الاجتهاد: صدر عن مؤسسة الانتشار العربي (2020) كتاب أبعاد الشخصية النبوية؛ دراسة أصولية في تصرفات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) التشريعية والتدبيرية والخبروية والبشرية. للمفكر الشيخ حسين أحمد الخشن ضمن كتب ثقافة إسلامية متميزة. عدد صفحات الكتاب:480
في هذه الدراسة لن تتناول بالبحث والدرس موقع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الهداية التكوينية ولا مقاماته المعنوية ولا كمالاته الروحية ولا وظائفه الدعوية، فلهذا كله مجال آخر، بل الذي نروم الحديث عنه في هذه الدراسة هو على صلة وثيقة بالهداية التشريعية حيث سنسلط الأضواء على أحوال وأبعاد شخصية النبي (ص) التشريعية والتدبيرية والإرشادية والخبروية وغيرها من الأبعاد التي قد يحصل الخلط بينها وبين شخصيته (صلى الله عليه وآله وسلم) التشريعية.
خطورة الخطأ في المنهج
وعلينا أن ننبه هنا إلى مسألة مهمة، وهي أنه غير خاف على أهل العلم أهمية المنهج الأصولي في عملية الاستنباط، حيث إنه يؤسس للبناء الفقهي برمته، ومن هنا فإن الخطأ في المنهج ستكون له نتائج كبيرة وبالغة التأثير على المجال الفقهي، بخلاف الخلل الواقع في تطبيقات المنهج، فإنها تظل اشتباهات جزئية محدودة التأثير.
وربما تكون واحدة من أكبر الاشتبهات المنهجية التي وقع فيها كثير من الأصوليين والفقهاء هي التعامل مع ما يصدر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنه حجة مطلقاً، تمتد مع الزمان في كل حالاته وأحواله.
إن منشأ هذا الخلل هو أنه سادت في علم الأصول وتالياً في علم الفقه رؤية معينة تنظر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام المعصوم كل من زاوية واحدة، بحيث لا ترى في شخصيته إلا بعداً واحداً، وهو البعد التشريعي الذي يجعله مبلغاً لشرع الله تعالى، وحصلت غفلة كبيرة عن سائر وظائفه وصفاته، وأبعاد شخصيته.
ولا نبالغ بالقول: إنّ من أهمِّ الأبحاث التي لا بد أن يتناولها علم الأصول في زماننا هو البحث عن حدود التشريع في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفعله، وبحثٌ كهذا من المفترض أن يتم التطرق إليه عند الحديث الأصولي عن مرجعية السُّنة.
صحيح أن هذا البحث ربما تجد بعض جذوره في بعض كلمات السابقين، ولكنها تبقى إشارات غير وافية، ولا تتطرق إلى وضع الضوابط والأسس والمعايير لمعرفة ما هو شرعي وما هو غير شرعي من تصرفاته، ومع الأسف، فقد غاب هذا البحث أو يكاد يغيب عن الدراسات الأصولية المتأخرة ولا سيما المعاصرة.
إننا في هذه المقدمة نطرح السؤال التالي: هل إن كل ما يقوله أو يفعله النبي (ص) أو الإمام (عليه السلام) هو شرع واجب الاتباع ؟ وما هي حدود هذه الشرعية؟
قد يبدو هذا التساؤل غريباً، ولكن ستتضح مشروعيته من خلال ما يأتي، والإجابة على هذا التساؤل تحتّم علينا أن نحدد أحوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومهامه وشؤونه وتصرفاته، فإنها ليست على نسقٍ واحد في دلالتها التشريعية.
إن شخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات أبعاد متعددة ومختلفة، فهو رسول، وحاكم، وقاضي، ومرشد، وقبل ذلك هو بشر، ما يعني أن ما يصدر عنه من قول أو فعل قد لا يكون تلقياً عن الوحي، بل قد لا يكون حجة لخروجه عن دائرة الحجية، كما هو الحال في بعض أفعاله الجبلّيّة أو أقواله الإرشادية، وأحياناً أخرى تكون حجيته مؤقتة وليس لها امتداد أزماني، كما في مواقفه وتصرفاته التدبيرية الصادرة عن موقع الولاية والحاكمية والأمرة.
وهذه الدراسة تتكفل بالحديث عن هذه الأبعاد والأحوال والوظائف والمقامات المختلفة في الشخصية النبوية والمعصومة، مع بيان الفوارق بينها، وما يرتبط منها بالتشريع وما لا ربط له به، وسيتيين في ثنايا البحوث الآتية الكثير من النتائج الهامة والفوائد والقواعد الجليلة على هذا الصعيد، إذ بالتمييز بين هذه الأبعاد لتدفع كثير من الإشكالات التي ترد على الشريعة الإسلامية، ويتبين الخلط الكبير الذي وقع فيه البعض بين ما هو تشريع وما ليس كذلك، وحسبان ما ليس من التشريع تشريعاً، ويرتفع الكثير من التعارض الموهوم بين نصوص الشريعة، لأن أحد مناشئ التعارض بين النصوص هو عدم تمييز جهة الصدور عنه والخلط بين وظائفه وشؤونه (صلى الله عليه وآله وسلم) .
أحوال النبي (ص) في نظر الأصوليين والفقهاء
هذا وقد ألمحنا إلى أن بعض الأعلام قد تنبّه إلى تعدد أبعاد الشخصية النبوية، وتتوع أحواله، وضرورة التمييز والفصل بينها، وما ذكر في كلمات بعضهم بشكل صريح هو ثلاثة من الأبعاد المذكورة، وهي البعد التشريعي والبعد التدبيري والبعد القضائي، ومن هؤلاء الأعلام الذين تطرقوا إلى هذه الأبعاد العزين عبد السلام (ت660هـ) في كتابه ( قواعد الأحكام في مصالح الأنام)، وأحمد بن إدريس القراني (ت684هـ) في كتاب (الفروق)، والشهيد الأول محمد بن مكي الجزيني (786هـ) في القواعد والفوائد، وستذكر كلامهم في ثنايا هذه الأبحاث.
بالإضافة إلى الأبعاد الثلاثة المتقدمة، هناك ثلاثة أبعاد أخرى ذكرها غير واحد من الأصوليين في سياقات مختلفة من أبحاث علم الأصول،
أولها: البعد البشري الجبلّي، حيث تطرق إليه بعضهم عند الحديث عن أنواع أفعاله (ص) وتصرفاته، وذكروا بعض الأفعال التي صدرت عنه من موقع الجبلة، كما سنرى لاحقاً.
ثانيها : البعد الخبروي، فقد تمت الإشارة إليه عند الحديث عن اجتهاد النبي (ص)،
وثالثها: البعد الإرشادي، وهذا أيضاً أشير إليه في سباقات أخرى، فهذه سنة من أحواله (ص) وأبعاد شخصيته، تطرق إليها بعض الأعلام في أبحاثهم الأصولية، وقد تمت الإشارة إليها أيضاً في ثنايا الأبحاث الفقهية، ولكن الحديث عن هذه الأبعاد في كلمات هؤلاء الأعلام – على أهميته – لم يكن بشكل مستوفي، وقد لا يتجاوز – أحياناً – الإشارة العابرة على أنه قد غاب عن كلمات معظم الأصوليين والفقهاء، وهو ما دفع الشيخ أحمد محمد شاكر (ت 1958م) إلى الدعوة إلى ضرورة بحث وتحقيق ما أسماء “القاعدة الجليلة والدقيقة التي لم يحققها أحد من المتقدمين، فيما نعلم إلا إن أشار إليها إشارة موجزة”، والقاعدة هي الفرق بين تصرف رسول الله بالفتوى، وبين تصرفه بالإمامة، وبين تصرفه بالقضاء»،
وقد رأى أن هذا “بحث أساسي لدرس الأحاديث والاستدلال بها درساً صحيحاً، فيفرق به بين الأحاديث التي لها صفة العموم، وبين الأحاديث التي جاءت عن رسول الله تصرفاً منه بالإمامة، فليست لها صفة العموم والتشريع.
نبذة عن الكتاب
إن واحداً من أكبر الأخطاء المنهجية التي وقع فيها العقل الأصولي الفقهي في اختزال شخصية النبي (ص) ببعد واحدٍ وهو البعد التشريعي، في غفلة كبيرة عن سائر وظائفه وأبعاد شخصيته.
فهو (ص) ليس مبلغاً للشريعة فحسب، بل هو حاكم وقاضٍ، وخبير ومرشد وقبل ذلك بشر، ما يعني أن ما يصدر عنه من قول أو فعل قد لا يكون تلقياً عن الوحي، بل ربما كان خارجاً عن دائرة الحجية.
كما هو الحال في بعض أفعاله الجبلّية. وقد تكون حجيته مؤقتة وليس لها امتداد زماني ، كما في تصرفاته التدبيرية عن موقع الحاكمية.
إن هذا الكتاب يطرح دراسة أصولية في تصرفات الرسول (ص) التشريعية والتدبيرية والخبروية والبشرية من أجل تبيان تلك الأبعاد المختلفة في الشخصية النبوية، مع بيان الفوارق بينها، وما يرتبط منها بالتشريع وما لايرتبط به، وسيتبين الخلط الكبير الذي وقع فيه العقل الفقهي بحسبان ما ليس من التشريع تشريعاً.
تحميل الكتاب
دراسات أخرى للعلامة الشيخ حسين الخشن في موقع الاجتهاد