(السياحة الحلال).. منتجٌ جديد في مجال صناعة السياحة، يوفر وجهات يمكن أن تقصدها العائلات المسلمة الملتزمة بقواعد الشريعة، وتضمّ فنادق لا تقدِّم الكحوليات، وحمامات سباحة، ومرافق صحية تفصل بين الرجال والنساء، وتقدِّم صناعة السياحة الحلال أيضًا رحلات جوية لا تُقَدَّم على متنها المشروبات الكحولية أو لحوم الخنزير، وتعلن عن أوقات الصلاة، وتعرض برامج دينية ترفيهيَّة، وتوفِّر مصاحف في جيوب المقاعد، وأماكن خاصة تتيح الفصل بين المسافرين الذكور والإناث. بقلم: علاء البشبيشي
موقع الاجتهاد: تشهد السوق السياحيَّة الإسلاميَّة نموًّا لافتًا في أنحاء العالم، حيث تمثل 10% من سوق السياحة العالميَّة، وتتربع على عرش أسرع القطاعات نموًّا؛ نتيجة تنامي الثروة من جهة، وحرص السائح المسلم على اللجوء للمرافق والمنشآت الملتزمة.
وتُرَجِّح التوقعات أن تشهد صناعة السياحة الحلال في دول الشرق الأوسط طفرة كبيرة، خلال السنوات القليلة المقبلة، بحسب ما أكَّده التقرير الصادر عن هيئة الأبحاث الأوروبيَّة “يورومونيتور” الدوليَّة في معرض “سوق السفر العالمي 2007”.
ومن المتوقع أن ينمو قطاع السياحة الملتزمة بمعدل 20% سنويًّا، أي أكثر بخمسة أمثال معدل نمو قطاع السوق التقليديَّة، بحسب ما نشره موقع (السياحة الإسلاميَّة)، وهي النسبة التي أكَّدتها مجموعة فنادق “ريزيدور”، ومقرها مدينة بروكسل البلجيكيَّة، والتي تدير مجموعات مثل: “راديسون بلو”، و “بارك إن”، حيث رجّحت نمو سوق الضيافة المتوافق مع الشريعة الإسلاميَّة بنسبة 20% سنويًّا على مدى العقد المقبل.
بل إن مدير منتدى الحلال العالمي الماليزي 2011م، عبد الحميد إيفانز، يعتبر “التفاعل بين قطاع الحلال والتمويل الإسلامي، هو أكبر تحول سنراه خلال العقود المقبلة”.
سوق خصبة
وتنتظر هذه الصناعةَ الواعدة سوقٌ خصبة؛ حيث تعد المملكة العربية السعودية واحدة من أضخم الأسواق المصدرة للسياح من ناحية متوسط الإنفاق السياحي، إذ ينفق السياح السعوديون 6,7 مليار دولار سنويًّا في الخارج، يليهم السياح الإماراتيون الذين ينفقون أكثر من 4,9 مليار دولار سنويًّا، أي بمتوسط يبلغ 1700 دولار في الرحلة الواحدة، بحسب منظمة السياحة العالميَّة.
كما أن الإسلاموفوبيا المتفشِّية في الغرب، تجبر مزيدًا من السياح المسلمين على البحث عن وجهاتٍ بديلة، يستطيعون فيها الاستجمام دون مضايقات، مما يوفر سوقًا خصبة يمكن للمستثمرين أن يضعوا فيها أموالهم باطمئنان، وفق ما أشار إليه الوزير الماليزي المسئول عن الشئون الدينيَّة في ديوان رئاسة مجلس الوزراء الجنرال متقاعد، جميل خير بن بهروم.
ومن اللافت للنظر أنه رغم الركود العالمي، والأزمة الاقتصاديَّة، لا يزال عدد كبير من المسلمين يبحثون عن هذا النوع من السياحة، مما أكسبه بريقًا استثماريًّا خاصًّا، بل يرتفع متوسط إنفاق السائح المسلم إلى ما بين 10 إلى 50 في المائة عن إنفاق السائح العادي، في قطاعَي سياحة الأعمال والسياحة الترفيهيَّة.
تجارب ناجحة
من أجل هذه الطفرة الموعودة، والسوق الخصبة، تتسابق تركيا وماليزيا ودبي، ودول عديدة أخرى بعضها غير إسلاميَّة، لجذب السائحين المسلمين حول العالم؛ بتوفير تسهيلات تتوافق مع معتقداتهم الدينيَّة.
أحد هذه النماذج الواعدة تحتضنها دبي، قبلة أكثر من 5 ملايين سائح سنويًّا، وصاحبة ما لا يقلّ عن 6 فنادق فخمة تلتزم بالمعايير الإسلاميَّة، كان أولها:
(1) مجموعة فنادق الجوهرة (الجوهرة جاردنز – الجوهرة للشقق الفندقية – الجوهرة مترو) التي أسَّسها رجل الأعمال الإماراتي الشهير سعيد لوتاه منذ 27 عامًا، وهو ذاته مؤسس بنك دبي الإسلامي، الذي كان أول مصرف إسلامي عربي، فضلًا عن وقوفه وراء قائمة طويلة من المشروعات الإسلاميَّة التي اقتحمت غالبية القطاعات الاقتصاديَّة.
ورغم حداثة صناعة (السياحة الحلال) تبلغ نسبة الإشغال في هذه الفنادق نسبًا مرتفعة، تقترب من حاجز الـ 100%، والأكثر غرابة أن معظم نزلائها من غير العرب والمسلمين؛ من بريطانيين وألمان وأستراليين، الذين فضلوها على غيرها، رغم علمهم المسبق بأنها لا تقدم المشروبات الكحوليَّة ولا يُسمَح بإدخالها، وهذا بسبب تميز الخدمة التي تقدِّمها، حيث إن فنادق الجوهرة، على سبيل المثال، هي الوحيدة في دولة الإمارات الحاصلة على شهادة الآيزو 9001 العالميَّة للجودة، كما أنها حاصلة على جوائز أخرى عديدة، وفق ما صرَّح به المدير العام لفنادق الجوهرة، هاني لاشين، في حديث خاص أدلى به لـ”الأسواق. نت”.
(2) ويعتبر فندق “تماني مارينا” الذي أطلقته شركة “كي إم” للعقارات في 2008، هو الأكبر بين هذه المجموعة، حيث يتكون من 55 طابقًا تضمّ 209 غرف وأجنحة، ويضم طابقًَا كاملاً مخصصًا للسيدات، تقوم على خدمته موظفات يرتدين زيًّا شرقيًّا محتشمًا، ويهدف لتلبية احتياجات سيدات الأعمال اللواتي تقتضي طبيعة عملهن السفر، فضلاً عن حمامَيْ سباحة داخليين، أحدهما للرجال والآخر للسيدات.
(3) كما أعلن عدد من الشركات تطوير سلسلة من الفنادق تتواءم مع تقاليد الشريعة الإسلاميَّة، ومن المتوقع أن تفتتح مجموعة (الملا للضيافة) سلسلة من الفنادق الدوليَّة، المتوافقة مع الشريعة الإسلاميَّة؛ بهدف الاستحواذ على حصة كبيرة من سائحي دول مجلس التعاون الخليجي، الذين يساهمون بأكثر من 12 مليار دولار سنويًّا في قطاع السياحة الترفيهيَّة وحدها، وتهدف استراتيجيَّة المجموعة في النهاية إلى تكوين محفظة من 150 فندقًا بحلول العام 2013 باستثمارات إجمالية متوقعة تتجاوز 2 مليار دولار، وهو النهج نفسه الذي تتبعه فنادق عالميَّة أخرى في ماليزيا والبحرين وعمان، وتركيا التي أعدت قناة الجزيرة تقريرًا خاصًّا حول تجربتها الفريدة، تحت عنوان (تركيا تقدم سياحة حلالاً).
(4) وفي العام 2009، بدأ مستثمرون عرب مشروعًا تقدَّر تكلفته بـ 303 ملايين دولار (1.1 مليار رنجت)، لبناء “مدينتين عربيتين” في مالاكا الماليزيَّة التاريخيَّة، إحداهما على جزيرة صغيرة جنوبي المدينة، والأخرى على الشاطئ غربي الميناء التاريخي؛ بهدف جذب عدد أكبر من السياح العرب، الباحثين عن هذا النوع من السياحة في ماليزيا وإندونيسيا وبروناي، في ظلّ العزوف المتزايد عن الذهاب إلى أمريكا وأوروبا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، وما تلاها من قولبة وتنميط عنصري.
ويتضمن المشروع، المقرَّر الانتهاء منه بحلول العام 2012، بازارًا عربيًّا، ومطاعم شرقية الطابع، وفندقًا 5 نجوم، وحمام سباحة، ومراكز صحية للجنسين، بحسب ما نشرته في حينها صحيفة ستار ديلي الماليزيَّة.
وتشير الإحصاءات الرسميَّة إلى أن قطاع السياحة في ماليزيا مثَّل ثاني أكبر مصدر للنقد الأجنبي في عام 2007، بعوائد تقدَّر بـ 14 مليون دولار، بعد نجاحه في جذب 21 مليون سائح.
اهتمامٌ غربي
وقد وصل هذا الاهتمام إلى الشركات الغربيَّة، غير المسلمة؛ حيث يوجد عددٌ كبير من الفنادق الدوليَّة التي تقدم الأطعمة (الحلال) المذبوحة وفق تعاليم الشريعة الإسلاميَّة، والخالية من أي مواد يحرِّمها الإسلام؛ كلحوم الخنزير والكحوليات، بل قامت بعض تلك الفنادق بتوظيف أشخاص من أصول عربيَّة؛ لإتاحة خدمات الترجمة وغيرها من المساعدات التي قد يحتاجها السائح القادم من بلدٍ إسلامي، وتوفير أماكن مخصصة للصلاة، وفي هذا السياق تعتبر شركة (الهلال تورز)، ومقرها بريطانيا، إحدى الشركات الرائدة في صناعة السياحة الحلال، والتي تتخذ من تركيا وجهةً رئيسيَّة لها، حيث تقوم بتوفير شواطئ مميزة تحترم القواعد الإسلاميَّة، ورحلات بحريَّة في أحضان البحر المتوسط، وجولات لرؤية التراث الإسلامي الذي تذخر به تركيا، معقل الإمبراطورية العثمانيَّة، التي ظلَّت لستة قرون مركزًا للتفاعل بين الشرق والغرب، وتوجّه الشركة كافة أنشطتها نحو الحفاظ على القيم والأخلاق الإسلاميَّة، وتماشيًا مع رغبة المسلمين في تطبيق الوصية القرآنيَّة: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا…)، بحسب ما نشرته الشركة عبر موقعها الرسمي.
وتخطّط سلسلة فنادق “كمبينسكي” الفاخرة، والتي تعدّ الأقدم في أوروبا، ومقرها زيوريخ، لبناء 30 فندقًا، تتوافق مع أحكام الشريعة، بحلول العام 2015، بالتعاون مع إحدى المؤسسات الإسلاميَّة.
مجالات متنوعة
والسياحة، بحسب تعريف منظمة السياحة العالمية (التابعة لهيئة الأمم المتحدة)، هي: “نشاط السفر بهدف الترفيه، وتوفير الخدمات المتعلقة بهذا النشاط”، إذا أضفنا إلى هذا التعريف نبذة مختصرة عن أنواع السياحة، تبيّن أن الزواج الكاثوليكي بينها وبين الممارسات (الحرام) ليس حتميًّا.
فصناعة السياحة لم تعد كما كانت منذ سنوات، بل تشعَّبت فروعها، وأصبحت على تماسٍّ مع معظم مجالات الحياة اليوميَّة، وتخطَّت تلك الحدود الضيقة، لتدخل بقوة إلى كل مكان؛ لتؤثر فيه وتتأثر به: فهناك سياحة المغامرات، والاطِّلاع على الغرائب، ومراقبة السكان وعاداتهم، وتسلُّق الجبال، وركوب الأمواج، والتزلج على رمال الصحراء، وهناك السياحة الترفيهيَّة، والثقافيَّة، والدينيَّة، التي تهدف إلى زيارة الأماكن المقدسة مثل مكة والمدينة، كما عرفت صناعة السياحة مجالات حديثة، منها: العلاجيَّة، والبيئية، والبحرية، بالإضافة إلى سياحة المؤتمرات والتسوق، والسياحة الرياضية بأنواعها.
ورغم هذه المجالات الرحبة، والتجارب الناجحة، والطلبات المتزايدة، التي من المفترض أن تمثّل دفعةً قوية لهذا اللون النظيف من السياحة في البلدان العربيَّة والإسلاميَّة، تقف تصرفات معظم الشعوب والحكومات، التي لا تنطلق من دراسات معمَّقة، أو – في بعض الأحيان- من رغبة جادة، حجر عثرة أمام خوض هذا الغمار. فهل من مشمر؟!
كلمة أخيرة
كثيرون يُخَوِّفُون الناس من الإسلاميين، ويقولون للشعوب: لو حكم رافعو لواء الدين بلادكم، لخرَّبُوا اقتصادكم، وقَضَوا على سياحتكم.. والناس معذورون؛ فغالبًا هم لا يؤمنون بالشعارات التي لا يؤيِّدها واقع!
فهل من مستثمرين يريدون خيرَي الدنيا والآخرة؛ يأخذون على عاتقهم وضع قواعد راسخة في بلادنا لهذه الصناعة الواعدة، التي تدر أرباحًا وفيرة، بجانب كونها تجلب ثوابًا عميمًا، وتدفع عن الإسلاميين تُهمتَي (الجمود، واللاواقعيَّة)؟!
باختصار.. نحن بحاجة إلى تسخير قوتنا الاقتصاديَّة لدعم وتطوير مثل هذه الأفكار الواعدة، بدلاً من الاعتماد على نسخ الثقافة الوافدة -التي قد لا تتوافق مع قيمنا- بدون أي ابتكار، ويتقاسم الجزء الأكبر من هذا العبء: ثنائي (الإعلام، ورجال المال).