عاشوراء: رزق للبشرية ودروس لا تنضب من كربلاء

خاص الاجتهاد: في حوار مع شفقنا، أكد آية الله الشيخ أبوالقاسم علي دوست أن الله سبحانه وتعالى جعل عاشوراء “رزقا” للبشرية، وكربلاء “أرضية” لذلك. وشدد على أن عاشوراء لا يخضع لمرور الزمن، مشيراً إلى أن الإمام الحسين (ع) أدار رفضه للحاكم الفاسد بسلوك مناسب.

صرح آية الله أبو القاسم علي دوست لشفقنا أن النظرة “الملحمية” لواقعة عاشوراء أمر طبيعي، خاصة في الخمسين عاماً الأخيرة. فوسائل الإعلام الحكومية تُحلل عاشوراء كحركة بطولية لمواجهة الظلم. أما في عهود الحكومات السابقة (الصفوية والقاجارية)، فكانت النظرة “عاطفية” تركز على ذكر المصائب وكيفية استشهاد أهل البيت (ع) وسبيِهم، وتجلّى ذلك في شعر “محتشم” الذي يعكس هذا المنظور العاطفي والإحساسي.

•منظورات مختلفة لعاشوراء
واعتبر علي دوست أن “النظرة التحررية” هي منظور آخر لواقعة عاشوراء، وهي شائعة بين غير المسلمين. فعندما يتحدث غاندي عن كربلاء، لا يهدف إلى ذكر المصائب أو إقامة الروضة، ولا يريد الحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة يزيد والدفاع عن الدين، بل نظرته إلى حادثة كربلاء هي “نظرة تحررية”. ورغم ذلك، يعتقد أن حادثة عاشوراء ليست أياً من هذه المنظورات فحسب، بل هي كل هذه المنظورات مجتمعة.

وأوضح أن واقعة عاشوراء هي “جامعة مليئة بالدروس”. يمكن لأي شخص، بمنظوره وتحليله الخاص، أن يستخلص الدروس من هذه الواقعة التي كانت قصيرة زمنياً ومحدودة العدد. في كل جزء من واقعة كربلاء، يمكن استقاء الدروس؛ فمرة نجد دروساً في الإيثار والتضحية، ومرة أخرى دروساً في الحرية والتحرر.

•وصية الإمام الحسين (ع) وخَلَد عاشوراء
وأكد عضو جماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم أن جامعة عاشوراء الغنية بالدروس لا تخضع لمرور الزمن. وأشار إلى أن أوضح وأقوى وأشهر وثيقة عن الإمام الحسين (ع) تبيّن أهدافه هي وصيته لأخيه محمد بن الحنفية عند خروجه من المدينة. في هذه الوصية القصيرة، يقول الإمام الحسين (ع) عن حركته: “إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (ع). فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين، وهو خير الحاكمين. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب”.

على الرغم من أن الإمام الحسين (ع) كان على علم بأحداث الكوفة، فقد واصل مساره. ووفقاً للروايات والنقول التاريخية، قال الإمام عن هدفه: إن هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد في الأرض، وأبطلوا الحدود، وشربوا الخمور، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين، وأنا أولى من قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله، لتكون كلمة الله هي العليا”.

•دروس كربلاء الخالدة
وأوضح الأستاذ علي دوست أنه يمكن الاستفادة من واقعة كربلاء كنموذج في الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد. إن مثل واقعة كربلاء كمثل الشمس والقمر، لا تبلى أبداً. وكيف أن جيش الكفر هاجمنا، وكيف أن جيشنا وجنودنا وقفوا في وجههم تأسياً بأبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

وأضاف أن واقعة كربلاء تتجاوز الزمان والمكان. ففي الحقيقة، يوم عاشوراء ليس مجرد يوم، بل هو “رزق” للبشرية أقره الله، تماماً كما أن أرض كربلاء ليست مجرد “أرض”، بل هي “ساحة” يمكن للبشرية أن تستفيد منها.

•نحو الوعي التاريخي
وأشار إلى أنه إذا قام المحققون بتحليل واقعة كربلاء من الألف إلى الياء، بالاعتماد على المصادر التاريخية الموثوقة، وبشكل يفهمه العامة ويقبله الخاصة، فمن الممكن تحويل هذه الحادثة من مجرد حزن إلى وعي ويقظة تاريخية.

•رفض الفساد وإحياء الحوار الديني
وأفاد بأن الإمام المعصوم يمكنه أن يقول “لا” للسلطات الفاسدة بتصرفاته الموقوتة، ويصبح هذا “الرفض” نموذجاً للآخرين. فاصطحاب العائلة إلى ساحة المعركة، وإرسال مسلم سابقاً إلى الكوفة، كل هذه الأمور تمثل “رفضاً مُداراً للفساد”.

وعن دور عاشوراء في إحداث حوار صادق بين المتدينين والمؤسسة الدينية، قال: عندما يدور المتدينون حول محور الدين، وبما أن الإمام هو الدين كله، يتحقق هذا الاندماج بين المتدينين والمؤسسة الدينية. ولكن عندما يبتعد المتدينون ولا يستفيدون من المثقفين والعلماء، إلى حد أن تسود ‘العوامية’، فمن الطبيعي أن لا يتحقق هذا الحوار.

•مسؤولية بناء الإنسان الصالح
وأكد الأستاذ علي دوست أنه لتربية أفراد مسؤولين، محبين للعدالة، ومفكرين أحرار، نحتاج إلى تعاون جميع أبعاد الحكم. وأضاف: أعتقد أن المحققين والعلماء والمسؤولين ووسائل الإعلام، كل منهم لديه واجبات، وإذا عملوا عليها بانسجام ومسؤولية، فسنشهد نمو مثل هؤلاء البشر.

وفي الوقت نفسه، ذكر أن حادثة عاشوراء يجب أن تخضع “لتحليل جديد” يوماً بعد يوم من قبل المحققين والمنظرين، وعلى وسائل الإعلام أن تنقل هذه التحليلات إلى المجتمع. لأن وسائل الإعلام ليست مجرد أدوات لنشر الضلالة، بل هي أيضاً أدوات لنشر الهداية، وبهذه الطريقة يمكن لهذه الأمواج أن تصل إلى المجتمع.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky