خاص الاجتهاد: لم تؤرّخ كتب السيرة النبوية للعديد من أحداث الدعوة الإسلامية تاريخاً يجمع شتى صورها ويستوعب جميع تفصيلاتها، ويستعرض كل جوانب الواقعة الواحدة، ويربط بين الحادثة والأخرى في الأسباب والنتائج، يسلسل بين الحوادث زمنياً.
ولا شكّ في أنّ لهذا دواعي وأسبابًا تستحق البحث والدراسة.
ولعل أبرز الحوادث السياسية التي وقعت في التاريخ الإسلامي ولم تبحث بالصورة التي أشرتُ لها، حادثتا الغدير والسقيفة باعتبار أن ما جرى فيهما بمثابة التأصيل لمنهجين مختلفين لشكل النظام الإسلامي.
فنحن أمام منهجين (نظامين) مختلفين تماماً، أحدها منهج إلهي والآخر إنساني.
منهج الدراسة وهدفها
لا يخفى عليك عزيزي القارئ أنّ التسعين يوماً الأخيرة من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد شهدت العديد من الحوادث المتعاقبة، وأحسب أن هكذا حوادث لا بد من أن تُدْرَس كمنظومة واحدة متسلسلة – لا كحوادث منعزلة فيما بينها – وفي ظلال نصوصها ومحتوياتها، وملابساتها، وظروفها، وفي إطار وثائقها المعتبرة … إلخ.
وبما أن الهدف من الدراسة هو معرفة شكل النظام الإسلامي الذي أقره النبي (صلى الله عليه وآله) من بعده، فالمنهج السليم يقتضي أن يكون محورها أقوال النبي (صلى الله عليه وآله) باعتباره (صلى الله عليه وآله) مبلغ الرسالة، ومؤسس الدولة.
وفي ضوء ما تقدم أرى – من ناحية منهجية – أن تكون الدراسة على الشكل الآتي:
١. دراسة خُطب النبي (صلى الله عليه وآله) والأحداث التي رافقتها وفق تسلسلها الزمني.
٢. دراسة الخُطب والأحداث كمنظومة مترابطة.
٣. تحليل أقوال النبي (صلى الله عليه وآله) في خُطب حجة الوداع.
٤. تحليل ما تخلل الخُطب من أحداث.
ه. تحليل ما جرى من وقائع بعد رجوعه (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة.
ولهذا ستبدو لك الدراسة – عزيزي القارئ – مغايرة في أسلوبها شيئاً ما لمثيلاتها من الدراسات.
الخطة العامة للدراسة
يعتقد غالبية المسلمين أنّ ما عاناه النبي (صلى الله عليه وآله) وكابده من أذى وعوائق وصعوبات في سبيل تبليغ الرسالة كان ماديًا فقط وفي الحقبة المكية فحسب، والواقع خلاف ذلك تماماً، فقد كان (صلى الله عليه وآله) يتعرَّضُ للأذى المعنوي (النفسي) في جميع أيام عمره الشريف، وهو ما سنلاحظه في فصلي الدراسة.
وهذا هو ما صوَّرَهُ الإمام علي (عليه السلام)، في خُطبة له، بقوله: “نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ حَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ وَتَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غصة”(١)
وقول السيدة الزهراء (عليها السلام) في الخُطبة الفدكية يشير إلى هذا المعنى: ( وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلَى مِثْلِ حَرِّ المُدى (٢)، وَوَخْزِ السِّنانِ(۳) فِي الحَشا» (٤).
ويعتقد البعض أن معاناة النبي (صلى الله عليه وآله) كانت نتيجة صراعه المادي مع المشركين واليهود فقط.
في تصوري أن معاناة الرسول (صلى الله عليه وآله) الأكبر كانت في صراعه المعنوي والنفسي مع المنافقين من قريش، منذ الأيام الأولى للبعثة المباركة وحتى وفاته .
وعليه ستكون خطَّةُ الدّراسة مبنيَّةً على قراءة ما قام به النبي (صلى الله عليه وآله) من أعمال في مجابهة هؤلاء المنافقين في سعيه إلى تنفيذ الجزء الأخير من رسالته السماوية والمتمثل في تبليغ فريضة الإمامة (شكل النظام الإسلامي).
تبويب الدراسة:
ارتأيت أن تبوب الدراسة في تمهيد وفصلين.
بينتُ في التمهيد مراد القرآن الكريم من بعض المفاهيم الإسلامية، وكان تحليل خُطب حجّة الوداع وما واكبها من أحداث من نصيب الفصل الأوّل، وجاءت القراءة التحليلية لأهم أربعة أحداث وقعت عقب حجة الوداع في الفصل الثاني.
بقي أن أشير إلى أنّ الفكرة العامة للدراسة هي عبارة عن قراءة في أفكار ورؤى مجموعة من مفكّري الإسلام المعاصرين، حاولت – قدر الطاقة – التوفيق بينها.
التفاصيل:
الكتاب: الغدير أم السقيفة
الكاتب: جواد عبد الهادي الفضلي
الناشر: دار الولاء لصناعة النشر
الترقيم الدولي: 9786144207277
سنة النشر: 2022
اللغة: عربي
عدد الصفحات: 144
عدد الأجزاء: 1