خاص الاجتهاد: كان العالم الشهير الراحل آية الله الحاج حسين راستي الکاشاني من كبار تلامذة الإمام الخميني “قدس سره” في النجف الأشرف. في الحوار الذي نقدم بين يديكم، يشير إلى بعض ذكرياته من سنوات حضور الإمام الخميني في النجف الأشرف. من الجدير بالذكر أن هذه المقابلة أجريت في السبعينيات من القرن الماضي، ويسعدنا تقديمها لكم الآن.
السؤال الأول: يرجى إخبارنا عن متى وكيف تعرفت على الإمام الخميني (قدس سره)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما كنت أدرس في قم، عرفت الإمام الخميني “قدس سره” بشكل عام وموجز من بعيد. بعد أن تشرفت بالحضور إلى النجف، تعرفت عليه بشكل أفضل من خلال الترحيب به هناك. عندما وصل الإمام من تركيا إلى العراق، توقف أولاً في الكاظمية ثم ذهب إلى كربلاء. عندما علمنا أنه ينوي القدوم إلى النجف الأشرف والإقامة هناك، بدأنا أنا وطلاب العلوم الدينية الإيرانيين في التحضير لاستقباله بشكل مهيب. بعد ذلك، وفقت إلى التواصل معه كثيرًا، وبالتالي اكتسبت معرفة أعمق بخصائصه العلمية والشخصية.
لذلك ، كنت في النجف عندما هاجم نظام الشاه مدرسة الفيضية. كيف تم الرد على هذا الحدث في الحوزة العلمية في النجف؟
راستي الكاشاني: عندما وصل خبر هجوم نظام الشاه على المدرسة الفيضية إلى النجف، وعندما عرف طلاب العلوم الدينية الإيرانيين بجريمة وتدنيس حرمة رجال الدين، بدأوا حركة جيدة. عندما تم القبض على الإمام الخميني ثم نفيه، وصلت هذه الحركة إلى ذروتها، وذهب طلاب العلوم الدينية والعلماء إلى بيوت المراجع وطلبوا مساعدتهم. وهكذا دعمت حوزة النجف الإمام وحركته.
كيف؟
راستي الكاشاني: على سبيل المثال، أصدر المرحوم آية الله الشيخ محمد البغدادي بيانًا ضد نظام الشاه. بعد ذلك، أصدر المرحوم آية الله الخوئي بيانًا شديد اللهجة ضد الشاه. قرر عدد من علماء ورجال الدين في النجف أيضًا السفر إلى إيران لدعم الإمام، لكن للأسف لم تتحقق هذه الحركة على الرغم من استعدادنا للسفر إلى طهران مع العلماء.
قيل: إن العلماء تشاوروا فيما بينهم ووصلوا إلى استنتاج مفاده أنهم سيتم القبض عليهم على الحدود وأن دعم حركة الإمام لن يكون أكثر مما تم بالفعل. بالطبع، لم يكن عدم التحرك نحو إيران يعني أن علماء النجف لم يعودوا يدعمون حركة الشعب المسلم الإيراني. في بعض الأحيان، تنشأ مشكلات تجعل طلاب العلوم الدينية الإيرانيين حساسين ويلجأون إلى المراجع.
كما أن المراجع، بالنظر إلى الظروف والمتطلبات الاجتماعية، أحيانًا ما يتخذون موقفًا وأحيانًا لا يتخذون موقفًا. بشكل عام، كان الاهتمام بشؤون إيران في الحوزة العلمية في النجف كبيرًا. على سبيل المثال، بعد فاجعة الفيضية، أقيمت مجالس تأبين لشهداء هذه الواقعة بالتناوب في المدارس الدينية، حيث سعى الجميع إلى تعزيز وإحياء الحركة الإسلامية.
يقال أن نظام الشاه نفي الإمام الخميني إلى النجف الأشرف حتى لا تبدو وتظهر دروس وخطاباته أمام دروس كبار علماء النجف. ما هو تحليلك لهذا التصور؟
راستي الكاشاني: بالنظر إلى قدمة وعظمة حوزة النجف الأشرف وحضور المراجع الكبار هناك، كان نظام الشاه بالتأكيد يعتقد أنه بنفيه الإمام الخميني إلى النجف الأشرف، ستتلاشى شخصيته تحت تأثير كبار علماء هناك ولن يتمكن من التحدث عن النضال والتهييج ضد نظام الشاه وتوجيه الشعب وارشاده، لكن: “على العكس من ذلك، رُبَّما کانَ الدَّواءُ داءً، و الدَّاءُ دَوَاءً؛” وردت خطة نظام الشاه بنتائج عكسية. تم تثبيت مكانة الإمام الخميني في حوزة النجف بشكل جيد. وينعكس ذلك في وثائق السافاك.
هل بدأ الإمام بالتدريس منذ وصوله إلى النجف؟
راستي الكاشاني: لا، بل أدى صلاة الظهر والعصر أولاً في مسجد الشيخ الأنصاري. ثم أقام صلاة جماعة المغرب والعشاء في مسجد المرحوم السيد بروجردي، ثم بدأ بالتدريس تدريجيًا.
في أي درس من دروس الإمام الخميني شاركتم ؟
راستي الكاشاني: في البداية، لم أكن أشارك بشكل منتظم لأنني لم أكن على دراية بمكانته العلمية. ولكن عندما أدركت مكانته العلمية، وجدت دروسه أكثر فائدة. كان هدفي في البداية هو فقط اكتساب المعرفة العلمية والفقهية منه. ولكن عندما أدركت مكانته العلمية والمعنوية، وهي أعلى المناصب والمكانة، آمنت أيضًا بنضاله.
ما هي خصائص تدريس الإمام؟
راستي الكاشاني: أهم سمة لدروس الإمام هي أنه على الرغم من أنه حقق درجات عالية في الفلسفة والحكمة، إلا أنه تصرف أثناء تدريس الفقه كما لو أنه لا يعرف شيئًا عن الفلسفة والعرفان، ويجب التركيز فقط على الآيات والأحاديث الفقهية. نادرًا ما يكون لدى شخص ما معلومات كافية في مجالات مختلفة، ولكن يركز حصريًا على موضوع واحد. هذه كانت سمة الإمام.
ما هي الصفات الشخصية للإمام التي جذبتك إليه إلى هذا الحد؟
راستي الكاشاني: كان للإمام سيطرة كاملة على نفسه ولم يكن يهتم بالدنيا على الإطلاق. لقد سيطر على نفسه تمامًا وتفانى في عبادة الله. كان الإمام يدعو جمهوره دائمًا إلى الله. لم يكن يحب أن يتبعه الناس عندما يذهب إلى مكان ما، وكان يمشي دائمًا بمفرده. من بين السمات البارزة الأخرى للإمام شجاعته واستقلاليته في التفكير وإدارته القوية. كان الإمام يتخذ القرارات بحزم، وعندما كان متأكدًا، لم يكن هناك أي عامل يمكن أن يغير رأيه. حتى أنه لم يسمح للمرحوم السيد مصطفى، الذي كان يحظى بموافقة الإمام من جميع النواحي، بالتدخل في شؤونه واتخاذ القرارات.
ما هو أسلوب تعامل الحكومة العراقية مع الإمام؟
راستي الكاشاني: في البداية، وبما أن العلاقات بين الحكومة العراقية ونظام الشاه لم تكن جيدة، سمحت الحكومة العراقية للمعارضين لنظام إيران، بما في ذلك الإمام الخميني بالعمل بحرية، وقد استفادوا من هذه الفرصة التي أتيحت لهم إلى أقصى حد. شعر نظام الشاه بالخطر من هذا الوضع، وسعى إلى إصلاح علاقاته مع الحكومة العراقية، وطلب منها الضغط على الإمام للتخلي عن نضاله. طالبت الحكومة العراقية الإمام الخميني بعدم إصدار أي بيانات أخرى وعدم إلقاء الخطب ضد الحكومة الإيرانية، واستمرت هذه الضغوط حتى هجرة الإمام من العراق.
أحد أساليب الحكومة العراقية هو إرسال ممثلين أحيانًا للقاء الإمام سرًا، لكن الإمام، الذي كان ذكيًا للغاية ولديه فهم سياسي عالٍ، كان يطلب دائمًا من بعض العلماء حضور هذه الاجتماعات، لأن الحكومة العراقية كانت تنشر دائمًا أكاذيب بعد مثل هذه الاجتماعات، وكان الإمام بهذه الطريقة يحبط خططهم. وكان من بين الحاضرين في هذه الاجتماعات الشهيد آية الله السيد أسد الله مدني.
وأخيرًا؟
راستي الكاشاني: في رأيي، القائد الأعلى هو المفسر الحقيقي لخط الإمام الخميني، ويجب على الناس اتباعه وطاعته في جميع المجالات. في الوقت نفسه، يجب أن يعتبروا، وفقًا لتعليمات الإمام، الانتفاضة الشعبية في الخامس عشر من خرداد يوم الله، ويجب أن يحاولوا فهم رسالة هذه الانتفاضة واستمرارها. يجب على الناس أن يفهموا خط الإمام بشكل صحيح حتى تزداد قوة الثورة يومًا بعد يوم ولا تتعرض لأي ضرر.