الاجتهاد: بين أيديكم عدة قصص ينقلها المرجع الديني آية الله السيد موسى شبيري الزنجاني حول الشيخ المؤسس آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي “ره” في كتاب: من سيرة العلماء للشيخ محسن آل مبارك.
كان الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ” ره” من أهل الفكر، لكن محفوظاته لم تكن قوية جدا. يقول الشيخ الأراكي – عليه الرحمة – كان الشيخ ـ عليه الرحمة ـ يقول: كنا نحضر درس السيد محمد الفشاركي “ره” كان الشيخ النائيني يهتم بضبط المطلب وحفظه، وكنت أهتم بتنقيحه فلو سألت الشيخ النائيني بعد ستة أشهر عن مطلب فإنه ينقله بالضبط، كأنه سمعه أمس!
خضوع علماء قم
عندما جاء الشيخ عبد الكريم الحائري إلى قم سكن في بيت الشيخ مهدي الحكمي، الذي كان من أصحاب سامراء في زمان الميرزا الشيرازي، والميرزا محمد تقي الشيرازي. كان الشيخ أيضًا من أصحاب سامراء فنزل عنده. وجاء إلى زيارته شخصيتان من رؤساء قم: أحدهما الميرزا محمد أرباب، والثاني الشيخ أبو القاسم الكبير عليهما الرحمة.
أما الميرزا محمد أرباب فقد كان من أهل الأملاك، وكان أكبر سنا من الآخرين فكانوا يتواضعون له، وقد درس كثيرون عنده، وهو أكبر من الشيخ الحائري بحوالي ١٥ سنة، وطبقته مقدمة على طبقة الشيخ، وقد كان جامعا للعلوم العقلية والنقلية، وكان زعيما.
وأما الشيخ أبو القاسم فقد كان أيضًا استثنائيا ووجيها في قم وله المقام الأول في التقوى والأخلاق والجهات العلمية.
وقد سمعت قصتين عن هذا اللقاء، ينقلهما حفيد الميرزا محمد الحاج شهاب ووالده الحاج سعيد ابن الميرزا محمد.
أما الحاج شهاب فيقول: حيث كان الرجلان أهلا لأن يتباحثا في المسائل العلمية مع الشيخ، فقد طرحت مسألة علمية وتناقشوا فيها، فلما خرجا قال الميرزا محمد للشيخ أبو القاسم في الطريق:
إن مستوى هذا الشيخ أعلى منا، فلو طلبنا منه البقاء في قم ستصبح حوزة قم حوزة قوية جدا! قال الشيخ أبو القاسم: لقد أردت أن أقول لك هذا الكلام فقال الميرزا أرباب: فلنرجع الآن له. وقد رجعا فعلا وقالا للشيخ : لقد جئنا لنطلب منك هذا الطلب.
إن لهؤلاء العظماء حق كبير على الحوزة هما والسيد صدر الدين الصدر، وبقية العلماء قدموا تضحيات في هذا الطريق. كان الميرزا محمد أرباب – مع أنه أكبر من الشيخ ب ١٥ سنة ـ يتواضع ويتصاغر أمامه!
وأما نقل الحاج سعيد ابن الميرزا محمد، فإنه يقول: في اللقاء الأول لم يعتن والدي بالشيخ كثيرًا. سألوه لماذا لم تحترمه كثيرا؟ قال: يجب أن أرى مستواه العلمي أولا حتى أعامله بما يناسبه. فلما تباحثا فيما بعد وتبينت له مكانة الشيخ وأنه على درجة كبيرة أخذ يتصاغر أمامه بمختلف الأشكال.
سمعت السيد الخميني – عليه الرحمة – يقول: علماء قم هؤلاء كانوا رجالا صالحين، ولذلك سلّموا للشيخ وخضعوا أمامه كل ذلك الخضوع. لو ذهب الشيخ لمكان آخر لم يتواضعوا له ويسلموا بهذا الشكل. لقالوا له: شيخنا لماذا جئت إلى هنا؟! كان علماء قم هؤلاء رجالا ممتازين للغاية.
في ذلك الوقت كان الشيخ أبو القاسم القمي إذا قيل له : (آية الله) يمنع القائل ويقول: آية الله شخص واحد فقط – يقصد الشيخ عبد الكريم الحائري – ولا ينبغي أن تقولوا لنا هكذا.
كان يذهب لزيارة الشيخ في الأعياد والمناسبات، وقد سمعتُ أنه أحيانًا ينظر إلى باب بيت الشيخ ويقول: إن النظر إلى باب العالم عبادة. كل ذلك من أجل تقوية موقف الشيخ عليه الرحمة.
صف قوي أمام المتوجهين للغرب
كان في قم شخص اسمه الحاج الميرزا محمد وكيل، كان من المحترمين ومن أهل الفهم عندما رأيناه لم يكن معمما، لكن لحيته كانت مرتبة، وكان شخصية معروفة.
كان للميرزا محمد أرباب مؤسسة قضائية، وكان الميرزا محمد هذا يتصدى للوكالة فيها. يقول: كنت يوما عند الميرزا محمد ـ عليه الرحمة – فجاء الشيخ عبد الكريم الحائري لزيارته، فقال له الميرزا محمد: إن المستغربين اليوم يشكلون صفا واحدًا مجهزا لنشر ثقافتهم، فيجب علينا نحن العلماء أن نشكل صفا قويًا أمامهم، وهذا ليس في مقدورنا نحن، فقد فقدنا رائحتنا (وهذا تعبيره).
لكن أنت قادر على أن تقوم بهذا العمل، قم بالتصدي لمسؤولية الحوزة، وادفع للطلبة رواتب. قال الشيخ: أنا الآن لا أملك القدرة على ذلك. فقال الميرزا محمد: أنا أقترض من التجار مبلغا يكفى لعدة أشهر.
فبقي الشيخ، وأخذ يدفع الرواتب فجاء الطلاب من المناطق المجاورة وتأسست حوزة قوية من الدرجة الأولى.
إدراك حياة الشيخ
أنا لم أر الشيخ. كنت صغيرًا جدًا حتى أنني كنت في التشييع لا أرى الجنازة. كان عمري تسع سنوات عندما توفي الشيخ. هذا ما أتذكره. كنت قد أكملت تسع سنوات قمرية ولم أكمل تسعا شمسية.
كان الحاج الميرزا عبد الله جهلستوني في ذلك الوقت ساكنا بالقرب من منزلنا، وأتذكر أني رأيته صباح اليوم الذي توفي الشيخ في ليلته خارجًا من بيته مفجوعا ومتأثرًا بشكل خاص، هذا فقط ما أتذكره.
جذابية منبر الشيخ
كان السيّد الكلبيكاني ينقل ذات مرة في بيت السيد الخميني أن كيوان الخطيب المعروف – والذي كان يسحر الناس بكلامه ـ جاء إلى مدينة أراك لترويج الصوفية، فكان يرتقي المنبر ويتكلم في ذلك. فأخذ الشيخ عبد الكريم الحائري (عليه الرحمة) يرتقي المنبر بعد انتهائه من صلاة الجماعة ويرد على الصوفية بشكل جميل جدا، حتى أن كيوان على الرغم من حلاوة خطبه لم يتمكن من البقاء في أراك.
توقف السيل بتربة الإمام الحسين (عليه السلام) السيل. (عليه السلام)
عندما جاء السيل في زمان الشيخ عبد الكريم الحائري – رحمه الله – وإنهدمت بعض الأماكن كنت صغيرًا، كان صوت السيل مهيبا . كان الوالد يدخل ويخرج ويراقب لكي يساعدنا على الفرار فورا عند مجيء السيل. (١)
وقد سمعت فيما بعد أن الشيخ أمر بإلقاء مقدار من التربة الحسينية في السيل فهدأ !
سمعت ذلك من والدتي: أن سيلا عظيما جاء إلى قم فدفع الشيخ الحائري (عليه الرحمة) مقدارًا من تربة الإمام الحسين (عليه السلام) إلى ابنه الشيخ مرتضى ليلقيه في الماء. فلما ألقاها توقف السيل!
طلاب الشيخ
سمعت الميرزا عبد الله المجتهدي – رحمه الله ـ يقول: كان في درس الشيخ اثنان من أفاضل طلبته يقابلهما اثنان آخران: فالسيد الخميني والسيد شريعتمداري من جهة والحاج ميرزا خليل الكمريي والحاج میرزا باقر الكمريي من جهة أخرى.
يقول: الميرزا خليل والميرزا باقر كانا متأثرين بشدة بالحضارة الغربية الجديدة، وكانا يوليانها أهمية كبيرة، لكن السيد الخميني والسيد شريعتمداري لم يتأثرا لتلك الدرجة. كانا على اطلاع على إنجازات تلك الحضارة، لكنهما لم يكونا يقولان ما أعظمهم! وما أضعفنا! فيحقران أنفسهم أمام الأجانب. أما الميرزا خليل والميرزا باقر فقد كانا معجبين جدا بالغربيين.
كلهم كانوا أصدقاء الميرزا المجتهدي. فكان يقارن بين أصدقائه – الذين كانوا تلامذة الشيخ – وقد كان الميرزا عبد الله المجتهدي دقيقا.
الاستخارة
كان الشيخ الحائري – عليه الرحمة – لا يستخير بالقرآن الكريم، وكذلك كان الشيخ الأراكي عليه الرحمة.
كرامة الولادة والبقاء
سمعتُ الشيخ الأراكي يقول: وجود الشيخ عبد الكريم الحائري كان كرامة في بدايته واستمراره، وكان والده اسمه محمد جعفر ولم يُرزق بالولد. كانت لديه امرأة متعة وكان يذهب أحيانًا إليها. كان لتلك المرأة ولد من زوجها السابق، فكانت ترسله إلى بيت خالته ليخلو البيت للشيخ، وذات مرة جاء إلى البيت فسمع بكاء الطفل؛ لأنه لا يريد الذهاب إلى بيت خالته، فانزعج، قال: يا رب ! أنت قادر على أن تعطيني الذرية من زوجتي الدائمة، ولا أكون سبب في بكاء طفل يتيم.
عاد بعد ذلك إلى بيته وحملت زوجته، وهكذا كان بداية مجيء الشيخ إلى الدنيا. كان الشيخ هو الطفل الوحيد لدى والديه، وكان مشاكسًا للغاية في صغره. سمعت أن والدته كانت تقول: الطفل الذي يؤخذ من الباري بالقوة والإصرار لا بد أن يكون هكذا.
أما بالنسبة إلى بقائه فقد كان مدة في كربلاء فرأى في النوم أو بين النوم واليقظة أنه يُقال له: إن عمرك سينتهي بعد عشرة أيام. نسي الشيخ ذلك وفي اليوم العاشر ذهب مع أصدقائه إلى إحدى المزارع وفجأة أصابته رعدة شديدة وكلما غطوه بالملاحف لم يسكن. تذكر الرؤيا، وعرف أنه ذلك اليوم الموعود. وضعوه على حمار وأمسكوه من الجهتين وذهبوا به إلى المنزل ووضعوه في هيئة المحتضر، وفي اللحظات الأخيرة أخذ الشيخ يتوسل بسيد الشهداء بأنني لم أقدم عملا صالحًا ويدي خالية فأعطني فرصةً حتى أقوم بالأعمال الصالحة، بعد ذلك توفي الشيخ فغطوه بقماش خفيف وأخذ المحيطون به يبكون ويصرخون ويستعدون لتكفينه ودفنه.
في ذلك العالم عندما جاؤوا لقبض روح الشيخ رأى الشيخ السقف ينشق فدخل منه شخصان وقالا سيد الشهداء (عليه السلام) يقول: توقفوا عن قبض روحه. قال الملك الموكل بقبض الروح: أنا مأمور بقبض روحه. وبعد قليل جاء سيد الشهداء (عليه السلام) بنفسه، وقال توقف. فتوقف الملك الموكل. عند ذلك حرك الشيخ القماش الموضوع عليه بإصبعه فعرف المحيطون به أنه حي.
الهوامش
(١) الشيخ الأراكي اشتبه في نقل القصة، وقال إن السيل جاء على أثر صلاة الاستسقاء التي صلاها السيد محمد تقي الخونساري، فجاء الشيخ مرتضى وألقى التربة. (السيد)
المصدر: كتاب “من سيرة العلماء على لسان السيد موسى الزنجاني” “دام ظله” للشيخ محسن آل مبارك .
تناول المؤلف ( حفظه الله ) في هذا الكتاب مجموعة من الفوائد التي استفادها من محضر المرجع الكبير السيد موسى الشبيري الزنجاني ( دامت بركاته ) والتي كانت في سِيَر علماء الامامية ومراجعهم والدروس المستفادة من اخلاقياتهم وسلوكهم بالاضافة الى مطالب متنوعة في التاريخ والسياسة والتراجم، وذلك من خلال ذكر 79 عالماً ذُكِرَ لبعضهم اكثر من قصة وموقف فيه حكمة او موعظة او او عِبرة يحتاجها المؤمنون في الاقتداء وحسن البصيرة في الأمور.