الاجتهاد: اعتقل جهاز الامن الوطني العراقي مدير أمن النجف الأشرف، (سعدون صبري القيسي) بعد أن تم استدراجه من خارج العراق إلى اربيل وتم التنسيق مع الاقليم في اعتقاله. وتكلم سعدون بوضوح وتفاصيل كاملة عن (تصفية) أية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وشقيقته العلوية بنت الهدى بأمر من مدير الأمن العام فاضل البراك، الذي نفذ بدوره توجيهات صدام حسين بالتخلص من الشهيد الصدر .
وأعترف أنه قتل المرجع السيد الشهيد الصدر (بغدارة) بعد انتهاء التحقيق مع وقد تولى ضابط أخر تصفية شقيقته العلوية بنت الهدى رحمها الله.
إلا أن الباحث الدكتور علي المؤمن* يشكِّك في رواية سعدون القيسي بشأن قتل السيد محمد باقر الصدر “ره” ويقول في صفحته على المواقع التواصل الاجتماعي:
رواية قتل السيد الشهيد محمد باقر الصدر التي كشف عنها سعدون صبري القيسي، أثارت عندي شكوكاً كثيرة واستغراباً حيالها، وقد تضمنت الرواية اعترافه بأنه هو الذي أقدم على قتل الصدر؛ كونه مسؤول الشعبة الخامسة في مديرية الأمن العام. وهذه الرواية فيها تبسيط مخل جداً، وكأنّ السيد الصدر مجرد معتقل عادي وتمت تصفيته بكل بساطة وانسيابية، وفق مزاعم القيسي.
وتتعارض هذه الرواية مع النتائج التي توصلتُ إليها قبل (40) سنة تقريباً، بعد بضع سنوات من المتابعة، وتحديداً خلال الفترة من 1983 إلى 1987، خلال فترة تحضيري لكتاب «سنوات الجمر»، وقد نشرتُ النتائج في الكتاب الصادر في العام 1993. ولعلّي بذلك؛ أول من وثّق عملية قتل السيد محمد باقر الصدر، ووقائعها ومكانها وزمانها وشخوص العملية وأداوتها.
وقد استندتُ في ذلك إلى خمس شهادات، ثلاث منها مباشرة:
1- شهادة السيدة خالدة عبد القهار، السكرتيرة الخاصة لصدام حسين، وقد استمعتُ إليها في طهران عندما لجأت هي وأسرتها إلى إيران في العام 1985، وأقامت لفترة في مجمع اللاجئين العراقيين في مدينة كرج، وقد دونتُ الوقائع بالتفاصيل والجزئيات، باعتبار أن السيدة خالدة كانت حاضرة فيها، وقد شاهدت السيد الصدر والسيدة آمنة وسمعتهما، وسمعت الحوارات بين صدام والصدر، وتلمّست التعذيب داخل القصر الجمهوري. وكانت السيدة خالدة مصدري الرئيس الذي جعلني أطابق الشهادات الأخر معها. واعتقد أن السيدة خالدة موجودة حالياً في أمريكا ويمكن الاستماع إلى شهادتها.
2- شهادة الطبيب الخاص لصدام حسين، وهو مسيحي آشوري، لجأ إلى إيران أيضاً، وكان يقيم في مجمع اللاجئين العراقيين في مدينة كرج، وكانت شهادته مطابقة لكلام السيدة خالدة. ولا أدري إن كان لا يزال حياً؛ لأنه كان خلال العام 1986 في الخمسينات من عمره.
3- تقرير الشيخ صادق الخلخالي، والذي استمعت إليه منه في قم مباشرة أيضاً خلال العام 1983، وذكر بعض التفاصيل التي تجمّعت لديه بناء على تقارير خاصة. وعندما استمعت إلى شهادة السيدة خالدة عبد القهار ورواية أخرى عن السيد محمود دعائي فيما بعد، وجدتهما تتطابقان أيضاً مع رواية الشيخ الخلخالي.
أما الشهادتان غير المباشرتين؛ فهما:
1- شهادة السيد محمد صادق الصدر، ابن عم السيد محمد باقر الصدر ووالد المرجع السيد محمد الصدر، والذي كان الوحيد الحاضر من آل الصدر في الدفن، وقد ذكر آثار التعذيب وحرق لحية الشهيد الصدر وأثر رصاصة في جبينه. وقد نقلتُ شهادته من أحد علماء الدين الذي سمعها منه، وهاجر إلى إيران فيما بعد.
2- شهادة السيد زهير العميدي، الدفان النجفي الذي نقل جثمان السيد الصدر إلى موقعه الثاني، والتي أدلى بها تفصيلاً أكثر من مرة بعد العام 2003، وهي تتعارض أيضاً مع اعترافات سعدون صبري القيسي، لأن السيد زهير شهد بوجود أثر رصاصة على جبين السيد الصدر، وطعنات سكين في صدره، وأن لحيته كانت محروقة، وآثار تعذيب أخرى، وهو نفس ما توصلتُ إليه في توثيقي قبل (40) سنة وما ذكره السيد محمد صادق الصدر ، في حين ذكر القيسي بأنه أطلق الرصاص على صدر السيد الصدر بغدارته.
وثقتي بنتائج توثيقي تعود إلى تطابق الشهادات الخمس أولاً، وإلى أن أصحابها لا يعرفون بعضهم ولم يلتقوا، ولم يسمعوها من مصدر محدد، لأن كلاً منهم يعيش في عالم مختلف، ولذلك لا يمكن تصوُّر أنهم اتفقوا بهذه الشكل على واقعة بعينها. وأنا ربما الوحيد الذي استمعت إليهم جميعاً في أوقات وازمان مختلفة، وجمعت شهاداتهم. وبالتالي؛ كيف أثق بسرديات جلاد مجرم وكذاب محترف، كان عبداً مخلصاً لسيده، وله مصلحة في الكذب والعبث بالتاريخ وتزوير الحقائق، وأكذِّب خمس ثقاة لا مصلحة لهم في الكذب؟!.
أما نسبة سعدون القيسي الجريمة لنفسه؛ فله أسبابه التي لا نعرفها الآن، ويمكن معرفتها بعد تجديد التحقيق معه، ولعل منها التغطية على جريمة سيده صدام حسين، الذي قتل السيد محمد باقر الصدر بيده، وكذلك العبث في التاريخ والاستمرار في تضييع الحقائق، حقداً ولؤماً، وإن بلغ الثمانين من عمره، وأنه أصبح على مقربة من حبل المشنقة. وهذا النوع من إخلاص العبيد لطاغيتهم، وإن كان قد مات، وكذلك الحقد العميق المبالغ فيه على الخصوم، ليس جديداً وغريباً على هؤلاء المسوخ.
ولذلك؛ ينبغي استمرار التحقيق مع القيسي، وبدقة أكبر، لمعرفة حقائق تلك الفترة الدامية المظلمة، وخاصة ما يتعلق بعملية قتل السيد محمد باقر الصدر.
* الدكتور علي المؤمن؛ مفكر إسلامي عراقي وباحث متخصص في الفكر السياسي الإسلامي، مواليد العراق في العام ١٩٦٤ م، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون الدستوري الإسلامي من الجامعة العالمية الإسلامية في لندن، لديه (٢٤) كتاباً مطبوعاً، تُرجم بعضها الى أكثر من لغة، بينها: «سنوات الجمر»، «النظام العالمي الجديد»، «الإسلام والتجديد»، «الغزو الطائفي»، «من المذهبية إلى الطائفية»، «صدمة التاريخ»، «الفقه والسياسة»، «الفقه والدستور»، «النظام السياسي الإسلامي الحديث»، «تجديد الشريعة»، «المستقبلية الإسلامية»، «من المعاصرة إلى المستقبلية»، «الفكر الإسلامي المستقبلي»، «جدليات الدعوة»، «مقاربات في الفكر والثقافة»، «مدخل الى القانون الدستوري الإسلامي»، ولديه أيضاً مئات الدراسات والمقالات المنشورة في الدوريات العربية والأجنبية.
ترأس تحرير عدد من المجلات البحثية والفكرية، كمجلة التوحيد ومجلة المستقبلية ومجلة شؤون مشرقية. كما عمل مديراً لعدد من مراكز الدراسات والمؤسسات الإعلامية والثقافية في لبنان والعراق، كالمركز الإسلامي للدراسات المستقبلية والمجموعة الدولية للدراسات والإعلام ومركز دراسات المشرق العربي، أشرف على عدد من رسائل الدراسات العليا، شارك في عدد كبير من المؤتمرات الدولية في أكثر من خمسة وعشرين بلداً.