لمحة عن المنهجية الأصولية للإمام الخميني

لمحة عن المنهجية الأصولية للإمام الخميني “ره” / الشیخ الدكتور أحمد مبلغي

الاجتهاد: في أيام الذكرى السنوية 43 لرحيل الإمام الخميني العظيم(قدس سره)، استضاف منتدى السيدة المعصومة ضمن برنامج ملتقاه الأسبوعي سماحة الشيخ أحمد مبلغي (حفظه الله)، أستاذ البحث الخارج في الحوزة العلمية والباحث الإسلامي و مدير مركز الدراسات الإسلامية التابع لمجلس الشورى الإسلامي في قم المقدسة متحدثاً عن المنهجية الأصولية عند الإمام الخميني الراحل(قدس سره)،

وهذا تقرير ما تفضل به سماحته:
تمهيد:

نريد أن نعطي لمحة عامة عن منهجية الإمام الخميني(قدس سره) في علم الاصول، وبالتحديد المنهجية الأصولية في تأسيس وتقعيد القواعد.

هذا موضوع حساس ومهم، لأن المنهجية قليلا ما يتم التحدث عنها وفيها إبهامات، نحن فقط تعودنا على تكرار عنوان المنهجية، ولكن ما هي معالم المنهجية؟ وما هي نتائجها؟ وكيف يمكن تطويرها؟ وما هي نقاط الاختلاف بين هذا الفقيه وذاك؟ فكل هذا لا يبحث عنه عادة بشكل علمي ودقيق.

لذا نحن حينما نبتعد عن هذا النوع من البحث العلمي فسوف يترتب الأثر على أصولنا، فعلم الأصول يعاني من التضخم كما قال السيد البروجردي(قدس سره)، والمراد بالتضخم تراكم الأبحاث بعضها فوق بعض وزيادتها باطرادٍ، وحينئذٍ من يريد بلوغ الاجتهاد فسيرى نفسه في بحر عميق لا يستطيع الغوص فيه.

لا طريق لنا للتعامل مع هذه الحالة إلا بالتحقيق في المنهجية الأصولية، قابلت بعض الأشخاص قالوا بأننا حضرنا عدة دورات أصولية، وعندنا تقريرات لتمام ما حضرناه من دورات، ولكننا لا نشعر بالاجتهاد، هذا له أسباب وهي ترك اتباع المنهجية وعدم اتضاح معالمها.

رؤية الإمام الخميني(قدس سره) في الاعتباريات:

الإمام الخميني(قدس سره) له رؤية خاصة في الاعتباريات، وتلك الرؤية جعلته يؤسس منهجية خاصة، ولكن لم تُدرس منهجيته كما ينبغي.

المنهجية تشكل البنية التحتية، ويمكن أن نعبر عنها بـ : وضع الأحكام في الوعاء الاعتباري.

الشارع لم يصنع الوعاء الاعتباري، العقلاء هم الذين أوجدوا هذا الوعاء بسبب اعتباراتهم الكثيرة، هم يصدرون أو يحجمون في هذا العالم على أساس الاعتبارات التي تبانوا عليها في هذا الوعاء، الإمام الخميني(قدس سره) يقول بأنّ الشارع ليس معتبرا على خلاف ما تعودنا عليه من التعبير بـ : اعتبار الشارع.

الشارع يستخدم المقررات العقلائية الثابتة في عالم الاعتبار.

ينبغي الإشارة لشيء طرحه العلامة الطباطبائي(قدس سره)، فهو يقول باستحالة صدور الاعتبار من الشارع، ويذكر لذلك دليلا فلسفياً حاصله: إرادة الله لا تتعلق بالاعتبار، لأنّ الاعتبار وهمٌ ليس حقيقة، فهو وهم يصنعه البشر لتسيير حياتهم، وإرادة الله إنّما تتعلق بالأمور الحقيقية، ووجه عدم تعلق إرادته بالوهميات أنّه صرف الوجود، ولا يصدر من صرف الوجود إلا الوجود.

إذن الله تعالى ليس معتبرا.

وهنا يأتي السؤال: إذا كان كذلك فكيف يمكن أن نسند الشريعة إلى الله؟ مع أن الأحكام الشرعية جميعها اعتبارية؟
الجواب: هذه الاعتبارات نتبعها لتحصيل الكمال، الكمال أمر حقيقي، ولكن الاعتبار نفسه ليس حقيقة.

وبالتدقيق في كلام العلامة الطباطبائي(قدس سره) في الميزان يمكن أن نقول: الله تعالى حينما جعل الأحكام فهو ليس معتبراً، بل هو يعلمنا بما هو مكمون في أنفسنا، ويجعل هذا التعليم في قالب اعتباري.

ولذا العلامة الطباطبائي(قدس سره) يعتقد بالوعاء الاعتباري بهذا المعنى.

وكذا يعتقد السيد الإمام(قدس سره) بالوعاء الاعتباري، ولكن ليس من المنطلق الذي ذكره العلامة الطباطبائي(قدس سره).

الإمام الخميني(قدس سره) يسمي هذا بالإيجاد الاعتباري، والشارع استخدم اعتبارات العقلاء ولم يوجدها.

بعض الفقهاء مثل المحقق الاصفهاني(قدس سره) يقولون: الشارع سيد العقلاء.

والبعض الآخر يقول: الشارع أمضى اعتبار العقلاء.

فكأنهم يريدون أن يقولوا بأن الشارع أيضا أسس الاعتبارات.

ولكن الإمام الخميني لا يقبل هذا.

تأثير هذه الرؤية في المنهجية الأصولية:

إذا انطلقنا من النظرية والرؤية التي ذكرناها للإمام الخميني(قدس سره) فإنها ستؤثر تأثيراً أساسياً، فهي تؤثر في العناصر المنهجية التي تكوّن المنهجية الأصولية، ومنها:

الشارع ليس معدماً للمالية العرفية: فما يعتبره العقلاء مالاً كالخمر والخنزير لا يعدم الشارع ماليته، وإذا حرم بيعه مثلا فإنّه ينفي الآثار المترتبة على المالية، يقول الإمام الخميني(قدس سره): «وليس في وسع الشرع إسقاط المالية العرفية، بل ما هو في وسعه سلب الآثار مطلقاً أو في الجملة، لا سلب اعتبار العرف، فالخمر والخنزير مال عرفاً، أسقط الشارع المقدّس آثار ماليتهما، فلا ضمان في إتلافهما، ولا يصحّ‌ بيعهما… إلى غير ذلك. »[1]…

فحينئذ لو شككنا في مورد في كون المبيع مالا عند الشارع بالمعنى الذي قلناه صح التمسك بالعموم والاطلاق بعد الصدق العرفي.

طبعا هذا ليس عنصراً منهجياً بالنسبة لعلم الأصول، بل هو عنصر يدخل في علم الفقه، ولكني أردت الإشارة والتأكيد على أن الشارع لا يتصرف في اعتبار العقلاء.

في بحث الصحيح والأعم يعتقد الإمام الخميني بالوضع للأعم: نعم استعمالات الشارع في الصحيح لا الأعم، لأنّه يطلب الصلاة الصحيحة لا الأعم منها ومن الفاسدة، المهم هنا أن النتيجة المترتبة على القول بالوضع للأعم هي التمسك بالإطلاقات، يقول الإمام الخميني: جواز التمسك بإطلاق أدلة الإمضاء، إذ لا يعقل رجوع الردع إلى إعدام موضوع أدلة الإنفاذ، لأن موضوعها هو المسببات العقلائية المتقومة باعتبار العقلاء، وليس رفع اعتبارهم تحت قدرة التشريع، فلا مجال فيه للتخصيص الحكمي، ومعه يصح التمسك بالإطلاقات[2].

إذن لو وجدتم أدلة تردع عن بعض الموضوعات التي أمضاها فلا تقولوا أنّ الردع جاء ليعدم الموضوع، بل هو باقٍ على حاله، وثمرة هذا التمسك بإطلاق الأدلة، فهذا لا تعتبروه إزالة للموضوع ولكن اعتبروه تضييقا له.

الملكية مثلا أوجدها العقلاء، والشارع يستفيد منها ويتدخل في مسبباتها وفي آثارها، فيثبت آثارها أحيانا ويمنعها أحيانا أخرى.

الشارع يتدخل إما بإضافة مصداق لمفهوم اعتباري أو بنفي آثار مفهوم اعتباري آخر: والثاني ذكرناه قبل قليل، وأما إضافة المصداق مثل إضافة خيار الحيوان والمجلس فهما تأسيسيان من الشارع، يقول خ الخميني(قدس سره) : ((فحقيقة الخيار شيء واحد؛ هي الحقيقة العرفية في جميع الموارد، وكون خيار المجلس و الحيوان شرعياً، لا عقلائياً، ليس معناه أنّ‌ ماهية الخيار شرعية، بل المراد أنّ‌ الخيار المعهود عند العرف، مجعول شرعاً في هذين الموردين.))[3]

أنا سميت هذا بالتدخل المصداقي، لأنّ الشارع يضيف مصداقاً ولا يتدخل في المفهوم.

طبعاً بناء على ما يقوله العلامة الطباطبائي(قدس سره) يكون تخريج إضافة المصداق أشد صعوبة، لأنّه كما قلنا يرى أن الاعتبار لا يمكن أن يصدر من الله، والبعض حاول المعالجة فقال بأن لله إرادتين: تشريعية وتكوينية، ومن الأولى يصح صدور الاعتبار، ولكن العلامة الطباطبائي يقول بأن الإرادة واحدة.

اشتراط إحراز الردع: لو احتمل وجود الردع عن العمل باعتبار عقلائي معين فمجرد احتمال الردع لا يبطل إمضاء عمل العقلاء بذلك الاعتبار، لأنّ الاعتبار متجذر في حياة العقلاء، وهم يجرون على أساس ما يعتبرونه صباحاً ومساءً كما يعبر الإمام الخميني(قدس سره).

فهل بالإمكان حينئذ أن يردع الشارع من دون تكرار الردع وايصاله للناس بوضوح؟

لا يمكن، الردع ليس مختصا بمجموعة من الرواة، فإذا كان الردع موجها للعقلاء فلابُدّ من إيصاله إليهم، ولابد أن يكون الردع في قالب شفاف يفهمونه.

ولذا لا يعقل اعتماد الشارع على الإطلاقات للردع، وحتى يفهم العقلاء الردع من تكرر صدوره من الشارع حتى يفهمونه بوضوح، ولو تكرر الردع من الشارع لدوّن في التاريخ، ثم وصل إلينا، وحيث لم يصلنا فهو لم يصدر من الشارع.

وهناك عناصر أخرى لا يسمح بها الوقت.

 

[1] كتاب البيع للإمام الخميني، ج3 ص10

[2] وهذا نص عبارة في كتابه مناهج الوصول: «قد يقال: بناءً على كون الأسامي للمسبّبات يشكل الأمر في التمسّك بالإطلاق، لأنّ المسبّب أمره دائر بين الوجود و العدم لا الصحّة و الفساد كما عرفت.

فحينئذٍ لو التزمنا بأن الأدلة الرادعة ترجع إلى نفي الآثار و التخصيص الحكميّ، جاز التمسّك بأدلّة الإمضاء للمسبّبات المعتبرة بنظر العرف، فنأخذ بها حتّى يرد دليل على الردع الراجع إلى عدم ترتيب الأثر على ما لدى العرف، و مع الشكّ في التقييد أو التخصيص كان المرجع هو الإطلاق أو العموم، لكن التخصيص الحكميّ مع إمضاء الموضوع موجب للَّغويّة و مخالف لارتكاز المتشرّعة- كما أشرنا إليه- فلا يمكن التزامه، فلا بدّ من الذهاب إلى رجوع الردع إلى التخصّص و رفع الموضوع و عدم اعتبار المسبّب، فيُشكِل التمسّك بالإطلاق و العموم لدى الشكّ.» مناهج الوصول إلى علم الأصول، ج‏1، ص: 172

[3] كتاب البيع للإمام الخميني(قدس سره)، ج4 ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky