خاص الاجتهاد: صدر حديثا عن دار الولاء لصناعة النشر في العراق كتاب “المباني الرجالية للسيد الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه” بقلم الشيخ حسين نعيم صبرا العاملي، وهو كتاب يرصد مجمل آراء السيد الشهيد الصدر في قواعد الدراية والرجال، ورأيه في رجال دار البحث حول توثيقهم بين أخذ ورد، وقد ابتعد الكتاب عن المسائل التي تعتبر محل توافق في هذه الأبحاث.
«المباني الرجالية» يعتبر معجماً، لا يستغني عنه الباحث عن رأي السيد الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه في قاعدة رجالية أو في رجل، فهو مستخرج من أبحاث الشهيد في كتبه الفقهية والأصولية.
مقدمة الكتاب
الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسّلام على سيّد الخلق وخاتم النبيين سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين.
لا يخفى على كلّ مسلم أنّ اللّه سبحانه وتعالى قد تعهد بحفظ القرآن وصيانته من التبديل أو الضياع، وجعل تبارك وتعالى مفتاح فهم الكتاب وتبيينه إلى رسول اللّه وآل البيت ”ص” .
فقال عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ النحل ٤٤.
وقال جَلَّ وَعَلَا: ﴿ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ﴾ الحشر .
وهذه وصيّة رسول اللّه ”ص” في حديث الثقلين ماثلة:
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بريد بن معاوية، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر γ في خطبة يوم الجمعة الخطبة الأولى:…
قال اللّه عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولَقَدْ وصَّيْنا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكم وإيّاكم أنِ اتَّقُوا اللَّهَ وإنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ النساء ١٣١.
انتفعوا بموعظة اللّه والزموا كتابه فإنّه أبلغ الموعظة وخير الأمور في المعاد عاقبة ولقد اتّخذ اللّه الحجّة فلا يهلك من هلك إلا عن بيّنة ولا يحيا من حي إلا عن بينة وقد بلغ رسول اللّه ”ص” الذي ارسل به فألزموا وصيته وما ترك فيكم من بعده من الثقلين كتاب اللّه وأهل بيته اللذين لا يضل من تمسك بهما ولا يهتدي من تركهما…الكافي: ج ٣، ص 422 – ٤٢٣.
فأصبح من لوازم ذلك أن يكون الذكر الذي تعهّد اللّه سُبحَانَه وَتَعَالَى بحفظه شاملاً لسنَّة نبيّه ولروايات أهل البيت ”عليهم السلام” حتماً.
ومن لاحظ جهود علماء الحديث رحمهم اللّه في جمعه ونقله والقواعد التي وضعوها والشروط التي اشترطوها أيقن بأنّه بعد ذلك لا يمكن على مثل هذه الجمهرة من علماء الأمّة وعلى رأسهم أصحاب الكتب الأربعة الكليني والصدوق والطوسي ”ره” أن تضل في جمع حديث نبيها وأهل بيته ”عليهم السلام” وأن لا يوفقّها اللّه لذلك، فإنّ أهل الحديث من أعظم الناس صدقاً وأمانة وديانة وأوفرهم عقولا، وأشدّهم تحفّظاً وتحريّاً لم يبلغه أحد سواهم، وهم شاهدوا شيوخهم على هذه الحال، وأولئك شاهدوا من فوقهم كذلك، حتى انتهى الأمر إلى من أثنى اللّه عليهم أحسن الثناء، وأخبر برضاه عنهم واختياره لهم واتّخاذه إياهم شهداء على الأمم يوم القيامة، وهم رسوله وأهل بيته ”عليهم السلام” .
اذاً لا يخفى ما للحديث النبوي وروايات أهل البيت ”عليهم السلام” من أهمية كبيرة، بوصفهما المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم.
ولما كان كذلك وجب علينا التحفّظ والتحقّق من صحّة الرواية وضبط الراوي، وكلّ شروطه التي وضعها العلماء رحمهم اللّه.
وعلماؤنا رحمهم اللّه، أولوا الروايات عناية خاصّة، إن من ناحية السند، أو من ناحية المضمون، فنظّروا لمبان حديثية، تارة من ناحية السند، وأخرى تتعلّق بمضمون الروايات، فكان منهم من قال بمبنى الوثوق وجمع القرائن، وآخر قال بمبنى الوثاقة السندي، وآخرون أوجدوا توثيقات عامة أو قواعد كلية تنطبق على رجال سند الرواية أو مضمونها.
والسيد الشهيد محمد باقر الصدر ”قدس سره” سار من ناحيته، يقتفي أثر سلفه الصالح، بتحديد هذه المباني والكليّات، وإن كان أضفى عليها بعضاً من نبوغه العلمي، فنراه يفزلك مبنى قبول الرواية بجمع رائق بين المبنيين- الوثاقة والوثوق- بحيث يجعل السند طريقاً للوثوق بالمضمون، بمنهج لم نجد إلا أن نسمّيه بالمنهج االسندي الوثوقيب وتارة كان يوثّق من روى عنه ابن أبي عمير، لكنّه في الوقت نفسه لا يقبل مراسيله، إلى ما هنالك من مباحث رجالية نستعرض نذراً يسيراً منها في هذا البحث.
والحمد للّه رب العالمين
فهرس الكتاب