عناوين أكثر من (١٨) كتاباً في موضوع المهدي وأسماء مؤلِّفيها من الشيعة، كُتِبَت قبل ولادته (عليه السلام) بعناوين (الغيبة، القائم، الرجعة).

ومن هؤلاء:
١- الفضل بن شاذان الأزدي النيشابوري، عاصر بعض الأئمَّة (عليهم السلام)، توفّى سنة (٢٥٨ه أو ٢٦٠ه)، كان عالماً وأديباً، له خمسة كتب في الشأن المهدوي(٢٥)، وهي بعناوين: (الغيبة، إثبات الرجعة، الملاحم، الحجَّة البليغة في إثبات القائم، كتاب حذو النعل بالنعل).

وتظهر أهمّية كتابي (الغيبة) و(إثبات الرجعة) لأنَّ المؤلِّف ذكر روايات تتحدَّث عن تفاصيل كثيرة لم يألفها الشيعة، فالإمام (عليه السلام) لم يكن قد وُلِدَ آنذاك، بمعنى: أنَّه كان قد تحدَّث عن الغيبة قبل حدوث الغيبة الصغرى. وللأسف لم تصلنا أيٌّ من هذه الكتب الخمسة.

٢- كتاب (الفتن) للحافظ نعيم بن حمّاد الخزاعي المروزي، وهو من أهل العامَّة، توفّي سنة (٢٢٩ه)، يحتوي كتابه على (٢٠٠٤ رواية) تتحدَّث عن علامات الساعة الصغرى والكبرى، وأخبار المهدي (عليه السلام)، ونزول عيسى بن مريم (عليهما السلام)، وأحداث آخر الزمان، ونعيم هو أوَّل من صنَّف كتاباً مستقلّاً في هذا الموضوع.

ويهمُّنا أنَّ المؤلِّف توفّى قبل ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) بستّ وعشرين سنة تقريباً، وهو أقدم كتاب من تراث أهل العامَّة وصل إلينا في موضوع المهدي (عليه السلام) في عصرنا الحالي.

٣- مسند أحمد: لأحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني الذهلي (١٦٤ – ٢٤١ه)، كتاب مسند في الحديث النبوي، ومؤلِّفه إمام المذهب الحنبلي، يُعتَبر من أشهر كتب الحديث وأوسعها عند أهل العامَّة، أورد فيه (١٣٦ حديثاً)(٢٦) تتعلَّق بالمهدي الموعود (عليه السلام).

ثمرة هذه المرحلة (الطور):

أهمُّ ما تميَّزت به هذه المرحلة فيما يخصُّ فكرة المخلِّص والتراث المهدوي، أنَّها مرحلة التأسيس وعصر بناء الأُسس والمفاهيم من قِبَل المعصومين (عليهم السلام)، وطور إرساء دعائم العقيدة المهدويَّة، حيث اتَّسمت ببلورة فكرة المنقذ الموعود بشكلها النهائي، ويظهر ذلك جليّاً في الحجم الهائل من الأحاديث والروايات الشريفة التي قيلت، والبشارات العديدة التي صدرت من بيت العصمة، والتي تدلُّ على المكانة الهامَّة التي حظيت بها المهدويَّة في الإسلام.

وبإلقاء نظرة سريعة على التراث المهدوي في صدر الإسلام تستوقفنا بعض الملاحظات:

١- منع المسلمين من تدوين الحديث، خسَّر الأُمَّة الكثير من أحاديث المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخاصَّة في مدرسة الخلفاء، حيث نقلت بعض روايات الرسول وأقوال الصحابة للجيل اللاحق شفوياً.

٢- كلُّ الكتب والمصنَّفات الشيعية التي دُوِّنت في هذه المرحلة اتَّسمت بتجميع روايات أهل البيت (عليهم السلام)، والاقتصار على التدوين والتجميع من غير أيِّ تصنيف أو تبويب مثل الأُصول الأربعمائة، وللأسف فكلُّ المصنَّفات الشيعية المرتبطة بالشأن المهدوي في هذه المرحلة، ضاعت وفُقِدَت ولا نجد إليها سبيلاً، إنَّما وصلنا خبرها أو الكتب التي نقلت عنها مباشرةً كالكافي مثلاً.

٣- غياب المباحث الكلامية والعقلية والاستفسارات التحليلية في القضيَّة المهدويَّة في هذه الحقبة التاريخية.

٤- في أواخر هذه المرحلة، عمل الإمام العسكري (عليه السلام) على التمهيد لإمامة ولده الإمام المهدي (عليه السلام)، الذي وُلِدَ في (١٥) شعبان (٢٥٥ ه)، عبر أساليب عديدة منها: كتمان ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) خوفاً عليه من السلطة العبّاسية، وإخبار خواصِّ الشيعة بولادة الإمام المهدي وعرضه عليهم، والنصّ على إمامة المهدي (عليه السلام) وغيبته والإشهاد على ذلك.

نستنتج من محصَّلة هذه المرحلة نتائج إيجابية، فقد أرسى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمَّة الأطهار (عليهم السلام) القواعد الأساسية للعقيدة المهدويَّة فكرياً ونظرياً وفق الأُطروحة الشيعية الإماميَّة، وذلك من خلال تشخيص المصداق للمهدي الموعود وبتعريف جامع مانع، وبتحديد تسلسل الإمامة عبر سلسلة نسبية محدَّدة تبدأ بالنبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنتهي بالوصيِّ الخاتم (عليه السلام)، فهو الإمام الثاني عشر والإمام التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) وهكذا، فأصبحت هويته وشخصيته معروفه لدى المسلمين.

وعملياً عبر ترسيخ فكرة المهدي المنتظر (عليه السلام) في أوساط القواعد الشعبية لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وتهيئة الأُمَّة لاستقبال مرحلته.

٣- طور الواقع: مرحلة الغيبة الصغرى (٢٦٠ – ٣٢٩ ه):

تمتاز هذه البرهة الزمنية في تاريخ الشيعة بأهمّية خاصَّة، إذ قارب هذا العصر على السبعين عاماً، بدأ بوفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام (٢٦٠ه) وتولّي الإمام المهدي (عليه السلام) الولاية والإمامة، وانتهى في الخامس عشر من شعبان عام (٣٢٩ه) بوفاة السفير عليّ السمري (قُدِّس سرُّه) رابع وآخر نائب خاصّ للإمام المهدي (عليه السلام). ففي هذا الفترة انتقل الشيعة إلى مرحلة جديدة في العلاقة مع القيادة الشرعية.

أوضاع تلك المرحلة:

الأوَّل: الوضع السياسي(٢٧): تزامنت فترة الغيبة الصغرى مع حكم ستَّة خلفاء عبّاسيين، من الخليفة الخامس عشر المعتمد (٢٥٦ – ٢٧٩ه) وحتَّى الخليفة العشرين الراضي (٣٢٢ – ٣٢٩ه).

ومن المشاكل التي واجهت العالم الإسلامي في عصر الغيبة الصغرى ظهور القرامطة وتمرُّدهم عام (٢٧٧ه) وفتنتهم وممارستهم للظلم والجور طيلة (٣٠ عاماً)، وهذا ما استدعى ممارسة السلطة العبّاسية الظلم ضدَّ الشيعة بذريعة انتساب هذه الفرقة إليهم، وتصاعُد أجواء الكبت ضدَّ الشيعة.

ففي هذه الفترة من التاريخ ظهرت أيضاً دول مستقلَّة، فانقسم العالم الإسلامي إلى ثلاثة أنظمة: الحكومة العبّاسية في بغداد، الحكومة الأُموية في الأندلس، الحكومة الفاطمية في مصر.

الثاني: الوضع الفكري: بدأت حركة تدوين المصادر الروائية في هذه الفترة، حيث صُنِّفت فيه كتب عديدة، منها الكتاب الشهير (الكافي).

الثالث: نظام السفارة: ففي ظلِّ الوضع الأمني المتأزِّم والذي نشأ عقب استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) فإنَّ حُكّام الدولة العبّاسية يُدركون تماماً، أنَّ المهدي (عليه السلام) – آخر الأوصياء – الذي بشَّر به النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ستزول دولتهم على يديه ويُقوِّض عروشهم، ولهذا بذلوا أقصى جهودهم للقضاء عليه، وهكذا نجد أنَّ التاريخ يعيد نفسه كقصَّة موسى وفرعون، ومن أجل هذا كانت منازل بني هاشم تخضع لمراقبة شديدة، للبحث عن الصبي الموعود.

فكيف يتصرَّف الإمام المهدي في جوٍّ خانق مليء بالجواسيس والعيون، وكيف يتسنّى له حماية نفسه من بطش الطغاة؟ وتحذيراً من خطر القتل وإبقاء نفسه الشريفة لأجل إظهار الدين وبأمر إلهي قرَّر اعتزال الناس بالغيبة والاستتار(٢٨).

كان لا بدَّ من إيجاد طريقة تحاول أن تعالج فراغ الغيبة، فوجد نظام (السفارة) كنوع من الارتباط غير المباشر بالإمام الغائب من خلال سفير أو نائب خاصٍّ يُعيِّنه الإمام (عليه السلام) بنفسه، وكانت مهمَّة السفراء رفع حوائج الناس والسعي في حلِّ مشاكلهم، وكانت الأسئلة تُسجَّل في ورقة فيأتي جوابها بتوقيعه (عليه السلام)، اصطُلِحَ عليها بتواقيع الناحية المقدَّسة.

إنَّ الغيبة الصغرى هي حقبة انتقالية، وهو أمر واقع تاريخياً تبرز فيه السفارة كمقوِّم أساسي لهذه المرحلة، أدّى إلى تفاعل الأُمَّة وجدانياً وعملياً مع القيادة الربّانية المتمثِّلة في إمام الزمان (المهدي (عليه السلام)) وذلك تجسيداً لمبدأ الإمامة.

خصوصية الأُطروحة المهدويَّة الشيعية:

تولّى الإمام المهدي (عليه السلام) الإمامة بعد استشهاد والده الإمام العسكري (عليه السلام) عام (٢٦٠ه)، وهذه ميزة تحسب إلى المدرسة الإماميَّة حيث إنَّها بدلَّت حالة الأُمنية في المسألة المهدويَّة إلى حالة واقعية موجودة، فهي بذلك تنتظر مهدياً محدَّداً، معروف الهوية والشخصية، وُلِدَ في عصره، وهو الآن حاضر موجود.

مراحل غياب الإمام المهدي (عليه السلام):

بناءً على الوضع الأمني المتأزِّم في بداية فترة إمامته وتناغماً مع الدور الإلهي الكبير المناط به تحقيقه، احتجب الإمام عن الناس بأمر إلهي إلى أن يأذن الله تعالى بظهوره في اليوم الموعود.

فكانت ظروف احتجابه واختفائه تُقسَّم إلى مرحلتين:

الأُولى: الغيبة الصغرى (٢٦٠ – ٣٢٩ه):

بدأت منذ وفاة أبيه الإمام العسكري (عليه السلام)، حيث تواصل الإمام المهدي مع قاعدته الشعبية عن طريق تعيين أربعة سفراء له.

وإن لم يكن أمر السفارة غريباً على أذهان الموالين (الشيعة) بعد أن كان نظام الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) قائماً على ذلك بشكل طبيعي واعتيادي، وكان مركز السفراء الأربعة بمدينة بغداد، ولهم وكلاء (٢٠ وكيلاً) في المدن الإسلاميَّة المختلفة، وكان الموالون أو الوكلاء يحملون حاجاتهم للسفير من مراكز وأقطاب بعيدة ويُقدِّمون له أسئلتهم، وبدوره ينقلها للإمام (عليه السلام)، ونظراً لأهمّية هذا الموقع الحساس بما يحمله من إمكانيات، برز العديد من الأصوات التي ادَّعت حصولها على شرف السفارة (كذباً وزوراً)، فابتدأت في عهد السفير الثاني الادِّعاءات الكاذبة وتوالت في زمن الغيبة الكبرى وإلى يومنا، وهذا من أكبر الفتن عند الشيعة الإماميَّة.

الثانية: الغيبة الكبرى (٣٢٩ه – اليوم الموعود):

كانت وفاة السفير الرابع يوم الخامس عشر من شعبان عام (٣٢٩ه) إيذاناً بابتداء عصر الغيبة الكبرى، وكان التوقيع الصادر عن الإمام (عليه السلام) إلى علي السمري قبل وفاته بستَّة أيّام هو الإعلان عن انتهاء أمد الغيبة الصغرى وانقطاع السفارة والنيابة الخاصَّة وبدء عصر الغيبة الكبرى. وبدأت مرحلة جديدة هي مرحلة النيابة العامَّة: فالنائب العامّ لم يُشخَّص بالاسم، وإنَّما شُخِّص بالصفة (ملكة الفقاهة).

التراث المهدوي الشيعي في هذه المرحلة:

برزت في هذه المرحلة أهمّية رسائل الإمام المهدي (عليه السلام)، فالتراث في هذه المرحلة يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:

١- تواقيع الناحية المقدَّسة:

أسئلة واستفسارات الشيعة في هذا العصر وإجابات الإمام المهدي (عليه السلام) عليها يتمُّ نقلها وتداولها عبر السفير، وهي كثيرة جدّاً وعلى امتداد ما يقرب من سبعين سنة.

ولكن للأسف الشديد (وأُكرِّرها مراراً)، فإنَّ أغلب رسائل الإمام المهدي (عليه السلام) والذي يُقدَّر عددها بين (حدود ٨٨٢٠ رسالة في الحدِّ الأدنى)(٢٩) أو (حدود ٢٨٨٠٠ رسالة في الحدِّ الأعلى)، وقد أكَّد السيِّد محمّد القبانجي، أنَّ هذا الرقم أقلّ من الحدِّ الأعلى لرسائل الإمام بكثير، حيث قال: (فيكون مجموع التواقيع الواصلة للوكلاء عن طريق السفراء (٢٨٨٠٠) توقيع، هذا عدا مئات، بل آلاف التواقيع المباشرة من السفير إلى صاحب الشأن والحاجة)(٣٠).

فالذي بين أيدينا حالياً من هذه التواقيع والرسائل الثمينة لا يتجاوز (٨٥) توقيعاً(٣١)، منها: (٣٩) دعاءً، (١٥) توقيعاً تنقل مسائل فقهية، (٣١) توقيعاً في أُمور عامَّة وخاصَّة، أمَّا البقيَّة الكبرى منها فقد ضاع، وهذه إحدى المصائب في القضيَّة المهدويَّة.

نشير إلى بعض المصنَّفات التي بادر بعضٌ من العلماء في العصر الحديث إلى جمع هذا التراث النفيس مثل: كتاب (كلمة الإمام المهدي) للسيِّد حسن الشيرازي توفّى (١٤٠٠ه)، وكتاب (موسوعة توقيعات الإمام المهدي) للشيخ محمّد تقي أكبر نجاد، طُبِعَ (١٤٢٧ه).

٢- كتب ومصنَّفات الشيعة:

كثرت المصنَّفات في هذه الفترة التي تتحدَّث عن الغيبة، فمن المصنَّفات التي دُوِّنت وكُتِبَت في هذه المرحلة، النماذج التالية(٣٢): كتاب (صاحب الزمان): أبو العنبس محمّد بن إسحاق بن أبي العنبس الصيمريّ، توفّى ببغداد عام (٢٧٥ ه). عبد الله بن جعفر بن الحسين القمي، له الكتب التالية: (الغيبة والحيرة، المسائل والتوقيعات، قرب الإسناد إلى صاحب الأمر)، توفّى بعد سنة (٢٩٠ه).

٣- شعر الشيعة في زمن الغيبة الصغرى:
أمَّا ما يخصُّ عدد الشعراء الشيعة وتراجم حياتهم في هذه الفترة، فقد تعرَّض لإحصائهم السيِّد محسن الأمين، وقد أثبت أسماءهم في موسوعته الرائعة (أعيان الشيعة)(٣٣).

ومن الملاحظ في تراث هذه الفترة أنَّه:

أوَّلاً: لم يتحدَّث أيُّ كتاب من كتب الشيعة في زمن الغيبة الصغرى (الكافي مثلاً)، بل والفترة التي بعدها مثل كتب (النعماني والمفيد والصدوق والمرتضى والطوسي) عن اختفاء الإمام المهدي في السرداب. نستغرب إذن! من أين جاء هذا الادِّعاء؟

ثانياً: لماذا لم يكتب السفراء الأربعة أو يُدوِّنوا أيَّ كتاب؟

فالسفراء الأربعة الكرام وهم من أعلام الطائفة وفقهائها قد تجنَّبوا تأليف وتدوين الكتب، وذلك: لأنَّ شخصيتهم لم تكن تُطرَح في المجتمع كعلماء وإنَّما كتجّار وأصحاب مهن لكي تبقى مسألة السفارة في طيِّ الكتمان والخفاء، ويجب أنْ لا يشعر الجهاز العبّاسي تجاههم بخطر، ودون أن يثيروا أيَّ شكوك حول علاقتهم بالإمام، ولذا اقتصروا في نشر آرائهم عن طريق الرواية الشفوية.

ثمرة المرحلة (الطور):

أهمُّ ما يُميِّز هذه المرحلة أن تبلورت فكرة المخلِّص بشكلها النهائي، وبلغت معه أرقى صور نضجها وتحوَّلت إلى واقع ملموس، إنَّها مرحلة التأسيس العملي للعقيدة المهدويَّة وطور البداية في العهد المهدوي الذي تنتظره البشرية منذ آلاف السنين، حيث بدأنا الخطوة الأُولى في تجسيد الأُمنية الكبرى لجميع أُمم العالم.

وحيث إنَّ البداية اتَّسمت بظروف أمنيَّة عصيبة، والبشرية لم تتهيَّأ بعد لاستقبال العهد الميمون، فغُيِّب الإمام بأمر إلهي عن الناس إلى أن يأذن الله تعالى بظهوره في اليوم الموعود، فانتقلت البشرية وبالخصوص الشيعة إلى حقبة جديدة من العلاقة مع إمام الزمان (عليه السلام) لم تعتد عليها الأجيال السابقة.

مرحلة الغيبة الصغرى بالرغم من محدودية مدَّتها، إلَّا أنَّها مهمَّة جدّاً في القضيَّة المهدويَّة، ومفصلية في تاريخ البشرية، فلو افترضنا فشل التخطيط في هذه المرحلة ولم ينجح التنفيذ، فإنَّ النتائج سوف تكون كارثية، ممَّا يقود الأُمَّة والقواعد الشعبية الشيعية إلى نسيان الإمام المهدي (عليه السلام) وعدم التصديق بوجوده وولادته.

ولكن الإدارة الحكيمة من قِبَل الإمام ووالده من قبله (عليهم السلام)، بالإضافة إلى نجاح التنفيذ من قِبَل جهاز السفارة أدّى إلى تكلُّل المرحلة بالنجاح.

نستنتج من محصَّلة هذه المرحلة: أنَّها محطَّة قصيرة في تاريخ الشيعة، إلَّا أنَّها ضرورية للانتقال إلى مرحلة الغيبة الكبرى.

٤- طور التأصيل: مرحلة بداية الغيبة الكبرى (٣٢٩ – ٤٤٧ه):
التمهيد الذي سبق في الغيبة الصغرى عبر نظام السفارة، جعل الشيعة تعتاد على عدم رؤية الإمام، وأنَّ الجيل الذي كان معتاداً على الاتِّصال بقيادته الشرعية والرجوع لها في كلِّ الأُمور قد انتهى، والجيل الجديد تعوَّد على غيبة الإمام المعصوم (عليه السلام)، فعندما حدثت الغيبة الكبرى لم تُشكِّل صدمة لهم، إذ ألفوا هذا النمط من الغياب والاحتجاب.

غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) لا تعني انسحابه عن دور القيادة والتوجيه للمجتمع الإسلامي، فهو الإمام الخاتم وهو الإمام الثاني عشر للمسلمين، ونظام الإمامة ممتدٌّ متَّصل إلى يوم القيامة. فالإمام في مرحلة الغيبة الكبرى يمارس دوره من خلال النيابة العامَّة، ويجب على الأُمَّة في هذه المرحلة أن ترتبط بإمام الزمان (عليه السلام) من خلال الارتباط بنوّابه (الفقهاء): «أمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا…» (٣٤).

في الواقع تُشكِّل الغيبة التامَّة في بداياتها حدثاً استثنائياً ومنعطفاً حادّاً في مسيرة الشيعة، ممَّا تُحتِّم على الفقهاء القيام بجزء من دوره (عليه السلام) والتصدّي لقيادة الشيعة.

الوضع السياسي والفكري في هذه المرحلة:

وهي فترة انكماش الدولة العبّاسية وضعفها، ما أدّى إلى سيطرة البويهيين على بغداد عاصمة الخلافة عام (٣٣٤ه) وواحدة من أهمّ أماكن تواجد الشيعة.

الدولة البويهية (٣٢١ – ٤٤٧ه): نشأت دولة البويهيين وهم شيعة اثنا عشرية، وتشكَّلت دولتهم غير المركزية من ثلاثة فروع: فارس والريّ وبغداد. بزغ نجم الدولة البويهية بعد فترة وجيزة(٣٤) من الغيبة الكبرى، وسيطرتها على السلطة الفعلية للدولة العبّاسية (٣٣٤ه)، وإحالة (منصب الخليفة) إلى موقع رمزي معنوي صوري.

وبالرغم من كون البويهيين يعتنقون المذهب الإمامي، إلَّا أنَّهم سلكوا سبيلاً وسطاً بين جميع الميول والاتِّجاهات الدينية، هذه التوفيقية هي التي أسهمت في تهدئة الأحوال واستقرار الأمن في البلاد، وهذا ممَّا ساعد على ترعرع العلم والثقافة.

امتاز العصر البويهي في العراق بالتمتُّع بالحرّية الدينية والفكرية والثقافية المتاحة لجميع أفراد المجتمع من جميع الفِرَق الإسلاميَّة، ولهذا اعتبرت هذه الفترة من أزهى العصور الثقافية، فأسهم ذلك في النهضة العلمية التي شهدتها بغداد في القرن الرابع والنصف الأوَّل من القرن الخامس الهجري(٣٥).

الدولة الحمدانية (٣١٧ – ٣٩٤ه): كان الحمدانيون وهم شيعة اثنا عشرية، يحكُمون الجزيرة الفراتية وشمال الشام، واتَّخذوا من حلب عاصمة لهم، دام حكمهم (٧٧) سنة. هجم الفاطميون على حلب ودخلوها، وقبل ذلك عادت الموصل إلى كنف الدولة العبّاسية الواقعة تحت السيطرة البويهية، لتزول بذلك الدولة الحمدانية في الشام.

شهدت الحياة الفكرية والثقافية في عهد الدولة الحمدانية نهضة كبيرة، وتمكَّن سيف الدولة من جعل حلب بيئة خصبة للعلوم والآداب، وكان ممَّن ذهب إليها الشيخ محمّد بن إبراهيم المعروف بالنعماني في سنة (٣٤٢ه) (صاحب كتاب الغيبة الشهير)، فأصبح البلاط الحمداني مرتع مشاهير العلماء والأُدباء والشعراء أمثال المتنبّي.

من التراث المهدوي الذي كُتِبَ في الشام في زمن الدولة الحمدانية أو على أطراف عهدها، مجموعة من المصنَّفات نذكر منها:

كتاب (غيبة النعماني): والذي كتبه في حلب سنة (٣٤٢ه)، وكتاب (تقريب المعارف): لأبي الصلاح تقي بن نجم الحلبي (٣٧٤ – ٤٤٧ه) والذي تطرَّق فيه إلى موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) في (٥٠) صفحة في مبحث (إثبات إمامة الحجَّة بن الحسن (عليه السلام) ووجه الحكمة في غيبته)، ويُبرهِن على ذلك بأدلَّة عقلية ونقلية ثاقبة،

وكتاب (كنز الفوائد): لأبي الفتح محمّد بن عليٍّ الكراجكي الطرابلسي توفّى عام (٤٤٩ه)، والذي تطرَّق فيه إلى موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) في (١٨) صفحة في مبحث (الكلام في الغيبة وسببها)، وقد كان للمؤلِّف العديد من المناظرات الكلامية مع علماء الطوائف والأديان الأُخرى، وبالخصوص الإسماعيلية في فترة بروز الدولة الفاطمية.

الدولة الفاطمية (٢٩٧ – ٥٦٧ه): هي إحدى دول الخلافة الإسلاميَّة في المغرب العربي، والوحيدة التي اتَّخذت من المذهب الشيعي (الإسماعيلي) مذهباً رسمياً لها، بويع عبيد الله بن الحسين (ت ٣٢٢ه) بالخلافة ولُقِّب بالمهدي، وهو الإمام الحادي عشر للإسماعيلية، وقام ببناء مدينة جديدة على الساحل التونسي سمّاها المهدية واتُّخذت عاصمةً للدولة.

استغلَّ الفاطميون ضعف الدولة الإخشيدية في مصر وتفكُّكها فاستطاع جوهر الصقلي دخولها عام (٣٥٨ه)، وأصبحت مصر ولاية فاطمية، وبعد مرور أربع سنوات انتقلت عاصمة الخلافة الفاطمية إلى مصر، حيث أنشأوا في عهد المعزِّ لدين الله مدينة القاهرة في عام (٣٦٢ه) وبنوا فيها الجامع الأزهر ودار الحكمة.

شملت الدولة الفاطمية مناطق وأقاليم واسعة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وضمّوا إلى سيطرتهم جزيرة صقلية والشام والحجاز فأضحت دولتهم أكبر دولة استقلَّت عن الدولة العبّاسية، والمنافس الرئيسي لها على زعامة المسلمين، وقد استمرَّت الدولة الفاطمية ما يقارب (٢٧٠) عاماً، وقد كانت خاتمتها عام (٥٦٧ه) على يد الأيّوبيين.

بشكل عامٍّ كانت بلاطات الحُكّام الشيعة (البويهيين والفاطميين والحمدانيين) منتديات للعلماء والمفكِّرين ومراكز لاستقطابهم، فالمنافسة العلمية الشديدة والخصبة بين هذه الدول، أهَّلت هذه الفترة إلى أن يُطلَق عليها عصر النهضة في الحضارة الإسلاميَّة، وبلغت قمَّة مجدها في القرن الرابع والنصف الأوَّل من القرن الخامس الهجري الذي عُرِفَ بالعصر الذهبي لعلماء المسلمين.

تأصيل التراث الحديثي الشيعي:

برز الفكر الشيعي الإمامي وشهد تطوّراً علمياً فريداً في هذه الفترة، وبخاصَّة في بغداد حيث أفرزت أجواء الحرّية المتاحة توافد العلماء عليها، ممَّا نتج عنه طفرة علمية ثقافية، وفي وسط هذا التجمُّع العلمي الكبير برز بعض العلماء والفقهاء الشيعة منهم: الصدوق (٣٠٦ – ٣٨١ ه)، والمفيد (٣٣٦ – ٤١٣ ه)، والمرتضى (٣٥٥ – ٤٣٦ ه)، والطوسي (٣٨٥ – ٤٦٠ه).

هؤلاء الجهابذة العظام هم أهل التخصُّص الديني في المذهب الإمامي، وقد بيَّنوا في مصنَّفاتهم أصالة العقيدة الإماميَّة، ومن المواضيع التي أعطوها اهتماماً كبيراً هو موضوع الإمام المهدي (عليه السلام)، فهم أصحاب رأي سديد ومنهج عقلي وعلمي أصيل، يُلمُّون بالدقائق المذهبية، ويغوصون في أعماق القضيَّة المهدويَّة، ويجلون الخافي في الأُمور الكلامية، ويتجلّى ذلك بوضوح عند مطالعة مصنَّفاتهم في هذا الموضوع، فقد تركوا تراثاً علمياً يتَّسم بالقوَّة والعمق والأصالة.

في رحم هذه المرحلة بدأت حركة تدوين نشطة تظهر عند كافَّة المذاهب الإسلاميَّة المختلفة، فأُمّهات كتب الروايات الشيعية كُتِبَت في هذه الفترة، وبدأت تتَّضح ملامح المدرسة الإماميَّة، وأصبحت مصنَّفات هذه الفترة مصادر أساسية ومرجعية، وفيها كتبت الأُصول الحديثية المرجعية للشيعة الكتب الأربعة: (الكافي) و(من لا يحضره الفقيه) و(تهذيب الأحكام) و(الاستبصار).

إجمالاً هذه الكتب تُقدِّم فكرة عمَّا كانت عليه تصانيف علماء الشيعة في هذا العصر من سعة وشمول وعمق، ممَّا كان له بالغ الأثر في المحافظة على أحكام الشريعة الغرّاء وسُننها وآدابها.

أهمُّ كتب التراث المهدوي الشيعي في هذه المرحلة:

كان من البديهي تأصيل التراث المهدوي الشيعي في هذه الفترة أيضاً، فكتابة مصنَّفات مهدوية مرجعية للشيعة لم يأتِ من فراغ، بل هو مواكب للحركة العلمية والفكرية التي تبنّاها علماء الشيعة.

إنَّ مجرَّد مراجعة إجمالية لتصنيفات فقهاء الشيعة في بداية عصر الغيبة الكبرى، تظهر حاجة وخطورة مسألة الغيبة، وحفظ الروايات الشريفة المرتبط بالشأن المهدوي، فانصرف العلماء لكتابة مصنَّفات مستقلَّة عن علل الغيبة وبلورة العقيدة المهدويَّة، وأنَّ الدافع الأكبر من ورائها يكمن في رفع الحيرة والشكِّ الذي أصاب بعض الشيعة.

واعتُبِرَت بعض مصنَّفات هذه الفترة المراجع (الأُمّ) في القضيَّة المهدويَّة، فهي التي أصَّلت للثقافة المهدويَّة بمحافظتها على الروايات الشريفة في هذا الشأن، فكما هو ثابت فإنَّ الوحي هو مرجعية التأصيل في المرتبة الأُولى، ولذا انطلق علماء هذه المرحلة في البدء بتأصيل العقيدة المهدويَّة بتجميع روايات أهل البيت (عليهم السلام) أوَّلاً، ثمّ ردّ الشبهات ثانياً،

ومن هنا تبرز أهمّية هذه المصنَّفات، ولا بدَّ من الإشارة إلى بعضها:

١- كتاب (الغيبة للنعماني): لأبي عبد الله محمّد بن إبراهيم النعماني المشهور بابن أبي زينب، وهو من تلامذة الكليني، توفّي بحلب (عام ٣٦٠ه) في عهد الدولة الحمدانية.

هذا الكتاب أثر ثمين خصَّه مؤلِّفه في موضوع الإمام المهدي (عليه السلام)، قسَّم الكتاب إلى (٢٦) باباً، واشتمل على (٤٧٨ رواية)، وقد اكتفى المؤلِّف بجمع الروايات وتصنيفها بلا إضافة تعليق أو شرح إلَّا في حالات نادرة، مكتفياً أيضاً بنقل الرواية في باب واحد من دون تكرار لها في الأبواب الأُخرى،

دوَّن النعماني هذا المصنَّف وهو في حلب (الشام)، وفرغ من تأليفه في شهر ذي الحجَّة من سنة (٣٤٢ه)(٣٦)، وهذا المصنَّف أقدم كتاب شيعي وصل إلينا في موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) في عصرنا الحالي.

٢- كتاب (كمال الدين وتمام النعمة): لمحمّد بن عليِّ بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق (٣٠٦ – ٣٨١ه)، كتب هذا المصنَّف بأمر الإمام المهدي (عليه السلام)، لإِزالة بعض الشبهات التي أُثيرت عند الشيعة حول المهدويَّة، ويُعَدُّ من المصنَّفات القيِّمة عند الشيعة الاثني عشرية، يبحث المؤلِّف فيه روائياً عن شخصية الإمام (عليه السلام) وما يختصُّ بوجوده وغيبته وما يدور حوله في (٥٨) باباً.

٣- كتاب (المسائل العشر في الغيبة): لمحمّد بن النعمان العكبري المعروف بالمفيد (٣٣٦ – ٤١٣ه)، وموضوعه دفع أهمّ الشبهات التي كانت تُثار آنذاك حول موضوع الإمام المنتظر (عليه السلام)، عالج الشيخ الإشكالات بعلاج جذري وناقشها من جميع الجهات، واعتمد في ردِّه الشبهات على الأدلَّة النقلية والعقلية، شأنه شأن الكتب الكلامية العميقة، وقد بدأ بتأليفه في أواخر سنة (٤١٠ه)، وانتهى منه في سنة (٤١١ه).

٤- كتاب (المقنع في الغيبة): للسيِّد عليِّ بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (٣٥٥ – ٤٣٦ه)، الكتاب من خيرة وأنفس ما كُتِبَ في موضوع الغيبة من محور البحوث الكلامية، صنَّف كتابه بأُسلوب ونسق مميَّز على طريقة (فإن قيل… قلنا) فجاء قويُّ الحجَّة، دحض فيه شبهات المخالفين، وأثبت غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) وعللها وأسبابها والحكمة الإلهيَّة التي اقتضتها.

٥- كتاب (غيبة الطوسي): لمحمّد بن الحسن المعروف بشيخ الطائفة (٣٨٥ – ٤٦٠ه)، ألَّف الشيخ هذا الكتاب في بغداد سنة (٤٤٧ه)، ويُعتَبر من أفضل المصادر المهمَّة في المعارف المهدويَّة التي يعتمدها الباحثون، وذلك لشموليته وعمق ودقَّة المعلومات فيه، فالمؤلِّف ذو خبرة وإحاطة عالية بالعلوم الإسلاميَّة، بالإضافة لتوفُّر بعض المصادر المهمَّة بين يدي الشيخ أثناء تدوينه الكتاب غير موجودة بين أيدينا حالياً(٣٧)، مثل:

كتاب (الضياء في الردِّ على المحمّدية والجعفرية) لسعد بن عبد الله الأشعري القمّي، وكتاب (الرجعة) وكتاب (القائم) للفضل بن شاذان، وكتاب (أخبار الوكلاء الأربعة) لابن نوح الصيرفي، وكتاب (الأوصياء) وكتاب (الغيبة) للشلمغاني، وكتاب (في نصرة الواقفة) لعليِّ بن أحمد العلوي، وهذا ما يرفع القيمة العلمية للكتاب ويُبيِّن مدى أهمّيته.

وبنظرة شاملة لهذه الكتب الخمسة نجد أنَّ: كتاب (الغيبة) لابن أبي زينب النعماني، و(كمال الدين وتمام النعمة) للشيخ الصدوق، قد اشتملا على روايات الغيبة، فتمَّ تصنيف وتبويب الروايات الشريفة إلى موضوعات مختلفة، فانتهج المؤلِّفان المنحى الروائي في الغالب.

في حين كتاب (الفصول العشرة في الغيبة) للشيخ المفيد، وكتاب (المقنع في الغيبة) للشريف المرتضى، انتهج المؤلِّفان المنحى العقلي حيث اقتصرا على تناول أبحاث الغيبة من الناحية العقلية والكلامية فقط. بينما كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي قد اهتمَّ بالمنهجين معاً حيث ذكر روايات كثيرة بالإضافة إلى المباحث العقلية، ممَّا جعله كتاباً جامعاً مميَّزاً في موضوعه.

التراث المهدوي المكتوب في هذه المرحلة(٣٨):

نذكر بعض ما صنَّفه العلماء عن موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) والدفاع عنه في هذه الحقبة التاريخية:

١- كتاب (الغيبة وكشف الحيرة): سلامة بن محمّد بن إسماعيل الأرْذني، المتوفّى سنة (٣٣٩ه).
٢- كتاب (المهدي): أبو موسى عيسى بن مهران المستعطِف، توفّى في حدود (٣٤٥ه).
٣- كتاب (الغيبة): أبو محمّد الحسن بن حمزة، المعروف بالطبري والمرعش، توفّي سنة (٣٥٨ه).

تواقيع الناحية المقدَّسة في هذه المرحلة:

ذكر الشيخ الطبرسي في الاحتجاج كتابين(٣٩) أرسلهما الإمام المهدي (عليه السلام) إلى الشيخ المفيد، يتضمَّنان بعض التوجيهات العالية، وبعض الأخبار المستقبلية الصادقة، وذلك وفقاً للمصلحة العامَّة في أوَّل زمان الغيبة الكبرى.

كلا الخطابين(٤٠) وصل للشيخ المفيد في أواخر أيّام عمره (ت ٤١٣ه)، ويكون مضى على وفاة السمري (السفير الرابع والأخير) ما يزيد على الثمانين عاماً بقليل، أي على انتهاء الغيبة الصغرى عام (٣٢٩ه).

ثمرة المرحلة (الطور):

في هذه المرحلة التاريخية تمَّ وضع الأُسس لأُصول المعرفة والتراث المهدوي الشيعي، وبناء الخريطة العلمية العامَّة في أُفق الأُطروحة المهدويَّة الإماميَّة.

وتمتاز هذه البرهة الزمنية في تاريخ التشيُّع بأهمّية خاصَّة، ذلك أنَّ الشيعة حصلوا على حرّية نسبية في إبراز معتقداتهم بعد تشكيل حكومات شيعية مستقلَّة (الدول: البويهية – الحمدانية – الفاطمية)، ولذا كان للعامل السياسي دور كبير في النهضة الشيعية العلمية، وكان للظرف التاريخي أيضاً (بداية الغيبة الكبرى) عامل مهمّ في تكوين وبلورة معارف الإمامة، فاستمرار حركة النشاط العلمي أعطت ثمارها في تعزيز المعارف المهدويَّة وتأصيلها، حيث ساعدت الظروف السياسية والحاجات الاجتماعية والفكرية في هذه المرحلة التاريخية للشيعة في معالجة قضايا الغيبة وعللها، فقد تخطّى علماء هذه المرحلة الطور السابق، واتَّبعوا منهج التأصيل الروائي بتصنيفه وتبويبه، بالإضافة إلى الاجتهادات الكلامية والعقلية.

أخذت قضيَّة التأصيل للمعارف المهدويَّة قوَّة دفع كبرى في هذه المرحلة، فالقفزة الابتكارية والرائدة التي قام بها علماء الشيعة (بكتابة المصنَّفات المهدويَّة الروائية والكلامية في المرحلة الأُولى من عصر الغيبة الكبرى)، يضع ما يشبه أن يكون إطاراً عامّاً في موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) وفق رؤية منهجية يتكامل فيها النقل والعقل.

لقد تبلورت المعارف المهدويَّة وتأصَّلت بالنتاج العلمي الخصب لعلماء هذه المرحلة، ممَّا يرمز إلى تطوّر كبير في مسار الثقافة المهدويَّة، لأنَّه استطاع أن يعطينا نتاجاً علمياً ثميناً أهَّله للانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل النموِّ والتطوّر والنضج الفكري.

الحمد لله بفضل الرعيل الأوَّل من علماء الشيعة بداية الغيبة الكبرى أُصِّلت المعارف المهدويَّة، ممَّا جعل الشيعة تقبل ظروف الإمامة الخاتمة، وتتأقلم مع غيبة الإمام واحتجابه عن الناس. وفي عصرنا الحالي مازلنا نتغذّى فكرياً على النتاج الثقافي والفكري لهذه المرحلة.

٥- طور الركود: مرحلة التقلّبات الطائفية (٤٤٧ – ٩٠٧ه):

تمتاز هذه الحقبة الزمنية في تاريخ الشيعة بتحوّلات سياسية وفكرية خاصَّة، إذ بدأت مرحلة التعصُّب الطائفي التي قادها بنو سلجوق، وانعكس ذلك على السياق العامّ للفكر المهدوي، فعاش حالة من الانكماش والتراجع.

الوضع السياسي والفكري في هذه المرحلة:

بدأت مرحلة التعصُّب الطائفي عندما دخل السلاجقة بغداد عام (٤٤٧ه)، فسرعان ما انحازوا إلى الاتِّجاه السلفي المتشدِّد، وأسرفوا في الفتك والبطش، وتُعَدُّ الفترة (٤٤٧ – ٤٤٩ه) من أسوأ ما شهدته بغداد (حاضرة العالم الإسلامي)، فقد ضاع من خلالها كثير من التراث الشيعي، وهذا الذي يُفسِّر لنا حالة التراجع في الثقافة المهدويَّة.
الدولة السلجوقية (٤٢٩ – ٥٨٣ه):

تأسَّست على يد سلالة السلاجقة وهي سلالة تركية، لقد ظهرت الدولة عندما قاد طغرل بك السلجوقي حرباً مع الدولة الغزنوية في إقليم خراسان وانتصر عليهم، واصل طغرل تقدُّمه نحو الغرب، فخاض حرباً مع الدولة البويهية في إيران والعراق، وسيطر على بغداد في عام (٤٤٧ه)، استمرَّت الدولة فترة من الزمن إلى أن انتهت في سنة (٥٨٣ه).

استقلال الخلافة العبّاسية (٥٨٣ – ٦٥٦ه):

في عام (٥٨٣ه) هدم الخليفة العبّاسي الناصر لدين الله قصور السلاجقة بالمخرم، لمحو أثرهم وابتداء صفحة جديدة من سموِّ الخلافة وقوَّتها، وكان الناصر لدين الله (حكم ٥٧٥ – ٦٢٢ه) يميل إلى التشيُّع ويرى رأي الإماميَّة.

إنَّ الضعف الذي أصاب الخلافة العبّاسية في عهد المستعصم (حكم ٦٤٠ – ٦٥٦ه) وقع في ظلِّ تهديدات خارجية خطيرة للغاية، وهي أنَّ سرايا التتار تتواصل على ثغور الدولة، فاجتاح التتار مدينة بغداد عاصمة الدولة العبّاسية يوم (٩) صفر (٦٥٦ه)، وسقطت على يد المغول، وانتهى الحكم العبّاسي.

الدولة الإيلخانية المغولية (٦٥٦ – ٧٣٦ه):

حكم المغول العراق بعد سقوط بغداد، ويعود أصلهم لقبائل كبيرة سكنت هضبة منغوليا بأطراف الصين، وقد حقَّق القائد المغولي (هولاكو) هدفه الأوَّل بالاستيلاء على قلاع الإسماعيلية وأُمراء الفرس عام (٦٥٤ه)، ثمّ مضى في تحقيق هدفه الآخر بالقضاء على الخلافة العبّاسية، وفعلاً سقطت بغداد، وقتل المغول عدداً كبيراً من أهلها، ودمَّروا معظم معالم المدينة، وقضوا على المكتبات ودور العلم التي تحتوي على وثائق تاريخية ثمينة وكتب علمية كثيرة، حتَّى أنَّ مياه نهر دجلة أصبحت سوداء.

حدثت نزاعات داخلية عائلية على الحكم عند مغول الصين، فقرَّر هولاكو الانفصال بالمناطق التي تحت يديه، وشكَّل دولته الإيلخانية بإيران والعراق (٦٥٦ – ٧٣٦ه) وعاصمتها تبريز، وصار الحكم وراثياً في نسل هولاكو.

إنَّ سوء العلاقة مع المغول في الصين، والمناوشات المتكرِّرة مع دولة المماليك في مصر والشام بعد معركة عين جالوت، بالإضافة لعوامل أُخرى كثيرة تظافرت وأصبحت معوِّقات استقرار، وكان اعتناق الإسلام هو السبيل الأمثل للخروج من هذه الأزمات، فقرَّر الإيلخان السابع محمود غازان (حكم ٦٩٤ – ٧٠٣ه) أن يفتتح عهده بفرض الإسلام وفق أحد المذاهب السُّنّية (الحنفي) للدولة في مطلع شعبان (٦٩٤ه) أي بعد (٣٥) سنة على تأسيس الدولة، وبدأ الحُكّام المغول يُقدِّمون أنفسهم باعتبارهم مسلمين(٤١).

في الواقع إنَّ المغول اكتشفوا أنَّ اعتناقهم للإسلام واتِّباعهم للمذهب السُّنّي يُحبِّط مشروعهم السياسي، فبدأ التحوّل الإيديولوجي الثاني، فانتقل السلطان الجايتوخان – غيَّر اسمه إلى محمّد خدابنده – إلى مذهب التشيُّع وإقراره مذهباً رسمياً للدولة الإيلخانية عام (٧٠٩ه)، أي بعد نحو (١٥) عاماً على التحوّل الأوَّل، وذلك ببركة جهود العلَّامة الحلّي، فخرجت الدولة من المعارك المذهبية وسمح للحرّيات الدينية، كما سمح للمذاهب الأُخرى أن تقيم طقوسها بحرّية تامَّة.

يذكر (د. فؤاد إبراهيم): (في حقيقة الأمر، أنَّ المغول سعوا باعتناقهم التشيُّع للتزوّد بمبرِّر معقول وفعّال يستعملونه لتحقيق مآربهم السياسية، فقد باتوا بعد تشيُّعهم قادرين على التشكيك في مشروعية كلِّ الحكومات الإسلاميَّة السُّنّية)(٤٢).

من الدول التي حكمت العراق بعد المغول، الدولة الجلائرية (٧٣٦ – ٨١٣ ه):

وهي دولة شيعية ومن أُصول مغولية، ودولة القره قوينلو – التركمانية الأُولى (٨١٣ – ٨٧٢ه)، ودولة آلاق قوينلو – التركمانية الثانية (٨٧٢ – ٩١٤ه).

الوضع الفكري:

يمكن إدراك انعكاسات التحوّل السياسي عقب انهيار الدولة البويهية، وقيام الدولة السلجوقية التي أعادت التضييق على الشيعة، وكان من آثارها الهجوم على دار الشيخ الطوسي وإحراق كتبه وكرسيه، وإحراق مكتبات شيعية أُخرى في بغداد، وإتلاف التراث الشيعي المودَع في خزائن الكتب ودور العلم، ممَّا أجبرت المرجعية في عام (٤٤٨ه) للانتقال إلى النجف.

الظروف السياسية الجديدة ركَّزت اهتمام علماء الشيعة على حماية التراث الشيعي والحفاظ عليه من الاندثار، فغلب المنحى الإخباري وتنامي ميول الانغلاق على الذات. وعلى امتداد أكثر من قرن انحسر النشاط العلمي التجديدي في الوسط الشيعي، فيما انتعشت البحوث التقليدية، التي برزت في صورة محاججات ومناظرات عقدية بين الشيعة والسُّنَّة.

ففي ظروف عصيبة كهذه لجأت المذاهب الدينية للاعتصام بالتراث الخاصّ الداخلي، والاكتفاء بالحدِّ الأدنى من الأعمال التي تُظهِر هوية المذهب، وقد ساد هذا المنحى بصورة متفاوتة منذ وفاة شيخ الطائفة الطوسي عام (٤٦٠ه)، حتَّى الربع الأخير من القرن السادس الهجري، لتبدأ إرهاصات تحوّل علمي بظهور محمّد بن منصور بن إدريس الحلّي (ت ٥٩٨ه)، الذي شهد انهيار الدولة السلجوقية واستقلال الخلافة العبّاسية (٥٨٣ه)، والأجواء الجديدة المؤاتية والباعثة على استئناف النشاط الفقهي التجديدي، وخصوصاً في عهد الناصر لدين الله العبّاسي، الذي أتاح بعض الحرّية للعلماء(٤٣).

وفي مقابل ذلك برز الاتِّجاه الإخباري الذي واجه الاتِّجاه الأُصولي الاجتهادي ممَّا شكَّل انتكاسه في انفتاح الحوزة العلمية.

في ضوء التحوّلات الكبرى وخصوصاً تحوّل المغول إلى التشيُّع، والمناخ التحرّري الذي عاشه فقهاء الشيعة، شهد المذهب الشيعي الاثني عشري في هذه الفترة انتعاشاً في مجالَي الفقه والعقائد، بخلاف الفقه السُّنّي الذي شهد فترة ركود، هذا الانتعاش الذي تأكَّد بعد الإعلان الذي أصدره هولاكو بالأمان لأهل الحلَّة في العراق، وانتقل على أثره معظم علماء الشيعة إلى الحلَّة، التي بدأت تشهد نشاطاً علمياً تجديدياً، حيث انتقلت الزعامة للحوزة العلمية في الحلَّة من القرن السابع إلى القرن التاسع الهجري.

على الرغم من إعادة إطلاق حركة التجديد الفقهي مع بروز المحقِّق الحلّي (٦٠٢ – ٦٧٦ه)، والعلَّامة الحلّي (٦٤٨ – ٧٢٦ه) والذي كان له دورٌ أساسيٌّ في تشيُّع الدولة المغولية (الإيلخانية)، وبعدهما الشهيد الأوَّل (٧٣٤ – ٧٨٦ه) إلَّا أنَّنا لا نقع على تطوّرات تُذكَر في التراث المهدوي الشيعي في هذه الفترة التاريخية، وأنَّ مسار التطوّر المعرفي المهدوي أقرب إلى الانكماش منه إلى التجديد والانطلاق، فالمصنَّفات المهدويَّة تقف عند حدود النقل والاقتباس الجامد للنصوص، والسعي إلى تصنيف وتجميع الروايات وإدراجها في عناوين محدَّدة، وخير مثال على هذا المنهج في هذه الحقبة التاريخية: كتاب (الملاحم والفتن) لابن طاووس.

أمَّا بالنسبة لعلماء مدرسة الحلَّة البارزين، لا نجد لهم أيَّ تصانيف مستقلَّة مرتبطة بالشأن المهدوي، إنَّما بعض البحوث الصغيرة المتفرِّقة هنا وهناك في مصنَّفاتهم الأُخرى، ونستشفُّ من قراءتنا لبعض هذه الصفحات المحدودة التي كُتِبَت عن القضيَّة المهدويَّة، أنَّهم لم يولوها المزيد من الاهتمام، إنَّما تدخل ضمن مبحثهم للإمامة باعتبارها الإمامة الخاتمة أو الردّ على بعض الشبهات المتعلِّقة بالغيبة،

ونجد ذلك عند مطالعتنا لبعض الكتب العقائدية التي كُتِبَت في هذه الفترة الزمنية(٤٤)، مثل:

– كتاب (المسلك في أُصول الدين) للمحقِّق الحلي، نجد به (٨) صفحات في مباحث متعلِّقة بالغيبة.

– كتاب (النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة) لميثم البحراني (ت ٦٩٩ه)، نجد به (٦) صفحات في ردِّ شبهات المخالفين عن الغيبة.

– كتاب (اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية) لجمال الدين مقداد السيوري الحلّي (ت ٨٢٦ه)، نجد به (٤) صفحات في موضوع الغيبة.

إجمالاً هذه الصفحات المهدويَّة القليلة، لا يخلو بعضها من منحى عقلي وكلامي، إلَّا أنَّها كُتِبَت بطابع المساجلات والمناظرات ومحاكاة للردود على شبهات المخالفين القديمة عن علل الغيبة، ومعتمدة في الأساس على كتب الشيخ المفيد والشريف المرتضى.

عوامل ركود الحركة الفكرية في التراث المهدوي:

يُؤرَّخ للركود الثقافي في هذه الحقبة من تاريخ التراث المهدوي في الفترة ما بين وفاة الشيخ الطوسي (ت ٤٦٠ه) وبدايات القرن العاشر الهجري، وقد ساعدت على ذلك مجموعة من العوامل، منها:

١- انهيار الدولة البويهية الشيعية الداعم الأساسي لرجال الفكر والمعرفة، وخصوصاً مع كون البديل تُمثِّل بالحكومة السلجوقية والمواقف التعسّفية الذي اتَّخذتها تجاه العلماء ودور العلم والمكتبات وإحراق خزائن العلم الشيعية.

٢- عظمة شخصية الشيخ الطوسي ومكانته العلمية ممَّا جعله مهيمناً على الحركة الفكرية الشيعية لفترة طويلة من الزمن انحسر فيها النشاط العلمي التجديدي في الأوساط العلمية، إلى أن ظهر العالم محمّد بن إدريس الحلّي (ت ٥٩٨ه) ليضع حدّاً للتبعية لآراء الطوسي، ويُفعِّل منهج الاجتهاد والاستنباط القائم على النقد والتحليل.

٣- توجُّه الأوساط العلمية (الحوزة) نحو الفقه والأُصول والتركيز عليهما، ولم يكن العطاء العقلي والاجتهاد والتجديد في القضيَّة المهدويَّة بالمستوى الرفيع الذي وصلت إليه في مجال الدراسات النقلية والفقه وأُصوله حيث تمحورت الدراسة الحوزوية حولهما، وقد ألقى ذلك بظلاله على نتاجاتهم في مجال المعارف المهدويَّة.

كلُّ ذلك ساعد في انحسار النشاط الفكري المهدوي، وعاد طابع المحاكاة والنقل الحرفي خلال هذه الفترة، فانعكس ذلك على التراث، فلم نجد التجديد أو التطوير الذي يُذكَر في المصنَّفات المهدويَّة.

التراث المهدوي المكتوب في هذه المرحلة:

عند مراجعة التراث المهدوي في هذه المرحلة، نجد أثر الاتِّجاه النقلي واضحاً في مصنَّفاته، ولم نلحظ أيَّ إضافات جديدة مهمَّة ذات منحى عقلي في هذا الشأن، فمثلاً نقرأ في مصنَّف مهدوي بارز من هذه الفترة مثل كتاب ابن طاووس (ت ٦٦٤ه) (الملاحم والفتن في ظهور الغائب المنتظر)، وهو مقارب في عنوانه ومضمونه للكتب التي نقل منها، وهو مثال جيِّد يُوضِّح مستوى الحركة الفكرية المهدويَّة المرحلية.

حيث يُعتَبر الكتاب من المصنَّفات الحديثية (الروايات) في الشأن المهدوي، وهو من المختصرات الجامعة التي تناولت عدداً كبيراً من المسائل المندرجة تحت أبواب (الفتن)، يجمعها كلَّها بصورة شاملة وبصيغة موجزة، ويُعتَبر هذا الكتاب تقليدياً في منهجه وأُسلوبه وطريقة عرضه للمسائل،

وقد اعتمد المؤلِّف على ثلاثة كتب أساسية في موضوعه: كتاب الفتن لنعيم بن حمّاد المروزي (ت ٢٢٩ه)، وكتاب الفتن لأبي صالح السليلي بن أحمد الحسّاني (نسخة عام ٣٠٧ه)، وكتاب الفتن لأبي يحيى زكريا بن الحارث البزار (نسخة عام ٣٩١ه).

والغالبية العظمى للكتاب عبارة عن نقل روايات لأهل العامَّة – ليس من رواياتنا -، والسيِّد ابن طاووس أراد أن يقيم الدليل على العامَّة بأنَّ علماءهم ومحدِّثيهم يتحدَّثون بحديث العلامات وليس الشيعة فحسب، والملاحظ أنَّ بعض المواضيع المختارة تخالف بعض الثوابت للمذهب الشيعي الاثني عشري، فمثلاً في الباب (١٦٢) في اسم المهدي يذكر أحاديث عديدة منسوبة للنبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق أهل العامَّة ومن مصادره التي اعتمدها «يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي». بقراءة إجمالية نجد أنَّ الكتاب ليس به أيَّة إضافة فكرية أو منحى عقلي إنَّما منغمس في النقل والتبويب.

من المصنَّفات المهدويَّة في هذه المرحلة(٤٥):
١- كتاب (المسألة في مولد صاحب الزمان): محمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري، توفّى (٥٦٣ه).
٢- كتاب (الغيبة): الأشرف بن الغرّ بن هاشم المعروف بتاج العلى (ت ٦١٠ه).
٣- كتاب (السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان) وكتاب (الغيبة) وكتاب (سرور أهل الإيمان في علائم ظهور صاحب الزمان): عليُّ بن عبد الكريم النيلي، كان حيّاً سنة (٨٠٣ه).

بالإضافة لبعض البحوث التي لم تُكتَب مستقلَّة إنَّما دُمِجَت ضمن سياق كتب عقائدية أو مجموعات أُخرى لعلمائنا الأعلام(٤٦)، نذكر منها: كتاب (إعلام الورى بأعلام الهدى) تأليف: أمين الإسلام الطبرسي (ت ٥٤٨ه)، وكتاب (الاحتجاج) تأليف: أبو منصور أحمد بن عليٍّ الطبرسي (ت ٦٢٠ه)، وكتاب (مختصر البصائر) تأليف: الحسن بن سليمان الحلّي (ت ٨٠٢ه).

ثمرة المرحلة (الطور):

إنَّ الظروف السياسية التي عاشها الشيعة في هذه الحقبة التاريخية كان لها تأثير سلبي كبير جدّاً على التراث الشيعي، فقد خيَّمت أجواء التعصُّب المذهبي على الحرّية المتاحة للعلماء وعلى المستوى الفكري واتِّجاهاته بشكل عامٍّ.

من المؤسف حقّاً أنَّه في صدر الإسلام مُنع الحديث النبوي ظنّاً منهم أنَّ هذا هو الذي يحفظ الإسلام وهو توهُّم باطل، ممَّا خسَّر البشرية الكثير من تراث الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأفقدنا الكثير من تراث أهل البيت (عليهم السلام).

وفي عصور لاحقة -كهذه الحقبة التاريخية- فإنَّ الهمجية والجهل والتعصُّب الطائفي والحروب المقيتة قضت على العلم والفكر، فتُحرَق وتُبيد جهود مئات السنين وترجع بالأُمَّة إلى الخلف، فضاعت علينا الأُصول الأربعمائة واندثرت معظم تواقيع الناحية المقدَّسة.

إنَّ ممَّا يقرح الفؤاد حقّاً، هو الكمُّ الهائل الذي أُحرق من مكتبات الشيعة على مرِّ التاريخ، وفي هذه المرحلة بالذات، فتوارت واختفت للأبد كلُّ مصنَّفات الشيعة في الشأن المهدوي في عصر الأئمَّة (عليهم السلام) وعصر الغيبة الصغرى، فصارت مئات الكتب المهدويَّة النفيسة طعمة للنار!

علماً بأنَّ الأحداث الطائفية التي قام بها السلاجقة لم تكن فريدة في التاريخ الإسلامي وبالخصوص في هذه الفترة، فقد سبقتها بلاد فارس في عهد الدولة الغزنوية، وأعقبتها أحداث مصر في عهد الدولة الأيّوبية، وكذلك ما قام به المغول على حاضرة العالم الإسلامي.

التقلّبات السياسية والطائفية للدول المتعاقبة في هذه المرحلة الزمنية، أدَّت إلى أنْ يتمثَّل الاتِّجاه الفكري الشيعي في اتِّجاهين:

الأوَّل: اتِّجاه ذو منحى عقلي اجتهادي، وتُمثِّله ثُلَّة من كبار علماء مدرسة الحلَّة، وقد سلكت مسيرة التجديد وفتحت باب الاجتهاد وإعادة الاعتبار للعقل، ولكن للأسف لم نجد أيَّ كتاب أو مصنَّف مستقلٍّ كُتِبَ في الشأن المهدوي من قِبَل علماء هذا الاتِّجاه.

الثاني: اتِّجاه ذو منحى نقلي أثري، وليس بالضرورة إخباري، ونشأ هذا الاتِّجاه كردِّ فعلٍ على الاتِّجاه الأوَّل، ويتبنّى نزعة سلفية تقليدية، تقف عند حدود النقل والاقتباس الجامد للنصوص.

في هذه المرحلة التاريخية تغيَّر واختلف مسار الحركة التصاعدية في الفكر المهدوي، بصورة عكست طبيعة الظروف الزمانية وتمايز البيئات السياسية الحاكمة، فقد شهدت تحوّلات وتراجعات فكرية تميَّزت بانخفاض مستوى الناتج الفكري المهدوي كمّاً وكيفاً نتيجة للتراجع في النشاط العلمي، وغلب على تصنيفات هذه الفترة الزمنية طابع المطارحات والسجالات الفكرية مع المدارس الأُخرى، وطابع النقل الذي يعيد صياغة الثقافة المهدويَّة نقلاً عن مصنَّفات سابقة يُبوِّبها أو يختصرها، ممَّا خيَّم على مسار الثقافة والمعارف المهدويَّة في هذه المرحلة حالة من الركود والانكماش.

٦- طور التفريع: مرحلة انتشار التشيّع (٩٠٧ – ١١٤٨ه):

تمتاز هذه الفترة الزمنية بتحوّلات مفصلية سياسية وفكرية في تاريخ الشيعة، إذ بدأت مرحلة انتشار وتوسُّع التشيُّع، وانفتاح المجال السياسي أمام فقهاء الشيعة، والولاية العامَّة للفقيه بصفته نائباً للإمام المهدي (عليه السلام)، وارتفع الاضطهاد عن الشيعة في إيران خاصَّة.

الوضع السياسي والفكري في هذه المرحلة:

إنَّ الهجوم المغولي على إيران، أشاع الدمار والظلم في المجتمع الإيراني، ودفعه إلى الانهيار الروحي ممَّا وفَّر قاعدة مناسبة لإعادة الحياة إلى التصوّف المتجذِّر في فارس، وإضافة لعوامل أُخرى تهيَّأت الأرضية المناسبة لانتشار المذهب الشيعي.

الدولة الصفوية (٩٠٧ – ١١٤٨ه):

يُنسَب الصفويون إلى جدِّهم الأعلى الشيخ صفي الدين إسحاق الأردبيلي، وهو تركي سُنّي على مذهب الشافعي، وكان شيخ طريقة صوفية، انتقل إلى أردبيل (التابعة للحكم في مقاطعة أذربيجان).

اعتنق أحد أحفاده (الشيخ جنيد) المذهب الشيعي الاثني عشري، والذي قام برحلة إلى الأناضول والشام، حيث التشيُّع منتشر في تلك المناطق، ويقول (د. طقوش) عن هذه الرحلة: (فقرَّر استقطاب التركمان إلى صفه من خلال تبنّيه لشعائرهم في التشيُّع، وأشاع بأنَّ دولة العلويين الموعودة التي ستظهر في آخر الزمان هي وشيكة القيام بقيادته، وهو سيحارب في جيش المهدي (عليه السلام)، واضعاً بذلك البنى التأسيسية لمشروع سياسي يهدف إلى إنشاء دولة)(٤٧)، فالتفَّ حوله عشرات الآلاف من التركمان الشيعة في الأناضول، وتمَّت على يديه الانعطافة في تحوّل الحركة الصوفية إلى حركة سياسية، بعد أن تهيَّأ لها الجوّ السياسي بتفتُّت إمبراطورية تيمور لنك.

وخطا ابنه (حيدر) خطوة أُخرى في دفع الحركة الصوفية إلى التشيُّع، وذلك بوضع نواة لقوَّة عسكرية، وتوالت الأحداث بسرعة، فتولّى رئاسة الأُسرة ابنه الفتى إسماعيل (١٤ عاماً)، فالتفَّتْ حوله القبائل التركمانية وطبعت شخصيته بهالة من القداسة باعتباره القائد العسكري والملهم الروحي لهذه القبائل، فانطلق الجيش من أردبيل وقاده بنفسه للغزو والفتح، واستولى على مناطق عديدة من إيران، وقُدِّر لهذا الفتى الشجاع (٨٩٢ – ٩٣٠ه) أن يقوم عام (٩٠٧ه) بخطوتين مثيرتين للغاية:

أوَّلاً: تأسيس دولة جديدة قويَّة، استطاعت أن تُوحِّد إيران تحت راية واحدة.

ثانياً: إعلان المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري مذهباً رسمياً في البلاد.

قاد الشاه إسماعيل (حكم ٩٠٧ – ٩٣٠ ه) جيوشه محقِّقاً انتصارات متلاحقة، وفي سنة (٩١٤ه) دخلت بغداد في حكمه. جاء قيام الدولة الصفوية ليكون إحدى الحوادث الكبرى في تاريخ إيران، ولكن قرار التشيُّع كلَّف الدولة الصفوية الكثير، فقد وجدت نفسها بين فكَّي كمّاشة: الأُوزبك المتعصِّبين في الشرق، والعثمانيين المدجَّجين بالسلاح في الغرب، وسرعان ما وجدت الدولة الصفوية الفتيَّة نفسها تخوض حروباً مصيرية في حدودها الشرقية والغربية.

وفي (٣٨) من العمر توفّى شاه إسماعيل تاركاً على العرش نجله طهماسب (حكم ٩٣٠ – ٩٨٤ه)، وهكذا انطوت الفترة التأسيسية، فاتَّجهت الدولة إلى بناء جبهة داخلية قويَّة تستند إلى قاعدة مذهبية جديدة. توالت الأحداث، وفي عهد الشاه عبّاس الأوَّل (٩٩٦ – ١٠٣٨ه) ترتَّبت الأوضاع الداخلية للدولة وارتقت إلى مصافِّ الدول الكبرى في المنطقة، وقد عالج الأوضاع الخارجية وحسَّن العلاقات مع بعض دول أُوربا.

حكم الدولة الصفوية (١١) مَلِكاً من عام (٩٠٧) وحتَّى عام (١١٤٨) هجري، وعندما أصابها الضعف والفتور أغرى ذلك الدول الأُخرى في السيطرة على مناطقها، فاحتلَّت القبائل الأفغانية أجزاءً من إيران، وكذلك فعلت الدولة العثمانية مع المناطق الغربية، واحتلَّت روسيا القيصرية المناطق الشمالية، وهنا يظهر نادر شاه الأفشاري (١١٠٠ – ١١٦٠ه) كقائد عسكري على مسرح الأحداث، الذي أعلن سقوط الدولة الصفوية التي دامت قرابة قرنين ونصف، وقيام دولة جديدة محلّها.

الوضع الفكري:

برزت حاجة الدولة الصفوية في بداية تأسيسها إلى إيجاد قاعدة فقهاء شيعة حيث لا يمكن العثور عليهم في تبريز، فاتَّجهت الأنظار إلى الخارج وبالخصوص العراق ولبنان والحواضر الشيعية، فبدأ الاتِّصال بالعلماء والفقهاء للاستفادة منهم في إدارة الشؤون الدينية والقضائية.

وقد كان لعلماء لبنان دور كبير في تعميق التشيُّع في إيران، وأصبحت استمالة علماء جبل عامل للتوجُّه إلى إيران من السياسات الأساسية للحكومة الصفوية، وكان من بينهم الشيخ عليّ عبد العال الكركي (٨٧٠ – ٩٤٠ه) الذي تسنَّم منصب شيخ الإسلام -أعلى منصب ديني رسمي- في عهد الشاه طهماسب، فلأوَّل مرَّة في تاريخ الشيعة يتقلَّد الفقيه منصب النيابة (الولاية) العامَّة عن الإمام المهدي (عليه السلام)، بمعنى أن يصبح الفقيه المصدر الرئيسي لإضفاء الشرعية على السلطة، فهذه بداية مرحلة جديدة لعلاقة الفقيه مع السلطان.

ومن أجل فهم الظروف التي ساعدت على حدوث هذا التطوّر، علينا أنْ نعرف ولو بشيء من الإيجاز النظرية الإماميَّة حول إشكاليات التعامل مع السلطان:

(إنَّ التأسيس الشيعي للسلطة يقوم على الإمامة المعصومة من خلال النصِّ، فإنَّ شرعية ممارسة السلطة في زمن حضور الإمام المعصوم (عليه السلام) منوطة به وحده، ولا يمكن تجاوزه بحال من الأحوال (فالوصيَّة هي ما يُؤسِّس نظرية السلطة عند الشيعة)، ولكن غيبة الإمام الثاني عشر (عليه السلام) شكَّلت تحوّلاً كبيراً وأنتج بدوره إشكاليات جديدة، إذ إنَّ غياب الإمام المهدي (عليه السلام) في العام (٣٢٩ه) ترك فراغاً فعلياً، رغم أنَّه إمام الزمان (عليه السلام) وصاحب السلطة الفعلية، وعلى ضوء ذلك لا يمكن الإقرار بشرعية أيِّ نظام سياسي يقوم على غصب الإمام المعصوم صلاحياته وسلطته)(٤٨).

لقد تبَّوأ العلماء والفقهاء مناصب قيادية في الدولة الصفوية، وهو ما يتماهى مع حاجة الصفويون إلى تدعيم أركان حكمهم عبر كسب شرعية دينية، وكان هذا يُشكِّل الطابع والسياق العامّ في الدولة الصفوية.

ولكن عند تقييم التجربة الصفوية في إيران، ودراسة عهد كلِّ مَلِك بشكل مستقلٍّ نجد الاختلاف في التعامل كالآتي: (لقد كان شاه إسماعيل يجمع في شخصيته الزعامتين الروحية والسياسية، واعتُبِرَ إلى حدٍّ كبير نائباً للإمام المهدي (عليه السلام).

أمَّا شاه طهماسب فقد أعلن وبصراحة مثيرة أنَّ الشيخ الكركي – وهو عالم عربي لا يعرف الفارسية ولا التركية – هو نائب الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّه هو الحاكم الحقيقي لإيران، وأنَّه مفوَّض في إدارة شؤون الدولة. وعندما جاء شاه عبّاس إلى الحكم أصبح هو الحاكم المطلق لإيران والدكتاتور الذي لا يُسئَل عمَّا يفعل)(٤٩)، كلُّ ذلك أدّى إلى أن يكثر الحديث عن دور (الفقيه الجامع للشروط) في شؤون الحكم وتوسيع هذا الدور باعتباره نائباً للإمام الغائب، فانطلق جدال فقهي وسياسي وسط فقهاء الشيعة في القرن العاشر الهجري حول العلاقة مع السلطة وقبل ذلك مشروعيتها، فبرزت آراء فقهية معارضة لما يطرحه الكركي وتيّار جبل عامل، بدأت مع الفاضل إبراهيم القطيفي(٥٠) الذي كان متحفِّظاً تجاه التعاون مع السلطة الصفوية.

شهدت العقود الأخيرة من عمر الدولة الصفوية صراعات فكرية على أكثر من جبهة: صراع بين الفقهاء والحركة الصوفية، وآخر بين أهل الحديث وأهل الفلسفة، ومثله بين الإخباريين والأُصوليين، ومواجهة بين المسلمين والتبشير المسيحي بسبب الانفتاح على أُوربا.

هذه التحوّلات والصراعات الفكرية هيأت الأجواء لظهور كتب حديث مميَّزة في هذه الحقبة، مثل: كتاب (الوافي) للفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ه)، كتاب (وسائل الشيعة) للحرِّ العاملي (١٠٣٣ – ١١٠٤ه)، موسوعة (بحار الأنوار) للعلَّامة المجلسي (١٠٣٧ – ١١١٠ه)، وتُعتَبر هذه الكتب من أهمّ ما أضافه العصر الصفوي إلى المكتبة الشيعية في حقل الدراسات الفقهية والعلوم الإسلاميَّة، وهذه المصنَّفات الحديثية قد أكملت سلسلة كتب الحديث الأربعة القديمة، ذات القيمة التاريخية لفقه الإماميَّة.

التراث المهدوي المكتوب في هذه المرحلة:

نقتطف بعض المصنَّفات المهدويَّة البارزة والتي كُتِبَت في زمن العهد الصفوي، ونلاحظ فيها كثرة التفريعات والتبويبات، وكُتِبَت على شكل موسوعات من كثرة التفصيل والتوسُّع فيها أو التطرُّق إلى أبواب جديدة، ونشير إلى:

١- موسوعة (بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمَّة الأطهار) لشيخ الإسلام العلَّامة محمّد باقر بن محمّد تقي الأصفهاني المجلسي، تُعتَبر الموسوعة من أشهر الكتب الحديثية والروائية لدى الشيعة الاثني عشرية، كتبه المجلسي في أصفهان في زمن الدولة الصفوية، يتكوَّن من (١١٠) مجلَّدات ضخمة.

دوَّن المجلسي الموسوعة في النصف الثاني من عمره وبعد أن طوى مدارج عالية في العلم والتأليف، وحظي بدعم مادّي ومعنوي من الدولة الصفوية.

تحتوي موسوعة البحار على عناوين ومواضيع عديدة ويتفرَّع من كلِّ عنوان أبواب شتّى، فإنَّ (المجلَّد الثالث عشر) طبقاً للطبعة الحجرية ذات الخمسة والعشرين مجلَّداً، والطبعة الحديثة ذات المائة والعشرة أجزاء (المجلَّدات ٥١ إلى ٥٣) اشتمل على موضوع (في تاريخ الإمام الثاني عشر (عليه السلام))، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ هذه المجلَّدات الثلاثة وجُلّها روايات وأخبار أهل البيت (عليهم السلام) تشارك في تثبيت الحقائق العقائدية وتثبت أنَّ قضيَّة الإمام المهدي (عليه السلام) هي قضيَّة إسلاميَّة عامَّة، وقد اعتمد في الجزء المتعلِّق بموضوع الإمام المهدي (عليه السلام) على أكثر من (٥٤) مصدراً شيعياً. وقد استغرق جمع الموسوعة وتدوينها ما يقرب من (٣٤) سنة كاملة (١٠٧٢ – ١١٠٦ه).

٢- موسوعة (عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار) للشيخ عبد الله بن نور الله البحراني الأصفهاني (ت ١١١٤ ه) من أعلام تلامذة شيخ الإسلام المجلسي.

عدد مجلَّدات الموسوعة (١٢٩) جزءاً، وهذا الكتاب أخذه البحراني من (بحار الأنوار) مع تنظيم دقيق وتنسيق جيِّد في ترتيب الأحاديث وتبويبها، وقد انتقد عليه جماعة واعتبروا كتابه تحويراً شائناً عن البحار، ولذا لم يُرزَق من الحظِّ ما رُزِقَ البحار. طُبِعَ في العصر الحديث(٥١) بعض أجزائه بشكل مستقلٍّ، منها كتاب (أحوال الإمام الحجَّة) في (٥) مجلَّدات كبيرة في (٢٦٢٥) صفحة وهي عبارة عن الجزء (٢٦) من الطبعة الحجرية القديمة.

٣- كتاب (المحجَّة فيما نزل في القائم الحجَّة) للسيِّد هاشم بن سليمان البحراني (ت ١١٠٧ه)، يُعتَبر أوَّل مصنَّف في هذا الباب وبهذا الأُسلوب حيث جمع فيه الآيات القرآنية النازلة في الإمام المهدي (عليه السلام) على ضوء الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، وهو من الكتب القيِّمة في هذا المجال، ويحتوي على (١٢٠) آية ابتداءً من سورة البقرة إلى سورة العصر،

يقول البحراني عن كتابه المحجَّة: (ألَّفته من تفسير أهل البيت (عليهم السلام) وربَّما كانت الآية قد نزلت فيه وفي آبائه الطاهرين، فاقتصرت في هذا الكتاب على ذكر الرواية فيه (عليه السلام) وأُحيل في الرواية في آبائه على كتاب (البرهان في تفسير القرآن))(٥٢). المحجَّة كتاب قيِّم لم يسبقه أحد على هذا النهج، وعلاوة على ذلك فإنَّ فيه ميزة أُخرى، وهي نقله مباشرة من كتب مفقودة اليوم ولا أثر لها، مثل: كتاب (الهداية) للحسين بن حمدان الخصيبي، وكتاب (كشف البيان) لمحمّد بن الحسن الشيباني. انتهى من تأليفه قبل (٢٢) ذي الحجَّة (١١٠٤ه).

ومن بين المصنَّفات المهدويَّة كذلك في هذه المرحلة التاريخية:
٤- كتاب (رسالة في الغيبة): للشيخ عليِّ عبد العال الكركي (ت ٩٤٠ه).
٥- كتاب (رسالة في مناهج تسميات المهدي (عليه السلام)): محمّد باقر الحسيني الداماد (ت ١٠٤٠ه).
٦- كتاب (الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة): محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت ١١٠٤ه).

ثمرة المرحلة (الطور):

إنَّ الظروف السياسية التي عاشها الشيعة في هذه المرحلة بانفتاح المجال السياسي أمام فقهاء الشيعة، وانتشار التشيُّع في مناطق جديدة، أثَّر بشكل كبير على تطوّر الفكر الإمامي من ناحيتين:

أوَّلاً: في الجانب السياسي:

من الناحية النظرية وكذلك الناحية العملية (ونقصد بذلك الولاية العامَّة للفقيه عن الإمام المهدي (عليه السلام))، ففي السابق لم يكن لدى علماء الشيعة قبل قيام الدولة الصفوية نظرية سياسية واضحة المعالم في عصر الغيبة، أو حتَّى خبرة عملية يمكن أن تعين الفقيه على بناء نظرية واقعية لدولة تستمدُّ من قِيَم الدين والمذهب أُسسها وسياساتها،

فقد قَصُرَ دور العلماء على الاعتقاد بالإمامة الإلهيَّة التي تحوَّلت إلى نظرية مقفلة بإحكام، فمنذ انقطاع الجدل الفقهي حول العلاقة مع السلطة وسط فقهاء الشيعة في القرنين الرابع والخامس الهجري -في عهد الدولة البويهية- لم يشهد الوسط الشيعي جدالاً مماثلاً حتَّى القرن العاشر الهجري، حيث بقيت مسألة العلاقة مع السلطة وقبل ذلك مشروعيتها غير محسومة، بالرغم من الظروف المساعدة والمناخ السياسي الذي يتيح للفقيه فرصة إنتاج معارف دينية سياسية، ونخصُّ بتلك الظروف النماذج التالية:

* نموذج: العلَّامة الحلّي وأُلجايتو خدابنده في الدولة الإيلخانية المغولية، وكان دور الفقيه منحصراً في الحيِّز الإرشادي التبليغي.

* نموذج: الشهيد الأوَّل محمّد مكّي العاملي والحاكم عليّ ابن المؤيَّد في الدولة السربدارية، وكان دور الفقيه منحصراً في دور الافتاء.

إلَّا أنَّ المصادر التاريخية والفقهية لا تشير إلى ثَمَّة جدالات سياسية جرت وسط فقهاء الشيعة خلال الفترة الممتدَّة من القرن السادس وحتَّى بدايات القرن العاشر الهجري. أمَّا في عهد الدولة الصفوية، فقد شكَّل نموذج الشيخ الكركي منعطفاً تاريخياً في علاقة الفقيه والسلطان، بمعنى أنه أصبح المصدر الرئيسي لإضفاء الشرعية على السلطة.

ولذا يمكن القول بأنَّ التراث السياسي الشيعي (الولاية العامَّة عن الإمام المهدي (عليه السلام)) بدأ مع قيام الدولة الصفوية، وتحديداً فيما يتعلَّق بالمواقف العامَّة من التعاطي بالشأن السياسي والعلاقة بين الفقيه والسلطان، فأنطلق أثر ذلك نشاط ثقافي وفكري وجدل حادٍّ في الأوساط الشيعية، بين مؤيِّد للتماهي مع الدولة الصفوية وبين مستنكر بشدَّة لأيِّ نوع من العلاقة مع الدولة المندرجة تحت عنوان الدولة الغصبية وهي دولة زمنية لا دينية، كون العلاقة معهم تُلوِّن سلطانهم بالشرعية التي لا تصحُّ إلَّا للإمام المعصوم(٥٣).

ثانياً: في الجانب المعرفي المهدوي:

نتيجة لانتشار التشيُّع وتعدُّد العلوم والمعارف والتوسُّع في مختلف المسائل الدينية، ونتيجة للتحوّلات والصراعات الفكرية التي حدثت في عهد الدولة الصفوية وعلى أكثر من جبهة، وجد العلماء أنفسهم مضطرّين إلى مواكبة المرحلة، فتوسَّعت المعارف والعلوم الدينية، وتفرَّعت الأبواب في الثقافة المهدويَّة، فأطلق العلماء العنان لأفكارهم وانسابت أقلامهم، فأنتجوا مؤلَّفات حديثية ضخمة وموسوعات جامعة مطوَّلة ذات فروع متكاثرة وأبواب متناثرة، والتي كانت إحدى السمات الجديدة في التأليف في هذه المرحلة التاريخية، فسار التصنيف الموسوعي إلى جانب التصنيف الموضوعي، إضافة لهدف حفظ التراث الشيعي المهدوي من الضياع والاندثار، فظهر لنا مثل:

موسوعة (البحار) وموسوعة (عوالم العلوم والمعارف) كدوائر معارف تهتمُّ بأحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها عدَّة مجلَّدات تهتمُّ بالأحاديث المتعلِّقة بالإمام المهدي (عليه السلام)، وقد اشتملت هذه المصنَّفات على العديد من الأبواب والتفريعات الجديدة في القضيَّة المهدويَّة. إضافةً إلى ذلك ففي هذه المرحلة تمَّ التطرُّق إلى فروع مبتكرة في الثقافة المهدويَّة مثل كتاب (المحجَّة) والذي يُعتَبر أوَّل مصنَّف في بابه.

وبناءً على ذلك تطوَّرت حركة التفريعات في القرون اللاحقة، وتوسَّعوا في دائرة التفريعات، وخلاصة القول: فإنَّ كتاب (البحار) يُعتَبر مثالاً بارزاً وتحوّلاً واضحاً في مسار التراث المهدوي الشيعي، ونقلة في النشاط الثقافي والفكري المهدوي من طور الركود إلى طور التفريع والتفصيل، فالمجلَّدات الثلاثة (٥١، ٥٢، ٥٣) تُعتَبر من المصنَّفات المهدويَّة الرائدة والشاملة الجامعة، وقد تناولت عدداً كبيراً من المسائل والأبواب.

٧- طور الدفاع: مرحلة دحض الشبهات عن العقيدة المهدويَّة (١١٤٨ – ١٣٩٠ه):
بعد انتهاء الدولة الصفوية والتعاقب السريع لدول عديدة على حكم إيران، والتدخُّل الأجنبي السافر في البلاد الإيرانية، فقد أفرزت هذه الظروف واقعاً نفسياً محبطاً وسيِّئاً لدى الإيرانيين، فدخل الشيعة في صراع ومواجهة مع فِرَق هدّامة وضالَّة صنيعة الاستعمار الأجنبي كالبابية والبهائية، والتي استغلَّت بعض سمات القضيَّة المهدويَّة في بداية انطلاق دعوتها، ممَّا دفع علماء الشيعة في الردِّ على ادِّعاءاتهم ومزاعمهم وفضح خبث مخطَّطاتهم.

الوضع السياسي في هذه المرحلة:

الدولة الأفشارية (١١٤٨ – ١١٦٣ه)(٥٤): كان نادر شاه أوَّل ملوكها، والذي يرجع أصله إلى عشيرة أفشار التركمانية، والتي استقرَّت في شمال خراسان في منطقة (أبيورد)، بدأ نادر حياته العسكرية بانضمامه إلى عساكر حاكم أبيورد، وكان طموحه أن يحكم خراسان كلَّها، فاجتمع حوله عددٌ كبيرٌ من عشائر الأفشار التركمانية وأكراد قوجان، فسيطر على خراسان ووسَّع دائرة نفوذه بسرعة، وبسبب ضعف الدولة الصفوية في أيّامها الأخيرة، عزل عبّاساً الثالث الصفوي، ونصَّب نفسه شاهاً جديداً على إيران عام (١١٤٨ه).

وقد دخلت إيران بعد مقتله عام (١١٦٠ه) في دوّامة من الفوضى والاضطرابات الدموية، وقد تمكَّن كريم خان الزندي من استغلال الظروف وتأسيس دولة الزنديين.

الدولة الزندية (١١٦٦ – ١٢٠٩ه)(٥٥): مؤسِّس الدولة كريم خان الزندي والذي تنتسب أُسرته إلى (قبيلة لك) الكردية، كان كريم جندياً في جيش نادر شاه، وتقلَّد مناصب عسكرية رفيعة في عهد عادل شاه، وبعد مقتل نادر دخلت البلاد الإيرانية بعد عام (١١٦٠ه) في حروب داخليه قاسية، فاستغلَّ كريم خان الأوضاع القلقة والمضطربة التي اجتاحت إيران للاستحواذ على السلطة والحكم، فتمَّ له ذلك عام (١١٦٦ه)، ولكن بعد مماته (١١٩٣ه) دبَّ الخلاف والنزاع بين أخلافه وتقاتلوا وضعفت الدولة الزندية، وبعد قتل لطف عليّ خان الزندي عام (١٢٠٩ه) في طهران، قامت مكانها الدولة القاجارية.

الدولة القاجارية (١٢٠٩ – ١٣٤٣ ه)(٥٦): تنحدر سلالة القاجار من إحدى قبائل القزلباش البدوية من التركمان، استطاع آغا محمّد خان أن يستولي على الحكم في بلاد فارس بعد قيامه سنة (١٢٠٩ه) بالقضاء على الزند في كرمان، ثمّ القضاء على الأفشاريين في خراسان، فوحَّد البلاد واتَّخذ لنفسه لقب الشاه، وبسبب القيادة السياسية الفاشلة والخسائر العسكرية في عهد فتح عليّ شاه (١٢١٢ – ١٢٥٠ه)، تدهورت أوضاع البلاد وتغلغل النفوذ الروسي والبريطاني في إيران بشكل كبير، وانفصلت مناطق كثيرة من القوقاز وأجزاء من سواحل بحر قزوين عن إيران بموجب معاهدة (گُلستان عام ١٢٢٨ه) ومعاهدة (تُركمن چاي عام ١٢٣٤ه) مع روسيا القيصرية، ومعاهدة باريس (١٢٧٤ه) مع الحكومة البريطانية، والامتيازات التي حصلوا عليها نتيجة لهذه المعاهدات، فتعرَّضت كرامة إيران كدولة، فأدَّت هذه الأوضاع إلى حدوث انتفاضات داخلية مهمَّة:

في عهد مظفَّر الدين شاه القاجاري (١٣١٤ – ١٣٢٣ه) ثارت الجماهير الإيرانية للمطالبة بإقرار دستور للبلاد، فبرز كلٌّ من آية الله (محمّد الطباطبائي) وآية الله (عبد الله البهبهاني) اللذين كان لهما دور كبير في إذكاء روح الثورة، وتحت ضغط الجماهير أصدر الشاه في عام (١٣٢٤ه) قانوناً يقضي بإنشاء مجلس نيابي منتخب، وافتتح مجلس الشورى وتمَّت صياغة الدستور، وتوضِّح إحدى موادِّه أن يكون في كلِّ دورة من دورات المجلس لجنة مؤلَّفة من خمسة أشخاص من الفقهاء المجتهدين يدرسون جميع اللوائح التشريعية على ضوء الشريعة الإسلاميَّة ووفقاً للمذهب الشيعي الاثني عشري، فإذا وجدوا ما يخالف الشريعة رفضوه، وأنَّ قراراتهم في هذا الصدد واجبة التنفيذ، وأنَّ هذا الشرط في الدستور لا يمكن تغييره إلى حين ظهور إمام الزمان (عليه السلام).

الدولة البهلوية (١٣٤٣ – ١٣٩٩ه): بانتهاء الحرب العالمية تخلَّصت بريطانيا من منافسيها في إيران وأصبحت السيِّد المطلق في السياسة الإيرانية، وكانت معاهدة عام (١٣٣٧ه/١٩١٩م) مع بريطانيا بمثابة فرض حماية استعمارية على إيران. فباركت الاستخبارات البريطانية الانقلاب العسكري الذي قاده رضا خان بهلوي في (١٣) جمادى الآخرة (١٣٣٩ه)، فتأسَّست الدولة البهلوية، وفي سنة (١٣٤٣ه) خلع الشاه أحمد ميرزا القاجاري رسمياً وأصبح بهلوي مَلِكاً لإيران، واتَّبَع سياسة داخلية تقوم على فصل الدين عن السياسة، تأسّياً بأُسلوب كمال أتاتورك التركي، فكان في صراع دائم مع رجال الدين.

خلفه ابنه محمّد رضا بهلوي (١٣٣٨ – ١٤٠٠ه) وكان يُلقَّب ب (شاهنشاه) أي ملك الملوك. في عهده بدأت علائم النفور تظهر على العلاقات بين إيران والاتِّحاد السوفيتي، وبدأت الولايات المتَّحدة الأمريكية تدخل على خطِّ نيل الامتيازات الاقتصادية، وتزامن عهده بمجابهة حادَّة مع المؤسَّسات الدينية، ممَّا أدّى الى سقوط نظامه عام (١٣٩٩ه)، أثر انتفاضة شعبية قادها الإمام الخميني، وقامت مكانها الجمهورية الإسلاميَّة حيث رافقتها تغييرات جذرية شاملة، فاضطرَّ الشاه إلى ترك إيران في (١٧) صفر (١٣٩٩ه) وتُوفّي في مصر.

الوضع الفكري في هذه المرحلة:

اقتفت الدولة القاجارية سيرة التشيُّع الصفوي، فأقرَّت تمذهب الدولة ولكن سمته أنَّه يقع خارج نطاق حركة الدولة، أي إنَّ النشاط الديني مستقلّ عن الحكومة، ولذا فالدولة القاجارية لم تحمل رسالة دينية أو مذهبية محدَّدة.

وقد تنبَّه القاجاريون لمستوى وعي فقهاء الشيعة في الميدان السياسي، حيث كان دورهم محورياً في الحوادث السياسية كثورة التنباك والحركة الدستورية، فبدأ ملوك القاجار يُشجِّعون المنحى القريب إلى نزعتهم التسلطية عبر ترسيخ الفكر الانعزالي الصوفي، والحدّ من تأثيرات النزعة العقلانية التحرّرية في الفكر الشيعي، وفي هذه الفترة ظهرت الفرقة الشيخية بزعامة الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي (١١٦٦ – ١٢٤١ه)، الذي كان مقرَّباً لدى المَلِك القاجاري فتح عليّ شاه (حكم ١٢١٢ – ١٢٥٠ه)، في سياق خطَّة لتطوير التيّار الأخباري والصوفي داخل التشيُّع بما يتيح له فرصة وقف تمدُّد التيّار الأُصولي الاجتهادي المهيِّئ للعب دور سياسي احتجاجي داخل الدولة(٥٧)، فابتدأ فصل جديد من الصراع (الأخباري – الأُصولي) في العهد القاجاري، في سجال فقهي تُحرِّكه أغراض سياسية محدَّدة.

إنَّ الواقع النفسي السيِّئ والمرير للمجتمع الإيراني، قد أوحى لأعداء الإسلام باستغلال هذه الحالة النفسية، وجدوى استثمارها وتوظيفها في خدمة أهدافهم وتحقيق مآربهم، وتمَّ ذلك بتشويه العقيدة الإسلاميَّة الأصيلة باستخدام فكرة المهدويَّة.

إنَّ الأرضية في زمن الشاه محمّد القاجاري ووزارة الميرزا الأقاسي الإيرواني كانت مهيَّأة لظهور وادِّعاء مهدوية أُخرى وإمام زمان جديد في إيران، فلم يمض على هزيمة الشاه فتح عليّ وخسرانه مدن القفقاز إلَّا خمسة عشر عاماً حتَّى خسر الشاه محمّد بلاد الأفغان،

ومن جهة أُخرى كانت موجة السخط والتذمُّر من قِبَل الشعب الإيراني قد بلغت أوجها لما يعانيه من ظلم الحُكّام وانتشار الفقر وتدهور الحالة الاقتصادية وخسران جزء من أرض البلد وتسلُّط الأجانب عليه، وقد اتَّبع الروس والإنجليز سياسة متحمِّسة تماماً للصيد في الماء العكر،

فاستغلَّت المخابرات الروسية الفرصة وبواسطة جاسوسهم (كينياز دالكوركي)، وما هي إلَّا فترة وجيزة حتَّى سمع الإيرانيون أنَّ إمام الزمان (المهدي) قد ظهر، وذلك بادِّعاء عليّ محمّد (الباب) بالمهدويَّة، وأنَّ عهد ظلم الحُكّام وجور أُمراء القاجار وعتوّهم قد ولّى، وقريباً تتحوَّل إيران بل العالم كلُّه إلى جنَّة من الزهور، وتُستَأصل جذور الظلم والجور إلى الأبد والمحظوظ من طار صوبه،

وبواسطة أساليب الحيل والمكر والخديعة ووسائل الخبث الاجتماعي والسياسي انطلت الخديعة على البسطاء والمحرومين من أهل ذلك الزمان، ممَّا أدّى إلى انتشار الإشاعة الكاذبة وتصديقها، فبهذا المكر والخداع الذي صاحبه حاجة الناس للهروب من الظلم والجور توافَدَ البسطاء والسُّذَّج على (البابية) اعتقاداً منهم بأنَّ من يسبق إلى اللحاق بعليّ محمّد (مدَّعي البابية والمهدويَّة) يكن من أنصاره (٣١٣)، فتحقَّق للعدوِّ الأجنبي ما أراد وطمح إليه.

الكتب الشيعية في الردِّ على البابية والبهائية:

انبرى علماء الشيعة لمحاربة ومجابهة الفرقة البابية الضالَّة والتي تفرَّعت منها الديانة البهائية، فبرزت العديد من المصنَّفات العربية والفارسية في الردِّ على ضلالاتهم وادِّعاءاتهم. نذكر أمثلة من هذه الكتب(٦٢):

١- إزهاق الباطل: للحاجّ محمّد كريم خان الكرماني (١٢٢٥ – ١٢٨٨ه)، زعيم الشيخية الكرمانية.
٢- صواعق البرهان في ردِّ دلائل الإيقان: الحاجّ زين العابدين الكرماني (١٢٧٦ – ١٣٦٠ه).
٣- بارقه حقيقت: من تأليف البابيَّة الإيرانية قدس إيران التي أسلمت في فترة لاحقة، وهو بالفارسي.

التراث المهدوي المكتوب في هذه المرحلة:

بعض مصنَّفات علماء الشيعة في موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) في هذه المرحلة التاريخية:

١- كتاب (النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجَّة الغائب)، حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي (ت ١٣٢٠ه)، وقد فرغ من تأليفه سنة (١٣٠٣ه).

٢- كتاب (إلزام الناصب في إثبات الحجَّة الغائب): عليّ بن زين العابدين اليزدي الحائري (ت ١٣٣٣ه)، انتهى من كتابته سنة (١٣٢٧ه)، طُبِعَ في مجلَّدين.

٣- كتاب (بشارة الإسلام في علامات صاحب الزمان): مصطفى إبراهيم حيدر الكاظمي، انتهى من تدوينه سنة (١٣٣٢ه).

٤- كتاب (البابية والبهائية): للشيخ محمّد جواد البلاغي (١٢٨٢ – ١٣٥٢ه)، هذا الأثر النفيس صُنِّف للردِّ على ضلالات البابية والبهائية وتفنيد مزاعمهم ودحض ادِّعاءاتهم، وقد سمّاه مؤلِّفه (نصائح الهدى والدين إلى من كان مسلماً وصار بابياً)، فقد تعرَّض فيه لمجمل عقائدهم وشبهاتهم فنقضها وردَّها، هذا علاوة على كلِّ خصوصيات الكتاب وفوائده، فإنَّ فيه ميزة نادرة أُخرى، وهي نقله مباشرةً من كتاب (الغيبة) ونقل منه (١٩) حديثاً، وكتاب (الرجعة) ونقل منه حديثاً واحداً، وهي من مصنَّفات الشيخ الفضل بن شاذان النيسابوري (ت ٢٦٠ه) وهما كتابان يُعَدّان من الكتب المفقودة التي لا أثر لها اليوم. وقد تمَّ الانتهاء من تأليفه في شهر شعبان سنة (١٣٣٩ه) في النجف الأشرف.

٥- كتاب (مع أحمد أمين في حديث المهدي والمهدويَّة) للشيخ محمّد أمين زين الدين (١٣٣٣ – ١٤١٩ه).

٦- كتاب (البرهان على وجود صاحب الزمان) للسيِّد محسن الأمين الحسيني العاملي (١٢٨٤ – ١٣٧١ه).

٨- طور التجديد: مرحلة العصر الحديث (١٣٩٠ه – إلى يومنا الحالي):

يمكن تحديد معالم هذا الطور في التاريخ المعاصر بالمخاضات الفكرية والتحوّلات الثقافية التي مرَّت على العالم الإسلامي بشكل عامّ والشيعة بشكل خاصّ، حيث تجلَّت الثمرة بقفزة نوعية في مجال القضيَّة المهدويَّة بشقّيه الفكري والعملي.

بالإضافة للكتابات المميَّزة والمنشورات الرائعة للمراكز المتخصِّصة في القضيَّة المهدويَّة، والتي كثير من نتاجها الثقافي يواكب حاجات ومتطلَّبات العصر الحالي.

ثانياً: مجلّات ونشرات تخصُّصية تُعنى بالشأن المهدوي:

تطوّر جديد حدث في التراث المهدوي، حيث نشأت وصدرت في هذه الفترة الزمنية بعض المجلّات والنشرات الثقافية الدورية العلمية المتخصِّصة في موضوع الإمام المهدي، حيث أدرك أصحابها أهمّية دور المتابعة الثقافية وفاعليتها في تنمية وعي المجتمع بالفكر الأصيل، ومكانة الإعلام المهدوي كطرف مهمٍّ في دحض الشبهات والأفكار المنحرفة الموجَّهة ضدَّ العقيدة المهدويَّة.

هذه الدوريات المهدويَّة تُعطي مؤشِّراً على ازدهار الفكر والمعارف المهدويَّة في هذه المرحلة، حيث تميَّز نتاج المجلّات العلمية المتخصِّصة بالعصرية وتوطيد العلوم الأكاديمية المهدويَّة، وخلق جوٍّ من الدراسة والنقد بين العلماء والمفكِّرين في مجال القضيَّة المهدويَّة، وهذه دلائل على رقي المستوى العلمي الذي وصلت إليه الثقافة المهدويَّة حديثاً.

ثالثاً: دراسات وبحوث أكاديمية مهدوية:

تطوُّر جديد آخر في التراث المهدوي، حيث بدأت تظهر في هذه الفترة بعض الدراسات الأكاديمية والتي ترتبط بالشأن المهدوي، أو بمعنى آخر أخذت المسألة المهدويَّة تشقُّ طريقها للبحوث التعليمية الجامعية ولكن بخجل شديد جدّاً.

هذه البحوث والدراسات الأكاديمية تُعطي مؤشِّراً على التجديد والتطوير في الثقافة المهدويَّة في هذه المرحلة، وتنبع أهمّية هذه الدراسات من الأُسلوب المنظَّم في جمع وتوثيق المعلومات، والخطوات العلمية الممنهجة في كتابة هذه البحوث، ممَّا يساهم في إنتاج مصنَّفات ذات مصداقية علمية، وينعكس ذلك إيجابياً على الرقي بمستوى الثقافة والمعارف المهدويَّة.

المشهد الأدبي في مسار التاريخ الشيعي:

واكب الشعراء الشيعة التحوّلات السياسية والمخاضات الفكرية في مسار التاريخ الشيعي، ووجدوا في القصائد المهدويَّة متنفَّساً لبثِّ شكواهم إلى صاحب الزمان (عليه السلام)، فاتَّجه الأُدباء الشيعة في قصائدهم المهدويَّة في مسارين: قصائد (الاستنهاض) والأخذ بالثأر، وقصائد (الانتظار) وتعجيل الظهور، فالغرضان الشعريان: الاستنهاض والانتظار نجدهما أكثر التصاقاً بقضيَّة الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذا يُعَدُّ نوعاً من أنواع التجديد في الشعر العربي، فأبدع الضمير الشيعي بقصائد مهدوية رائعة على طول مسيرته التاريخية.

ثمرة المرحلة (الطور):

إذا أردنا أن نُصوِّر هذه الحقبة الزمنية في مسيرة التراث المهدوي الشيعي في أطوار من التقسيمات الفكرية التاريخية، وعملنا مقارنة بين الكتابات المهدويَّة للجيل الأوَّل بداية الغيبة الكبرى وجيل العصر الحديث، وحاولنا أن نقيس المسافة الفكرية التي تفصل بين كتابي: (المسائل العشر في الغيبة) للشيخ المفيد (ت ٤١٣ه) و(المقنع في الغيبة) للشريف المرتضى (ت ٤٣٦ه) وبين كتابي: (بحث حول المهدي) للسيِّد محمّد باقر الصدر (ت ١٤٠٠ه) و(موسوعة الإمام المهدي) للسيِّد محمّد صادق الصدر (ت ١٤١٩ه)، فإنَّ هذه المسافة في قياسات التطوّر الفكري لا تتناسب مع المدَّة الزمنية الفاصلة بينهم (حدود ألف عام)، ممَّا يُبرهِن على أنَّ التطوّر والتصاعد الفكري والمعرفي في مسار التراث المهدوي بشكل عام يزحف ببطء وبتثاقل شديد جدّاً.

فمن جهة الحقل المعرفي فإنَّ الكتابين الأوَّلين ينتميان إلى علم الكلام، في حين ينتمي الكتابان الحديثان إلى علم الفلسفة (المنطق والتحليل)، وهذا بدوره يعكس تحوّلاً منهجياً في التراث المهدوي، وهو تحوّل من المنهجية التأصيلية الكلامية إلى المنهجية الفلسفية التحليلية. ولذا يمكن القول بصورة شديدة العمومية وإجمالية بأنَّ التطوّر الفكري في سياق التراث والمعارف المهدويَّة بطيء جدّاً جدّاً، ولا يتناسب مع متطلَّبات الإمامة الخاتمة.

هل التراث المهدوي الشيعي مفقود؟

* التراث المهدوي الشيعي لايزال مفقوداً، وذلك لعدَّة أسباب نذكر منها:

أوَّلاً: بحكم الواقع الإحصائي، وذلك لأنَّ إحصاء ما نُشِرَ من هذا التراث المرتبط بالشأن المهدوي، ومقارنته بما لم يزل مخطوطاً أو بما ضاع مع الزمن، يدلُّ على أنَّ نسبة التراث المتوفِّر بين أيدينا من تراث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتراث أهل البيت (عليهم السلام) وتراث الناحية المقدَّسة أو تراث علماء الشيعة لا يزيد على عشرة بالمئة من مجموع التراث الحقيقي.

ثانياً: بحكم تداعيات الكتمان والأوضاع الأمنية، فقد مرَّ الشيعة بظروف وواقع حياة أمنية متأزِّمة عقب استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) وفترة الغيبة الصغرى، فكانت القاعدة الأساس عدم نشر تواقيع الناحية المقدَّسة، واقتضى الأمر بعض الأحيان تمزيقها من قِبَل أصحابها، ممَّا خسَّر البشرية رسائل مهمَّة لإمام الزمان، الذي لم يصل لنا منها إلَّا أقلّ من (٠.٢٥%) ربع بالمئة(٧٣).

ثالثاً: بحكم محاربة الأعداء له، وذلك لأنَّ هذا التراث ظلَّ ممتدّاً في الزمان والمكان ردحاً طويلاً من الوقت، فمرَّ بمنحنيات كثيرة ولم يعرف ثبات الأحوال، حيث جاءت حكومات التعصُّب الطائفي (مثل السلاجقة) وحملات الاستعمار الأجنبي (مثل المغول)، فكان ما كان، فأُحرقت الكثير من كتب الطائفة الشيعية وضاع الكثير من التراث المهدوي.

رابعاً: بحكم عدم اكتشافه والاطِّلاع عليه، فهذا التراث يُعتَبر من أثمن الكنوز العلمية في التاريخ الإنساني، وذلك لدوره المتوقَّع في مستقبل البشرية، لكنَّنا لم نستكشفه أو نستفد منه، فنحن الذين ننتسب لهذا التراث لا نُدرك قيمته العلمية، وهو غير مستكشف بكامل محتوياته ومضامينه، كما أنَّه مغيَّب وغير معروف لعموم المؤمنين.

خامساً: بحكم منطق الإلغاء والتغييب للعقيدة المهدويَّة ومحاولة تحريف مفاهيمها، فنرى انحياز بعض السلطات الحاكمة لمذهبها وإلغاء أو محاربة تراث الفِرَق الإسلاميَّة الأُخرى، ويصل منطق الإلغاء والتغييب بسبب النظرة الأُحادية الضيِّقة إلى حدِّ منع كتب المذاهب الأُخرى، وعدم الاعتراف بثراء التراث المهدوي.

سادساً: بحكم عدم الوعي به، وذلك لأنَّنا حين ننظر في المصنَّفات المهدويَّة الحديثة (الكتابات الجديدة)، لا نجد في مراجع هؤلاء الكُتّاب مخطوطة واحدة، بمعنى أنَّهم اعتمدوا على المنشور المعلوم، بينما هذا المعلوم لا يُمثِّل إلَّا أقلّ القليل من جملة التراث المهدوي الحقيقي.

سابعاً: بحكم انعدام الخطَّة المنهجية للاهتمام به، بالتنقيب عن الضائع منه، وطبع ونشر المخطوط منه، بالإضافة لإرسال البعثات العلمية للحصول على النسخ الخطّية الحبيسة في خزائن المخطوطات ببلدان الشرق والغرب، ثمّ تحقيقها ونشرها.

وعلى هذا النحو صار التراث المهدوي الشيعي مفقوداً ومجهولاً وضائعاً، ولذلك جاءت هذه الدراسة لتُعرِّفنا بأهمّيته وبحجمه، وتصرخ بصوتٍ عالٍ تطالب بانتشال الثروات المهدويَّة العلمية المدفونة في زوايا المكتبات أو التراث الضخم الذي تراكم الغبار عليه، ممَّا يجعل إخراجه إلى عالم النور وبسرعة قصوى أمراً ضرورياً وملحّاً قبل أن يتلف مع الزمن.

فالواجب علينا أن نطلَّ على المخطوطات القريبة منّا وأن نتعرَّف على الكثير من ذخائر التراث المهدوي المنزوي في الخزانات الخطّية، ومن جهة أُخرى نصبُّ اهتمامنا في البحث عن التراث المهدوي الإسلامي المسروق في مكتبات الشرق والغرب، فما زال هذا الكنز بعيداً عن دائرة الضوء، وعلينا أن نُقبِل على البحث عنه واكتشافه ونشره، فنزيد نسبة المعروف من هذا التراث ونُقلِّل المفقود والمجهول منه.

ينبغي الحفاظ على هذا التراث وإنقاذه من الضياع والاندثار، ولا بدَّ أن يستوعب المؤمنون هذه المعادلة: أنَّ حماية التراث الفكري والحفاظ عليه هي حماية للهوية الذاتية والحفاظ عليها، فتراث الأُمم ركيزة أساسية من ركائز الهوية الثقافية.

آفاق مستقبلية:

لقد استعرضنا في الصفحات السابقة مسيرة التراث المهدوي الشيعي باختصار، ولم يكن استعراضنا هذا ضرباً من التاريخ، بالقدر الذي كان يهدف إلى تتبُّع واستقراء التطوّر المعرفي والفكري في المسار التصاعدي والمستجدّات المتراكمة في الثقافة المهدويَّة، فلم نقارب الوقائع والأحداث التاريخية إلَّا بالمقدار الذي يُقرِّبنا من المفاهيم والتصوّرات، ومن وراء ذلك كنا نرمي في نهاية المطاف إلى فتح آفاق مستقبلية جديدة هي التالي:

١- التراث المهدوي المرتبط بالوحي الإلهي (بشقّيه الكتاب والسُّنَّة) والذي يُميِّز التراث الشيعي عن غيره، وهو على قدر كبير من الأهمّية، فإنَّنا نجد الجانب المرتبط بالسُّنَّة الشريفة ومرويات العترة الطاهرة (عليهم السلام) قد ضاع الكثير منه، وخسرت الإنسانية ثروات علمية هائلة، لذا فالمسؤولية التاريخية تفرض علينا البحث والتنقيب عن الضائع والمفقود منه، وذلك على أكثر من صعيد:

– الأحاديث الشريفة المتعلِّقة بالشأن المهدوي، والتي لم تصلنا.
– توقيعات الناحية المقدَّسة، والتي فقدنا معظمها.
– المصنَّفات المهدويَّة القديمة لعلماء الطائفة التي ضاعت.

٢- المراجعات والتجديدات في الثقافة المهدويَّة من مظاهر النضج والتطوّر، والتراث المهدوي يحمل منطلقات ومرتكزات تأسيسية وتأصيلية متينة.

فهناك ضرورة بأن نستوحي من تراثنا روح التقدُّم والعصر ونندفع نحو التجديد والابتكار، فنحافظ على المسار التصاعدي للمعارف المهدويَّة، ولن يتمَّ ذلك إلَّا بالتوسُّع في الدراسات والبحوث ذات المنهج العقلي والتحليلي، وأن تواكب كتاباتنا القادمة المستوى الفكري للحياة الإنسانية المعاصرة، بل نطمح أن تتقدَّم عليه وتكون رائدة في هذا المجال، وأن يكون هناك اقتران دائم بين المهدويَّة والمستقبل المشرق للبشرية، وأن لا خلاص نهائياً ودائماً لمآزق شعوب العالم إلَّا بالتطبيق الفعلي لدولة العدل الإلهيَّة على يد الإمام المهدي (عليه السلام).

٣- المهدويَّة حركة عالمية لا تقتصر على طائفة معيَّنة أو دين معيَّن، بل هي لكلِّ البشرية. والترجمة اللغوية من أوضح الصور والأمثلة على التواصل بين الثقافات والحضارات المختلفة، ولها دور وخصوصية في رفد الثقافة والمعارف المهدويَّة من خلال الأخذ والعطاء، وكذلك لها بالغ الأثر في التواصل ثقافياً مع الآخر (غير المسلم)،

إضافة لحسن الأثر في حفظ التراث وحمايته من الاندثار، فيتحتَّم أن يكون عندنا برنامج جادٌّ لترجمة المصنَّفات المهدويَّة المميَّزة (القديمة والحديثة)، بحيث تواكب حركةَ التأليف والتدوين حركةُ ترجمة نشطة من اللغة العربية إلى اللغات الأُخرى وبالعكس، فنخلق فرصة للانفتاح على الحضارات الأُخرى، وعندما ننهلُّ من تراثنا المهدوي الصفحات المشرقة وننقلها للآخر ونُعرِّفه بالمهدويَّة الأصيلة، فإنَّ ذلك يعكس نظرتنا الإيجابية لتراثنا.

٤- إنَّ الجامعات التعليمية الإسلاميَّة لم تُعطِ القضيَّة المهدويَّة اهتماماً كافياً أو عناية بالشكل الذي تستحقُّ، فمراجعة سريعة لعناوين أُطروحات الماجستير والدكتوراه تكشف لنا صورة الإهمال المفجع للمسألة المهدويَّة، حتَّى إنَّ المرء ليصاب بالدهشة عندما يجد مئات الأبحاث حول الفِرَق الضالَّة والهدّامة، بينما لا يجد شيئاً يُذكر حول الإمام المهدي (عليه السلام). ولنا أن نتساءل عن أسباب مثل هذا الإهمال والعزوف عن البحث والدراسة في العقيدة المهدويَّة وارتياد آفاقها؟

أمَا آن لجامعاتنا أنْ تستفيد من هذه الثروة العلمية الزاخرة، وتجعلها محوراً لدراستها وأبحاثها الأكاديمية؟ فالمهدويَّة كمشروع حضاري عالمي (إلهي) ينتظر محاولة الاستكشاف واستشراف رؤى المستقبل.

٥- إنَّ دراسة الأولويات الراهنة وخصوصيات المرحلة المعاصرة، تجعلنا نضع منهجاً لمسيرة التراث المهدوي القادم والمستقبلي، ولكن عند النظر لميزان أولوياتنا حالياً نجده مختلّاً وبه مفارقات عجيبة، فكثير من اهتماماتنا الحالية منصبَّة على علامات الظهور، لذا يجب معرفة متطلِّبات المرحلة وترتيبها حسب الأهمّية وتقديم الأهمّ على المهمّ.

فمثلاً أيَّهما أولى: أن تُؤلّف كتاباً يتكلَّم عن علامات الظهور والتي تدلُّ على اليوم الموعود، ويُرتِّبها ويُصنِّفها الكاتب بناءً على الروايات، ويشرحها على ضوء التحليل العلمي والمنطقي لديه، أم تُؤلّف كتاباً يتكلَّم عن شرائط الظهور والتي ترتبط بمقتضيات النجاح لليوم الموعود، ويُقدِّم أُطروحات جديدة في مسيرة التمهيد المهدوي؟

ينبغي أن نتحلّى برؤية منهجية شاملة تخلق لنا ثقافة وسلوك (فقه الأولويات المهدويَّة) ويرسم لنا ملامح متطلِّبات المراحل التاريخية حسب أهمّيتها فلا ننشغل بالجزئيات عن الأساسيات، ممَّا يضمن أن تواكب كتاباتنا مقتضيات العصر ومسيرة التمهيد المهدوي.

٦- إنَّ قراءة مسيرة التراث المهدوي الشيعي ودراسته بقدر كبير من الوعي والإدراك التاريخي والحضاري، ودمجها مع متطلِّبات مسيرة التمهيد المهدوي وأولويات المرحلة المعاصرة، يرسم لنا ضرورة الانتقال من الماضي إلى الانفتاح على العصر والنظر إلى المستقبل واستشراف آفاقه وتحدّياته، ومن هذه التحدّيات والأولويات الهامَّة في وقتنا الحالي هو تعريف المهدويَّة لدى الشعوب غير المؤمنة بدين الإسلام، فحقائق المهدويَّة مجهولة لديهم ولا تعرف شيئاً عنه، وإذا حان موعد ظهوره لا تعرف ماذا سيفعل وماذا سيُحقِّق وماذا سينشر، فكيف إذاً لمثل هذه الشعوب أن تؤمن به حين ظهوره وكيف ستُؤيِّده وتؤازره، وهي لا تعرف أدنى معلومات أو حقائق عن قضيَّته وأهدافه؟

نحن بحاجة لإيصال الثقافة المهدويَّة والمعارف الربّانية لكلِّ شعوب العالم، فهذه ضرورة ملحَّة تقتضيها مرحلتنا التاريخية المعاصرة، فهل أخذنا على عاتقنا التبشير للمهدويَّة وبشكل إيجابي لدى الآخر غير المسلم، فنوصل المهدويَّة الأصيلة للشعوب وللمؤسَّسات الأكاديمية والإعلامية العالمية، ونخاطبهم باللغة والأُسلوب الذي يفهموه ويُؤثِّر فيهم؟

نحن نراهن على مستقبل التراث المهدوي وأفكاره ومعارفه، وقدرته على صنع المستقبل المشرق للبشرية، والمحافظة على فاعلية ثقافته. فأمام الكتابات المهدويَّة مسار طويل من البناء والإنجاز والتقدُّم، لأنَّ البحث عن موقع رائد في فضاء الفكر العالمي والتواصل مع الحضارات المختلفة، ليس مجرَّد رغبة أو دعوة إنَّما هو فعل متراكم من التطوّر المستمرّ والقدرة على صنع ثقافة تواكب متطلِّبات العصر وحاجات المستقبل.

وفي ختام بحثنا نطرح هذا السؤال: كيف نستطيع أن نستلهم من تراثنا المهدوي آفاقاً مستقبلية، ونبعث روح الإبداع والابتكار في أقلامنا، ونندفع نحو التطوير والتجديد في ثقافتنا المهدويَّة؟

 

الهوامش:
(١) معجم ما كُتِبَ عن الرسول وأهل البيت (عليهم السلام) / عبد الجبّار الرفاعي، مجلَّد ٩، قسم ١٤، من تصنيف رقم (٢٢٢١٨) إلى رقم (٢٣٣٦٢)، الطبعة الأُولى، ١٣٧١ه.
(٢) معجم أحاديث الإمام المهدي (ج ١)، قسم بشارات الأديان، مؤسَّسة المعارف، نشر مسجد جمكران، الطبعة الثانية، ١٤٢٨ه.
(٣) الموسوعة الشعرية المهدويَّة/ الحاجّ عبد القادر عليّ أبو المكارم، الطبعة الأُولى، ١٤٣١ه، عشرة مجلَّدات.
(٤) قال الإمام الصادق (عليه السلام): «﴿إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [الحجر: ٣٨] أي وقت قيام قائمنا». المصدر: إلزام الناصب/ الشيخ عليّ اليزدي الحائري ١: ٦٩، الطبعة الثالثة، ١٣٩٠ه.
(٥) قال الإمام الباقر (عليه السلام): «﴿عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] هم أصحاب المهدي في آخر الزمان». المصدر: معجم أحاديث المهدي ٧: ٣٦٩، ط ٢.
(٩) من أراد التوسُّع والاطِّلاع على جميع البشارات حول المخلِّص، ليرجع إلى معجم أحاديث الإمام المهدي، مصدر سابق، ج١، قسم بشارات الأديان، الطبعة الثانية، ١٤٢٨ه.
(١٠) الكتاب المقدَّس، العهد القديم، سفر مزامير (زبور النبيِّ داود) المزمور ٧٢، النصّ ١ إلى ١٥.
(١١) الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، سفر رؤيا يوحنّا، الإصحاح ١٤، نصّ ٦ – ٧.
(١٣) كتاب: الإمام المهدي في الأديان/ مهدي خليل جعفر: ٢٠، دار المحجَّة، ط الأُولى، ١٤٢٩ه.
(١٤) محمّد صادق الملقَّب فخر الإسلام (١٢٥٠ه – ١٣٣٠ه) اشتهر بتحوّله من المسيحية إلى الإسلام حيث وُلِدَ في عائلة مسيحية تسكن مدينة أُرومية في إيران، إلَّا أنَّه أسلم فيما بعد وصار من علماء المسلمين الشيعة.
(١٥) وُلِدَ في مصر سنة ١٩٤٤م في أُسرة سُنّية المذهب، وهو مفكِّر ومؤلِّف قدير وداعية، وهو صاحب الكتاب الرائع (معالم الفتن) صدر عام ١٤١٦ه الذي يُعَدُّ من أكثر الكتب صراحة وواقعية في دراسة فتنة افتراق المسلمين بعد ابتعادهم عن آل البيت (عليهم السلام). وكان سبب اهتدائه إلى التشيُّع هو: الاقتناع بالأُطروحة المهدويَّة الشيعية بعد بحثٍ شاقٍّ في أوضاع الأُمم السابقة وفتن المسلمين بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودراسته للمهدوية أو فكرة المخلِّص عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، في كتابه القيِّم: عقيدة المسيح الدجّال، طُبِعَ عام ١٤١١ه.
(١٦) كتاب: عقيدة المسيح الدجّال في الأديان/ سعيد أيّوب: ٣٧٩.
(١٧) أشار إلى هذه النقطة الشيخ كاظم مزعل الأسدي في كتابه: المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السماوية: ٢٣٨.
(١٨) معجم أحاديث الإمام المهدي/ مجموع أحاديث المجلَّدات الثلاثة الأُولى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الطبعة الثانية ١٤٢٨ه.
(١٩) الإمام (م ح م د) بن الحسن العسكري (المهدي) وُلِدَ يوم (١٥/ شعبان/ ٢٥٥ ه).
– محمّد بن إسماعيل البخاري، صاحب الصحيح (١٩٤ه – ٢٥٦ه).
– مسلم بن الحجّاج النيسابوري، صاحب الصحيح (٢٠٦ ه – ٢٦١ه).
أي إنَّهما عاشا في نفس الفترة التي وُلِدَ فيها الإمام المهدي، وكتبا صحيحيهما في الوقت المتوقَّع لذلك.
(٢٠) مقتبس بتصرُّف من كتاب: من التراث إلى الاجتهاد/الأُستاذ زكي الميلاد: ٢٤١ و٢٤٢، نشر المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الأُولى ٢٠٠٤م.
(٢١) كتاب: الشيعة في مسارهم التاريخي/السيِّد محسن الأمين العاملي: ٤٢٢، دائرة معارف الفقه، الطبعة الثانية ١٤٢٦ه.
(٢٢) الأصل: هو الكتاب الحديثي الذي تكون الأحاديث المدوَّنة فيه من مسموعات صاحب الكتاب من المعصوم مباشرةً، أو ممَّن سمع عن الإمام مباشرةً أصلاً، وذلك لكونه التسجيل الأوَّل لتلك الأحاديث والأصل الذي يُرجَع إليه.
(٢٣) معجم أحاديث الإمام المهدي/مجموع أحاديث المجلَّدات (٥ و٦ و٧) من حديث (٥٦٤) إلى حديث (١٤٣٩)، الطبعة الثانية.
(٢٤) جواد عليّ، رسالة دكتوراه عام (١٩٣٩م): ١٨ – ٢٨، جامعة هامبورغ بألمانيا، منشورات الجمل، ط الأُولى، ٢٠٠٥م.
(٢٥) جواد عليّ، مصدر سابق: ٢١.
(٢٦) جمعت هذه الأحاديث في كتاب: أحاديث المهدي من مسند أحمد بن حنبل/ السيِّد محمّد جواد الجلالي، نشر جماعة المدرِّسين، قم المقدَّسة، الطبعة ١٤٠٩ه.
(٢٧) نُقِلَ بتصرُّف من كتاب: بحوث في الحياة السياسية لأهل البيت (عليهم السلام): ٣٢٧ – ٣٣٠، جمعية المعارف الإسلاميَّة، الطبعة الأُولى، ٢٠١١ م.
(٢٨) حديث زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «للغلام غيبة قبل قيامه»، قلت: ولِمَ؟ قال: «يخاف على نفسه الذبح». المصدر: بحار الأنوار ٥٢: ٩٧.
(٢٩) حساب الحدِّ الأدنى كالآتي:
– ٧٠ سنة (ضرب) ١٢ شهر = ٨٤٠ شهراً.
– وباعتبار كلِّ شهرين رسالة على الأقلّ كما صرَّح أحد الوكلاء (القاسم بن العلاء، وكيل منطقة أذربيجان).
– ٨٤٠ شهر (قسمة) ٢ رسالة كل شهرين = ٤٢٠ رسالة لكلِّ وكيل على الأقلّ.
– عدد الوكلاء ٢٠ وكيل (بالإضافة) لسفير الفترة = ٢١ شخص.
– ٤٢٠ رسالة (ضرب) ٢١ شخص = ٨٨٢٠ رسالة كحدٍّ أدنى صادرة من الإمام في زمن الغيبة الصغرى.
(٣٠) صحيفة صدى المهدي، العدد ١٤، شهر رجب ١٤٣١ ه: من المفترض أن يكون الحدُّ الأعلى للرسائل الواصلة للوكلاء ٣٣٦٠٠ رسالة، باعتبار رسالتين كلّ شهر، ٢٠ وكيل، ٧٠ سنة.
(٣١) قد تكون هناك مجموعة فقرات متفرِّقة ولكن في الحقيقة تعود كلُّها إلى توقيع واحد، حيث جرى تقطيع التوقيع الواحد الذي جاء مفصَّلاً، إلى مقتطفات ومقاطع وتمَّ تفريقها على أبواب مختلفة من الكتب الروائية لمناسبة أو أُخرى.
(٣٢) جواد علي، مصدر سابق: ٢٢ – ٢٥.
(٣٣) أعيان الشيعة/ السيِّد محسن الأمين ١: ١٦٦ – ١٧٢، دار التعارف للمطبوعات، الطبعة الخامسة، ١٤٠٣ه.
(٣٤) كمال الدين: ٤٨٤.
(٣٤) لفتة تاريخية: بدأت الغيبة الكبرى قبل خمس سنوات من استيلاء البويهيين على بغداد. بالتأكيد بداية الغيبة ٣٢٩ ه لم يكن محض صدفة، بل هو بتلطُّف إلهي، فلو افترضنا جدلاً أنَّ الغيبة الصغرى لا زالت مستمرَّة ونظام السفارة لا زال موجوداً، لكان هناك تعارض وتصادم بين الحُكّام البويهيون وبين سفراء الإمام (السفير الخامس افتراضاً)، ولتغيَّر حال الفقهاء والقاعدة الشعبية الشيعية تجاه البويهيون أو العكس، ولما حدث هذا التطوّر الفكري والثقافي في مسيرة الشيعة في هذه الفترة التاريخية.
(٣٥) كتاب: الدور الحضاري للشيعة الإماميَّة، خلال القرنين الرابع والخامس الهجريين (٣٠٠ – ٥٠٠ه)/ عبدالإله عليّ حسن البلداوي ١: ٩٥ و٩٦، مركز عكبرا للدراسات ، العراق، الطبعة الأُولى، ٢٠١٢ م.
(٣٦) نقلاً من مقدّمة المحقِّق/ فارس حسّون: ١٣، ط الأُولى، ١٤٣٢ه، دار الجوادين، قم المقدَّسة. وهناك بحث للسيِّد محمّد الشبيري الزنجاني بعنوان (النعماني ومصادر الغيبة) يُثبِت فيه أنَّ الكتاب يعود تأليفه إلى سنة ٣٣٦ ه، المصدر: مجلَّة (تراثنا) العددان ١٢٧ و١٢٨: ٤٢، ١٤٣٧ه، الصادرة عن مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم المقدَّسة.
(٣٧) موقع ويكي شيعة: الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) (http://ar.wikishia.net).

(٣٨) الإمام المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية، جواد عليّ، مصدر سابق.
(٣٩) بخصوص سند هاتين الرسالتين: السيِّد محمّد محمّد صادق الصدر بعد أن ناقش السند قال: (يُعطي ظنّاً كافياً بصحَّة السند، وإن كان لا يبلغ حدَّ الإثبات التاريخي). تاريخ الغيبة الكبرى: ١٣٨. أشار المحدِّث البحراني إلى صحَّة الرسالتين في لؤلؤة البحرين: ٣٦٣ و٣٦٧. أمَّا السيِّد أبو القاسم الخوئي ذهب في (معجم رجال الحديث ١٨: ٢٢٠)، حيث قال: (هذه التوقيعات لا يمكننا الجزم بصدورها من الناحية المقدَّسة، فإنَّ الشيخ المفيد (قُدِّس سرُّه) قد تولَّد بعد الغيبة الكبرى بسبع أو تسع سنين، وموصِل التوقيع إلى الشيخ المفيد (قُدِّس سرُّه) مجهول، هب أنَّ الشيخ المفيد جزم بقرائن، أنَّ التوقيع صدر من الناحية المقدَّسة، ولكن كيف يمكننا الجزم بصدوره من تلك الناحية؟ على أنَّ رواية الاحتجاج لهذين التوقيعين مرسلة، والواسطة بين الطبرسي والشيخ المفيد مجهول).
(٤٠) لقراءة الرسالتين، والاطِّلاع على شرح المفاهيم والتنبؤات الرئيسية التي وردت فيهما، ارجع إلى كتاب (تاريخ الغيبة الكبرى) للسيِّد محمّد محمّد صادق الصدر: ١٣٧ – ١٧١.
(٤١) عادة الشعوب المحكومة والمسيطر عليها تأخذ بحضارة الشعوب المستعمرة، ولكن هنا انعكست القاعدة، باعتبار أنَّ المغول بدو وليست لديهم حضارة عريقة، وشعروا أنَّ المسلمين أفضل منهم، فذابوا في المجتمع الإسلامي واتَّبعوا الإسلام.
(٤٢) كتاب: الفقيه والدولة/ د. فؤاد إبراهيم: ١٥٨ و١٥٩، دار المرتضى، بيروت، طبعة ١٤٣٣ه.

(٤٣) مقتبس بتصرف من كتاب: الفقيه والدولة – فؤاد ابراهيم ص ١١٢-١١٤.
(٤٤) للاطِّلاع بشكل تفصيلي على مباحث تتعلَّق بالإمام المهدي (عليه السلام) في هذه الفترة الزمنية، والتي كُتِبَت في مصنَّفات غير مستقلَّة بالإمام المهدي (عليه السلام)، إنَّما ضمن المصنَّفات العقائدية والروائية المختلفة. يُفضَّل الرجوع إلى موسوعة (الإمام المهدي (عليه السلام) في مصادر علماء الشيعة من القرن الثاني إلى القرن الحادي عشر الهجري)، في ثلاثة مجلَّدات كبيرة، إعداد وتقديم مركز الدراسات التخصُّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)، إصدار ١٤٣٠ه.

(٤٥) جواد علي، مصدر سابق، ص ٣٥– ٤٢.
(٤٦) موسوعة (الإمام المهدي في مصادر علماء الشيعة) إعداد مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي، طبع عام ١٤٣٠ هـ.
(٤٧) كتاب: تاريخ الدولة الصفوية – د. محمد سهيل طقوش، دار النفائس بيروت، الطبعة الأولى ١٤٣٠ هـ، ص ٤٤.
(٤٨) نظريات السلطة في الفكر السياسي الشيعي المعاصر/ د. عليّ فياض: ١١٣ – ١١٨، مركز الحضارة، بيروت، ٢٠٠٨م.

(٤٩) كتاب: نشوء وسقوط الدولة الصفوية، اعداد عباس حسن الموسوي – كمال السيد، مستندة من المجموعة التاريخية الكبرى حول تاريخ إيران والعهد الصفوي، لرسول جعفريان، الناشر باقيات قم المقدسة، الطبعة الأولى ١٤٢٦ هـ، ص ١٧٣.
(٥٠) الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي، هاجر عام ٩١٣ه من مسقط رأسه القطيف إلى النجف الأشرف، كان حيّاً إلى سنة ٩٤٥ه، كان زميل دراسة مع الشيخ الكركي عند أُستاذهما الشيخ عليّ بن هلال الجزائري، وقد كان بين المحقِّق الكركي والفاضل القطيفي جدال في مسائل كثيرة، فقد كانا ممثِّلين لخطّين متوازيين في ما يرتبط بالتعامل مع السلطات الزمنية في زمن الغيبة.
(٥١) طُبِعَ عام ١٤٣٢ه في قم المقدَّسة، بتحقيق ومستدركات السيِّد محمّد باقر الموحِّد الأبطحي.
(٥٢) كتاب المحجَّة/ السيِّد البحراني/ تحقيق محمّد منير الميلاني: ١٥، من مقدّمة المؤلِّف.
(٥٣) مقتبس بتصرُّف من كتاب: الفقيه والدولة، مصدر سابق: ٢١٠ – ٢٢٧.
(٥٤) كتاب: موسوعة تاريخ إيران السياسي/ د. حسن كريم الجاف ٣: ٨٧ – ١١٩، الدار العربية للموسوعات، بيروت، الطبعة الأُولى، ٢٠٠٨م.
(٥٥) المصدر السابق ٣: ١٣٥ – ١٦٢.
(٥٦) المصدر السابق ٣: ١٧٧ – ٣٥٠.
(٥٧) مقتبس بتصرُّف من كتاب: الفقيه والدولة، مصدر سابق: ٢٩٧ – ٣٠١.
(٦٢) هذه العناوين ذُكِرَت في موسوعة الذريعة للشيخ آغا بزرك الطهراني، بالإضافة لمصادر أُخرى متفرِّقة.
(٧٣) توقيعاً واحداً تقريباً وصل إلينا من مجموع (٤١١) توقيعاً على الأقلّ في السنة الواحدة من سنيِّ عصر الغيبة الصغرى. السيِّد محمّد القبانجي/ مدير مركز الدراسات التخصُّصية في الإمام المهدي، صحيفة صدى المهدي، العدد ١٤، شهر رجب ١٤٣١ه.

 

الباحث مجتبى السادة- السعودية – صفوى.

بحث مشارك في مسابقة خاتم الأوصياء (عجّل الله فرجه) للإبداع الفكري وحاز على المركز الخامس.

 

المصدر: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky