وسائل لاستذكار علم أصول الفقه

أن أختار كتابًا من الكتب المعاصرة سهل العبارة، أو شرحًا أصوليًا للكتاب المقرر، سواء أكان مقروءًا أو مسموعًا، أو أحضر دوراتٍ مكثفة في هذا العلم؛ وذلك لغرض تقريب الأصول إلى الذهن، وتيسير تصور مسائله… بقلم: د.فيصل بن سعود الحليبي

موقع الاجتهاد: علم الأصول هو الأصل الأصيل والقاعدة العظمى لعلم الفقه، الذي قال عنه النبي ع : (من يرد الله به خيرًا يفقّه في الدين) رواه البخاري، فلا يمكن أن تضبط الفروعُ إلا حينما تقام الأصولُ على وجهها، ويستنير المجتهد بأدلتها الإجمالية، ويسبر غورَها، ويخلص إلى دلالاتها المبنيةِ على الحقائق والبراهين، وهذه درجة الاجتهاد التي هي قمةُ هرم علم الأصول، وإنما علم الأصول هو الطريق لتحصيلها، فقد جاء في الإبهاج لابن السبكي: ((وكلُّ العلماءِ في حضيضٍ عنه (أي الاجتهاد) إلا من تغلغلَ بأصْلِ الفقهِ، وكرعَ من مناهلهِ الصّافيةِ بكلّ المواردِ، وسبحَ في بحرِهِ وتروّى من زلالهِ، وباتَ يَعِلّ به وطرفُهُ ساهدٌ)) ([1]).

وباقتضاب الأصوليين فإننا نقول: إن ثمرة علم الأصول هي كما يقول ابن الحاجب: ((العلم بأحكام الله)) ([2]).

ولأن الفروع الفقهية متجددة بتجدد حاجات الناس، ولأننا على يقين بأن هذ الشريعة كاملة وصالحة لكل زمان ومكان، يجعلنا نتساءل: كيف يكون لكل نازلةٍ جديدة حكم شرعي له دليله أو تعليله!
فالجواب عن هذا: هو هذا العلم الجليل؛ علم أصول الفقه، الذي تضمنُ دراستُه التوصلَ إلى الأحكام الشرعية الصحيحةِ للمستجدات الحديثة، مهما كانت أوصافها، ومتى ما كانت، وأينما كانت، فالأصول في مقدمة العلوم الشرعية التي تظهر بها معجزة هذه الشريعة في كمالها وتمام نعمة الله تعالى على عباده بها، فالله تعالى يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [3: المائدة].

إن الشعور بهذه الأهميةِ الكبرى لعلم الأصول هو من أبرز الحوافز النفسية لتعلمه، وليس هذا فحسب بل للوصول إلى متعة علميّة فريدة من نوعها، تتجرد فيها الروح الوثابة للمعرفة إلى تجاوز الاكتفاء بالحفظ إلى مرحلة التنقيب والاكتشاف، وهنا سأقف مع كلمة تأتي في مقدمة تعريف علم الأصول قلّما وقف معها الأصوليون، وهي كلمة: (يبحث) حيث يقول جملة من علماء الأصول في تعريفه: هو (علم يبحث في أدلة الفقه الإجمالية، وكيفيةِ الاستفادة منها، وحالِ المستفيد).

فتأمل معي كلمة: (يبحث)، فإنها تشير إلى معانٍ عميقة جدًا؛ تتضمن: الاستقراء، والنظر، والاجتهاد، والسبر والتقسيم، والتأملَ في الصِيَغ، ودلالتِها، وقرائنها، والترجيح بين الأقوال والأدلة.

فمن لم يعرف هذا عن علم الأصول، لن يُقبل عليه بنَهَم، ولن يأخذه بحقه، ولن ينال به ما نال به العلماء الربانيون.

كيف أستذكر علم أصول الفقه:

إذا تقرر هذا، فإني أستطيع أن أوجز طريقة استذكار علم الأصول في الأمور الآتية:

1- استحضار النية الخالصة في تعلّم هذا العلم، استلهامًا لتوفيق الله تعالى، ونيل الأجر والثواب، فـ(إنما الأعمال بالنيات).

2- أن أختار كتابًا من الكتب المعاصرة سهل العبارة، أو شرحًا أصوليًا للكتاب المقرر([3])، سواء أكان مقروءًا أو مسموعًا، أو أحضر دوراتٍ مكثفة في هذا العلم؛ وذلك لغرض تقريب الأصول إلى الذهن، وتيسير تصور مسائله، وتوضيح أمثلته.

3- أن أحضّر الدرسَ قبل أن أحضر إلى المحاضرة بقراءته في الكتاب المقرر، وإن لم أستوعب كل ما فيه، لكن على الأقل تكون لديّ إلمامة ولو يسيرة لصورة المسألة وما فيها من أقوال وأدلة، فلا أكون بذلك غريبًا على ألفاظه ومعانيه.

4- أشحذ انتباهي إلى شرح الأستاذ في المحاضرة، وأشارك في الإجابة عن استثارته العلمية لجوانب المسألة، ولا أبالي أن أخطئ ولو كثيرًا، فالخطأ بين يدي الأستاذ طريق الصواب، والصمت هنا يصيب الطالب بالملل، والشعور بعدم التحصيل.

5- أدوّن الفوائد التي يذكرها الأستاذ وهي غير موجودة في الكتاب المقرر، باختصار إذا سمح بالتقييد.

6- في أثناء القراءة للكتاب: أضع عنوانًا رئيسًا للمسألة، وعناوينَ جانبية على رؤوس الأقوال، فأكتب مثلاً: القول الأول، القول الثاني، وهكذا، وأكتب في شأن الأدلة: الدليل الأول، الدليل الثاني، وهكذا، وأكتب في شأن الاعتراضات والإجابة عنها: اعتراض على الاستدلال بالدليل الأول، الجواب عن الاعتراض، وهكذا في كل المسألة، وبهذا تكون المسألة قد اتضحت أمامي، وسهُل جدًا استذكارها.

7- إذا طلب منّا الأستاذ إعادة معلومة، فإني أبادر إلى ذلك؛ حتى أعرضَ ما فهمته على أستاذي، وأنالَ منه التصويب.

8- أشكّل الكلمات التي تحتاج إلى تشكيل بالحركات، أثناء قراءة الكتاب مع الأستاذ، فهذا يعينني على الفهم بعد الله تعالى.

9- أربط بين الأصول والفروع، بحيث أركّز على الأمثلة والفروع الفقهية المترتبة على المسألة، وكيف بُنيت عليها، وأحاول البحث عن أمثلة معاصرة تنطبق عليها القاعدة الأصولية، وحسنٌ لو قرأت المسألة في كتابٍ يُعنى بتخريج الفروع على الأصول.

10- إذا انتهت المحاضرة، فإني أقرأ الدرس في المنزل في اليوم نفسه، ولا أتأخر عن ذلك أبدًا ما استطعت إلى ذلك سبيلا؛ فهذا أشد تثبيتًا للمعلومة وأكثر فهمًا لها.

11- في نهاية مذاكرتي للمسألة، أسترجع هيكلها العام، باستذكار عنوانها، وكم قول ودليل فيها، وما القول الذي رجحه الأستاذ وسببُ الترجيح.

12- أتحاور مع زملائي في عناصر الدرس، وأعرض عليهم ما يشكل عليّ، فإن توصّلت معهم إلى نتيجة، وإلا بحثت عن ذلك بنفسي في المصادر والمراجع الأصيلة القريبة من الكتاب الذي أدرسه، فربما وجدت العبارة فيها أكثر وضوحًا، فإن لم يتبين لي شيء، عرضت الإشكال على المتخصصين في هذا العلم بكل أدب واحترام.

13- أتعلق بالله تعالى: دعاءً وتضرعًا وشكرًا وثناءً في كل مسيرتي العلمية.

هذا ما تيسّر لي تدوينه في طريقة استذكار علم الأصول، توخيت فيه الإيجاز والوضوح، ولا أعدم توجيهًا واستدراكًا وتصويبًا، عسى الله أن ينفع بها عباده، ويغفر لي زللي، وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فيصل بن سعود الحليبي

أستاذ في علم أصول الفقه من الأحساء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky