خاص الاجتهاد: رئيس مجمع البحوث الإسلامية في العتبة الرضوية المقدسة: مؤتمر تكريم آية الله الميلاني خطوة لسدّ الثغرات العلمية في تاريخ المرجعية الشيعية
يُعقد مؤتمر تكريم الذكرى الخمسین لرحيل آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني (قدس سره)، برؤية بحثية واستشرافية، بجهود المنظمة العلمية والثقافية في العتبة الرضوية المقدسة وبالتعاون مع الحوزة العلمية في خراسان.
إن إقامة هذا المؤتمر لا يهدف فحسب إلى تكريم مرجع راحل، بل يسعى جاهدًا لرصد ومعالجة الفجوات العلمية القائمة في الدراسات الحوزوية وتاريخ المرجعية الشيعية.
وفي هذا الصدد، وعشية انعقاد المؤتمر، أُجري حوار مع رئيس مجمع البحوث الإسلامية في العتبة الرضوية المقدسة الدكتور أحد فرامرز قراملكي، وفيما يلي نصه:
ما هي الثغرات العلمية أو البحثية التي يسعى مؤتمر آية الله الميلاني لمعالجتها في إطار الدراسات الحوزوية وتاريخ المرجعية؟
تم تصميم هذا المؤتمر بناءً على تقييم ودراسة تحليلية مسبقة. حيث بدأنا بمراجعة مجموعة البيانات والرسائل والمواقف الصادرة عن سماحة قائد الثورة الإسلامية بخصوص آية الله الميلاني، واستلهمنا منها رسم السياسات وتحديد الأهداف العلمية للمؤتمر.
وفي الخطوة الثانية، قمنا بجرد الآثار المنشورة حول سماحته، والمؤتمرات السابقة (كمؤتمر قم عام 2016 وأسكو عام 2023)، والفيلم الوثائقي “حديث سرو”، بالإضافة إلى رصد مديات الاستناد إلى آرائه في دروس البحث الخارج في حوزتي مشهد وقم المقدستين.
وقد أظهرت نتائج هذه الدراسات أن التحليل المنهجي لآرائه الفقهية، والأصولية، والكلامية، والتفسيرية، لا يزال يواجه ثغرات بحثية جادة، وكذلك الحال بالنسبة لدراسة دوره في تحول النظام التعليمي الحوزوي، وتبيين الوظائف الاجتماعية والسياسية للمرجعية، وآثاره الحضارية والمعنوية. الهدف النهائي للمؤتمر هو إحداث أثر “خطابي” في فهم كنه المرجعية الشيعية وخطاب الحوزة بناءً على الفكر والتراث العلمي لآية الله الميلاني.
برأيكم، ما هي أهم الميزات العلمية التي انفرد بها آية الله الميلاني وجعلته شخصية بارزة بين المراجع المعاصرين؟
كان آية الله الميلاني من المراجع الأعلام الذين تبنوا منهجًا برهانيًا وعقلانيًا في الكلام والفقه والأصول. لم يكن مجرد تلميذ بارز للمرحوم آية الله محمد حسين الأصفهاني (الكمباني) فحسب، بل إنه وبسبب تبحره العميق في الفلسفة والكلام والفقه والأصول والحديث والتفسير، استطاع الوصول إلى مقاربات “بين تخصصية” في العلوم الإسلامية.
إن العقلانية، والنزعة الفلسفية في تحليل المسائل الفقهية والأصولية، والسعي للربط بين البرهان والقرآن والعرفان، تعد من أبرز سماته العلمية. هذه الجامعية هي التي جعلت شخصيات كالعلامة الطباطبائي يعتبرونه مرجعًا دقيقًا وصاحب نظر. ولو توفرت الظروف والمجال الزمني أكثر، لتمكن آية الله الميلاني بلا شك من تحويل مشهد إلى حوزة ذات هوية علمية متمايزة في العالم الشيعي.
أي جانب من جوانب شخصيته العلمية أو الاجتماعية نال حظًا أقل من الاهتمام؟ وكيف سيعوض المؤتمر ذلك؟
من أهم وجوه الغفلة هو ضعف حضور الآراء الفقهية والأصولية لآية الله الميلاني في دروس البحث الخارج، لا سيما في قم وحتى في مشهد، رغم اعتراف الجميع بمكانته العلمية السامية.
وقد بينت الدراسات أن أحد الأسباب الرئيسة لذلك هو عدم نشر آثاره وتقريرات دروسه بشكل منقح ومنهجي. فكثير من آرائه إما لم تُنشر، أو أنها موجودة في قالب تقريرات تحتاج إلى مراجعة علمية، وتوثيق، ومطابقة مع منهجيته الخاصة.
لقد سعينا في هذا المؤتمر، عبر تحليل آرائه الفقهية والأصولية ودراسة منهجيته العلمية وتأثيره في تلامذته البارزين، إلى سد جزء من هذا الفراغ، لاسيما عبر إقامة ندوات تخصصية، منها ندوة حول تلميذه الراحل آية الله السيد إبراهيم علمدار.
هل يمكن أن يكون هذا المؤتمر منطلقًا لتيار بحثي مستمر حول الشخصيات المؤثرة المعاصرة؟
بالتأكيد، فهذا الهدف مدرج على جدول أعمال العتبة الرضوية ومجمع البحوث الإسلامية. إن إحياء الفكر والمدارس العلمية في خراسان في مجالات الكلام والحديث والفقه والأصول والفلسفة والعرفان والتفسير هو من برامجنا الجادة على المديين القريب والبعيد.
وبخصوص آية الله الميلاني، تقرر تحويل أمانة المؤتمر إلى أمانة دائمة. وخلال خطة تمتد لعامين، سيتم تنقيح وتوثيق ونشر الدروس الصوتية المتبقية لسماحته، كما ستُنشر تقريرات تلامذته الأجلاء بالتعاون مع المؤسسات العلمية. وبعد هذه المرحلة، هناك خطة للتحليل النقدي لمبانیه الفقهية والأصولية والتفسيرية لنشهد تدريجيًا تشكّل تيار علمي مستدام.
في ختام هذا الحوار، ما هي أهم توقعاتكم لثمرات هذا المؤتمر؟
يعد مؤتمر تكريم آية الله الميلاني فرصة لتحديد وبناء شبكة من الباحثين الأكفاء، من الشباب والرواد. رؤيتنا ليست مجرد إقامة فعالية احتفالية أو دعائية، بل هي إحياء للأفكار العلمية، وتقديم نماذج جامعة بين العلم والأخلاق، وإعادة التراث العلمي إلى متن الحوزات العلمية.
إذا نُفض غبار الغفلة عن هذا التراث، فإنه سيساهم في إيجاد حيوية علمية، وإعادة تعريف الهوية الحوزوية، وتعزيز خطاب العلم الديني، ونأمل أن يكون هذا المؤتمر خطوة مؤثرة في هذا المسار.
الاجتهاد موقع فقهي