الاجتهاد: يمثل الفكر الأصولي قمة الإبداع عند الإمامية، إذ شارك في صناعته وصياغته وبلورته الكثير من الأذكياء، وقد نبغ فيه غير واحد منهم، و صار هذا العلم معيارا لمعرفة الأعلم بينهم ….
في المقابل نجد أن الغربيين قد برزوا في مجالات متعددة منها اللسانيات، والابتعاد عن النحو المعياري القائم على التأمل والاستحسانات .
يحاول المؤلف الدكتور مرتضى جليل طاهر في هذا الكتاب دراسة التقارب والتغاير بين الفكرين: (الأصولي – الغربي), في دراسة اللغة بوصفها محورا رئيسيا عند الفكرين .
بحث في الفصل الأول: موضوع اللغة والمنهج بين الفكرين،
فاستعرض الموضوع و آليات المنهج عند الغربيين، بدءا باللسانيات التاريخية والمقارنة ومرورا باللسانيات البنيوية وانتهاءً بالتداولية .
أما في موضوع اللغة والمنهج عند الأصوليين، فالمؤلف قد أبدع في تناول ذلك، ويمكن أن أسميه ما وراء الأصول:
هل الأصول يدرس نظام اللغة أم استعمالها ؟
هل الأصول يدرس مطلق الكلام أم هو مختص بدراسة اللغة الدينية فقط ؟ …
ومن حيث المنهج الأصولي، فاختبر المنهج الأصولي، هل التزم بالموضوعية؟ وهنا تبرز إشكالية استدلال الأصولي بالوجدان … ثم درس آليات المنهج الأصولي: (الكاشفة – و المؤسسة)، في الكاشفة بحث كيف أن الأصوليين أدخلوا الاستقراء وحساب الاحتمالات في دراسة اللغة ومثل لذلك بالتبادر، وبحث في فهم المتشرعة لظهورات النصوص والخطابات، وأيضا بحث المعالجات العقلية، وكيف أنهم حاكموا اللغة على ضوء القضايا العقلية.
و في الآليات التأسيسية تناول الأصول اللفظية .
في الفصل الثاني: بحث مرجعيات كل من الفكرين والتقارب والتغاير بينهما، وقد وزعها على نوعين:
المرجعية الاجتماعية: بحث نظرية الانتخاب الثقافي ، علاقة اللغة بالفكر والعكس، كيف وظف علماء الأصول النظريات الاجتماعية في دراسة اللغة (مثل مبحث الوضع)، انعكاس ذلك على فهم النص الديني .
المرجعية النفسية: درس النظريات السلوكية وتوظيفها في اللسانيات ، وفي الأصول.
وفي الفصل الثالث: درس التقارب والتغاير في التصورات والمواقف …
احتوى الكتاب على نكات علمية ونتف معرفية، لا يمكن أن أوجزها بأسطر معدودات .
#وهنا أمور:
١. من يقرأ الكتاب يجد حضورا بارزا للسيد علي السيستاني والسيد باقر الصدر وتأتي بقية الأسماء بعدها ( المدرسي، السبحاني ، الخاقاني، الجواهري، الايرواني..) مع حضور هامشي للفكر الأصولي السني ، وقد يبرر لذلك بأن الإبداع هو في الأصول الإمامي كما صرح حسن حنفي وأن لا جديد على ما كتبه المتقدمون منهم .
٢. من يكتب هكذا دراسة يجب أن يكون متسلطا على الفكرين، حتى يقوم بالتحليل والمقارنة، والباحث تميز بذلك، فنلاحظ حضوره البحثي في الكتاب، فهو ليس مجرد سارد .
٣. البعد التحليلي و البحث في ما وراء الأفكار، والربط بينها للخروج بنتائج مهمة واضح في الدراسة .
٤. الكتاب مهم جدا لمن يشتغل بالفكر الأصولي ، فإن دراسة الأصول على وفق طريقة المتون فقط لا توقفه على النمط الفكري الذي يُسير هذه المباحث، وعقلية الأصولي وكيف يفكر .
٥. من عوامل الإبداع، الاطلاع على مربعات فكرية لا ينتمي إليها الباحث ، فالاطلاع على الفكر اللساني ينفع الأصولي كثيرا، وقد برز ذلك عند السيدين السيستاني والصدر، ولا يعني الاطلاع هو التلقي السلبي وإنما التلقي الإيجابي الفاعل، في التوظيف والنقد والمعالجة ، والكتاب نافع من هذه الجهة .
٦. يمكن عد الكتاب مدخلا مهما ونافعا لفهم الفكر اللغوي للسيد السيستاني، و بيان تميزه عن أقرانه المعاصرين .
أتمنى للمؤلف التوفيق في حياته العلمية والعملية .
تعريف بكتاب: الفكر اللغوي الغربي والأصوليون المحدثون.. دراسة في التقارب والتغاير