خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / معجم / تبعية الدلالة للإرادة

تبعية الدلالة للإرادة

لا خلاف بين الاعلام في تبعية الدلالة الاستعمالية التفهيميّة وكذلك الدلالة التصديقية الجدّية للإرادة ، فإن الدلالة التفهيميّة والتي تعني ظهور حال المتكلم انّه في مقام تفهيم المعنى من اللفظ لا تكون إلاّ مع إحراز إرادة المتكلّم للتفهيم ، غايته ان إحراز الإرادة لا يتوقف على تصريحه بل يكفي ظهور حاله انّه في صدد التفهيم مع عدم وجود قرينة ـ أو ما يصلح للقرينية ـ تقتضي غير ذلك ، وهكذا الكلام في الدلالة التصديقيّة الجديّة فإنّها تعني ظهور حال المتكلم في انّ ما قصد تفهيمه باللفظ يريده جدا وواقعا ، وهذا كما هو واضح منوط باحراز كون المتكلم بصدد ذلك.

فتبعية الدلالة للإرادة في الدلالتين ليس محلا للنزاع بين الاعلام ، انّما الكلام في الدلالة الوضعية فقد وقع البحث في تبعيّتها للإرادة ، بمعنى انّ دلالة اللفظ على المعنى هل هي منوطة بقصد المتكلم تفهيم المعنى من اللفظ أو انّ دلالة اللفظ على المعنى ليست متوقفة على إرادة المتكلم تفهيم المعنى من اللفظ بل الدلالة الوضعية تتحقّق حتى مع عدم إرادة المتكلّم لذلك بل وحتى لو صدر اللفظ من غير عاقل أو من غير ذي الشعور.

فبناء على الرأي الاول تكون الدلالة الوضعية دائما دلالة تصديقيّة ، وأما بناء على الرأي الثاني فالدلالة الوضعية دلالة تصورية لا تستوجب أكثر من انخطار المعنى في الذهن عند اطلاق اللفظ من غير فرق بين ان يكون اللافظ قاصدا لتفهيم المعنى من اللفظ أو لم يكن قاصدا ، كما لو صدر منه غفلة أو حال نومه ، والرأي الثاني هو مذهب المشهور.

ولعلّ أول من أثار هذا البحث هو الخواجة نصير الدين الطوسي والشيخ الرئيس ابن سينا رحمهما الله حيث انّ المستظهر من عبائرهما هو تبعية الدلالة للإرادة ، إلاّ انّ الاعلام اختلفوا في أي الدلالات هي التابعة للإرادة في نظرهما ، فبعضهم استظهر انّ مرادهما هو تبعية الدلالة التصديقية للإرادة واستظهر البعض الآخر من كلامهما تبعية الدلالة الوضعية للإرادة ، وذهب السيّد الخوئي رحمه‌الله الى انّ مقصودهما هو تبعيّة الدلالة الوضعية ـ والتي لا تكون إلاّ تصديقيّة ـ للإرادة.

أما دعوى انّ التبعية المقصودة هي تبعية الدلالة التصديقيّة ـ الاولى والثانية ـ للإرادة فلاستبعاد أن تكون الألفاظ موضوعة بإزاء المعاني المرادة بحيث تكون الإرادة جزء المعنى الموضوع له اللفظ ، إذ انّ الوجدان قاض بأن الالفاظ موضوعة لنفس المعاني بقطع النظر عن إرادتها ، ولهذا نجد ان دلالة الألفاظ على معانيها تتحقق ولو مع إحراز عدم إرادتها من اللافظ ، كأن كان يقصد معنى غير المعنى الموضوع له اللفظ أو كان اللافظ من غير ذي الشعور ، مع انّه يلزم كون الوضع دائما من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاص ، لأنّه يستلزم دائما تقيّد المعنى بالإرادة الحقيقيّة والتي هي جزئية فيكون الموضوع له وهو المعنى المراد خاصا والوضع عاما إلاّ أن يكون المقصود من الإرادة هو مفهومها لا واقعها ، وهذا معناه عدم توقف الدلالة على الإرادة الحقيقيّة المستوجبة لكون المتكلم ملتفتا ، فتكون الدلالة تصورية ، غايته انّ المعنى المدلول عليه باللفظ هو عبارة عن المعنى بالإضافة الى مفهوم الإرادة ، وهو غير مقصود حتما ، فيكون المستفاد من لفظ الأسد عند اطلاقه الحيوان المفترس بالاضافة الى مفهوم الإرادة وهذا غير مقصود حتما.

وبهذا يتعيّن كون المراد من التبعيّة هو تبعيّة الدلالة التصديقيّة للإرادة ، وواضح انّ ذلك لا يتّصل بالوضع ، إذ انّ الدلالة التصديقيّة « الاستعمالية والجديّة » انّما تستفاد من الظهور الحالي السياقي للمتكلم وانّه في مقام تفهيم المعنى من اللفظ وانّ مراده الجدي مطابق للدلالة الاستعمالية التفهيميّة.

وأما دعوى انّ التبعية المقصودة هي تبعية الدلالة الوضعيّة ـ والتي لا تكون إلاّ تصديقيّة ـ للإرادة فهي دعوى السيد الخوئي رحمه‌الله ، ومنشؤها هو انكاره للدلالة التصورية والتي تعني انخطار المعنى من اللفظ بمجرّد اطلاقه ولو من غير ذي الشعور ، حيث يرى ان مثل هذه الدلالة ليست أكثر من دلالة انسية نشأت عن كثرة الاستعمال أو عن منشأ آخر وليست ناشئة عن الوضع ، والدلالة التي تنشأ عن الوضع لا تكون إلاّ اختيارية ، أما على مسلكه في الوضع ـ وانّه عبارة عن الالتزام والتعهد بأن لا ياتي باللفظ إلاّ إذا كان قاصدا لتفهيم المعنى ـ فواضح ، إذ من غير المعقول ان تحصل الدلالة الوضعيّة دون ان يكون المتكلم عاقلا ملتفتا ومريدا لتفهيم المعنى من اللفظ ، إذ لو كانت الدلالة تحصل من غير ذلك لما كان الوضع بمعنى التعهد والالتزام والذي يستبطن الإرادة والاختيار.

ومن هنا كانت الدلالة الوضعية دائما تصديقيّة بمعنى انّ العلقة بين اللفظ والمعنى لا تكون إلاّ في حالة قصد تفهيم المعنى باللفظ ، ومع عدم القصد لا تكون هناك علقة وضعية بين اللفظ والمعنى ، فتقوّم الدلالة الوضعية بالإرادة حتمي بناء على مسلك التعهد. وأمّا بناء على مسلك الاعتبار فهل الدلالة الوضعية تابعة للإرادة أيضا ، ذهب السيد الخوئي رحمه‌الله لذلك بدعوى انّ الغرض من الوضع انّما هو تفهيم المعنى من اللفظ ، وهذا الداعي من اعتبار اللفظ دالا على المعنى يكون هو المحدد لدائرة الدلالة الوضعية ، إذ لا معنى لان يكون الاعتبار أوسع من الداعي والغرض من الوضع ، فلو كانت الدلالة الوضعية مفيدة لانخطار المعنى من اللفظ مع عدم إرادة تفهيم المعنى لكان ذلك يعني كون الاعتبار أوسع من الوضع وهو لغو لا يتعقل من مثل الواضع الحكيم.

فالمتحصل انّ الدلالة تابعة للإرادة مطلقا وعلى تمام المباني وان مقصود المحقق الطوسي والشيخ الرئيس رحمهما الله هو تبعية الدلالة الوضعيّة ـ والتي لا تكون إلاّ تصديقيّة ـ للإرادة. هذا هو مبنى السيد الخوئي رحمه‌الله.

Slider by webdesign