التمويل الإسلامي حاليا ليس لديه من التجربة ما يوازي تجربة التمويل التقليدي، كما أن الأنظمة على مستوى علاقات المؤسسات المالية مع البنوك المركزية أو علاقات المؤسسات المالية فيما بينها تميل لمصلحة التمويل التقليدي ما يزيد من حجم التحدي للمؤسسات المالية الإسلامية وضعف تنافسيتها للتمويل التقليدي إلا أن ذلك لم يمنع التمويل الإسلامي من تحقيق نمو سنوي يتجاوز 15 في المائة
موقع الاجتهاد: المؤسسات المالية الإسلامية هي المؤسسات التي تقدم المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بما يلبي احتياجات الأفراد والشركات والدول التي تفضل التعامل بمعاملات منضبطة بالأحكام الشرعية، ومؤسسات التمويل الإسلامي توسعت بشكل كبير حتى أنها دخلت في منافسة مع المؤسسات المالية التقليدية خصوصا في بعض المنتجات مثل الصكوك الإسلامية، والمؤسسات التي تدخل ضمن إطارها تشمل المصارف الإسلامية والمصارف الاستثمارية التي تقدم منتجاتها متوافقة مع الشريعة إضافة إلى مؤسسات التمويل مثل مؤسسات التمويل العقاري وشركات التأمين التعاوني، فهذه القطاعات تقدم مجموعة من المنتجات المتوافقة مع الشريعة، التي تلبي بشكل كامل أو جزئي حاجة عملائها.
يختلف التمويل الإسلامي عن التقليدي بأنه لا يقدم التمويل من خلال الإقراض بالفائدة التي تعد ركيزة للمصارف التقليدية في معاملاتها، وهو المورد الرئيس لأرباحها، إذ إنها تعتمد بشكل كبير على الاستفادة من أموال المودعين لديها لاستثمارها من خلال إقراض آخرين وأخذ فائدة على الإقراض، وهذه الآلية تحقق للمصارف التقليدية أرباحا هائلة، ولكن المصارف المتوافقة مع الشريعة تمتنع عن مثل هذا النوع من المعاملات بمختلف صورها باعتبار أنها تتناقض مع مبادئها التي تحرم الإقراض بفائدة.
هذا الالتزام من المصارف الإسلامية أوجد تحديا وفرصا في الوقت نفسه للابتكار في المنتجات بما يناسب الأفراد الذين يبحثون عن التمويل، ويحقق علاقة فيها عدالة بين أطراف العقد، إضافة إلى أنه عقد ذو علاقة بالنشاط الاقتصادي الحقيقي بما يعزز من كفاءته ويحد من مجموعة من الممارسات التي قد تؤثر سلبا في الاقتصاد، والتي قد تتسبب في أزمات مالية.
التمويل الإسلامي حاليا ليس لديه من التجربة ما يوازي تجربة التمويل التقليدي، كما أن الأنظمة على مستوى علاقات المؤسسات المالية مع البنوك المركزية أو علاقات المؤسسات المالية فيما بينها تميل لمصلحة التمويل التقليدي ما يزيد من حجم التحدي للمؤسسات المالية الإسلامية وضعف تنافسيتها للتمويل التقليدي إلا أن ذلك لم يمنع التمويل الإسلامي من تحقيق نمو سنوي يتجاوز 15 في المائة ووصل في بعض الأعوام إلى ما يقارب 30 في المائة، ما يعكس حجم الاهتمام بهذا النوع من النشاط الاقتصادي وحجم القبول الذي يزداد بشكل مستمر له عالميا.
الابتكار في التمويل الإسلامي يتطلب مجموعة من الإجراءات التي تبدأ بتلمس حاجة السوق، واستقصاء مجموعة الخدمات التي يقدمها التمويل التقليدي، والعمل على ابتكار منتجات يمكن أن يكون فيها ميزة على التمويل التقليدي وقيمة مضافة للسوق والمستفيدين، ففيما يتعلق باحتياج السوق فإنه يمكن البحث في مجموعة من الخيارات التي يمكن ابتكارها من خلال عقود الفقه الإسلامي وإيجاد صيغة مناسبة تأخذ بالاعتبار موافقتها للشريعة الإسلامية وأنها تتناسب مع حاجة العملاء ولا تتعارض مع أنظمة البنوك المركزية،
فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالتمويل العقاري الذي يعد احتياجا للمستثمرين في هذا المجال وللأفراد أيضا الذين يبحثون عن السكن، ومن مصلحة هذه الأطراف الحصول على احتياجاتهم بأقل تكلفة ممكنة، ففي حالة التمويل التقليدي نجد أن المؤسسة المالية تقدم التمويل لكل طرف على حدة بتكلفة التمويل التي غالبا هي انعكاس لحالة السوق، ولكن في حالة التمويل المتوافق مع الشريعة من الممكن من خلال بعض العقود تقديم تمويل مشترك للمستثمر والعميل بحيث يمكن المستمر من إنهاء أعمال البناء والعميل من الحصول على المسكن بتكلفة مناسبة.
ففي حالة التمويل التقليدي سيقدم المصرف التمويل للمستثمر لإنشاء الوحدة السكنية وبعد انتهاء المستثمر من المشروع سيعرض تلك الوحدة السكنية أخذا بالاعتبار تكلفة التمويل ومخاطر بيع تلك الوحدة السكنية، ومن ثم يشتريها العميل بتمويل جديد يزيد في تكلفة تملك الوحدة السكنية.
أما في حالة بعض صورة التمويل الإسلامي فإنه يمكن إيجاد صيغ هجين بين مجموعة من العقود المشروعة في الفقه الإسلامي لاستخدام نموذج تمويل في علاقة مكتملة بين الأطراف الثلاثة الممول والمستثمر والعميل أو المستفيد للحصول على تمويل من المصرف للمستثمر لإنشاء وحدة سكنية وفق احتياج العميل ورغبته والموقع المناسب له، كما أنها في الوقت نفسه تقدم تمويل العميل لتملك ذلك المسكن.
النموذج الذي يقدمه التمويل المتوافق مع الشريعة قد يكون فيه مخاطرة أكبر على المؤسسة التمويلية، ولكن في واقع الأمر يقدم خيارات أفضل للعميل ويخفض من مستوى المخاطر على المستثمر، وهذا الإجراء سيؤدي في نهاية الأمر إلى أن يكون التمويل الإسلامي قد قدم قيمة مضافة للسوق، وخفض من المخاطر على كامل العملية إجمالا، ما سينعكس بصورة إيجابية على حجم المخاطر على الممول وهو المؤسسة المالية الإسلامية، ولذلك فإن تمويل مشاريع بناء الوحدات السكنية الذي ينتهي بمخاطر على المستثمر فقط قد يؤدي إلى احتمال عدم قدرته على السداد، وإعادة تملكها من قبل المصرف قد لا يضمن حصوله على كامل مستحقاته، وقد يتبعها تكلفة ومستحقات ورسوم إضافية بسبب المصاريف المتعلقة بملكية تلك الوحدات السكنية خصوصا مع أنظمة البلديات الجديدة، إضافة إلى أنه قد يؤثر في فرص التمويل مستقبلا لتلك المصارف في مثل هذه المشاريع.
فالخلاصة أن التمويل الإسلامي رغم التحديات التي يواجهها بسبب صعوبة تنافسيته للتمويل التقليدي، إلا أنه يمكن أن يبتكر أدوات تمويل فيها قيمة مضافة للسوق، من خلال تقديم منتجات مناسبة أكثر لعملائه وتخفض من المخاطر إجمالا لكامل العقد.
د.صلاح بن فهد الشلهوب
استاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية كلية الدراسات المساندة والتطبيقية مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الاسلامي
المصدر: الاقتصادية