تعريف بكتاب: الفكر اللغوي الغربي والأصوليون المحدثون.. دراسة في التقارب والتغاير

خاص الاجتهاد: صدر عن دار كنوز المعرفة بعمان ــ الاردن، كتاب علمي جدید بعنوان “الفكر اللغوي الغربي والاصوليون المحدثون ـــ دراسة في التقارب والتغاير” لمؤلفه  أ.م د. مرتضى جليل طاهر. 

قد وقف الكتاب على مساحة الاشتغال في موضوع اللغة بين الفكر اللغوي والأصوليين المحدثين وقام بقراءتها و فحص العقل الذي زاولها وكيف نظر أحدهما إلى الآخر سواء أكان ذلك بنحو صريح أم بطرف خفي متسائلا عن طبيعة البحث في اللغة هل سنته هنا لها سنة البحث هناك؟ وهل اتسعت المعرفة لتجمع بينهما من دون أن يؤخذ بالحسبان طبيعة ما يسمى بالثقافة الغالبة أو مقارعة الاستلاب، في محاولة للكشف عن الموانع والمعوقات المعرفية والأيديولوجية التي تمنع من تبني المناهج الغربية، أو تحدد الموقف منها، فضلا عن بيان الشرط الثقافي الذي حكم النسق الفكري عند الأصوليين، وهو ما يلقي الضوء على أزمة التلقي المعرفي.

مقدمة المؤلف: حفلت الحضارة الإسلامية بمنجزات كبيرة على مستوى التفكير اللغوي، بل كان البحث في اللغة يمثل سمتها التي تنماز بها من بين المعارف والعلوم الأخرى التي تناولتها في البحث والتنقيب وإبداء تصورات عنها، كالفلسفة والرياضيات وغيرها من المعارف والعلوم.

لم يقتصر البحث اللغوي في إطار هذه الحضارة على المجال اللغوي، كالنحو والصرف والبلاغة مثلا، بل كان سيالا على مجالات أخرى من علوم هذه الحضارة، فالبحث المنطقي والفلسفي والتفسيري والأصولي كان مستأثرا بنصيب وافر منها بنحو يسمح بالقول: إن تمام التصورات الإسلامية في اللغة لا يستوفي حقه دون الرجوع إلى تلك المجالات وجمع ما تناثر منها في بطون تلك المصنفات.

وكان العقل الأصولي من بين أهم العلوم غير اللغوية الصرفة يخصص مساحة كبيرة للبحث اللغوي بحكم طبيعته القائمة على فهم البعد النصي في ثقافة الإسلام. وبحكم هيمنة البعد النصي على الثقافة الإسلامية وبقاء فاعليته بقى الفكر الأصولي متفاعلا مع اللغة وينقب فيها إلى الآن، بنحو أفضى إلى تصورات مستدامة في هذا المجال.

وتمتد الحضارة الغربية في بحثها اللغوي إلى عمقها التاريخي البعيد أيضا، ذلك البحث الذي حقق في مسائل شائكة ومعقدة بالنحو الذي أنتج تصورات قيمة، والتي ارتحلت من موطنها الأم إلى مسافات بعيدة في بعدها المكاني والزماني، وهو ما أثر بنحو ما في إنتاج عقل لغوي عام يستند في معطياته إلى مدى مقدمات تلك المعارف، غير أنه لم يكن البحث اللغوي عند الغرب متوقفا على مقولات أسلافه ولا مبادئها، بل لحظ فيه تطورات هائلة انعكست نتاجاتها على الثقافة العربية والإسلامية فيما بعد.

مشكلة البحث:
تحاول الدراسة أن تقف على طبيعة التفكير اللغوي الغربي واللغوي الأصولي وكشف موقف الأصولي منها بنحو يتيح الكشف عن طبيعة العقل الغربي والعقل الأصولي من خلال تلك المدونات، متخذة من مجالي التقارب والتغاير في الموضوع والمناهج والتصورات اللغوية والمواقف الأصولية بوصلة تحدد السمات العامة التي تحكم هذا النسق الفكري أو ذاك.

أهمية البحث:
يمكن إجمال أهمية البحث في الآتي:

١. يحاول البحث الكشف عن الأسس التي تحكم تصورات البحث اللغوي الغربي والبحث اللغوي عند الأصوليين، وهو ما يوفر نظرة أكثر اتساقا مع الواقع المعرفي لكل مقاربة من شأنها أن ترصد جوانب التأصيل والتقارب في محاولة لكشف النقاب عن موضوعية الدراسات المقاربة.

٢. يكشف البحث عن مدى الإفادة من المنجز الغربي في الفكر الإسلامي، بوصفه مرجعية له، وطبيعة التعامل معه وطبيعة التفاعل بينهما، ومدى حضور الفكر الغربي الحديث في البحث اللغوي الأصولي بعد مسلمة الحضور للبحث التراثي منه، ومدى تأثيره في صياغات الأصوليين المنهجية وتأثيرها في مخرجاتهم.

3. يحاول البحث الكشف عن الموانع والمعوقات المعرفية والأيديولوجية التي تمنع من تبني المناهج الغربية، أو تحدد موقفها منه، فضلا عن بیان الشرط الثقافي الذي حكم النسق الفكري عند الأصوليين، وهو ما يلقي الضوء على أزمة التلقي المعرفي؛ لأن المجال يحتضن علاقة الفكر الغربي يفكر يقوم على ثقافة فاعلة قوامها النص المقدس.

مجال البحث:

بنيت الدراسة على تحديد عيناتها فى الفكر الغربي على المحطات الرئيسية التي يمكن لها الكشف عن طبيعة هذا الفكر برصد أبرز التحولات فيه، وكانت البداية من المنهج المقارن وانتهاء بالتداولية؛ وفضل أن يكون العنوان بـ (الفكر اللغوي الغربي) دون اللساني تجنبًا للدخول في إشكالية التاريخ الحقيقي للسانيات، وبذلك يظهر جليًا استبعاد المنجزات اللغوية الغربية في غير مجال اللغة، كالمساهمات الفلسفية والنفسية مثلا.

أما في مجال أصول الفقه الإسلامي الحديث الذي يعنى بأدلة استنباط المسائل الشرعية، فكانت عينات البحث تبتدئ من خمسينيات القرن الماضي تقريبا، وهي الفترة التي شهدت بدايات وصول البحث اللغوي الغربي إلى الثقافة الإسلامية، فضلا عن كونها شهدت قمة الصراع الفكري بين الثقافتين داخل المجتمع العربي والإسلامي.

ولم تأبه الدراسة بالحدود المذهبية للفكر الأصولي، لأنها لا تشكل متغيرات فاعلة في تحديد بنيته المعرفية إلا في حدود خاصة تكفلت الدراسة بالإشارة إليها ما كانت هناك مناسبة، لذلك كان متن البحث يواشج في استكشاف الرؤية الأصولية بين أعلام لا ينتمون لمذهب واحد كمحمد باقر الصدر وعلي السيستاني وعلي جمعة وعبد الكريم النملة وأحمد الريسوني مثلاً، وحضور الأعلام سيكون بحسب أهمية آرائهم ومدى تحمله للمقاربة أو بحسب وضوح الموقف وبذلك يظهر أننا لا ننوي التقيد بأعلام مخصوصين من الأصوليين، بل ستكون الآراء هي التي تحكم الحضور ويأتي بعد ذلك أصحابها بالتبع من حيث حجم التواجد في مدونة هذا البحث.

ثم إن التغاير والتقارب الذي يعقد بين الفكرين كان المقصود به التقاء الأفكار وتباعدها من حيث التصورات في حد ذاتها، أو بضمها مع غيرها من التصورات التي تخلق رؤية متسقة في مجالها، فضلاً عن طبيعة الموقف الذي يتبناه الأصولي تجاه تلك الأفكار مع عدم غياب الشروط الثقافية والمعرفية والأيديولوجية التي تفرض هيمنتها على بناء التصورات بنحو فاعل ومؤثر.

خطة البحث:
قسمت الدراسة على ثلاثة فصول وتمهيد، تناولت في التمهيد مفهوم التقارب والتغاير وبينت سبب اختيار هذين المصطلحين الإجرائيين دون غيرهما، وحددت أنماطهما التي يمكن أن ترصد في الدراسة، ثم بيان طبيعة البحث في التحولات الفكرية وبيان مفاهيمها بنحو عام بما يسهم في تكوين أدوات يمكن من خلالها وضع محك للمقاربات بين الفكر اللغوي الغربي والفكر الأصولي، ثم تناول التمهيد الأسئلة الإشكالية لعينات الدراسة لتسوية ضبط التقارب والتغاير.

أما الفصل الأول فكان بعنوان الموضوع والمنهج بين الفكر اللغوي الغربي والأصول، بحث فيه طبيعة الموضوع وعلاقته بتحديد المنهج وأسس العلم التي في ضوئها يمكن رصد التطور المعرفي لكلا الطرفين، ومدى انتمائه لمفهوم العلم وسننه، ومن ثم بيان طبيعة الآليات المستعملة في كل منهج بناء على طبيعة موضوعة.

أما الفصل الثاني فكان يبحث في التقارب المعرفي للطبيعة المرجعية بحث فيه مرجعيتان: المرجعية الاجتماعية والمرجعية النفسية، وسلط الضوء على طبيعة الاستفادة منها ومدى الالتزام بها وتأثيراتها في طبيعة البحث.

أما الفصل الثالث فكان يدرس مواقف الأصوليين ومدى تقاربها وتغايرها مع البحث اللغوي الغربي متوخيا بيان غايات حضور البحث اللغوي الغربي عند الأصوليين بنحو عام، ثم بيان الموقف التفصيلي من التصورات الحاضرة، وقد أخذ البحث على عاتقه إيجاد التصور المقارب، ثم بيان موقف الأصولي منها وكيفية تعامله مع تلك التصورات ملتزمين في بسط تلك التصورات ورود التصور اللغوي الغربي في مدونات الأصوليين.

ثم كانت النتائج التي تمخضت عنها الدراسة لإعطاء ما يتبين للباحث من طبيعة التكوين المعرفي للعقل اللغوي الغربي والأصولى.

 

الباحث والمفكر الإسلامي عبد الجبار الرفاعي: مرتضى جليل طاهر أبدع في دراسة التقارب والتغاير بين علم اللغة والأصول 

يقول الأستاذ الرفاعي: ‏أمضيت سنوات طويلة من حياتي في دراسة وتدريس علم أصول الفقه، ونشرت كتابا في مجلدين بعنوان: “محاضرات في أصول الفقه” تكررت طباعته 10 مرات، ‏وهو قيد النشر في طبعة جديدة تصدر عن مؤسسة هنداوي في القاهرة. ‏وكتبت شرحا لكتاب: “كفاية الأصول” في خمسة مجلدات، ما زالت مخطوطة، وشرحا في مجلدين للحلقة الثالثة في علم الأصول ما زال مخطوطا. ‏وكنت وما زلت مهتما بدراسات علم اللغة والألسنيات الحديثة، حتى تكونت لدي مكتبة تتسع للكتب الأساسية في هذا الحقل. كما قرأت من قبل عدة مؤلفات تتحدث عن البحث اللغوي عند الأصوليين، ‏لكن للمرة الأولى أقرأ كتابا يبتكر منهجه ورؤيته ولغته الخاصة ‏لدراسة موارد التطابق والاختلاف بين علم اللغة الحديث والبحث اللغوي عند الأصوليين، ‏حاول الدكتور مرتضى جليل طاهر مؤلف كتاب: “الفكر اللغوي الغربي والأصوليون المحدَثون: دراسة في التقارب والتغاير”، أن يكتشف، بذكاء وتتبع واسع، موارد الاختلاف والتطابق بين الرؤية للغة في علم الأصول ورؤية علم اللغة الحديث. ليس بالضرورة أن أتفق مع النتائج التي انتهى إليها د. مرتضى، لكن عليّ أن أعترف أن كتابته ومعالجاته أبهرتني.

أعرف أن أصول الفقه علم تخصصي يحتاج دارسه سنوات طويلة ينفقها من عمره حتى يستوعبه، ‏فكيف استطاع مرتضى وهو من جيل الشباب أن يستوعب مباحث هذا العلم، بدراية وفهم خبير، مضافا إلى أن علم اللغة الحديث من العلوم التخصصية التي تحتاج إلى دراسة علمية دقيقة لنظرياته والآراء المتنوعة لعلماء اللغة، ايضا استطاع الكاتب أن يدرس هذا العلم ويستوعبه، ويبدي مناقشات وآراء جديرة بالاهتمام فيه.

‏تحية وامتنان وتبجيل للدكتور مرتضى على هذا المنجز المميز، وتحية للجيل الجديد من الباحثات والباحثين في الجامعات العراقية، الذين تزداد ثقتي بإنتاجهم كلما قرأت لهم. 

 

فهرس الكتاب

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky