هناك مبادئ – وفقاً للتعاليم الإسلاميّة- يجب أن تحكم العلاقات بين الأديان والمذاهب، وهي عديدة، وأهمها ثلاثة؛ المبدأ الأول: ممنوعيّة إكراه شخص ما على اختيار دين ما، فضلا على مذهب. المبدأ الثاني: تفعيل وتحريك المشتركات الدينية نحو خلق وايجاد مشتركات جديدة وثانوية. والمبدأ الثالث: توجيه وترشيد الخلافات نحو صيرورتها كفرص وميادينٍ للتسابق في الخيرات.
موقع الاجتهاد: ان فقه الاختلاف المذهبي كفرع تخصصي غائب في فقهنا رغم ضرورته وفوريته ودوره في تحقيق البنى التحتية لمجتمعنا الاسلامي.
ومن جملة مباحث هذا الفرع الفقهي مبحث المبادئ التي يجب اعطاءها السيادة والسيطرة على العلاقات.
وفي هذا العرض وبهذا الصدد اقول: هناك مبادئ – وفقاً للتعاليم الإسلاميّة- يجب أن تحكم العلاقات بين الأديان والمذاهب، وهي عديدة، وأهمها ثلاثة كالآتي:
المبدأ الأول: ممنوعيّة إكراه شخص ما على اختيار دين ما، فضلا على مذهب ما: إنّه من المبادئ المهمة التي طرحها القرآن، وهو قاض بحكمين:
1.عدم جواز إكراه أيّ إنسان على اعتناق دين ما أو مذهب ما.
2. عدم جواز إجباره على ترك دين ما أو مذهب ما.
وغني عن البيان أن هذا المبدأ لا يعني نفي مسؤولية من يختار دينا او مذهبا (أو يتركهما) امام الله سبحانه، فإنها كبيرة.
المبدأ الثاني: تفعيل وتحريك المشتركات الدينية نحو خلق وايجاد مشتركات جديدة وثانوية:
وتوضيح ذلك يمر عبر نقطتين:
▪️النقطة الاولى: دور المشتركات في بناء وتنظيم العلاقات بين المجموعات المختلفة:
هناك نظرة سطحية وابتدائية الى المشتركات الدينية، يتسبب عنها اهمال وتعطيل المشتركات في مجال العلاقات، فعلى الرغم من حضور وشيوع هذه النظرة الجاهلة حتى في الكثير من أوساط النخب، فان للمشتركات الدينية أداءات مهمة وجذرية تتجسد في نقطة، وهي “لعب المشتركات بالدور التأسيسي والبنائي للعلاقات في المجتمع”.
ان اهمال المشتركات يتسبب عن أحد أمرين:
• إما لا ندرك ماذا تعني العلاقات في المجتمع؟ ولا ندرك مدى أهميتها وخطورتها وحساسيتها.
• أو لا نعلم ان للمشتركات دورا أساسا في بناء العلاقات، وتأطيرها وتعديلها وتنظيمها.
ومما يدل على أن المشتركات واجدة لمثل هذا الدور، الآية الشريفة: ” قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم”.
فاللازم أن نولي للمشتركات الأهمية القصوى، ونفسح المجال لها كي تلعب دورها المهم بالنسبة للعلاقات.
▪️النقطة الثانية: إمكانية توظيف المشتركات الدينية بعمليتين مهمتين:
وهاتان العمليتان التوظيفيتان، هما:
العملية الاولى: عملية توظيفها على انتاج مشتركات فكرية؛ وذلك في عدة مجالات؛ منها: مجال تقديم الحلول المشتركة الفكرية لمواجهة المشاكل المشتركة.
ومنها: مجال “التنظير الفلسفي العام لبناء وتعديل العلاقات بين الامة ذات المذاهب المختلفة”.
ومنها: مجال “التنظير الحقوقي العام المتوجه الى علاقات الامة” على أساس فقه الاسلام.
وهذه المجالات مهمة للغاية، غير أن شرح اهميتها وبيان أولويتها وتفصيل جزئياتها موكولة الى فرصة أخرى.
العملية الثانية: عملية توظيفها نحو تمهيد الارضية للعمل المشترك.
والمقصود ان القيام بسلسلة من النشاطات المشتركة ضمن معادلةٍ تكامليّة تقوم على أساس المشتركات الدينيّة، أمر ممكن.
والحقيقة أن سر مشكلة فقدان النشاطات المشتركة هو عدم عملية توظيف المشتركات في هذا المجال، وليست المشكلة راجعة الى ضعف المشتركات وطاقاتها.
المبدأ الثالث: توجيه وترشيد الخلافات نحو صيرورتها كفرص وميادينٍ للتسابق في الخيرات:
إنّ الخلافات والفروق بين المذاهب والأديان يجب أن لا تكون سبباً في الصراعات والمنازعات، بل على أتباع الأديان والمذاهب أن يجعلوا من هذه الفروق حافزاً لهم في التسابق للقيام بأعمال الخير والإحسان، وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله «فَاسْتَبِقُوا الخَيرَاتِ»، حيث يستفاد من هذه الآية ضرورة تبديل الخلافات وعكس مسارها باتّجاه التسابق في الخيرات؛ والطريف أنّ خطاب الآية ليس موجّهاً نحو المسلمين فقط، بل يشمل أتباع الأديان الأُخرى الذين أشار إليهم قبلاً بقوله «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنهاجا».
إذا كان الامر كذلك بالنسبة الى الفروق بين الأديان، فما حال الفروق بين مذاهب الامة من حيث ضرورة جعلها كمنطلقات لتحقيق الخيرات.
بقلم: الشيخ الدكتور أحمد مبلغي / رئيس جامعة المذاهب الإسلامية
المصدر: وكالة فارس للأنباء