خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه

النسخ

المراد من النسخ في اللغة هو الإزالة، فعندما يقال نسخت الشمس الظلَّ فإنَّ ذلك معناه إزالتها للظلّ ومحوها ايّاه بعد ثبوته.

وأمّا معناه في الإصطلاح فهو رفع ما ثبت في الشريعة بانتهاء أمده ووقته، من غير فرق بين أن يكون الثابت المرتفع بالنسخ من سنخ الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة.

وحتى يتبلور المراد من النسخ نقول : انَّ للحكم المجعول في الشريعة مرتبتان:
المرتبة الاُولى: ويُعبَّر عنها بمرتبة الجعل والتشريع، وهي عبارة عن جعل الحكم على موضوعه المقدّر الوجود على نهج القضايا الحقيقيّة، ومعنى ذلك افتراض الموضوع ثمّ جعل الحكم عليه، وهذا يقتضي عدم اناطة ثبوت الحكم لموضوعه بوجود الموضوع خارجاً كما أوضحنا ذلك في محلّه.

فحينما يقال: (انَّ السارق تقطع يده) و (انَّ المستطيع يجب عليه الحجّ) لا يلزم من ذلك وجود السارق والمستطيع خارجاً بل انَّ معنى ذلك هو انَّه لو اتّفق تحقّق وجود السارق خارجاً فإنَّ الحكم الثابت عليه شرعاً هو ان تقطع يده وهكذا الكلام في القضيّة الثانية.

المرتبة الثانية: ويُعبَّر عنها بمرتبة المجعول والفعليّة، وهي منوطة بتحقّق الموضوع خارجاً، بمعنى انَّه لو اتّفق تحقّق الموضوع خارجاً فإنَّ الحكم الثابت في مرتبة الجعل يكون فعلياً في هذه المرحلة، فلو اتّفق وجود المستطيع فإنَّ وجوب الحجّ يكون فعلياً في حقّه، ومن هنا يكون تحقّق الموضوع خارجاً بمثابة العلّة لتحقّق الفعليّة للحكم.

وباتّضاح هذه المقدّمة يتّضح انَّ النسخ لا يكون من قبيل انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه، بمعنى انَّ انتفاء وجوب الحجّ لعدم وجود المستطيع خارجاً لا يكون من النسخ كما انَّ ارتفاع وجوب أداء الصلاة بانتهاء وقتها لا يكون من النسخ، وذلك لأنَّ فعليّة الحكم من أوّل الأمر كانت منوطة بتحقّق الموضوع خارجاً.

وبهذا يتقرّر انَّ النسخ انَّما هو بمعنى رفع الحكم في مرتبة الجعل والتشريع حتى مع افتراض تحقّق الموضوع خارجاً كما لو رفع المولى جلَّ وعلا وجوب الحجّ عن العباد حتى لو اتّفق وجود المستطيع.

ثمّ انَّ الظاهر عدم الخلاف بين المسلمين في امكان النسخ بل وقوعه في الشريعة المقدّسة، والمقصود من الإمكان هنا هو الإمكان الوقوعي، بمعنى انَّه لا يلزم من فرض وجود النسخ في الشريعة محذور عقلي، فما ذهب إليه اليهود والنصارى من استحالة وقوع النسخ في الشريعة غير تامّ كما سيتّضح ان شاء الله تعالى.

ولا يبعد انَّ دعوى الإستحالة منهم نشأت عن حرصهم على التحفّظ على دينهم وانَّه لم يطرأ عليه النسخ، وإلاّ فلا معنى للقول باستحالته بعد ان اتّضح ماهو المراد منه وانَّه عبارة عن ارتفاع الحكم بانتهاء أمده، إذ انَّ الأحكام كما هو واضح تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها، وحينئذ يكون الحكم محدوداً بحدود الملاك الكامن في متعلّقه، ومتى ما انتفى ذلك الملاك فإنَّه لا مبرِّر لبقاء الحكم، غايته انَّ المولى جلَّ وعلا قد يصرِّح بالحدِّ الذي ينتهي معه أمد الحكم وقد لا يصرِّح بذلك لمصلحة قد لا تكون مدركة عندنا.

فالنسخ ليس بمعنى توهّم وجود مصلحة في متعلَّق الحكم ثمّ انكشاف عدمها وعليه يتصدى لرفع الحكم فيكون ذلك مستوجباً لنسبة الجهل اليه تعالى، كما انَّه ليس بمعنى رفع الحكم اعتباطاً وجزافاً رغم اشتماله على الملاك الموجب لبقاء الحكم فيكون ذلك مستوجباً لنفي الحكمة عن الحكيم جلَّ وعلا.

ولمزيد من التوضيح نقول: انَّ الأحكام لما كانت تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها فإنَّ من الممكن جداً أن يكون لزمن معيّن دخل في ثبوت المصلحة أو المفسدة وانّ انقضاءه يكون مقتضياً لانتفاء المصلحة أو المفسدة عن ذلك المتعلَّق وإلاّ فما معنى أن يكون يوم السبت هو اليوم الذي يحرم فيه الصيد على اليهود وما معنى أن يكون يوم الأحد هو اليوم الذي تجب فيه الصلاة على النصارى، وما معنى أن يكون التيه المفروض على بني اسرائيل أربعين سنة كلّ ذلك يُعبِّر عن انَّه قد يكون الزمان دخيلا في ثبوت الحكم لموضوعه وانَّ انقضاءة يؤدّي إلى انتفاء الملاك عن الموضوع فينتفي عندئذ الحكم لانتفاء المبرِّر من جعله.

نعم قد يصرِّح المولى جلَّ وعلا بمدخليّة الزمان في ثبوت الحكم لموضوعه وقد لا يصرِّح، وتصريحه وعدم تصريحه تابع لأغراضه المناسبة لحكمته المطلقة جلَّ وعلا، فأيُّ محذور في أن يجعل المولى حكماً على موضوع وكان قاصداً من أوّل الأمر تحديده بحدٍّ زمني ينتفي عنده الحكم عن موضوعه إلاّ انَّه لم يصرِّح بذلك لغاية اقتضتها حكمته البالغة.

ومن هنا كان النسخ تخصيص أزماني للحكم بقرينة منفصلة، فيكون أشبه بالتخصيص الأفرادي والأحوالي بقرينة منفصلة، غايته انَّ المخصَّص في النسخ هو العموم الأزماني والمخصَّص في الفرض الثاني هو العموم الأفرادي والأحوالي.

Slider by webdesign