نقد التراث مسؤولية مؤسسات وليس أفراد

نقد التراث مسؤولية مؤسسات وليس أفراد

نقد التراث مسؤولية مؤسسات وليس أفراد وأقصد هنا الجموع الفكرية والدينية متمثلة بالأزهر وهيئة كبار العلماء بالسعودية وحوزتي قم والنجف ولبنان والقيروان وهيئة علماء الشام وفلسطين ’ ويرتكز هذا البناء المعرفي على علماء مخلصون هدفهم وحدة الأمة من الفرقة والتشرذم.   بقلم: عباس المعيوف

موقع الاجتهاد: تبقى العقبة الكبرى التي تواجه المدرستين، في السؤال التالي من يملكك الجرأة على نقد التراث وغربلته وتحليله وتنقيته من الأخطاء والعيوب والإرهاصات التي مرت على الأمة الإسلامية عبر ألف عام من الحروب السياسية والفكرية والدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية؟ بكل تأكيد تلك ألقت بظلالها على الموروث لكلا المدرستين، حدد القرآن الكريم من هم أهلاً للنقد والتمحيص وهم العلماء المتخصصون وحذر من الدخلاء بقوله تعالى «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا،» وفق معايير علمية وبحوث فكرية تعطي مساحة من هضم القراءات الأخرى.

نقد التراث مسؤولية مؤسسات وليس أفراد وأقصد هنا الجموع الفكرية والدينية متمثلة بالأزهر وهيئة كبار العلماء بالسعودية وحوزتي قم والنجف ولبنان والقيروان وهيئة علماء الشام وفلسطين ’ ويرتكز هذا البناء المعرفي على علماء مخلصون هدفهم وحدة الأمة من الفرقة والتشرذم.

النقد الفردي للتراث جعل أصحابه محل تهمة وزندقة وكفر وظلال وعمالة للخارج، فكل من دخل هذا المعترك هو في مثل هذه الأيام من المنحرفين والخارجين من ملة الإسلام. لهذا التاريخ أثبت لنا أن من يدعي الاجتهاد مقابل رأي المشهور معرض للتسقيط حتى ولو كان مستنداً للدليل، وجود الثغرات وعدم ردمها يعني بكل وضوح انعدام صياغة عقل إسلامي معتدل ومع مرور الأيام سيترعرع لدينا فكراً متشنجاً همه تصعيد الخطاب الطائفي محل لغة الحوار العقلاني.

تقاعس تلك المؤسسات دعى بعض المحسوبين على المؤسسة الدينية وغيرها من المفكرين والمثقفين العرب اختراق تلك الخطوط الوهمية والمطالبة بعقلنة التراث امثال اركون والجابري ولطرابيشي وشريعتي ومطهري والسيد العسكري وعبدالكريم سيروش وكديور وعدنان ابراهيم وكمال الحيدري وفضل الله والراضي والدكتور عبدالهادي الفضلي ومحمد شحرور والسيد محسن الآمين.

التراث الديني جهد بشري وليس نص قرآنياً أرتبط بزمن معين له ظروفه وتداعياته وليس من العقل أسقاط ما جرى في تلك الحقبة على واقعنا المعاش، أصبحنا نقدس أسماء وكتب وكأنها كتب منزلة من السماء متناسين أن هناك سعى ومازال يسعى لتمزيق فكرنا الإسلامي اشلاء متناثرة كما تفعل داعش على أرض الواقع.

نحن مبدعون في تسقيط بعضنا بعضا، الاختلاف بين أبناء البشر طبيعة وليست شذوذا ولله في خلقه شؤون فتجد الجمال قائما على تعدد الصور والقرارات، والاختلاف في التقييم والنظرة، وهذا بطبيعة الحال لا يدعو للقلق والشك والخوف من الآخر، عندما نختلف في قضية دينية أو فكرية أو ثقافية أو اجتماعية ويطرح الموضوع طاولة النقاش الغاية من ذلك الوصول إلى الحقيقة في المقام الأول.

وليس هناك من يملك منا الحقيقة المطلقة وإنما هي اراء قابلة للصحة وللخطاء. ولكن الأنا هي من ذبحتنا من الوريد إلى الوريد، أمة تأكل بعضها بعض كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، نعم كنتم أما الآن فلا؟!

يرى المفكر الإسلامي المحفوظ أن التراث يحتاج إلى تمحيص للإبقاء على الصالح منه، أما غير ذلك فمصيره النسيان. وفيما يخص التراث الشيعي فإن لنقده وجاهة تستند إلى أهمية خلق مسافة ضرورية بين مفهوم احترام التراث والمنجز الإنساني وبين تقديسه. ومن منطلق الاحترام ثمة حاجة لنقد التراث وتمحيصه، وإن نصوص التراث ليست متعالية على الزمن بل هي نتاج لجهد بشري في حقب تاريخية مديدة.

ولا يعني النقد إضعاف المقدسات، بل ممارسة العلم واتخاذ الموقف العلمي تجاه كل ما يصل إلينا من التاريخ، ويمكن القول إن التراث يظل عقبة أمام الانفتاح على الآخر في بعض جوانبه. ونحن لن نستطيع أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء، لكن بمقدورنا أن نبني وعيا حضاريا تجاه أحداث التاريخ وتطوراته وشخصياته والمطلوب دائما تجاه التاريخ والتراث الصراعي بين المسلمين خلق وعي حضاري يحول دون تكرار الخطأ».

ينتهي حب الله في رسالته للمسلمين بالقول أن في الداخل الإسلامي الكبير يجب نتصارح فيها ونبدي هواجسنا ونفصح عن رأينا في هواجس غيرنا، لنضع أنفسنا والآخرين على المسار الصحيح. إننا نعيش في لحظةٍ تاريخية مصيرية من عمر الأمّة المسلمة، ولا نريد بهذا الكتاب إلا أن نستجيب لهذه اللحظة، ونكسر حصار التاريخ، وننطلق نحو وعيٍ جديد للدين والمذهب، ونمدّ أيدينا إلى سائر مذاهب المسلمين، لنبني معاً مجد أمةٍ لطالما شكّلت مفصلاً من مفاصل تاريخ الحضارات البشريّة.

إننا بوصفنا شريحة كبيرة في مذهب أهل البيت نعلن اليوم وبصراحة عن رسالتنا المفتوحة للعالم، ولإخوتنا المسلمين من أبناء المذاهب الأخرى. رسالةٌ تدعو إلى اللقاء والتواصل والأمن والسلام وعيش المواطنة، ومنح بعضنا بعضاً الحقوق والمزايا والاحترام والتقدير وحسن الظن، لنبني جميعاً أوطاننا بناءً محصّناً من الداخل، لا تهزّه الرياح، ولا تطيح به عواصف الشرّ والموت والفتنة.

يقول الإمام الصادق «المسلم أخو المسلم، وحق المسلم على أخيه المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه، ولا يروي ويعطش أخوه، ولا يكتسي ويعرى أخوه فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم» وهذا الحديث أن دل فهو يدل على التلاحم والمودة بين المسلمين دون النظر إلى انتماءاتهم المذهبية والعرقية.

المصدر: جهينة الإخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky