الشيخ الدكتور ابراهيم البريدي: التكفير هو نهج سياسي لبعض المنظمات اليهودية بطبعها وإن لبست لباس الإسلام وحملت إسمه وهو منها براء طبقاً لقول ويلسي “سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا”.// لابدَّ للاجتهاد أن يستمر، وأنا ضد من يقول أن الاجتهاد أُغلق أو توقف فشرع الله مستمر ثم أن الله سبحانه يقول: “فلولا نفرا من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون”.
موقع الاجتهاد: مابين الاجتهاد ودور الفقهاء والمجتهدين، والحال الذي وصلت إليه الأمّة هذه الأيام من فرقةٍ وضعف بات ينخر في عضامها، ودور الفقهاء والمجهدين في مواجهة الفكر التكفيري والتكفيريين على حدٍّ سواء، إلتقى موقع الاجتهاد فضيلة الشيخ الدكتور ابراهيم البريدي مدرس الشريعة بجامعة الأزهر في لبنان ومسؤول الدراسات وعضو الهيئة المركزية في تجمع العلماء المسلمين وكان الحوار التالي:
الاجتهاد: ماهي أهمية الاجتهاد ودوره على الساحة الإسلامية في مواكبة العصر والتجديد؟
لا بد وأن نشرح بداية معنى كلمة الاجتهاد وهو النظر في أمور الشرع القديم منه والحديث والمجتهدون في تاريخنا كان كل همّهم أن يعرفوا ماذا يريد الله ورسوله (ص) منّا، فالمجتهد ينظر بعين للقديم وبالعين الثانية للحديث فيحاول ربط الماضي بالحاضر بما يصلح أمور الناس في التعبد والمعاملات والحدود وكل شأن من شؤون الحياة دون الخروج عن المبادئ الأساسية، حيث لا اجتهاد في النص وقد قال الإمام أبي حنيفة النعمان: “إذا صح الحديث فذلك مذهبي واضربوا برأيي عرض الحائط”، بمعنى أنه إن صح الحديث عن رسول الله (ص) بالتواتر من غير ظنٍّ ولا ريبة أو شك في الراوي والسند وسبك الحديث يكون ذلك فتوى من رسول الله (ص) لا تُرد.
فالاجتهاد يكون في التفاصيل كلمس المرأة مثلاً هل ينقض الوضوء أم لا وكذلك في الأمور والقضايا المستجدة على الساحة الإسلامية كالتعامل مع البنوك وقروض الإسكان وحتى التعامل مع الأجهزة الإلكترونية وغيرها الكثير، ولا بدَّ أن يكون للشرع رأيٌّ فيها وهنا يبرز دور المرجع والمجتهد الذي يدرك فواصل الأمور، فلا يفتي عن عبث أو بغير علم لأنه إن ضاع العلم أصبح العلماء أصحاب فتاوى يُضلون ويَضلون وهو ما حذر منه رسول الله (ص) فجعلهم دعاة على أبواب جهنم.
لذلك لابدَّ للاجتهاد أن يستمر، وأنا ضد من يقول أنه أُغلق أو توقف فشرع الله مستمر ثم أن الله سبحانه يقول: “فلولا نفرا من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون”.
لكن الخلاف يبقى أنه لومات المجتهد هل يبطل رأيه والعمل به؟ أنا لا أرى ذلك، فعلى المجتهد الآخر أن يجتهد في غير ما اجتهد به السابقون، وأن يرى الأفيد والأيسر للناس من غير الخروج عن لّب الحكم الشرعي على قاعدة أنه ما خُير رسول الله (ص) بين أمرين إلا اختار أيسرهما، لذلك على العالم أن ينظر بدقّة في الدليل والبرهان، فإن كان يوافق شرع الله ورسوله ويخدم القضية التي استجدت فعليه أن يُبدي رأيه دون أن يتهيب، لأنّ المجتهد إنما ينطق بلسان الله عزّ وجل، وحتى الخلاف الاجتهادي بين المراجع إنما هو دليل عافية ورحمة بالأمة،
وأذكر قضية نأخذ منها العبرة وتُقرب الفهم لذهن القارىء وهي أنّ شخصاً قال لزوجته أنتِ طالقٌ إلى حين، ثم أراد ردّ زوجته إليه فذهب الى أحد العلماء واستفتاه بأمره فقال له: لا يمكن أن تعود زوجتك إليك إلى يوم القيامة وعلل ذلك بقوله سبحانه “وحين تُبعثون”، فأضاف الحين للبعث أي يوم القيامة، فذهب لعالم أخر وعرض عليه أمره فأجابه: تعود إليك بعد أربعين عاماً لقوله تعالى: “هل أتى على الإنسان حين من الدهر”، وآدم ظلَّ طيناً أربعين عاماً، فغدا الرجل لعالم ثالث فكان جوابه: تعود إليك بعد عام لقول الله عزّ وجل: “ألم ترى كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة تؤتي أوكلها كل حين بإذن ربها….”، وحين استفتى عالم رابع كانت فتواه تعود إليك غداً لقوله جل جلاله: “فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون”، فأخذ الرجل بالرأي الأخير وردّ زوجته إليه، والمجتهدون هنا كلهم صادق وعلى المسلم أخذ الفتوى التي تناسب حاله ووضعه.
الاجتهاد: أين دور الإجتهاد في فقه أهل السنة بعد الأئمة الأربعة؟
بعد الأئمة الأربعة كان الإمام الأوزاعي والزهري وابن تيمية وابن المسيب وبديع الزمان النورسي، ولكن اليوم لم يعد هناك مجتهدون كأفراد بل مؤسسة تجتمع في أنحاء العالم الإسلامي وتتصدى للإفتاء فيما استجد كما حصل بموضوع معجون الأسنان والإبرة بالعضل وغيرها، وعموما فقه أهل السنة يأخذ بالقياس بعكس أهل الشيعة فيقيسون الأمور بأشباهها بمعنى الخمر حرام وهو نقيع التمر أو العنب فماهو حكم (الويسكي) أيضا حرام لإشتراكه بعلة الإسكار وهكذا في بقية الأمور.
الاجتهاد: في خضم ما تعيشه الأمة من ظاهرة تكفير على قاعدة من ليس معي فهو ضدي وهو كافر، ما السُبل التي ترونها لمحاربة هؤلاء وأفكارهم؟
أنا لن أوارب ولن أداري، محاربة التكفير لا تكون فقط عسكرياً وفكرياً وببناء مدارس وحدة إسلامية وما إلى ذلك لأن كل هذا إنما هو نتاجٌ لما آلت إليه الحال، محاربة التكفير تكون بقطع رأسه الذي يغذيه ويدعمه ويبنيه ويعطيه الفتاوى، والأفعى لا تسقط بضرب ذيلها،
فالتكفير هو نهج سياسي لبعض المنظمات اليهودية بطبعها وإن لبست لباس الإسلام وحملت إسمه وهو منها براء طبقاً لقول ويلسي “سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا” فما نراه اليوم من هؤلاء لا يمت للإسلام بصلة، ولكن الجماعة التي تغذيه تعمل على بث التكفريين في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي صانعةً لهم ربيعاً بعد ربيع وتدميراً بعد تدمير لتخرب العالم الإسلامي وبالتالي تحافظ على أمن إسرائيل وهذا “أنور العشقي” الكاتب الذي عمل في المخابرات السعودية لا يتورع عن الجهر بنواياهم فيقول: “نحن لا نحب أن تبقى إسرائيل في عزلة وعلينا عدم إزعاجها”.
لذلك أكرر القول يجب علينا قطع رأس الإفعى لأن التكفيري متى إنقطع عنه الدعم يسقط لوحده فلا بد من إزالة كل حكم يغذي التكفير وهم قد بداؤا يخربونها بأيديهم حتى شعوبهم بدأت تتململ من واقعهم وهذا التململ سيصنع التغيير لا محالة، لأن خطر التكفيريين على السنة أكبر منه على الشيعة حيث يعتبرون الشيعة كفاراً بينما يعتبرون السنة مرتدين وعقوبة المرتد أقسى وأشد بطبيعة الحال عندهم.
الاجتهاد:بحكم تجربتكم كتجمع علماء للسنة والشيعة كيف ترون سُبل التقريب بين المذاهب وبالتالي وحدة المسلمين؟
أتسائل دوماً لماذا عندما كان شاه إيران الشيعي والذي أُسقط بيد الشيعة عن عرشة لم نكن نسمع أو نعيش هذه الحالة من التفرقة، أليس لأنه كان مرضياً عنه لأنه يسبح في الفلك الأمريكي، ولكن عندما تسلّم الثوار المسلمون حكم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وظهر للعالم كلّه العدالة ووضوح الرؤية الإسلامية في كل الأمور حاربتها أمريكا عبر صدام حسين وأسست بذلك بداية النعرة الطائفية التي انتقلت للمحيط بشراراتها
ومع تفوق إيران النوعي بالسلاح والعتاد والدعوة والاستقطاب والمقاومة وانتصارها على إسرائيل كان لابدّ وأن تُحارب لمصلحة الكيان الغاصب فكان لابدّ من تفتيت المجتمع الإسلامي كي لا يتوحد حولها، وهو تأكيد لقول كسنجر عدما سُئل ماذا تنتظر بعد سقوط الإتحاد السوفييتي فأجاب “حرب المئة عام بين السنة والشيعة”.
ودورنا كعلماء واعين لهذه الأخطار أن نؤكد للمسلمين أن خلافنا ليس في الدين لأننا لا نختلف على الله ورسوله والأئمة والصحابة والقرآن، بل هو خلاف سياسي مرّة بالعصبية ومرة بالطائفية والدليل أنه إن كان الخلاف في سوريا مذهبياً فماذا نقول عما يحصل في تونس وليبيا ومصر وليس فيها شيعة؟ بل أُلبست ثوب العصبية والقبلية إذ أنهم يبحثون في كل مجتمع عما يُزكي نار الفتنة فيه على قاعدة فرق تسد، ودورنا هنا كعلماء أن نُخرج الأمة من هذا الواقع ولا يكون ذلك إلا بابتعادنا عن العصبية والإفتاء للملك والسلطان والجاه والمال، فلا يجوز أن يمتد سيفي للكافر المسالم فكيف إلى من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وهي تعصمه؟.
وختم البريدي بالقول: “أما إذا تولينا عن ذلك: “وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”.
إعداد و تحریر: بهمن دهستاني