خاص الاجتهاد: كيف يمكن التقليل من الخلافات العقائدية بين الفرق الإسلامية؟ ما رأيكم حول تكفير الطوائف والفرق الإسلامية بالعموم؟ ما هو النهج الفقهي للشهيد البوطي لإقتلاع الفكر التكفيري؟ هل يجدى ما قام به الفقه والإجتهاد في مواجهة الفكر التكفيري؟ ما هي أساسيات الفكر التكفيري؟ أسئلة أجاب عنها فضيلة الدكتور توفيق البوطي في حوار معه أجري مراسلنا بدمشق أحمد إسماعيل.
أكد عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق، ورئيس اتحاد بلاد علماء الشام، محمد توفيق رمضان البوطي أنّ “مواجهة التكفير والتطرف يكون بالعلم، لأن العلم هو الذي يكشف المغالطات التي يوقعون الناس فيها، فالتكفيريين يُجازفون في إصدار الأحكام، ويتلاعبون بالألفاظ بما ينسجم مع غلوّهم وأفكارهم”، لافتاً إلى أن “ما كان يطرحه الخوارج في زمن سيدنا علي، كان مغالطة وسوء تفسير لهذه الكلمة، وتسويغ لإتهام الآخرين في الكفر ومن ثم استباحة دمائهم”.
وأشار البوطي، إلى أن والده “شهيد محراب” الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي كان يواجه الفكر التكفيري بالأدلة العلمية، ولم يقف يوماً على المنبر أو في محاضرة، إلا وكان يطرح الفكر الذي يضع حداً لهذه الفئة بالأدلة الشرعية والعلمية، ولذلك كان حقدهم وغيظهم عليه شديداً لأنهم كانوا لا يملكون الأدلة بل كانوا يستثيرون الحماس الأرعن لدى العامة”.
ورأى رئيس اتحاد علماء بلاد الشام، أن “تقليل الخلافات بين الفرق الإسلامية، يكون من خلال وضع الأسس العامة للتلاقي، لأنه الأمر الأساس في هذه المسألة، وهذا يعني أن هناك جامع مشترك بين الفرق ألا وهو العقيدة، والقرآن والسنة النبوية الشريفة، فمتى كان يجمعنا جامع مشترك فإن الجزئيات يمكن أن نتناقش ونتحاور حولها، هذا بالدرجة الأولى شرط أساس للتلاقي وتخفيف فرص إيقاع الفتنة بين أطياف الأمة، أما الأمر الآخر فهو أن يتجنب المسلمون من أي طيف من أطيافه النيل من الآخرين ومن رموزهم ومن مقدساتهم ومعتقداتهم بأسلوب القدح أو الشتم أو القذف أو الإساءة المباشرة”.
مراسل موقع الاجتهاد بدمشق أحمد إسماعيل، زار مكتب الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي نجل الشهيد رمضان البوطي في جامعة دمشق وكان الحوار التالي:
ماهي القواعد والمنابع الأساسية التي يستند عليها الفكر التكفيري وينطلق منها؟
لعل التاريخ يشهد بأنّ فئةً من الناس خرجت على سيدنا علي رضي الله عنه وناوئته وتمردت عليه، وقاتلها سيدنا علي رضي الله تعالى عنه، لأنّ من خرج على الإمام يُعتبر محارباً، وكان استشهاد سيدنا علي على يد هذه الفئة التي على الرغم من أنها كانت قد بايعته خرجت عليه، وكان عندهم غلوٌّ في أفكارهم، يكفرون على المعصية ويستبيحون الدماء، ولكن هذا الفكر الذي كان في عهد سيدنا علي رضي الله تعالى عنه؛ وعلى غلوه وكثرة ما فيه من مفاسد لكنه كان ضمن الجسد الاسلامي.
أما اليوم فإننا نضع إشارات استفهام حول الحركة الوهابية التي ظهرت في أرض الحجاز ونجد، هذه الحركة أخذت من مذهب الخوارج ذلك الغلو وطغت عليه، فهي رفضت المذاهب الفقهية وكفرت المخالفين، واستباحت الدماء، فأنا لا أذكر تفاصيل نشأة هذه الدولة ولكن أعلم أنها نشأت على سفك الدماء واستباحة المدن والقرى التي دخلتها قواتها حتى أنهم انتهكوا حرمة المسجد النبوي الشريف حسب ما أذكر.
فالأساس الذي ينطلقون منه لتكفير الآخرين هو أنهم ينظرون لكل من خالفهم على أنه كافر، يكفرون على البدعة ويبدعون الآخرين ويشركونهم، ويتهمون المخالفين لهم بما يجعل دماءهم مستباحة لهم، فمتى خالفهم انسان فهو مشرك ومرتد، ويعتبرون من يقف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسلًم عليه يكون مشركاً، وإذا توسل انسان بالنبي عليه الصلاة والسلام أيضاً يعتبرونه مشرك بالله حسب إعتقادهم.
ما هو جدوى الفقه والإجتهاد في مواجهة الفكر التكفيري، أو كيف يمكن للفقه والإجتهاد الوقوف بوجه التكفيريين؟
لا يقابل هذه الحركة أو هذا الفكر إلا بالعلم، لأن العلم هو الذي يكشف المغالطات التي يوقِعون الناس فيها، فهم يجازفون في إصدار الأحكام، ويتلاعبون بالألفاظ ويلوون أعناق النصوص بما ينسجم مع غلوهم وأفكارهم، لذلك إذا تأملت بمجريات الأحداث التي تجري في المنطقة منذ الفتنة التي جرت في الجزائر،
تجد أن الفكر الخوارجي المغالي وراء دماء نصف مليون جزائري قُتِلوا في تلك الفتنة، وما كان يطرحه الخوارج في زمن سيدنا علي عليه السلام، كان مغالطة وسوء تفسير لهذه الكلمة، وتسويغ لإتهام الآخرين في الكفر، ومن ثم استباحة دمائهم، هذا الأمر جرى في عصرنا هذا ولكن في مناخ بعيد عن منابع النبوة والمعرفة، فإستغلوا حالة الدهماء والتي هي بعيدة عن الإسلام، لاسيما أن الجزائر على سبيل المثال كانت قريبة عهد بالإحتلال الفرنسي، فكان وعي الناس ومعرفتهم الدينية محدودة، لذلك وجدوا المناخ خصباً لأفكارهم.
ما هو النهج الفقهي للشهيد البوطي لإقتلاع الفكر التكفيري؟
كان يواجه فكرهم بالأدلة العلمية، ولم يقف يوماً على المنبر أو في محاضرة، أو مقابلة إلا وكان يطرح الفكر الذي يضع حداً لهذه الفئة بالأدلة الشرعية والعلمية، ولذلك كان حقدهم وغيظهم عليه شديداً لأنهم كانوا لا يملكون الأدلة بل كانوا يستثيرون الحماس الأرعن لدى العامة والغوغاء ويسوغون لهم الخروج على الدولة والتمرد والقتل والتظاهر ليستغل ذلك كله بنشر الفوضى التي تحقق أهداف الطغيان الأميركي بالمنطقة.
كيف ترون تكفير الطوائف والفرق الإسلامية بالعموم؟ وهل يجوز إطلاق أحكام عامة؟
إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر من عرف واشتهر وتواتر القول عنه بأنه رأس النفاق، وهو عبد الله بن أبي بن سلول، على الرغم من كل ما قد ارتكبه من إساءات وخيانات في حق الدولة الاسلامية، وفي حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي حق الصحابة رضوان الله عليهم، وإذا كان النبي لم يكفره بل جاءه ابنه عندما وافاه الموت يرجو من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه قميصه ليكفن به أباه عسى أن يكفر الله عنه، فأعطاه قميصة وصلى عليه مع أن الصلاة لن تشفع له، ولكن رأفةً ورحمة منه بعبد الله بن عبدالله بن أبي، وبعبد الله بن أبي أيضاً،
فما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرجو لأحد أن يُعذب بالنار، فرب العزة جلَّ شأنه قال: “ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا”، فكيف أكفّرُ طيفاً من أطياف أمتنا بشكل عام، إطلاق صفة الكفر عليهم كفئة،
فالإيمان والكفر مسألة تتعلق بالفرد، كل امرئ بما كسبت رهينة، ومسألة العقيدة مسألة لا توصف بها الفئة، بل يوصف بها الفرد، فالعقيدة مسألة يُدان بها الإنسان أو يوصف بها الإنسان إن كانت حسنةً أوكانت سيئة، وإنما يؤخذ الإنسان بكلامه، فإن أطلق وصف التكفير جزافاً على فئة كاملة هذا أمر يتنافى مع العقل والنص الشرعي.
ويقول الرسول صلى الله عيله وسلم في الحديث الشريف (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)، طبعاً هم يطلقون وصف الكفر على مخالفيهم ليسوغوا بذلك سفك دمائهم، وأنا أعتقد أنّ في هذا الموضوع ليست المسألة مسألة أدلة وبراهين ومعرفة شرعية، لأن الذين يمارسون هذه الأعمال هم في قرارة أنفسم وتصرفاتهم اليومية على مستوى الدولة والمجتمع يرتكبون ليس فقط مخالفات من قبيل التوسل أو نحو ذلك، بل يرتكبون الموبقات، فهل ياترى هذا يسوغ لنا أن نطلق جزافاً على سكان السعودية أنهم كفرة؟، فبأي شكل من الأشكال لا يوجد وجه شرعي لإطلاق صفة التكفير على أمة بكاملها لأنها تختلف معي في منطلقات التفكير أو في قواعد المذهب أو نحو ذلك.
كيف يمكن التقليل من الخلافات العقائدية بين الفرق الإسلامية بما يقلل من خطر المتطرفيين؟
لا شك أن وضع الأسس العامة للتلاقي هو أمر أساس في هذه المسألة، يعني هناك جامع مشترك بين الفرق ألا وهو العقيدة، والقرآن والسنة النبوية الشريفة، فمتى كان يجمعنا جامع مشترك فإن الجزئيات يمكن أن نتناقش ونتحاور حولها، هذا بالدرجة الأولى شرط أساس للتلاقي وتخفيف فرص إيقاع الفتنة بين أطياف الأمة،
أما الأمر الآخر أن يتجنب المسلمون من أي طيف كانوا النيل من الآخرين ومن رموزهم ومن مقدساتهم ومعتقداتهم بأسلوب القدح أو الشتم أو القذف أو الإساءة المباشرة، وإذا كان هؤلاء يكفرون الشيعة جملةً وتفصيلاً محتجين ببعض التصرفات الفردية لبعض الأفراد من إخواننا الشيعة، فلا ينبغي أن يكون رد الفعل أن نكفرهم نحن بالمقابل، وإنما نقابل الكلام بالحجة الشرعية والأسلوب العلمي ونترفع عن الأسلوب الذي يسلكونه هم، فنحن لسنا من الشتامين ولا من اللعانين، وهذا ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به نفسه ومن يتبعه.
بالطبع فإنّ ظاهرة التطرف الموجودة عند هؤلاء موجودة أيضاً بالصف المقابل، فأنا قلت لبعض الإخوة أنّ ياسر الحبيب الذي ظهر في الكويت ونال من السيدة عائشة ومن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ليس فرداً بل هو ظاهرة وهذه الظاهرة قد عولجت من قبل القائد آية الله الخامنئي حفظه الله تعالى ووفقه، وكانت معالجته حكيمة عندما أصدر فتوى تحرم وتمنع هذه التجاوزات الوقحة التي ظهرت من ياسر الحبيب وأمثاله.
فهذا الغلو في الطرف يولد الغلو في الطرف الآخر، والغلو في ذلك الطرف يولد الغلو في هذا الطرف، فنحن لا ينبغي أن نقابل الغلو بالغلو، بل يجب أن نبحث عن الجامع المشترك، وأن نكرّس وحدة الكلمة من خلال التلاقي والحوار الذي يُبتغى منه جمع الكلمة والتعاون على الأمور المشتركة التي تجمعنا.
اعتقد أننا لو نظرنا لرأينا أن قرآننا واحد، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم واحد، وقبلتنا واحدة ونصل الصلوات الخمس ونصوم رمضان ونحج البيت، بقيت هناك بعض الإشكالات الجزئية في الكيفيات أو في طريقة الإستدلال أو نحو ذلك، ولا شك أنّ إخواننا الشيعة لديهم من المختصين بمنهج الحوار والمنطق، من نعتقد أنهم ضمانة لحسن التلاقي والنقاش والحوار حول نقاط الإختلاف لكي نصل من خلال ذلك إلى تكريس وتوطيد نقاط الإتفاق وتجاوز نقاط الإختلاف.
الإختلاف بين المذاهب الفقهية، هو ظاهرة صحية إيجابية لأنها توسع ساحة العمل وتيسر الأحكام، فاليوم أنا لا أستطيع أن أحج على مذهب واحد، ولا أستطيع أن أبني فقه المعاملات على مذهب واحد، لأن في ذلك تضييقاً على الناس، الحقيقة وجود مذاهب متعددة فقهية يُعدُّ ظاهرةً صحية جيدة وإيجابية، لا أن تكون هذه المذاهب عبارة عن تمزيق للأمة يُكفر بعضها بعضاً، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، هذه عودة للجاهلية والقبليّة والعصبية وهذا شيء لا يجوز أن يتم بين المسلمين.
إذاً الحل هو تجنب إثارة الطرف الآخر بالقدح والشتم والنيل منه، وكان الإمام الشهيد رحمه الله تعالى قد حضر موتمراً في لندن، وكان قد أعد ورقةَ لهذا المؤتمر، فلما رأى أن معظم الموجودين من إخواننا الشيعة رأى أنه من المناسب أن يتكلم كلاماً آخر إضافة إلى الورقة، فقال الورقة صارت بين أيديكم بوسعكم أن تقرأوها، فأنا أريد أن أطرح موضوعاَ مهماَ في هذا الصدد، فقال نحن خلافنا كأهل السنّة والجماعة مع إخواننا الشيعة، هو مسألتين، مسألة ماضية ومسألة مسقبلية، أما المسألة الماضية فهي الخلافة وأما المسألة القادمة فهي مسألة الإمام المنتظر،
فبالنسبة للإمام المهدي المنتظر فأنا من الآن أقول لكم أول ما يظهر سوف أبايعه قبلكم، وهذا شيء متفق عليه، فنحن نصدق بظهوره ونحن معه وسنكون إلى جانبه إن شاء الله تعالى، وهذا واجب ديني وعقدي، أما عن المسألة الماضية فقد قال الشهيد، أنا أحتكم معكم في هذا المسألة إلى سيدنا علي رضي الله عنه، وذكر أنه في كتاب نهج البلاغة جاء أن سيدنا علي بايع سيدنا أبا بكر، وأنا أبايعه، وبايع سيدنا عمر، وأنا سأبايعه، بل بينهما علاقة قرابة ومصاهرة، إذاً فلنبني العلاقة على هذا الأساس.
وأنا أقول علينا أن نبحث عن أسباب الوفاق لا أسباب الخلاف، لماذا تطرح الأمور على شكلٍ يُثِيرُ الطرف الآخر؟، لذلك علينا أن نطرح الأمور بشكل يجعل الطرف الآخر يسقط الورقة من أيدي هؤلاء الغلات المتطرفين الذين يريدون أن يمزقوا صف الأمة ويشتتوا وحدتها، لنسقط هذه الورقة من أيديهم، ونلتقي على الجوامع المشتركة.
أريد أن أتكلم بصراحة، الآن تثار مسألة مقتل سيدنا الحسين، ولا شك أن قتله كان جريمة تمزق الفؤاد وتستثير غضب الرب عز وجل، لكن لا أنا الذي قتلته ولا أنت، لا أنت حي بن عدي أو عمار بن ياسر ولا أنا معاوية بن أبي سفيان أو يزيد بن معاوية أو معاوية بن يزيد، تلك أمةٌ قد خلت فمحكمة الرب عز وجل هي التي تفصل فيما بينهم، الآن أنت أخي وأنا أخوك، وكلانا نحزن على سيدنا الحسين ونبكيه ونقول بأنه قتل ظلماً وعدوانا.
ولكن لا نبني الأمور على أن نأتي ونحاسب أهل المنطقة الفلانية لأنهم قتلوا الحسين، فليسوا هم من قتلوه، بل قتله أولئك المجرمون، ومحاسبة المجرمين تكون عند ربهم عز وجل، وهو سينتقم منهم لا شك ولا ريب، ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بن الحسين بن فاطمة كيف يمكن أن يهدر دمه في محكمة الرحمن، لا يمكن أبداً، لكن أنا الآن لا ينبغي أن أحاسبك أو تحاسبني على ذلك الأمر الماضي، لنبحث عن أسباب التلاقي وأسباب اجتماع الكلمة ووحدة الصف، لكي نقطع الطريق على أمريكا وإسرائيل وأدواتهما في تمزيق كلمة الأمة في هذا العصر.
إعداد و تحریر: بهمن دهستاني