الاجتهاد: إن الأسرة فی المنطق الإسلامی تعدّ منهلاً لکثیر من التطورات الإجتماعیة والخصائص الإنسانیة العظیمة مما نشیر فیما یلی إلى عدد منها:
1) الحب والعاطفة
إن العاطفة هی إحدى المیزات الخاصة للإنسان، کما أن الحبّ یوجد لدى الله تبارک وتعالى فی أعلى ذروتها. فالله سبحانه وتعالى قد أعطى هذه الصفة للإنسان أیضاً وأودعها فی الوجود البشری مما هی أجمل فصول الحیاة البشریة والأبعاد الإنسانیة.
وحتى الدین والذی یقدم برنامج الحیاة عندما یرید أن یعرّف أکثر الحالات الدینیة أهمیة وفاعلیة یکشف عن الحب. حیث وردت فی الروایات: “هل الدین إلا الحب”.
إن الدین ملیء بالحب والبرامج والنظرات الدینیة تصب فی تعزیز الحب والعاطفة الإنسانیة. فالحب یوجد فی الإنسان والأسرة هی بؤرة الحب وفی الواقع إن منهل الحب ومنبته هو الأسرة.
فحب الوالدین بالأولاد وحب الأولاد بالوالدین یمثل النموذج الأعلى للحیاة الإنسانیة والحب البشری. فالحب الذی یظهر بین الزوجین وبین الأولاد والإخوة والأخوات لایمکن قیاسه وفقا للمعاییر والمقاییس المتاحة.
فإذا قبلنا أن الحب هو أفضل الفصول العاطفیة الإنسانیة وقد جاء الدین من أجل إرساء هذا الجوهر ویرى تماسکه وانسجامه فی الحب وإذا قبلنا أن نقطة انطلاق الحب ونشأته وظهوره هی الأسرة تأکدنا من أهمیة الأسرة.
فالنقطة اللافتة للانتباه هی أن الحب إذا لم یتکون فی الأسرة فمن الممکن أن یجد المجتمع الإسلامی نوعاً من العلاقة الودیة ولکن بحذف الأسرة یتجه هذا الحب نحو الضعف والتقلیل.
فبعبارة أخرى إن الاسرة هی التی تصدر الحب للمجتمع. والإسلام ینصب ترکیزه فی هذا النحو ویؤتی بالعواطف الخاصة الأسریة على صعید المجتمع لکی یتم تلطیف المجتمع ویصبح المجتمع إنسانیاً ویسیر المجتمع فی ظلال الخصائص العاطفیة والإنسانیة والمفعمة بالحب والود للأسر نحو الاصطباغ باللون الإنسانی والأخلاقی والإلهی.
إن الأخوّة شأن من الشؤون الأسریة الدینیة وأمر بلانهایة
أذکر مثالا فی هذا المجال مما یرتبط بموضوع السنة والشیعة أیضا. إن الأخوّة هی قضیة أسریة.
فعندما یقال هذا أخ له فهذا موضوع یرتبط بالأسرة. ففی الواقع یتکون مفهوم الأخوة فی بؤرة الأسرة ویجد معناه. فحاول الإسلام أن یضفی الطابع الإجتماعی لهذه الأخوة المتعلقة بالأسرة.”إِنَّمَاالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَهٌ فَأَصْلِحُو ابَیْنَ أَخَوَیْکُم”.
فهذا یعنی استعارة أمر أسری لصالح المجتمع. وفی الحقیقة یضنی الإسلام جهده فی سبیل الإتیان بشأن أسری على ساحة المجتمع وتحویله إلى مؤسسة اجتماعیة. أی کما أن أخوین فی أسرة واحدة یساندان بعضهما من بعض ویمارسان کمال التعاطف والإنصاف فی معاملات بعضهما مع البعض، فالإسلام قد أعطى لهذا الأمر بعداً اجتماعیاً وقال أن المؤمنین علیهم إقامة علاقة یوجد نموذجها فی الأسرة. أی تکونوا إخوة بعضکم مع بعض ولاینبغی القضاء على هذه الأخوة فی المواقف التی تتطرأ المشاکل والخلافات ولایجدر ترک الأخوة فی ما بینکم. فالأخوة هی أمر لاینتهی.
فعندما تحدث خلافات بین أخوین فإنهما أخوان فی نفس الوقت بالرغم من کل الخلافات والمشاکل فیجب علیهما أن یعودا من دون أی تریث. فلذا نرى الإمام علی (ع) حین اختلف طلحة والزبیر فإنه (ع) یقول: “هم إخواننا بغوا علینا” أی حتى ولو حدثت المعرکة بیننا لا تفوت تلک الأخوة.
فیجب أن یعملوا بأمر القرآن بالسرعة. “فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُم”. فالبعض یزعمون أن الأخوة المرادة لدى الإسلام تصلح للمواقف التی لایوجد أی خلاف بین المؤمنین وإذا حدث الخلاف یمکن نبذ الأخوة.
فالیوم هناک بعض اتجاهات خاطئة تقول بأننا جماعة الشیعة إخوة بعضنا مع البعض وأهل السنة أیضا هم إخوة بعضهم مع البعض ولکن مع الأسف البالغ لایریدون أهل السنة فی بعض المواقف أن ینظرو إلى الشیعة بنظرة الأخوة؛ کما هو الحال للشیعة بالنسبة لأهل السنة.
ولکن ما یقوله القرآن یختلف عن هذا. فیقول القرآن یمکن أن یحدث الخلاف ولکن الأخوة تبقى فی مکانها فیقول القرآن الکریم: “فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُم” أی هؤلاء إخوة. أو کما قال الإمام علی (ع): “همإخواننا” وکان یعنی بهما طلحة والزبیر.
الأسرة بؤرة الحیویة وبؤرة تدفق العاطفة والإسلام یرید أن یطبق هذه العاطفة فی ساحة المجتمع بأی شکل کان و أیا کان ثمنها حتى یفیض المجتمع بالعاطفة والإنسانیة.
2) الإحسان والکرم
فالإحسان هو أساس الحیاة. وإنه لیس بمعنى الحب. تصوروا مدى إحسان الأب بالأبناء ومدى تضحیات الأم فی سبیل تربیة الأولاد وهذا یعنی إنهما یحسنان دون انتظار أی مقابل.
فکیان الأبوین ممزوج بالإحسان والبر بالأولاد. ولایمکن العثور على الإحسان والبر فی أی مکان آخر مثل الأسرة حیث یشفق الأبوان على أبناءهم لیلا ونهارا من صمیم فؤادهما ولایهم لهم شیء غیر الاهتمام بأبنائهم والعکس کذلک.
وقد یبلغ هذا البر والإحسان لدى الأولاد أیضا إلى ذروته. فهذه الشفقة هی أمر أسری ولایمکن الحصول علیها فی أی مکان آخر. فعندما تدخل الشفقة فی ساحة المجتمع تحاط بالقیود.
فقد یشفق الشخص لکی یشفق علیه و…. فالإسلام یسعى وراء أن یأتیبالنموذج الأعلى للإنسانیة والتعاطف والشفقة من دون الانتظار إلى المجتمع وأن یظهر الجمیعالبر والإحسان بعضهم للبعض.
فالإسلام یرید أن یجعل میزة الأمن والراحة للأسرة دعامة للأمن الاجتماعی والراحة الاجتماعیة.
3) إزالة الاضطرابات
والمیزة الأخرى للأسرة تتجسد فی أنها مکان الأمن والراحة وهی محل الرحمة والعطوفة وإزالة الاضطرابات والمخاوف والهواجس. کل شخص عندما یتعب ویضجر من أی شیء یلجأ الى البیت ویشعر بالأمن والراحة ویحس بجو إنسانی وبیئة أخلاقیة وعاطفیة. هذه هی الأسرة. وهذه هی میزة الأسرة. فالإسلام یرید أن یجعل هذه المیزة دعامة للأمن الاجتماعی والراحة الاجتماعیة فالإسلام لایحب أن تبقى هذه المیزة حکرا على إطار الأسرة.
وإن الإسلام یرید أن یؤتی بهذا الحب الأسری فی بطن المجتمع. یرید أن یحاول أفراد المجتمع وراء إزالة الاضطراب والقلق عن بعضهم البعض وذلک من خلال الاستمداد من تلک الحالة الأسریة المذکورة. فالعائلات الکریمة هی التی تحمی وتدعم أعضاءها الذین تدخل فی المجتمع ویحترفون مختلف المهن ویتحملون المسؤولیات المنوعة.
فهؤلاء الأفراد یقومون بواجبهم ووظائفهم متزودین بتلک العلاقة الحرة فی الأسرة وذلک الشعور بالراحة أی إنهم یمارسون أعمالهم داخل الأسرة. ففی هذه الحالة یستطیع الموظف أن یبادر بأعماله ویستطیع أن یکدح ویؤدی واجبه بالرغبة التامة.
فلذا إن الأسرة هی التی تدعم وتساند الذین یدخلون فی المجتمع من أجل أداء الدور وتحمل المسؤولیات. فالموظف ینجح ویتوفق إذا کان مزودا بالدعم والهدوء من قبل الأسرة.
فها هی إحدى من فوائد الأسرة وحتى یمکن القول إن الأسرة هی بؤرة الاهتمام والإیمان بالله تعالى. فإذا عرّفنا الأسرة بشکل صحیح وتمت التربیة فیها جیدة ظهرت إنسانیة الإنسان وکونه إلهیا. فالإمام الحسین (ع) حینما أراد أن یقدم صموده أمام جور یزید أشار إلى الحضن الدافئ لأمه الحنون السیدة فـاطمة الزهراءعلیها السلام.
وهذا یعنی أن کل شیء یعود إلى الأسرة. وعلینا أن نبذل جهوداً أکثر ونقدم تخطیطات شاملة فی موضوع الأسرَة. فأساسیا یحظى حضور الأسرَة بالأهمیة والموضوعیة ونحن نرید أن نشکر الأسرَة ونحاول أن نقدم صورة من تلک الأبعاد الإنسانیة والعاطفیة لأعضاء الأسرَة. والوحدة هی التی تعزز معنویاتنا.